-
دَعْوَةُ اللهِ لِيُونَان
تَكَلَّمَ اللهُ بِكَلِمَتِهِ لِيُونَانَ بْنِ أمِتَّايَ، فَقَالَ:
-
لَكِنَّ يُونَانَ انطَلَقَ لِيَهْرُبَ إلَى تَرْشِيشَ بَعِيدًا عَنْ وَجْهِ اللهِ. فَنَزَلَ إلَى يَافَا، حَيْثُ وَجَدَ سَفِينَةً ذَاهِبَةً إلَى تَرْشِيشَ. فَدَفَعَ أُجرَتَهَا وَرَكِبَ السَّفِينَةَ لِيَذْهَبَ مَعَهُمْ إلَى تَرْشِيشَ بَعِيدًا عَنْ وَجْهِ اللهِ.
-
فَأرْسَلَ اللهُ رِيحًا قَوِيَّةً عَلَى البَحْرِ. فَحَدَثَتْ عَاصِفَةٌ شَدِيدَةٌ، وَبَدَا أنَّ السَّفِينَةَ سَتَتَحَطَّمُ.
-
فَقَالَ لَهُمْ يُونَانُ: «أنَا عِبرَانِيٌّ، أعبُدُ اللهَ، إلَهَ السَّمَاءِ، خَالِقَ البَحْرِ وَاليَابِسَةِ.»
-
فَخَافَ الرِّجَالُ خَوْفًا شَدِيدًا وَقَالُوا لَهُ: «مَا الَّذِي فَعَلْتَهُ؟» لِأنَّهُمْ عَلِمُوا أنَّهُ هَارِبٌ مِنْ وَجْهِ اللهِ، كَمَا أخبَرَهُمْ.
-
فَصَلُّوا إلَى اللهِ وَقَالُوا: «يَا اللهُ، لَا تُحَمِّلنَا ثَمَنَ حَيَاةِ هَذَا الرَّجُلِ، وَمَسؤُولِيَّةَ قَتلِ رَجُلٍ بَرِيءٍ، لِأنَّكَ أنْتَ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ.»
-
وَخَافَ الرِّجَالُ اللهَ خَوْفًا عَظِيمًا، وَذَبَحُوا لَهُ وَقَطَعُوا عُهُودًا.
-
ثُمَّ أرْسَلَ اللهُ سَمَكَةً كَبِيرَةً لِتَبْتَلِعَ يُونَانَ، وَمَكَثَ يُونَانُ فِي بَطنِ السَّمَكَةِ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ.
-
«دَعَوتُ اللهَ مِنْ ضِيقِي فَاسْتَجَابَ لِي! مِنْ أعْمَاقِ الهَاوِيَةِ صَرَختُ، فَسَمِعْتَ صُرَاخِي.
-
«عِنْدَمَا تَعِبْتُ وَفَقَدْتُ كُلَّ أمَلٍ، تَذَكَرتُ اللهَ، وَارتَفَعَتْ صَلَاتِي إلَيْكَ فِي هَيْكَلِكَ المُقَدَّسِ.
-
أمَّا أنَا فَسَأُسَبِّحُكَ وَأحمَدُكَ وَأذبَحُ لَكَ، وَأُوفِي بِنُذُورِي لَكَ. فَمِنَ اللهِ يَأْتِي خَلَاصِي.»
-
عِنْدَئِذٍ أمَرَ اللهُ السَّمَكَةَ فَألْقَتْهُ إلَى اليَابِسَةِ.
-
دَعْوَةُ اللهِ الثَّانِيَةُ لِيُونَان
وَتَكَلَّمَ اللهُ ثَانِيَةً إلَى يُونَانَ وَقَالَ:
-
فَقَامَ يُونَانُ عَلَى الفَوْرِ وَذَهَبَ إلَى نِينَوَى، كَمَا قَالَ اللهُ. وَكَانَتْ نِينَوَى مَدِينَةً كَبِيرَةً وَتَحتَاجُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ لِاجْتِيَازِهَا.
-
وَلِيَلْبَسِ النَّاسُ وَالبَهَائِمُ خَيْشًا، وَلِيُصَلُّوا إلَى اللهِ بِكُلِّ قُوَّتِهُمْ، وَلِيَكُفَّ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ مَسلَكِهِ الشِّرِّيرِ، وَعَنْ ظُلْمِهِ.
-
فَلَعَلَّ اللهَ يَعْدِلُ عَنْ حُكمِهِ، وَيَرْجِعُ عَنْ غَضَبِهِ، فَلَا نَهلِكَ.
-
فَرَأى اللهُ مَا فَعَلُوهُ، وَأنَّهُمْ كَفُّوا عَنْ مَسَالِكِهِمُ الشِرِّيرَةِ، فَعَدَلَ اللهُ عَنْ حُكمِهِ بِخُصُوصِ العِقَابِ الَّذِي قَالَ إنَّهُ سَيُوقِعُهُ بِهِمْ، وَلَمْ يُنَفِّذْهُ.
-
غَضَبُ يُونَانَ بِسَبَبِ رَحْمَةِ الله
فَانْزَعَجَ يُونَانُ كَثِيرًا وَغَضِبَ.
-
وَاشتَكَى يُونَانُ إلَى اللهِ وَقَالَ: «آهِ يَا اللهُ! عَرَفْتُ أنَّ هَذَا سَيَحْدُثُ. فَحِينَ كَلَّمْتَنِي فِي أرْضِي بِأنْ آتِيَ إلَى هُنَا، هَرَبْتُ إلَى تَرْشِيشَ لِأنِّي عَلِمْتُ أنَّكَ إلَهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ وَصَبُورٌ وَمُحِبٌّ، تَعْدِلُ عَنْ العِقَابِ الَّذِي حَكَمْتَ بِهِ.
-
وَالْآنَ يَا اللهُ، أمِتْنِي، فَأنَا أفَضِّلُ المَوْتَ عَلَى الحَيَاةِ!»
-
قَالَ اللهُ: «أيَحِقُّ لَكَ أنْ تَغْضَبَ لِأنِّي لَمْ أُهلِكْ هَؤُلَاءِ النَّاسَ؟»
-
نَبْتَةُ اليَقْطِينِ وَالدُودَة
وَأنبَتَ اللهُ نَبتَةَ يَقْطِينٍ، وَنَمَتْ بِسُرعَةٍ فَوْقَ يُونَانَ لِتُظَلِّلَ رَأسَهُ وَلِتُخَفِّفَ عَلِيهِ انزِعَاجَهُ، فَفَرِحَ يُونَانُ كَثِيرًا بِنَبتَةِ اليَقْطِينِ.
-
لَكِنْ عِنْدَ فَجرِ اليَوْمِ التَّالِي، سَلَّطَ اللهُ دُودَةً عَلَى نَبتَةِ اليَقْطِينِ فَجَفَّتْ.
-
وَعِنْدَمَا ارتَفَعَتِ الشَّمْسُ فِي السَّمَاءِ، سَلَّطَ اللهُ رِيحًا شَرقِيَّةً حَارَّةً، فَاشتَدَّتْ حَرَارَةُ الشَّمْسِ عَلَى رَأسِ يُونَانَ، فَذَبُلَ وَطَلَبَ لِنَفْسِهِ المَوْتَ وَقَالَ: «خَيْرٌ لِي أنْ أموُتَ مِنْ أنْ أحيَا.»
-
فَقَالَ اللهُ لِيُونَانَ: «أيَحِقُّ لَكَ أنْ تَغْضَبَ عَلَى نَبتَةِ اليَقْطِينِ؟» فَقَالَ يُونَانُ: «نَعَمْ، يَحِقُّ لِي أنْ أغضَبَ حَتَّى المَوْتِ!»