حلم دانيال بالحيوانات الأربعة

فِي السَّنَةِ الأُولَى لِحُكْمِ بَيلْشَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ رَأَى دَانِيَالُ حُلْماً وَرُؤىً، مَرَّتْ بِرَأْسِهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فِي فِرَاشِهِ، فَدَوَّنَ الْحُلْمَ وَحَدَّثَ بِخُلاصَةِ الرُّؤْيَا. قَالَ دَانِيَالُ: شَاهَدْتُ فِي رُؤْيَايَ لَيْلاً، وَإذَا بِأَرْبَعِ رِيَاحِ السَّمَاءِ قَدْ هَجَمَتْ عَلَى الْبَحْرِ الْكَبِيرِ، وَمَا لَبِثَ أَنْ صَعِدَ مِنَ الْبَحْرِ أَرْبعَةُ حَيَوَانَاتٍ عَظِيمَةٍ يَخْتَلِفُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ. فَكَانَ الأَوَّلُ كَالأَسَدِ بِجَنَاحَيْنِ كَجَنَاحَيِ النَّسْرِ. وَبَقِيتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى اقْتُلِعَ جَنَاحَاهُ، وَانْتَصَبَ عَلَى الأَرْضِ وَاقِفاً عَلَى رِجْلَيْنِ كَإِنْسَانٍ، وَأُعْطِيَ عَقْلَ إِنْسَانٍ. وَرَأَيْتُ حَيَوَاناً آخَرَ شَبِيهاً بِالدُّبِّ، قَائِماً عَلَى جَنْبٍ وَاحِدٍ، وَفِي فَمِهِ بَيْنَ أَسْنَانِهِ ثَلاثُ أَضْلُعٍ وَقِيلَ لَهُ: انْهَضْ وَكُلْ لَحْماً كَثِيراً. ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ هَذَا حَيَوَاناً آخَرَ مِثْلَ النَّمِرِ، لَهُ عَلَى ظَهْرِهِ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ كَأَجْنِحَةِ الطَّائِرِ، وَكَانَ لِهَذَا الْحَيَوَانِ أَرْبَعَةُ رُؤُوسٍ، وَفُوِّضَتْ إِلَيْهِ سُلْطَاتٌ. وَشَهِدْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإذَا بِحَيَوَانٍ رَابِعٍ هَائِلٍ وَقَوِيٍّ وَشَدِيدٍ جِدّاً، ذِي أَسْنَانٍ ضَخْمَةٍ مِنْ حَدِيدٍ، افْتَرَسَ وَسَحَقَ وَدَاسَ مَا تَبَقَّى بِرِجْلَيْهِ. وَكَانَ يَخْتَلِفُ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي قَبْلَهُ وَلَهُ عَشَرَةُ قُرُونٍ. وَفِيمَا كُنْتُ أَتَأَمَّلُ الْقُرُونَ إِذَا بِقَرْنٍ آخَرَ صَغِيرٍ نَبَتَ بَيْنَهَا، وَاقْتُلِعَتْ ثَلاثَةُ قُرُونٍ مِنْ أَمَامِهِ، وَكَانَ فِي هَذَا الْقَرْنِ عُيُونٌ كَعُيُونِ الإِنْسَانِ وَفَمٌ يَنْطِقُ بِعَظَائِمَ. وَفِيمَا كُنْتُ أَنْظُرُ، نُصِبَتْ عُرُوشٌ وَاعْتَلَى الأَزَلِيُّ كُرْسِيَّهُ وَكَانَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ، وَعَرْشُهُ لَهِيباً مُتَوَهِّجاً وَعَجَلاتُهُ نَاراً مُتَّقِدَةً. 10 وَمِنْ أَمَامِهِ يَتَدَفَّقُ وَيَجْرِي نَهْرٌ مِنْ نَارٍ، وَتَخْدُمُهُ أُلُوفُ أُلُوفِ الْمَلائِكَةِ، وَيَمْثُلُ فِي حَضْرَتِهِ عَشَرَاتُ الأُلُوفِ. فَانْعَقَدَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَفُتِحَتِ الأَسْفَارُ. 11 وَبَقَيتُ أُرَاقِبُ الْقَرْنَ مِنْ جَرَّاءِ مَا تَفَوَّهَ بِهِ مِنْ عَظَائِمَ، حَتَّى قُتِلَ الْحَيَوَانُ وَتَلِفَ جِسْمُهُ وَطُرِحَ وَقُوداً لِلنَّارِ. 12 أَمَّا سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ فَقَدْ جُرِّدَتْ مِنْ سُلْطَانِهَا، وَلَكِنَّهَا وُهِبَتِ الْبَقَاءَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ لِزَمَنٍ مَا.

13 وَشَاهَدْتُ أَيْضاً فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإذَا بِمِثْلِ ابْنِ الإِنْسَانِ مُقْبِلاً عَلَى سَحَابٍ حَتَّى بَلَغَ الأَزَلِيَّ فَقَرَّبُوهُ مِنْهُ. 14 فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِسُلْطَانٍ وَمَجْدٍ وَمَلَكُوتٍ لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ لَا يَفْنَى، وَمُلْكُهُ لَا يَنْقَرِضُ.

تفسير الحلم

15 أَمَّا أَنَا دَانِيَالَ فَقَدْ ظَهَرَ الْحُزْنُ عَلَى رُوحِي فِي دَاخِلِي وَرَوَّعَتْنِي رُؤَى رَأْسِي. 16 فَاقْتَرَبْتُ مِنْ أَحَدِ الْوَاقِفِينَ أَسْتَفْسِرُ مِنْهُ حَقِيقَةَ الأَمْرِ، فَأَطْلَعَنِي عَلَى مَعْنَى الرُّؤْيَا قَائِلاً: 17 «هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ الأَرْبَعَةُ الْعَظِيمَةُ هِيَ أَرْبَعَةُ مُلُوكٍ يَظْهَرُونَ عَلَى الأَرْضِ. 18 غَيْرَ أَنَّ قِدِّيسِي الْعَلِيِّ يَسْتَوْلُونَ عَلَى الْمَمْلَكَةِ وَيَتَمَلَّكُونَهَا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. 19 حِينَئِذٍ أَرَدْتُ أَنْ أَطَّلِعَ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَيَوَانِ الرَّابِعِ الَّذِي كَانَ يَخْتَلِفُ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، إِذْ كَانَ هَائِلاً جِدّاً ذَا أَسْنَانٍ مِنْ حَدِيدٍ وَمَخَالِبَ مِنْ نُحَاسٍ، وَقَدِ افْتَرَسَ وَسَحَقَ وَدَاسَ مَا تَبَقَّى بِرِجْلَيْهِ. 20 وَعَنِ الْقُرُونِ الْعَشَرَةِ النَّامِيَةِ فِي رَأْسِهِ، وَعَنِ الْقَرْنِ الآخَرِ الصَّغِيرِ الَّذِي نَبَتَ، فَاقْتُلِعَتْ أَمَامَهُ ثَلاثَةُ قُرُونٍ. هَذَا الْقَرْنُ ذُو الْعُيُونِ النَّاطِقُ بِالْعَظَائِمِ وَمَنْظَرُهُ أَشَدُّ هَوْلاً مِنْ رِفَاقِهِ. 21 وَقَدْ شَهِدْتُ هَذَا الْقَرْنَ يُحَارِبُ الْقِدِّيسِينَ وَيَغْلِبُهُمْ. 22 إِلَى أَنْ جَاءَ الأَزَلِيُّ وَانْعَقَدَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ الَّذِي فِيهِ تَبَرَّأَتْ سَاحَةُ قِدِّيسِي الْعَلِيِّ، وَأَزِفَ الْوَقْتُ الَّذِي فِيهِ امْتَلَكُوا الْمَمْلَكَةَ.

23 فَأَجَابَ: إِنَّ الْحَيَوَانَ الرَّابِعَ هُوَ رَمْزٌ لِلْمَمْلَكَةِ الرَّابِعَةِ عَلَى الأَرْضِ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ عَنْ سَائِرِ الْمَمَالِكِ لأَنَّهَا تَسْتَوْلِي عَلَى كُلِّ الأَرْضِ وَتُخْضِعُهَا وَتَسْحَقُهَا. 24 أَمَّا الْقُرُونُ الْعَشَرَةُ مِنْ هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ فَهِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ يَتَوَلَّوْنَهَا، ثُمَّ يَقُومُ بَعْدَهُمْ مَلِكٌ آخَرُ يَخْتَلِفُ عَنِ الْمُلُوكِ السَّالِفِينَ، وَيُخْضِعُ ثَلاثَةَ مُلُوكٍ، 25 وَيُعَيِّرُ الْعَلِيَّ وَيُنَكِّلُ بِقِدِّيسِيهِ، وَيُحَاوِلُ أَنْ يُغَيِّرَ الأَوْقَاتَ وَالْقَوَانِينَ، فَيُذِلُّ الْقِدِّيسيِنَ ثَلاثَ سَنَوَاتٍ وَنِصْفَ السَّنَةِ. 26 وَلَكِنْ يَنْعَقِدُ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ، فَيُجَرَّدُ مِنْ سُلْطَانِهِ فَيُدَمَّرُ وَيَفْنَى إِلَى الْمُنْتَهَى. 27 وَتُوهَبُ الْمَمْلَكَةُ وَالسُّلْطَانُ وَعَظَمَةُ الْمَمَالِكِ الْقَائِمَةِ تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ إِلَى شَعْبِ قِدِّيسِي الْعَلِيِّ، فَيَكُونُ مَلَكُوتُ الْعَلِيِّ مَلَكُوتاً أَبَدِيًّا، وَتَعْبُدُهُ جَمِيعُ السَّلاطِينِ وَيُطِيعُونَهُ. 28 إِلَى هُنَا خِتَامُ الرُّؤْيَا. أَمَّا أَنَا دَانِيَالَ فَقَدْ رَوَّعَتْنِي أَفْكَارِي كَثِيراً وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتِي، وَلَكِنِّي كَتَمْتُ الأَمْرَ فِي قَلْبِي».

رؤيا الكبش والتيس

وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ مُدَّةِ حُكْمِ بَيلْشَاصَّرَ الْمَلِكِ، ظَهَرَتْ لِي أَنَا دَانِيَالَ رُؤْيَا أُخْرَى بَعْدَ الرُّؤْيَا الأُولَى، وَكُنْتُ آنَئِذٍ فِي شُوشَانَ عَاصِمَةِ وِلايَةِ عِيلامَ بِجِوَارِ نَهْرِ أُولايَ، فَرَفَعْتُ عَيْنَيَّ وَإذَا بِي أَرَى كَبْشاً وَاقِفاً عِنْدَ النَّهْرِ، وَلَهُ قَرْنَانِ طَوِيلانِ. إِنَّمَا أَحَدُهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الآخَرِ، مَعَ أَنَّ الأَطْوَلَ نَبَتَ بَعْدَ الأَوَّلِ. وَرَأَيْتُ الْكَبْشَ يَنْطَحُ غَرْباً وَشِمَالاً وَجَنُوباً، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْرُؤَ أَيُّ حَيَوَانٍ عَلَى مُقَاوَمَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُنْقِذٍ مِنْهُ، فَفَعَلَ كَمَا يَحْلُو لَهُ وَعَظُمَ شَأْنُهُ وَبَيْنَمَا كُنْتُ مُتَأَمِّلاً، أَقْبَلَ تَيْسٌ مِنَ الْمَغْرِبِ عَبَرَ كُلَّ الأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهَا. وَكَانَ لِلتَّيْسِ قَرْنٌ بَارِزٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَانْدَفَعَ بِكُلِّ شِدَّةِ قُوَّتِهِ نَحْوَ الْكَبْشِ ذِي الْقَرْنَيْنِ الَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفاً عِنْدَ النَّهْرِ. وَمَا إِنْ وَصَلَ إِلَيْهِ حَتَّى هَجَمَ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ وَحَطَّمَ قَرْنَيْهِ، فَعَجَزَ الْكَبْشُ عَنْ صَدِّهِ. وَطَرَحَهُ التَّيْسُ عَلَى الأَرْضِ وَدَاسَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْكَبْشِ مَنْ يُنْقِذُهُ مِنْ يَدِهِ. فَعَظُمَ شَأْنُ التَّيْسِ. وَعِنْدَمَا اعْتَزَّ انْكَسَرَ الْقَرْنُ الْعَظِيمُ وَنَبَتَ عِوَضاً عَنْهُ أَرْبَعَةُ قُرُونٍ بَارِزَةٍ نَحْوَ جِهَاتِ الأَرْضِ الأَرْبَعِ.

وَنَمَا مِنْ وَاحِدٍ مِنْهَا قَرْنٌ صَغِيرٌ عَظُمَ أَمْرُهُ، وَامْتَدَّ جَنُوباً وَشَرْقاً وَنَحْوَ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، 10 وَبَلَغَ مِنْ عَظَمَتِهِ أَنَّهُ تَطَاوَلَ عَلَى مُلُوكِ الأَرْضِ وَقَضَى عَلَى بَعْضِهِمْ وَدَاسَ عَلَيْهِمْ، 11 وَتَحَدَّى حَتَّى رَئِيسِ الْجُنْدِ (أَيِ اللهِ)، وَتَكَبَّرَ عَلَيْهِ، وَأَلْغَى الْمُحْرَقَةَ الدَّائِمَةَ وَهَدَمَ الْهَيْكَلَ. 12 وَبِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ سُلِّطَ عَلَى جُنْدِ القِدِّيسِينَ وَعَلَى الْمُحْرَقَةِ الْيَوْمِيَّةِ. وَحَالَفَهُ التَّوْفِيقُ فِي كُلِّ مَا صَنَعَ فَطَرَحَ الْحَقَّ عَلى الأَرْضِ. 13 فَسَمِعْتُ قُدُّوساً يَتَكَلَّمُ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِ قُدُّوسٌ آخَرُ: «كَمْ يَطُولُ زَمَنُ الرُّؤْيَا بِشَأْنِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ الْيَوْمِيَّةِ، وَمَعْصِيَةِ الْخَرَابِ، وَتَسْلِيمِ الْهَيْكَلِ وَالْجُنْدِ لِيَكُونُوا مَدُوسِينَ؟» 14 فَأَجَابَهُ: «إِلَى أَلْفَيْنِ وَثَلاثِ مِئَةِ يَوْمٍ ثُمَّ يَتَطَهَّرُ الْهَيْكَلُ».

تفسير الرؤيا

15 وَبَعْدَ أَنْ شَاهَدْتُ أَنَا دَانِيَالَ الرُّؤْيَا وَطَلَبْتُ تَفْسِيراً لَهَا، إِذَا بِشِبْهِ إِنْسَانٍ وَاقِفٍ أَمَامِي. 16 وَسَمِعْتُ صَوْتَ إِنْسَانٍ صَادِراً مِنْ بَيْنِ ضَفَّتَيْ نَهْرِ أُولايَ قَائِلاً: «يَا جِبْرَائِيلُ، فَسِّرْ لِهَذَا الرَّجُلِ الرُّؤْيَا». 17 فَجَاءَ إِلَيَّ حَيْثُ وَقَفْتُ، فَتَوَلَّانِي الْخَوْفُ وَانْطَرَحْتُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ لِي: «افْهَمْ يَا ابْنَ آدَمَ. إِنَّ الرُّؤْيَا تَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْمُنْتَهَى». 18 وَفِيمَا كَانَ يُخَاطِبُنِي وَأَنَا مُكِبٌّ بِوَجْهِي إِلَى الأَرْضِ غَشِيَنِي سُبَاتٌ عَمِيقٌ، فَلَمَسَنِي وَأَنْهَضَنِي عَلَى قَدَمَيَّ، 19 وَقَالَ: «هَا أَنَا أُطْلِعُكَ عَلَى مَا سَيَحْدُثُ فِي آخِرِ حِقْبَةِ الْغَضَبِ، لأَنَّ الرُّوْيَا تَرْتَبِطُ بِمِيعَادِ الانْتِهَاءِ. 20 إِنَّ الْكَبْشَ ذَا الْقَرْنَيْنِ الَّذِي رَأَيْتَهُ هُوَ مُلُوكُ مَادِي وَفَارِسَ. 21 وَالتَّيْسَ الأَشْعَرَ هُوَ مَلِكُ الْيُونَانِ، وَالْقَرْنَ الْعَظِيمَ النَّابِتَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ هُوَ الْمَلِكُ الأَوَّلُ. 22 وَمَا إِنِ انْكَسَرَ حَتَّى خَلَفَهُ أَرْبَعَةٌ عِوَضاً عَنْهُ، تَقَاسَمُوا مَمْلَكَتَهُ وَلَكِنْ لَمْ يُمَاثِلُوهُ فِي قُوَّتِهِ. 23 وَفِي أَوَاخِرِ مُلْكِهِمْ عِنْدَمَا تَبْلُغُ الْمَعَاصِي أَقْصَى مَدَاهَا، يَقُومُ مَلِكٌ فَظٌّ حَاذِقٌ دَاهِيَةٌ، 24 فَيَعْظُمُ شَأْنُهُ، إِنَّمَا لَيْسَ بِفَضْلِ قُوَّتِهِ. وَيُسَبِّبُ دَمَاراً رَهِيباً وَيُفْلِحُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الأَقْوِيَاءِ، وَيَقْهَرُ شَعْبَ اللهِ. 25 وَبِدَهَائِهِ وَمَكْرِهِ يُحَقِّقُ مَآرِبَهُ، وَيَتَكَبَّرُ فِي قَلْبِهِ وَيُهْلِكُ الْكَثِيرِينَ وَهُمْ فِي طُمَأْنِينَةٍ، وَيَتَمَرَّدُ عَلَى رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ لَكِنَّهُ يَتَحَطَّمُ بِغَيْرِ يَدِ الإِنْسَانِ. 26 وَرُؤْيَا الأَلْفَيْنِ وَالثَّلاثِ مِئَةِ يَوْمٍ الَّتِي تَجَلَّتْ لَكَ هِيَ رُؤْيَا حَقٍّ، وَلَكِنِ اكْتُمِ الرُّؤْيَا لأَنَّهَا لَنْ تَتَحَقَّقَ إِلا بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ». 27 فَضَعُفْتُ أَنَا دَانِيَالَ وَنَحَلْتُ أَيَّاماً، ثُمَّ قُمْتُ وَعُدْتُ أُبَاشِرُ أَعْمَالَ الْمَلِكِ. وَرَوَّعَتْنِي الرُّؤْيَا، وَلَمْ أَكُنْ أَفْهَمُهَا.

صلاة دانيال

فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ حُكْمِ دَارِيُّوسَ بْنِ أَحْشَوِيرُوشَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْمَادِيِّينَ، الَّذِي اعْتَلَى عَرْشَ مَمْلَكَةِ الْكَلْدَانِيِّينَ. فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ مُلْكِهِ، أَدْرَكْتُ أَنَا دَانِيَالَ، مِنْ دِرَاسَةِ الأَسْفَارِ الَّتِي دُوِّنَ فِيهَا وَحْيُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا، أَنَّ عَدَدَ السَّنَوَاتِ الَّتِي قُضِيَ بِها عَلَى خَرَابِ أُورُشَلِيمَ هُوَ سَبْعُونَ سَنَةً. فَاتَّجَهْتُ بِنَفْسِي إِلَى السَّيِّدِ الرَّبِّ، أَبْتَهِلُ إِلَيهِ بِالْصَّلاةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ وَالصَّوْمِ وَارْتِدَاءِ الْمَسْحِ وَالتَّعَفُّرِ بِالرَّمَادِ. وَصَلَّيْتُ إِلَى الرَّبِّ إِلَهِي وَاعْتَرَفْتُ قَائِلاً: «أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلَهُ الْعَظِيمُ الْمَهُوبُ، حَافِظُ الْعَهْدِ وَالرَّحْمَةِ لِمُحِبِّيهِ وَعَامِلِي وَصَايَاهُ. إِنَّنَا أَخْطَأْنَا وَأَثِمْنَا وَارْتَكَبْنَا الشَّرَّ، وَتَمَرَّدْنَا وَانْحَرَفْنَا عَنْ وَصَايَاكَ وَأَحْكَامِكَ. وَلَمْ نَسْمَعْ لِعَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ بِاسْمِكَ أَنْذَرُوا مُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَجَمِيعَ شَعْبِ الأَرْضِ. لَكَ أَيُّهَا السَّيِّدُ الْبِرُّ، وَلَنَا الْخِزْيُ، كَمَا هُوَ حَادِثٌ الْيَوْمَ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَلأَهْلِ أُورُشَلِيمَ، وَلِسَائِرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقَرِيبِينَ وَالْبَعِيدِينَ، الْمُشَتَّتِينَ فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ الَّتِي أَجْلَيْتَهُمْ إِلَيْهَا عِقَاباً لَهُمْ عَلَى مَا اقْتَرَفُوهُ مِنْ خِيَانَةٍ فِي حَقِّكَ. فَلَنَا أَيُّهَا السَّيِّدُ الْخِزْيُ، نَحْنُ وَمُلُوكِنَا وَرُؤَسَائِنَا وَآبَائِنَا، لأَنَّنَا أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ. إِنَّمَا لِلرَّبِّ إِلَهِنَا الرَّحْمَةُ وَالْمَغْفِرَةُ لأَنَّنَا عَصَيْنَاكَ. 10 وَلَمْ نُطِعْ صَوْتَ الرَّبِّ إِلَهِنَا لِنَسْلُكَ فِي شَرَائِعِهِ الَّتِي أَعْلَنَهَا لَنَا عَلَى لِسَانِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ. 11 قَدْ تَعَدَّى كُلُّ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ عَلَى شَرِيعَتِكَ، وَانْحَرَفُوا فَلَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَكَ، فَسَكَبْتَ عَلَيْنَا اللَّعْنَةَ وَمَا أَقْسَمْتَ أَنْ تُوْقِعَهُ بِنَا، كَمَا نَصَّتْ عَلَيْهِ شَرِيعَةُ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، لأَنَّنَا أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ. 12 وَقَدْ نَفَّذْتَ قَضَاءَكَ الَّذِي قَضَيْتَ بِهِ عَلَيْنَا وَعَلَى قُضَاتِنَا الَّذِينَ تَوَلَّوْا أَمْرَنَا، جَالِباً عَلَيْنَا وَعَلَى أُورُشَلِيمَ شَرّاً عَظِيماً لَمْ يَحْدُثْ لَهُ مَثِيلٌ تَحْتَ السَّمَاءِ. 13 وَكَمَا وَرَدَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، أَصَابَنَا جَمِيعُ هَذَا الْبَلاءِ، وَلَمْ نَسْتَعْطِفْ وَجْهَكَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا تَائِبِينَ عَنْ آثَامِنَا وَمُتَنَبِّهِينَ لِحَقِّكَ. 14 فَأَضْمَرْتَ لَنَا الْعِقَابَ وَأَوْقَعْتَهُ بِنَا لأَنَّكَ إِلَهُنَا الْبَارُّ فِي كُلِّ أَعْمَالِكَ الَّتِي صَنَعْتَهَا لأَنَّنَا لَمْ نَسْتَمِعْ إِلَيْكَ. 15 وَالآنَ أَيُّهَا السَّيِّدُ إِلَهُنَا، يَا مَنْ أَخْرَجْتَ شَعْبَكَ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ بِقُوَّةٍ مُقْتَدِرَةٍ، وَأَشْهَرْتَ اسْمَكَ كَمَا هُوَ حَادِثٌ الْيَوْمَ، قَدْ أَخْطَأْنَا وَارْتَكَبْنَا الشَّرَّ. 16 فَاصْرِفْ يَا سَيِّدُ، حَسَبَ رَحْمَتِكَ، سَخَطَكَ وَغَضَبَكَ عَنْ مَدِينَتِكَ أُورُشَلِيمَ جَبَلِ قُدْسِكَ إِذْ مِنْ جَرَّاءِ خَطَايَانَا وَآثَامِ آبَائِنَا أَصْبَحَتْ أُورُشَلِيمُ مَثَارَ عَارٍ لَنَا عِنْدَ جَمِيعِ الْمُحِيطِينَ بِنَا. 17 فَأَنْصِتِ الآنَ يَا إِلَهَنَا إِلَى صَلاةِ عَبْدِكَ وَابْتِهَالاتِهِ، وَأَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى هَيْكَلِكَ الْمُتَهَدِّمِ، مِنْ أَجْلِ ذَاتِكَ. 18 أَرْهِفْ أُذُنَكَ يَا إِلَهِي وَاسْتَمِعْ، وَافْتَحْ عَيْنَيْكَ وَشَاهِدْ خَرَائِبَنَا وَالْمَدِينَةَ الَّتِي دُعِيَ اسْمُكَ عَلَيْهَا، فَإِنَّنَا لَا مِنْ أَجْلِ بِرٍّ فِينَا نَرْفَعُ تَضَرُّعَاتِنَا إِلَيْكَ، بَلْ بِفَضْلِ مَرَاحِمِكَ الْعَظِيمَةِ. 19 فَاسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ وَاغْفِرْ. أَصْغِ أَيُّهَا السَّيِّدُ وَتَصَرَّفْ وَلا تُبْطِئ مِنْ أَجْلِ نَفْسِكَ يَا إِلَهِي، لأَنَّ اسْمَكَ دُعِيَ عَلَى مَدِينَتِكَ وَعَلَى شَعْبِكَ».

السبعون أسبوعاً

20 وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُصَلِّي وَأَعْتَرِفُ بِخَطِيئَتِي وَخَطِيئَةِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، وَأَرْفَعُ تَضَرُّعَاتِي أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِي مِنْ أَجْلِ جَبَلِ قُدْسِ إِلَهِي، 21 إِذَا بِالْمَلاكِ جِبْرَائِيلَ الَّذِي عَايَنْتُهُ فِي الرُّؤْيَا فِي الْبَدْءِ، قَدْ طَارَ إِلَيَّ مُسْرِعاً وَلَمَسَنِي، فِي مَوْعِدِ تَقْدِمَةِ الْمَسَاءِ. 22 وَأَفْهَمَنِي قَائِلاً: «يَا دَانِيَالُ قَدْ جِئْتُ لأُعَلِّمَكَ الْفَهْمَ. 23 فَمُنْذُ أَنْ شَرَعْتَ فِي تَضَرُّعَاتِكَ صَدَرَ إِلَيَّ الأَمْرُ لأَجِيءَ إِلَيْكَ وَأُطْلِعَكَ عَلَى مَا تَبْغِي، لأَنَّكَ مَحْبُوبٌ جِدّاً، لِهَذَا تَأَمَّلْ مَا أَقُولُ وَافْهَمِ الرُّؤْيَا. 24 قَدْ صَدَرَ الْقَضَاءُ أَنْ يَمْضِيَ سَبْعُونَ أُسْبُوعاً عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَةِ قُدْسِكَ، لِلانْتِهَاءِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالْقَضَاءِ عَلَى الْخَطِيئَةِ، وَلِلتَّكْفِيرِ عَنِ الإِثْمِ، وَلإِشَاعَةِ الْبِرِّ الأَبَدِيِّ وَخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُوءَةِ وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ. 25 لِهَذَا فَاعْلَمْ وَافْهَمْ أَنَّ الْحِقْبَةَ الْمُمْتَدَّةَ مُنْذُ صُدُورِ الأَمْرِ بِإِعَادَةِ بِنَاءِ أُورُشَلِيمَ إِلَى مَجِيءِ الْمَسِيحِ، سَبْعَةُ أَسَابِيعَ، ثُمَّ اثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعاً يُبْنَى فِي غُضُونِهَا سُوقٌ وَخَلِيجٌ. إِنَّمَا تَكُونُ تِلْكَ أَزْمِنَةَ ضِيقٍ. 26 وَبَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعاً يُقْتَلُ الْمَسِيحُ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ، وَيُدَمِّرُ شَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ الْمَدِينَةَ وَالْقُدْسَ، وَتُقْبِلُ آخِرَتُهَا كَطُوفَانٍ، وَتَسْتَمِرُّ الْحَرْبُ حَتَّى النِّهَايَةِ، وَيَعُمُّ الْخَرَابُ الْمَقْضِيُّ بِهِ. 27 وَيُبْرِمُ عَهْداً ثَابِتاً مَعَ كَثِيرِينَ لِمُدَّةِ أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُ فِي وَسَطِ الأُسْبُوعِ يُبْطِلُ الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ، وَيُقِيمُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ رَجَاسَةَ الْخَرَابِ، إِلَى أَنْ يَتِمَّ الْقَضَاءُ، فَيَنْصَبُّ الْعِقَابُ عَلَى الْمُخَرِّبِ».