كَيْفَ أَصْبَحَتِ الْمَدِينَةُ الآهِلَةُ بِالسُّكَّانِ مَهْجُورَةً وَحِيدَةً؟ صَارَتْ كَأَرْمَلَةٍ! هَذِهِ الَّتِي كَانَتْ عَظِيمَةً بَيْنَ الأُمَمِ. السَّيِّدَةُ بَيْنَ الْمُدُنِ صَارَتْ تَحْتَ الْجِزْيَةِ! تَبْكِي بِمَرَارَةٍ فِي اللَّيْلِ، وَدُمُوعُهَا تَنْهَمِرُ عَلَى خَدَّيْهَا. لَا مُعَزِّيَ لَهَا بَيْنَ مُحِبِّيهَا. غَدَرَ بِها جَمِيِعُ خِلّانِهَا وَأَصْبَحُوا لَهَا أَعْدَاءَ. سُبِيَتْ يَهُوذَا إِلَى الْمَنْفَى بَعْدَ كُلِّ مَا عَانَتْهُ مِنْ ذُلٍّ وَعُبُودِيَّةٍ، فَأَقَامَتْ بَيْنَ الأُمَمِ شَقِيَّةً، وَأَدْرَكَهَا مُطَارِدُوهَا فِي خِضَمِّ ضِيقَاتِهَا. تَنُوحُ الطُّرُقُ الْمُفْضِيَةُ إِلَى صِهْيَوْنَ، لأَنَّهَا أَقْفَرَتْ مِنَ الْقَادِمِينَ إِلَى الأَعْيَادِ! تَهَدَّمَتْ بَوَّابَاتُهَا جَمِيعاً. كَهَنَتُهَا يَتَنَهَّدُونَ؛ عَذَارَاهَا مُتَحَسِّرَاتٌ وَهِيَ تُقَاسِي مُرَّ الْعَذَابِ. أَصْبَحَ أَعْدَاؤُهَا سَادَةً، وَنَجَحَ مُضَايِقُوهَا، لأَنَّ الرَّبَّ أَشْقَاهَا بِسَبَبِ خَطَايَاهَا الْمُتَكَاثِرَةِ. قَدْ ذَهَبَ أَوْلادُهَا إِلَى السَّبْيِ أَمَامَ الْعَدُوِّ. تَعَرَّتْ بِنْتُ صِهْيَوْنَ مِنْ كُلِّ بَهَائِهَا، وَغَدَا أَشْرَافُهَا كَأَيَائِلَ شَارِدَةٍ مِنْ غَيْرِ مَرْعَى. فَرُّوا بِقُوَّةٍ خَائِرَةٍ أَمَامَ الْمُطَارِدِ. تَذَكَّرَتْ أُورُشَلِيمُ فِي أَيَّامِ شَقَائِهَا وَمِحْنَتِهَا جَمِيعَ مَا كَانَتْ تَتَمَتَّعُ بِهِ مِنْ مُشْتَهَيَاتٍ فِي حِقَبِهَا الْغَابِرَةِ. عِنْدَمَا وَقَعَ شَعْبُهَا فِي قَبْضَةِ الْعَدُوِّ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُسْعِفٌ، رَآهَا الْعَدُوُّ صَرِيعَةً وَسَخِرَ لِهَلاكِهَا.

ارْتَكَبَتْ أُورُشَلِيمُ خَطِيئَةً نَكْرَاءَ فَأَصْبَحَتْ رَجِسَةً. جَمِيعُ مُكَرِّمِيهَا يَحْتَقِرُونَهَا لأَنَّهُمْ شَهِدُوا عُرْيَهَا، أَمَّا هِيَ فَتَنَهَّدَتْ وَتَرَاجَعَتِ الْقَهْقَرِيَّ. قَدْ عَلِقَ رِجْسُهَا بِذُيُولِهَا. لَمْ تَذْكُرْ آخِرَتَهَا، لِهَذَا كَانَ سُقُوطُهَا رَهِيباً، وَلا مُعَزِّيَ لَهَا. انْظُرْ يَا رَبُّ إِلَى شَقَائِي لأَنَّ الْعَدُوَّ قَدِ انْتَصَرَ. 10 امْتَدَّتْ يَدُ الْعَدُوِّ إِلَى كُلِّ ذَخَائِرِهَا، وَأَبْصَرَتِ الأُمَمَ يَنْتَهِكُونَ حُرْمَةَ مَقَادِسِهَا. هَؤُلاءِ الَّذِينَ حَظَرْتَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا فِي جَمَاعَتِكَ. 11 شَعْبُهَا كُلُّهُ يَتَنَهَّدُ وَهُوَ يَبْحَثُ عَنِ الْقُوتِ. قَدْ قَايَضُوا ذَخَائِرَهُمْ بِالطَّعَامِ لإِنْعَاشِ النَّفْسِ الْخَائِرَةِ. (وَقَالَتْ:) «انْظُرْ يَا رَبُّ وَتَأَمَّلْ كَيْفَ أَصْبَحْتُ مُحْتَقَرَةً».

12 أَلا يَعْنِيكُمْ هَذَا يَا جَمِيعَ عَابِرِي الطَّرِيقِ؟ تَأَمَّلُوا وَانْظُرُوا، هَلْ مِنْ أَلَمٍ كَأَلَمِي الَّذِي ابْتَلانِي بِهِ الرَّبُّ فِي يَوْمِ احْتِدَامِ غَضَبِهِ؟ 13 مِنَ الْعَلاءِ صَبَّ نَاراً فِي عِظَامِي فَسَرَتْ فِيهَا. نَصَبَ شَرَكاً لِقَدَمَيَّ فَرَدَّنِي إِلَى الْوَرَاءِ. جَعَلَنِي أَطْلالاً أَئِنُّ طُولَ النَّهَارِ. 14 شَدَّ مَعَاصِيَّ إِلَى نِيرٍ، وَبِيَدِهِ حَبَكَهَا، فَنَاءَ بِها عُنُقِي. أَوْهَنَ الرَّبُّ قُوَايَ وَأَسْلَمَنِي إِلَى يَدٍ لَا طَاقَةَ لِي عَلَى مُقَاوَمَتِهَا.

15 بَدَّدَ الرَّبُّ جَمِيعَ جَبَابِرَتِي فِي وَسَطِي، وَأَلَّبَ عَلَيَّ حَشْداً مِنْ أَعْدَائِي لِيَسْحَقُوا شُبَّانِي. دَاسَ الرَّبُّ الْعَذْرَاءَ بِنْتَ صِهْيَوْنَ كَمَا يُدَاسُ الْعِنَبُ فِي الْمِعْصَرَةِ. 16 عَلَى هَذِهِ كُلِّهَا أَبْكِي. عَيْنَايَ، عَيْنَايَ تَفِيضَانِ بِالدُّمُوعِ، إِذِ ابْتَعَدَ عَنِّي كُلُّ مُعَزٍّ يُنْعِشُ نَفْسِي. هَلَكَ أَبْنَائِي لأَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ ظَفِرَ.

17 تَمُدُّ صِهْيَوْنُ يَدَيْهَا تَلْتَمِسُ مُعَزِّياً، وَلَكِنْ عَلَى غَيْرِ طَائِلٍ. قَدْ أَمَرَ الرَّبُّ أَنْ يَكُونَ مُضَايِقُو يَعْقُوبَ هُمْ جِيرَانُهُ الَّذِينَ حَوْلَهُ. قَدْ أَصْبَحَتْ أُورُشَلِيمُ رِجْساً بَيْنَهُمْ. 18 الرَّبُّ حَقّاً عَادِلٌ، وَأَنَا قَدْ تَمَرَّدْتُ عَلَى أَمْرِهِ. فَاسْتَمِعُوا يَا جَمِيعَ الشُّعُوبِ وَاشْهَدُوا وَجَعِي. قَدْ ذَهَبَ عَذَارَايَ وَشُبَّانِي إِلَى السَّبْيِ. 19 دَعَوْتُ مُحِبِّيَّ فَخَدَعُونِي. فَنِيَ كَهَنَتِي وَشُيُوخِي فِي الْمَدِينَةِ وَهُمْ يَنْشُدُونَ قُوتاً لإِحْيَاءِ نُفُوسِهِمْ. 20 انْظُرْ يَا رَبُّ فَإِنِّي فِي ضِيقَةٍ. أَحْشَائِي جَائِشَةٌ وَقَلْبِي مُتَلاطِمٌ فِي دَاخِلِي، لأَنِّي أَكْثَرْتُ التَّمَرُّدَ. هَا السَّيْفُ يُثْكِلُ فِي الْخَارِجِ وَفِي الْبَيْتِ يَسُودُ الْمَوْتُ.

21 قَدْ سَمِعُوا تَنَهُّدِي فَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُعَزٍّ لِي. جَمِيعُ أَعْدَائِي عَرَفُوا بِبَلِيَّتِي فَشَمِتُوا بِمَا فَعَلْتَ بِي. أَسْرِعْ بِيَوْمِ الْعِقَابِ الَّذِي تَوَعَّدْتَ بِهِ فَيَصِيرُوا مِثْلِي. 22 لِيَأْتِ كُلُّ شَرِّهِمْ أَمَامَكَ فَتُعَاقِبَهُمْ كَمَا عَاقَبْتَنِي عَلَى كُلِّ ذُنُوبِي، لأَنَّ تَنَهُّدَاتِي كَثِيرَةٌ وَقَلْبِي مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ.

كَيْفَ خَيَّمَ الرَّبُّ فِي غَضَبِهِ بِالظَّلامِ عَلَى ابْنَةِ صِهْيَوْنَ، وَطَرَحَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ جَلالَ إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَوْطِئَ قَدَمَيْهِ فِي يَوْمِ سُخْطِهِ؟ قَدْ هَدَمَ الرَّبُّ مِنْ غَيْرِ رَحْمَةٍ جَمِيعَ مَسَاكِنِ يَعْقُوبَ. قَوَّضَ بِغَضَبِهِ مَعَاقِلَ ابْنَةِ يَهُوذَا، وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِالْمَمْلَكَةِ وَحُكَّامِهَا، إِذْ سَوَّاهَا بِالأَرْضِ. بَتَرَ فِي احْتِدَامِ غَضَبِهِ كُلَّ قُوَّةِ إِسْرَائِيلَ. رَدَّ يَمِينَهُ إِلَى الْوَرَاءِ أَمَامَ الأَعْدَاءِ، وَاشْتَعَلَ مِثْلَ نَارٍ مُلْتَهِبَةٍ فِي إِسْرَائِيلَ، تَلْتَهِمُ كُلَّ مَا حَوْلَهَا. وَتَّرَ قَوْسَهُ كَعَدُوٍّ. نَصَبَ يَمِينَهُ كَمُبْغِضٍ. ذَبَحَ كَعَدُوٍّ كُلَّ عَزِيزٍ فِي عُيُونِنَا. وَسَكَبَ سُخْطَهُ كَنَارٍ عَلَى خَيْمَةِ ابْنَةِ صِهْيَوْنَ. وَأَصْبَحَ الرَّبُّ كَعَدُوٍّ، فَقَوَّضَ إِسْرَائِيلَ، وَهَدَمَ جَمِيعَ قُصُورِهَا، وَدَمَّرَ حُصُونَهَا، وَأَكْثَرَ النَّوْحَ وَالْعَويِلَ فِي ابْنَةِ صِهْيَوْنَ. نَقَضَ مَظَلَّتَهُ كَمَا يُنْقَضُ كُوخٌ مِنَ الأَغْصَانِ فِي حَدِيقَةٍ، وَرَدَمَ مَقَرَّ مُجْتَمَعِهِ. جَعَلَ الرَّبُّ صِهْيَوْنَ تَنْسَى مَوَاسِمَ أَعْيَادِهَا وَسُبُوتَهَا. وَنَبَذَ بِاحْتِدَامِ سُخْطِهِ الْمَلِكَ وَالْكَاهِنَ. كَرِهَ الرَّبُّ مَذْبَحَهُ، وَتَبَرَّأَ مِنْ مَقْدِسِهِ، وَسَلَّمَ أَسْوَارَ قُصُورِهَا إِلَى يَدِ الأَعْدَاءِ الَّذِينَ عَلا هُتَافُهُمْ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كَمَا كَانَ يَعْلُو هُتَافُنَا فِي الأَعْيَادِ. عَزَمَ الرَّبُّ أَنْ يُقَوِّضَ سُورَ ابْنَةِ صِهْيَوْنَ. مَدَّ خَيْطَ الْقِيَاسِ وَلَمْ يَرُدَّ يَدَهُ عَنْ سَحْقِهَا، فَاسْتَبْكَى الْمِتْرَسَةَ وَالسُّورَ فَسَقَطَا مَعاً. غَاصَتْ فِي الأَرْضِ بَوَّابَاتُهَا، دَمَّرَ وَحَطَّمَ مَزَالِيجَهَا. نَفَى مَلِكَهَا وَرُؤَسَاءَهَا بَيْنَ الأُمَمِ. زَالَتِ الشَّرِيعَةُ، وَلَمْ يَعُدْ أَنْبِيَاؤُهَا يَحْصُلُونَ عَلَى رُؤْيَا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ. 10 يَجْلِسُ شُيُوخُ ابْنَةِ صِهْيَوْنَ عَلَى الأَرْضِ صَامِتِينَ. عَفَّرُوا بِالرَّمَادِ رُؤُوسَهُمْ، وَارْتَدَوْا الْمُسُوحَ، وَطَأْطَأَتْ عَذَارَى أُورُشَلِيمَ رُؤُوسَهُنَّ إِلَى الأَرْضِ. 11 كَلَّتْ عَيْنَايَ مِنَ الْبُكَاءِ، جَاشَتْ أَحْشَائِي وَأُرِيقَتْ كَبِدِي عَلَى الأَرْضِ حُزْناً لِدَمَارِ ابْنَةِ شَعْبِي، لأَنَّ الأَطْفَالَ وَالرُّضَّعَ غُشِيَ عَلَيْهِمْ فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ. 12 يَقُولُونَ لأُمَّهَاتِهِمْ بَاكِينَ: «أَيْنَ الْخُبْزُ وَالْخَمْرُ؟» ثُمَّ يُغْشَى عَلَيْهِمْ كَالْجَرْحَى فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ، حِينَ تُهْرَقُ حَيَاتُهُمْ فِي أَحْضَانِ أُمَّهَاتِهِمْ. 13 بِمَاذَا أُنْذِرُكِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أُشَبِّهُكِ يَا ابْنَةَ أُورُشَلِيمَ؟ بِمَاذَا أُقَارِنُكِ فَأُعَزِّيَكِ أَيَّتُهَا الْعَذْرَاءُ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ؟ إِنَّ خَرَابَكِ عَظِيمٌ كَالْبَحْرِ، فَمَنْ ذَا يُبْرِئُكِ؟

14 رَأَى لَكِ أَنْبِيَاؤُكِ رُؤىً بَاطِلَةً خَادِعَةً. لَمْ يَفْضَحُوا إِثْمَكِ لِيَرُدُّوا سَبْيَكِ. إِنَّمَا رَأَوْا لَكِ وَحْياً كَاذِباً مُضِلاً. 15 كُلُّ عَابِرِي السَّبِيلِ صَفَّقُوا عَلَيْكِ بِالأَيَادِي فَرَحاً. صَفَرُوا وَهَزُّوا رُؤُوسَهُمْ عَلَى ابْنَةِ أُورُشَلِيمَ وَتَسَاءَلُوا: أَهَذِهِ هِيَ الْمَدِينَةُ الَّتِي تُدْعَى كَامِلَةَ الْجَمَالِ وَبَهْجَةَ الأَرْضِ بِأَسْرِهَا؟ 16 قَدْ فَتَحَ جَمِيعُ أَعْدَائِكِ أَفْوَاهَهُمْ. يُصَفِّرُونَ وَيُحَرِّقُونَ الأَسْنَانَ. يَهْتِفُونَ: قَدِ ابْتَلَعْنَاهَا. هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي طَالَ انْتِظَارُنَا لَهُ. قَدْ عِشْنَا وَشَهِدْنَاهُ!

17 نَفَّذَ الرَّبُّ قَضَاءَهُ، وَحَقَّقَ وَعِيدَهُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ مُنْذُ الْحِقَبِ السَّالِفَةِ. هَدَمَ وَلَمْ يَرْأَفْ، فَأَشْمَتَ بِكِ الْخَصْمَ، وَعَظَّمَ قُوَّةَ عَدُوِّكِ. 18 اسْتَغَاثَتْ قُلُوبُهُمْ بِالرَّبِّ. لِتَجْرِ الدُّمُوعُ، يَا أَسْوَارَ ابْنَةِ صِهْيَوْنَ، كَالنَّهْرِ لَيْلاً وَنَهَاراً. لَا تَسْتَكِينِي وَلا تَكُفَّ عَيْنَاكِ عَنِ الْبُكَاءِ. 19 قُومِي وَانْتَحِبِي فِي الرُّبْعِ الأَوَّلِ مِنَ اللَّيْلِ. اسْكُبِي كَالْمَاءِ قَلْبَكِ فِي مَحْضَرِ الرَّبِّ. ارْفَعِي إِلَيْهِ يَدَيْكِ مِنْ أَجْلِ نُفُوسِ أَطْفَالِكِ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجُوعِ عِنْدَ نَاصِيَةِ كُلِّ شَارِعٍ.

20 انْظُرْ يَا رَبُّ وَتَأَمَّلْ! بِمَنْ صَنَعْتَ هَذَا؟ أَعَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَأْكُلْنَ ثَمَرَةَ بُطُونِهِنَّ، وَأَطْفَالَ حَضَانَتِهِنَّ؟ أَيَتَحَتَّمُ عَلَى الْكَاهِنِ وَالنَّبِيِّ أَنْ يُقْتَلا فِي مَقْدِسِ الرَّبِّ؟ 21 قَدِ انْطَرَحَ الصَّبِيُّ وَالشُّيُوخُ فِي غُبَارِ الطُّرُقَاتِ. سَقَطَ عَذَارَايَ وَشُبَّانِي بِالسَّيْفِ. قَدْ قَتَلْتَهُمْ فِي يَوْمِ غَضَبِكَ، وَنَحَرْتَهُمْ مِنْ غَيْرِ رَحْمَةٍ. 22 أَنْتَ دَعَوْتَ، كَمَا فِي يَوْمِ عِيدٍ، مُرَوِّعِيَّ الْمُحِيطِينَ بِي. فَلَمْ يُفْلِتْ وَلَمْ يَنْجُ أَحَدٌ فِي يَوْمِ سُخْطِكَ يَا رَبُّ. قَدْ أَفْنَى عَدُوِّي الَّذِينَ حَضَنْتُهُمْ وَرَبَّيْتُهُمْ.

أَنَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي شَهِدَ الْبَلِيَّةَ الَّتِي أَنْزَلَهَا قَضِيبُ سُخْطِهِ. قَادَنِي وَسَيَّرَنِي فِي الظُّلْمَةِ مِنْ غَيْرِ نُورٍ. حَقّاً إِنَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ عَلَيَّ مَرَّةً تِلْوَ الْمَرَّةِ طُولَ النَّهَارِ. أَبْلَى لَحْمِي وَجِلْدِي. هَشَّمَ عِظَامِي. حَاصَرَنِي وَأَحَاطَنِي بِالْعَلْقَمِ وَالْمَشَقَّةِ. أَسْكَنَنِي فِي الظُّلْمَةِ كَمَوْتَى الْحِقَبِ الْغَابِرَةِ. سَيَّجَ حَوْلِي حَتَّى لَا أُفْلِتَ. أَثْقَلَ عَلَيَّ قُيُودِي. حَتَّى حِينَ أَصْرُخُ وَأَسْتَغِيثُ يَصُدُّ صَلاتِي. قَدْ أَغْلَقَ عَلَيَّ طُرُقِي بِحِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ، وَجَعَلَ مَسَالِكِي مُلْتَوِيَةً. 10 هُوَ لِي كَدُبٍّ مُتَرَبِّصٍ، وَكَأَسَدٍ مُتَرَصِّدٍ فِي مَكْمَنِهِ. 11 أَضَلَّ طُرُقِي وَمَزَّقَنِي إِرْباً. دَمَّرَنِي. 12 وَتَّرَ قَوْسَهُ وَنَصَبَنِي هَدَفاً لِسَهْمِهِ. 13 اخْتَرَقَ كُلْيَتَيَّ بِنِبَالِ جُعْبَتِهِ. 14 صِرْتُ مَثَارَ هُزْءٍ لِشَعْبِي وَأُهْجِيَةً لَهُمُ الْيَوْمَ كُلَّهُ. 15 أَشْبَعَنِي مَرَارَةً، وَأَرْوَانِي أَفْسَنْتِيناً. 16 هَشَّمَ أَسْنَانِي بِالْحَصَى، وَطَمَرَنِي بِالرَّمَادِ. 17 فَتَنَاءَتْ نَفْسِي عَنِ السَّلامِ، وَنَسِيتُ طَعْمَ الْخَيْرَاتِ. 18 فَقُلْتُ: «تَلاشَتْ قُوَّتِي، وَكُلُّ مَا كُنْتُ أَرْجُوهُ مِنَ الرَّبِّ».

19 اُذْكُرْ بَلِيَّتِي وَتَيَهَانِي وَالأَفْسَنْتِينَ وَالْمَرَارَةَ. 20 مَا بَرِحَتْ نَفْسِي تَذْكُرُهَا وَهِيَ مُنْحَنِيَةٌ فِي دَاخِلِي.

21 وَلَكِنْ هَذَا مَا أُنَاجِي بِهِ نَفْسِي، لِذَلِكَ يَغْمُرُنِي الرَّجَاءُ: 22 مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لَا تَزُولُ. 23 تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. فَائِقَةٌ أَمَانَتُكَ. 24 تَقُولُ نَفْسِي: «الرَّبُّ هُوَ نَصِيبِي فَلِذَلِكَ أَرْجُوهُ». 25 الرَّبُّ صَالِحٌ لِمَنْ يَرْجُونَهُ وَلِلنَّفْسِ الَّتِي تَلْتَمِسُهُ. 26 خَيْرٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَنْتَظِرَ بِصَمْتٍ خَلاصَ الرَّبِّ. 27 خَيْرٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَحْمِلَ النِّيرَ فِي حَدَاثَتِهِ. 28 لِيَعْتَكِفْ وَحِيداً فِي صَمْتٍ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ وَضَعَ النِّيرَ عَلَيْهِ. 29 لِيُوَارِ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ تَذَلُّلاً، عَسَى أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ رَجَاءٌ. 30 لِيَبْذُلْ خَدَّهُ لِلاطِمِ، وَيَشْبَعْ تَعْيِيراً. 31 لأَنَّ الرَّبَّ لَا يَنْبِذُ إِلَى الأَبَدِ. 32 فَإِنَّهُ وَلَوْ أَحْزَنَ يَرْأَفُ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ الْفَائِقَةِ. 33 لأَنَّهُ لَا يَتَعَمَّدُ أَنْ يَبْتَلِيَ أَبْنَاءَ الْبَشَرِ بِالْبُؤْسِ وَالأَسَى، 34 وَلا أَنْ يَسْحَقَ أَسْرَى الأَرْضِ تَحْتَ الأَقْدَامِ، 35 وَلا أَنْ يَجُورَ أَحَدٌ عَلَى حُقُوقِ الإِنْسَانِ، أَمَامَ عَيْنَيِ الرَّبِّ الْعَلِيِّ 36 أَوْ أَنْ لَا يُنْصَفَ الإِنْسَانُ فِي دَعْوَاهُ. أَلا يَرَى الرَّبُّ هَذِهِ الأُمُورَ؟