الغرض والموضوع

هَذِهِ هِيَ أَمْثَالُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، لِتَعْلِيمِ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، وَإِدْرَاكِ مَعَانِي الْأَقْوَالِ الْمَأْثُورَةِ. وَلِلْحَثِّ عَلَى تَقَبُّلِ التَّأْدِيبِ الْفَطِنِ، وَالْبِرِّ وَالْعَدْلِ وَالاسْتِقَامَةِ. فَيُحْرِزُ الْبُسَطَاءُ فِطْنَةً، وَالأَحْدَاثُ عِلْماً وَبَصِيرَةً. يَسْتَمِعُ إِلَيْهَا الْحَكِيمُ فَيَزْدَادُ حِكْمَةً، وَيَكْتَسِبُ الْفَهِيمُ مَهَارَةً، فِي فَهْمِ الْمَثَلِ وَالْمَعْنَى الْبَلِيغِ وَأَقْوَالِ الْحُكَمَاءِ الْمَأْثُورَةِ وَأَحَاجِيهِمْ. فَإِنَّ مَخَافَةَ الرَّبِّ هِيَ رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ، أَمَّا الْحَمْقَى فَيَسْتَهِينُونَ بِالْحِكْمَةِ وَالتَّأْدِيبِ.

تمهيد: الحث على اقتناء الحكمة

التحذير من الإغواء

اسْتَمِعْ يَا ابْنِي إِلَى تَوْجِيهِ أَبِيكَ وَلا تَتَنَكَّرْ لِتَعْلِيمِ أُمِّكَ. فَإِنَّهُمَا إِكْلِيلُ نِعْمَةٍ يُتَوِّجُ رَأْسَكَ، وَقَلائِدُ تُطَوِّقُ عُنُقَكَ.

10 يَا ابْنِي إِنِ اسْتَغْوَاكَ الْخُطَاةُ فَلا تَقْبَلْ. 11 إِنْ قَالُوا: «تَعَالَ مَعَنَا لِنَتَرَبَّصَ بِالنَّاسِ حَتَّى نَسْفُكَ دِمَاءً أَوْ نَكْمُنَ لِلْبَرِيءِ وَنَقْتُلَهُ لِغَيْرِ عِلَّةٍ. 12 أَوْ قَالُوا لَكَ: تَعَالَ لِنَبْتَلِعَهُمْ أَحْيَاءَ كَمَا تَبْتَلِعُهُمُ الْهَاوِيَةُ وَأَصِحَّاءَ كَالْهَابِطِينَ فِي حُفْرَةِ الْمَوْتِ 13 فَنَغْنَمَ كُلَّ نَفِيسٍ وَنَمْلأَ بُيُوتَنَا بِالأَسْلابِ. 14 ارْبِطْ مَصِيرَكَ بِمَصِيرِنَا، وَلْنَتَقَاسَمْ أَسْلابَنَا بِالتَّسَاوِي». 15 إِنْ قَالُوا لَكَ هَكَذَا فَلا تَسْلُكْ يَا ابْنِي فِي طَرِيقِهِمْ، وَاكْفُفْ قَدَمَكَ عَنْ سَبِيلِهِمْ. 16 لأَنَّ أَرْجُلَهُمْ تَسْعَى حَثِيثاً إِلَى الشَّرِّ، وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ. 17 فَإِنَّهُ عَبَثاً تُنْصَبُ الشَّبَكَةُ عَلَى مَرْأَى الطَّيْرِ. 18 إِنَّمَا هُمْ يَتَرَبَّصُونَ لِسَفْكِ دَمِ أَنْفُسِهِمْ، وَيَكْمُنُونَ لإِهْدَارِ حَيَاتِهِمْ. 19 هَذَا هُوَ مَصِيرُ كُلِّ مَنْ يَثْرَى ظُلْماً، فَإِنَّ الثَّرَاءَ الْحَرَامَ يَذْهَبُ بِحَيَاةِ قَانِيهِ.

التحذير من رفض الحكمة

20 تُنَادِي الْحِكْمَةُ فِي الْخَارِجِ؛ وَفِي الأَسْوَاقِ تَرْفَعُ صَوْتَهَا. 21 عِنْدَ مُفْتَرَقَاتِ الطُّرُقِ الْمُزْدَحِمَةِ تَهْتِفُ، وَفِي مَدَاخِلِ بَوَّابَاتِ الْمَدِينَةِ تُرَدِّدُ أَقْوَالَهَا: 22 «إِلَى مَتَى أَيُّهَا الْجُهَّالُ تَظَلُّونَ مُوْلَعِينَ بِالسَّذَاجَةِ، وَالسَّاخِرُونَ تُسَرُّونَ بِالسُّخْرِيَةِ، وَالْحَمْقَى بِكَرَاهِيَةِ الْمَعْرِفَةِ؟ 23 إِنْ رَجَعْتُمْ عِنْدَ تَوْبِيخِي وَتُبْتُمْ، أَسْكُبْ عَلَيْكُمْ رُوحِي وَأُعَلِّمْكُمْ كَلِمَاتِي.

24 وَلَكِنْ لأَنَّكُمْ أَبَيْتُمْ دَعْوَتِي، وَرَفَضْتُمْ يَدِي الْمَمْدُودَةَ إِلَيْكُمْ، 25 وَتَجَاهَلْتُمْ كُلَّ نَصَائِحِي وَلَمْ تَقْبَلُوا تَوْبِيخِي، 26 فَأَنَا أَيْضاً أَسْخَرُ عِنْدَ مُصَابِكُمْ، وَأَشْمَتُ عِنْدَ حُلُولِ بَلِيَّتِكُمْ. 27 عِنْدَمَا تَجْتَاحُكُمُ الْبَلِيَّةُ كَالْعَاصِفَةِ، وَتَحُلُّ بِكُمُ الْكَارِثَةُ كَالزَّوْبَعَةِ، عِنْدَمَا يَعْتَرِيكُمْ ضِيقٌ وَشِدَّةٌ، 28 حِينَئِذٍ يَسْتَغِيثُونَ بِي فَلا أَسْتَجِيبُ، وَيَلْتَمِسُونَنِي فَلا يَجِدُونَنِي. 29 لأَنَّهُمْ كَرِهُوا الْمَعْرِفَةَ وَلَمْ يُؤْثِرُوا مَخَافَةَ الرَّبِّ، 30 وَتَنَكَّرُوا لِكُلِّ مَشُورَتِي، وَاسْتَخَفُّوا بِتَوْبِيخِي. 31 لِذَلِكَ يَأْكُلُونَ ثِمَارَ أَعْمَالِهِمِ الْمُرَّةَ، وَيَشْبَعُونَ مِنْ عَوَاقِبِ مُؤَامَرَاتِهِمْ 32 لأَنَّ ضَلالَ الحَمْقَى يَقْتُلُهُمْ، وَتَرَفَ الجُهَّالِ يُهْلِكُهُمْ. 33 أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِناً مُطْمَئِنّاً لَا يُصِيبُهُ خَوْفٌ مِنَ الشَّرِّ».

ثواب الحكمة

يَا ابْنِي إِنْ قَبِلْتَ كَلامِي، وَادَّخَرْتَ وَصَايَايَ فِي قَلْبِكَ، وَأَرْهَفْتَ أُذُنَكَ إِلَى الْحِكْمَةِ، وَأَمَلْتَ قَلْبَكَ نَحْوَ الْفَهْمِ، وَإِنْ نَشَدْتَ الْفِطْنَةَ، وَهَتَفْتَ دَاعِياً الْفَهْمَ. إِنِ الْتَمَسْتَهُ كَمَا تُلْتَمَسُ الْفِضَّةُ، وَبَحَثْتَ عَنْهُ كَمَا يُبْحَثُ عَنِ الْكُنُوزِ الدَّفِينَةِ، عِنْدَئِذٍ تُدْرِكُ مَخَافَةَ الرَّبِّ وَتَعْثُرُ عَلَى مَعْرِفَةِ اللهِ، لأَنَّ الرَّبَّ يَهَبُ الْحِكْمَةَ، وَمِنْ فَمِهِ تَتَدَفَّقُ الْمَعْرِفَةُ وَالْفَهْمُ. يَذْخَرُ لِلْمُسْتَقِيمِينَ فِطْنَةً، وَهُوَ تُرْسٌ لِلسَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ. يَرْعَى سُبُلَ الْعَدْلِ، وَيُحَافِظُ عَلَى طَرِيقِ أَتْقِيَائِهِ. حِينَئِذٍ تُدْرِكُ الْعَدْلَ وَالْحَقَّ وَالاسْتِقَامَةَ، وَكُلَّ سَبِيلٍ صَالِحٍ.

فوائد الحكمة

10 إِنِ اسْتَقَرَّتِ الْحِكْمَةُ فِي قَلْبِكَ وَاسْتَلَذَّتْ نَفْسُكَ الْمَعْرِفَةَ، 11 يَرْعَاكَ التَّعَقُّلُ، وَيَحْرُسُكَ الْفَهْمُ. 12 إِنْقَاذاً لَكَ مِنْ طَرِيقِ الشَّرِّ وَمِنَ النَّاطِقِينَ بِالأَكَاذِيبِ. 13 مِنَ الَّذِينَ يَبْتَعِدُونَ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَيَسْلُكُونَ فِي طُرُقِ الظُّلْمَةِ، 14 الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِارْتِكَابِ الْمَسَاوِئِ، وَيَبْتَهِجُونَ بِنِفَاقِ الشَّرِّ، 15 مِنْ ذَوِي الْمَسَالِكِ الْمُلْتَوِيَةِ وَالسُّبُلِ الْمُعْوَجَّةِ. 16 وَإِنْقَاذاً لَكَ مِنَ الْمَرْأَةِ الْغَرِيبَةِ الْمُخَاتِلَةِ الَّتِي تَتَمَلَّقُكَ بِكَلامِهَا، 17 الَّتِي نَبَذَتْ شَرِيكَ صِبَاهَا وَتَنَاسَتْ عَهْدَ إِلَهِهَا. 18 لأَنَّ بَيْتَهَا يَغُوصُ عَمِيقاً إِلَى الْمَوْتِ، وَسُبُلَهَا تُفْضِي إِلَى عَالَمِ الأَرْوَاحِ. 19 كُلُّ مَنْ يَدْخُلُ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُ وَلا يَبْلُغُ سُبُلَ الْحَيَاةِ.

20 لِهَذَا سِرْ فِي طَرِيقِ الأَخْيَارِ، وَاحْفَظْ سَبِيلَ الأَبْرَارِ، 21 لأَنَّ الْمُسْتَقِيمِينَ يَسْكُنُونَ الأَرْضَ، وَالْكَامِلِينَ يَمْكُثُونَ دَائِماً فِيهَا. 22 أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَنْقَرِضُونَ مِنَ الأَرْضِ، وَالْغَادِرُونَ يُسْتَأْصَلُونَ مِنْهَا.

الحكمة طريق الرخاء

يَا ابْنِي لَا تَنْسَ تَعَالِيمِي، وَلْيُرَاعِ قَلْبُكَ وَصَايَايَ. لأَنَّهَا تَمُدُّ فِي أَيَّامِ عُمْرِكَ، وَتَزِيدُكَ سِنِي حَيَاةٍ وَسَلاماً. لَا تَدَعِ الرَّحْمَةَ وَالأَمَانَةَ تَتَخَلَّيَانِ عَنْكَ، بَلْ تَقَلَّدْهُمَا فِي عُنُقِكَ، وَاكْتُبْهُمَا عَلَى صَفْحَةِ قَلْبِكَ، فَتَحْظَى بِالرِّضَى وَحُسْنِ السِّيرَةِ فِي عُيُونِ اللهِ وَالنَّاسِ.

اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فِطْنَتِكَ لَا تَعْتَمِدْ. اعْرِفِ الرَّبَّ فِي كُلِّ طُرُقِكَ وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ.

لَا تَكُنْ حَكِيماً فِي عَيْنَيْ نَفْسِكَ بَلِ اتَّقِ الرَّبَّ وَحِدْ عَنِ الشَّرِّ، فَيَتَمَتَّعَ جَسَدُكَ بِالصِّحَّةِ، وَتَتَمَتَّعَ عِظَامُكَ بِالارْتِوَاءِ. أَكْرِمِ الرَّبَّ مِنْ مَالِكَ، وَمِنْ أَوَائِلِ غَلَّاتِ مَحَاصِيلِكَ. 10 فَتَمْتَلِئَ مَخَازِنُكَ وَفْرَةً، وَتَفِيضَ مَعَاصِرُكَ خَمْراً.

11 يَا ابْنِي لَا تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ وَلا تَكْرَهْ تَوْبِيخَهُ، 12 لأَنَّ مَنْ يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيُسَرُّ بِهِ كَمَا يُسَرُّ أَبٌ بِابْنِهِ.

13 طُوبَى لِلإِنْسَانِ الَّذِي عَثَرَ عَلَى الْحِكْمَةِ وَلِلرَّجُلِ الَّذِي أَحْرَزَ فَهْماً، 14 لأَنَّ مَكَاسِبَهَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَاسِبِ الْفِضَّةِ، وَأَرْبَاحَهَا خَيْرٌ مِنْ أَرْبَاحِ الذَّهَبِ الْخَالِصِ. 15 هِيَ أَثْمَنُ مِنَ الْجَوَاهِرِ، وَكُلُّ نَفَائِسِكَ لَا تُعَادِلُهَا. 16 فِي يَمِينِهَا حَيَاةٌ مَدِيدَةٌ وَفِي يَسَارِهَا غِنىً وَجَاهٌ. 17 طُرُقُهَا طُرُقُ نِعَمٍ، وَدُرُوبُهَا دُرُوبُ سَلامٍ. 18 هِيَ شَجَرَةُ حَيَاةٍ لِمَنْ يَتَشَبَّثُ بِها، وَهَنِيئاً لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِها. 19 بِالْحِكْمَةِ أَسَّسَ الرَّبُّ الأَرْضَ، وَبِالْفِطْنَةِ ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ فِي مَوَاضِعِهَا. 20 بِعِلْمِهِ تَفَجَّرَتِ اللُّجَجُ، وَقَطَرَ السَّحَابُ نَدىً.

21 فَلا تَبْرَحْ يَا ابْنِي هَذِهِ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيْكَ وَاعْمَلْ بِالرَّأْيِ الصَّائِبِ وَالتَّدْبِيرِ. 22 فَيَكُونَ هَذَانِ حَيَاةً لِنَفْسِكَ وَقَلادَةً تُجَمِّلُ عُنُقَكَ. 23 فَتَسْلُكُ آنَئِذٍ فِي طَرِيقِكَ آمِناً وَلا تَتَعَثَّرُ قَدَمُكَ. 24 إِذَا اضْطَجَعْتَ لَا يَعْتَرِيكَ خَوْفٌ، بَلْ تَرْقُدُ مُتَمَتِّعاً بِالنَّوْمِ اللَّذِيذِ. 25 لَا تَفْزَعْ مِنْ بَلِيَّةٍ مُبَاغِتَةٍ، وَلا مِمَّا يَجْرِي عَلَى الأَشْرَارِ مِنْ خَرَابٍ إِذَا حَلَّ بِهِمْ. 26 لأَنَّ الرَّبَّ يَكُونُ مُعْتَمَدَكَ، وَيَصُونُ رِجْلَكَ مِنَ الشَّرَكِ.

27 لَا تَحْجُبِ الإِحْسَانَ عَنْ أَهْلِهِ كُلَّمَا كَانَ فِي وُسْعِكَ أَنْ تَقُومَ بِهِ. 28 لَا تَقُلْ لِجَارِكَ: «اذْهَبِ الآنَ، ثُمَّ عُدْ ثَانِيَةً. غَداً أُعْطِيكَ مَا تَطْلُبُ»، طَالَمَا لَدَيْكَ مَا يَطْلُبُ. 29 لَا تَتَآمَرْ بِالشَّرِّ عَلَى جَارِكَ الْمُقِيمِ مُطْمَئِنّاً إِلَى جُوَارِكَ. 30 لَا تُخَاصِمْ أَحَداً مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ طَالَمَا لَمْ يُؤْذِكَ.

31 لَا تَغَرْ مِنَ الظَّالِمِ وَلا تَخْتَرْ طُرُقَهُ. 32 لأَنَّ الْمُلْتَوِيَ رِجْسٌ لَدَى الرَّبِّ، أَمَّا الْمُسْتَقِيمُونَ فَهُمْ أَهْلُ ثِقَتِهِ. 33 لَعْنَةُ الرَّبِّ تَنْصَبُّ عَلَى بَيْتِ الشِّرِّيرِ، لَكِنَّهُ يُبَارِكُ مَسْكَنَ الصِّدِّيقِ. 34 يَسخَرُ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ السَّاخِرِينَ، وَيُغْدِقُ رِضَاهُ عَلَى الْمُتَوَاضِعِينَ 35 يَرِثُ الْحُكَمَاءُ كَرَامَةً، أَمَّا الْحَمْقَى فَيَرْتَدُونَ الْعَارَ.

مُقَدِّمَة

هَذِهِ أمثَالُ مَلِكِ إسْرَائِيلَ، سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ. قِيلَتْ لِكَي تَعْرِفَ الحِكْمَةَ وَالِانضِبَاطَ، وَتَفْهَمَ التَّعلِيمَ الَّذِي يُسَاعِدُكَ عَلَى التَمييزِ. لِكَي تنَالَ انْضِبَاطًا فِي السُّلُوكِ الحَكِيمِ وَالأمَانةِ وَالعَدلِ وَالِاستِقَامَةِ. قِيلَتْ لِتُعطِيَ الجَاهِلَ تَعَقُّلًا، وَالشَّابَّ مَعْرِفَةً وَحُسْنَ تَدْبِيرٍ. يَسْمَعُهَا الحَكِيمُ فَيَزدَادُ عِلمًا، وَالذَّكِيُّ يَنَالُ إرشَادًا. قِيلَتْ لِتَفْهَمَ الأمثَالَ وَالأُمُورَ الغَامِضَةَ، وَلِتَفْهَمَ أقْوَالَ الحُكَمَاءِ وَألغَازَهُمْ.

خِشيَةُ اللهِ هِيَ أسَاسُ المَعْرِفَةِ، أمَّا الأغبِيَاءُ فَيَكْرَهُونَ الحِكْمَةَ وَالِانْضِبَاطَ وَالتَّهذِيبَ.

وَصَايَا الوَالِدَيْن

اسْمَعْ يَا بُنَيَّ تَهْذِيبَ أبِيكَ، وَلَا تُهمِلْ تَعْلِيمَ أمِّكَ. لِأنَّ تَعَالِيمَهُمَا إكلِيلُ زَهرٍ عَلَى رَأسِكَ، وَقِلَادَةٌ حَوْلَ رَقَبَتِكَ.

10 يَا بُنَيَّ، إنْ أغوَاكَ الخُطَاةُ فَلَا تَسْتَسْلِمْ لِإغْوَائِهِمْ. 11 إنْ قَالُوا لَكَ: «تَعَالَ مَعَنَا لِنُعِدَّ كَمِينًا لِنَقتُلَ أحَدَهُمْ. تَعَالَ لِنَختَبِئَ وَنَقتُلَ بَرِيئًا دُونَ سَبَبٍ. 12 لِنُحَطِّمَهُمْ وَهُمْ أحيَاءٌ كَمَا يَفْعَلُ المَوْتُ، وَنُنْزِلْهُمْ إلَى القَبْرِ وَهُمْ بَكَامِلِ صِحَّتِهِمْ. 13 لِنَسْطُ عَلَى كُلِّ الثَّرَوَاتِ الثَّمِينَةِ، وَنَملأْ بُيُوتَنَا مِنَ المَسرُوقَاتِ. 14 شَارِكْنَا، وَسَنتقَاسَمُ مَا نسرِقُهُ بِالتَّسَاوِي.»

15 فَلَا تَذْهَبْ مَعَهُمْ يَا بُنَيَّ، وَأبعِدْ رِجلَيكَ بَعِيدًا عَنْ طُرُقِهِمْ. 16 لِأنَّ أرجُلَهُمْ تَرْكُضُ إلَى الشَّرِّ، وَتُسرِعُ إلَى القَتلِ.

17 لِأنَّ الشَبَكَةَ الَّتِي تُنصَبُ عَلَى مَرَأى مِنَ الطُّيُورِ لَا فَائدةَ مِنْهَا! 18 يَكْمِنُونَ لِآخَرِينَ لِضَرَرِ أنْفُسِهِم، وَيَخْتَبِئُونَ لِيَقْتُلُوا أنْفُسَهُمْ. 19 هَذَا مَصِيرُ جَمِيعِ الَّذِينَ يَسْعَوَنَ إلَى الكَسْبِ الظَّالِمِ. فَهَذِهِ الطُّرُقُ تَقْتُلُ مَنْ يَسْلُكُونَ بِهَا.

صَوْتُ الحِكْمَة

20 الحِكْمَةُ تُنَادِي فِي الشَّوَارِعِ، وَتَرْفَعُ صَوْتَهَا فِي المَيَادِينِ. 21 وَتَدْعُو فِي الشَّوَارِعِ المُزدَحِمَةِ، وَعَلِى مَدَاخِلِ أبوَابِ المَدِينَةِ تَقُولُ: 22 «إلَى مَتَى أيُّهَا الجُهَّالُ تَتَعَلَّقُونَ بِالجَهلِ؟ وَإلَى مَتَى أيُّهَا المُسْتَهْزِئُونَ سَتُسَرُّونَ بِاسْتِهزَائِكُمْ؟ وَإلَى مَتَى أيُّهَا الحَمْقَى سَتَسْتَمِرُّونَ فِي كُرْهِ المَعْرِفَةِ؟ 23 فَإذَا استَجَبْتُمْ لِتَوْبِيخِي، فَإنَّنِي سَأسكُبُ عَلَيْكُمْ رُوحِي، وَسَأكشِفُ لَكُمْ عَنْ أفكَارِي.

24 «لِأنِّي دَعَوْتُ فَرَفَضْتُمْ الِاسْتِمَاعَ، مَدَدْتُ يَدِي فَلَمْ تَهْتَمُّوا. 25 فَلِأنَّكُمْ أهمَلْتُمْ كُلَّ نَصَائِحِي، وَلَمْ تَقْبَلُوا تَوْبِيخِي، 26 فَإنِّي سَأضحَكُ عِنْدَ مَجِيءِ المَصَائِبِ عَلَيْكُمْ، وَسَأهزَأُ عِنْدَ خَوفِكُمْ. 27 سَيَسْتَوْلِي عَلَيكُمُ الخَوفُ كَعَاصِفَةٍ، وَيَأْتِي دَمَارُكُمْ كَرِيحٍ هُوجَاءَ، وَيَأْتِي عَلَيكُمُ الضِّيقُ وَالألَمُ الشَّدِيدُ.

28 «عِنْدَهَا سَيَدْعُونَنِي وَلَكِنِّي لَنْ أُجِيبَ، وَسَيَبْحَثُونَ عَنِّي وَلَنْ يَجِدُونِي، 29 لِأنَّهُمْ كَرِهُوا المَعْرِفَةَ وَلَمْ يَختَارُوا مَخَافَةَ اللهِ، 30 وَلِأنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا نَصِيحَتِي وَرَفَضُوا تَوْبِيخِي، 31 لِذَلِكَ سَيَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ طَرِيقِهِمْ، وَيَشْبَعُونَ مِنْ خُطَطِهِمُ الشِّرِّيرَةِ.

32 «لِأنَّ تَمَرُّدَ الجُهَّالِ يَقْتُلُهُمْ وَرَاحَةُ الأغبِيَاءِ تُدَمِّرُهُمْ. 33 وَلَكِنْ كُلُّ مَنْ يُصغِي إلَيَّ سَيَعِيشُ آمِنًا وَسَيَسْتَرِيحُ دُونَ خَوفٍ مِنَ الأذَى.»

السَّعْيُ إلَى الحِكْمَة

يَا بُنَيَّ، إنْ قَبِلْتَ كَلِمَاتِي، وَخَبَّأتَ وَصَايَايَ عِنْدَكَ، حَتَّى تَسْتَمِعَ إلَى الحِكْمَةِ، وَتُمِيلَ ذِهنَكَ إلَى الفَهْمِ، إنْ دَعَوتَ التَمييزَ بِإلحَاحٍ، وَرَفَعْتَ صَوْتَكَ فَنَاديتَ الفَهْمَ، إنْ بَحَثْتَ عَنْهَا مِثْلَ بَحثِكَ عَنِ الفِضَّةِ، وَفَتَّشْتَ عَنْهَا مِثْلَ تَفْتِيشِكَ عَنِ الكَنزِ المَخفِيِّ، عِنْدَئِذٍ سَتَفْهَمُ مَهَابَةَ اللهِ، وَسَتَجِدُ مَعْرِفَةَ اللهِ.

لِأنَّ اللهَ يُعْطِي الحِكْمَةَ، وَمِنْ فَمِهِ تَأتِي المَعْرِفَةُ وَالفَهْمُ. يُعْطِي إرْشَادًا وقُدْرَةً للمُسْتَقِيمِينَ، وَيحْمِي الَّذِينَ يَسلُكُونَ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالصَّلَاحِ. يَفْعَلُ هَذَا لِيَحْرُسَ طُرُقَ الحَقِّ، وَيَحْمِي طَرِيقَ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ.

عِنْدَئِذٍ سَتَفْهَمُ البِرَّ وَالعَدْلَ وَالِاسْتَقَامَةَ، وَسَتَفْهَمُ كُلَّ طَرِيقٍ صَالِحٍ. 10 لِأنَّ الحِكْمَةَ سَتَدْخُلُ عَقلَكَ، وَسَتَلَذُّ لَكَ المَعْرِفَةُ.

11 التَّعَقُّلُ سَيَحْفَظُكَ، وَالفَهْمُ سَيَحْمِيكَ. 12 فَتَنْجُو مِنْ طَرِيقِ الشِّرِّيرِ، وَمِنَ الكَاذِبِينَ وَالمُتَكَلِّمِينَ بأُمُورٍ مُنْحَرِفَةٍ، 13 الَّذِينَ تَرَكُوا الصِّدقَ لِيَمْشُوا فِي الطُّرُقِ المُظلِمَةِ، 14 الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِعَمَلِ الشَّرِّ، وَيَبْتَهِجُونَ بِأكَاذِيبِ الشِّرِّيرِ. 15 طُرُقُهُمْ مُلْتَوِيَةٌ وَهُمْ مُعْوَجُّونَ فِي سُبُلِهِمْ. 16 كَمَا تَنْجُو مِنَ المَرْأةِ الَّتِي خَانَتْ زَوْجَهَا، وَمِنَ لِسَانِ الزَّانِيَةِ المَعسُولِ. 17 تَرَكَتْ زَوْجَهَا، رَفِيقَ صِبَاهَا، وَنَسِيَتْ عَهْدَهَا المُقَدَّسَ. 18 لِأنَّ بَيتَهَا فَخٌّ يَقُودُ إلَى المَوْتِ، وَسُبُلَهَا تَقُودُ إلَى الجَحِيمِ. 19 كُلُّ مَنْ يَذْهَبُ إلَيْهَا لَا يَعُودُ. وَلَا يَجِدُ طَرِيقَ الحَيَاةِ مِنْ جَدِيدٍ.

20 الحِكْمَةُ تُعينُكَ لِتَسْلُكَ فِي طَرِيقِ الصَّالِحِينَ، وَتَلْتَزِمَ بِسُبُلِ العَدلِ. 21 لِأنَّ الأُمَنَاءَ سَيَعِيشُونَ فِي أرْضِهِمْ، وَالمُسْتَقِيمِينَ سَيَبْقَوْنَ فِيهَا. 22 أمَّا الأشرَارُ فَسَيُقطَعُونَ مِنْ هَذِهِ الأرْضِ، وَالخَائِنُونَ سيُطرَدُونَ مِنْهَا.

الاتِّكَالُ عَلَى الرَّبّ

يَا بُنَيَّ، لَا تَنْسَ تَعْلِيمِي، بَلِ احفَظْ وَصَايَايَ فِي قَلْبِكَ. لِأنَّهَا سَتَجْعَلُ حَيَاتَكَ طَوِيلَةً وَمَلِيئَةً بِالسَّلَامِ.

تَمَسَّكْ بِالرَّحْمَةِ وَالأمَانَةِ. اربِطْهُمَا حَوْلَ عُنُقِكَ وَاحفَظْهُمَا فِي قَلْبِكَ وَعَقلِكَ. عِنْدَئِذٍ سَتَجِدُ نِعْمَةً وَنَجَاحًا فِي عُيُونِ اللهِ وَالنَّاسِ.

ثِقْ بِاللهِ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَلَا تَتَكِلْ عَلَى فَهمِكَ. اعرِفْهُ فِي كُلِّ سُبُلِكَ، وَهُوَ سَيُمَهِّدُ طُرُقَكَ. لَا تَتَمَسَّكْ بِحِكمَتِكَ، بَلِ اتَّقِ اللهَ وَتَجَنَّبِ الشَّرَّ، فَهَذَا شِفَاءٌ لِصِحَّتِكَ وَدَوَاءٌ لِجَسَدِكَ.

أكرِمِ اللهَ مِنْ مَالِكَ، وَمِنْ أحسَنِ مَحَاصِيلِكَ. 10 وَعِنْدَهَا سَتَمْتَلِئُ مَخَازِنُكَ بِالغَلَّاتِ، وَسَتَفِيضُ مَعَاصِرُكَ نَبِيذًا.

11 يَا بُنَيَّ، لَا تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ اللهِ وَلَا تَكْرَهْ تَوْبِيخَهُ، 12 لِأنَّ اللهَ يُؤَدِّبُ الَّذِي يُحِبُّهُ، كَالأبِ الَّذِي يُحِبُّ ابْنَهُ.

قِيمَةُ الحِكْمَة

13 هَنِيئًا لِلإنْسَانِ الَّذِي يَجِدُ الحِكْمَةَ، وَلِلإنْسَانِ الَّذِي يَنَالُ الفَهْمَ. 14 لِأنَّ التِّجَارَةَ بِالحِكْمَةِ أفْضَلُ مِنَ التِّجَارَةِ بِالفِضَّةِ، وَرِبحُهَا أفْضَلُ مِنْ رِبحِ الذَّهَبِ. 15 هِيَ أغلَى مِنَ اليَاقُوتِ، وَكُلُّ جَوَاهِرِكَ لَا تُقَارَنَ بِهَا.

16 حَيَاةٌ أطوَلُ فِي يَدِهَا اليُمْنَى، وَالغِنَى وَالكَرَامَةُ فِي يَدِهَا اليُسْرَى. 17 طُرُقُهَا مُفرِحَةٌ، وَكُلُّ مَسَالِكِهَا تَقُودُ إلَى السَّلَامِ. 18 وَهِيَ مِثْلُ شَجَرَةِ الحَيَاةِ لِلَّذِينَ يَتَمَسَّكُونَ بِهَا، وَسَيَفْرَحُ مَنْ يَتَشّبَّثُ بِهَا.

19 اللهُ أسَّسَ الأرْضَ بِالحِكْمَةِ، وَبِالفَهْمِ ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ. 20 بِعِلْمِهِ تَفَجَّرَتِ اليَنَابِيعُ مِنَ الأرْضِ، وَأمطَرَتِ الغُيُومُ.

الحِكمَةُ فِي التّعَامِلِ مَعَ الآخَرِين

21 يَا بُنَيَّ، لَا يَغِبْ هَذَانِ الأمْرَانِ عَنْكَ: احفَظِ الحِكْمَةَ السَّلِيمةَ، وَالتَخْطِيطَ المُتَعَقِّلَ. 22 فَهُمَا حَيَاةٌ لِنَفْسِكَ، وَزِينَةٌ لِعُنقِكَ. 23 بِهِمَا سَتَمْشِي فِي طَرِيقِكَ آمِنًا، وَرِجلُكَ لنْ تَزِلَّ. 24 تَضْطَجِعُ مُطمَئِنًّا، وَتَنَامُ مُرتَاحًا فِي سَلَامٍ. 25 لَا تَخْشَى مِنْ أمرٍ مُخِيفٍ يَأْتِي فَجْأةً، وَلَا مِنْ عَاصِفَةِ الشَّرِّ إذَا جَاءَتْ. 26 لِأنَّكَ سَتَثِقُ بِاللهِ، فَيَحْمِيَ رِجلَيكَ مِنَ الفَخِّ.

27 لَا تَمْنَعِ الخَيْرَ عَنِ الَّذِينَ يَحتَاجُونَ إلَيْهِ، عِنْدَمَا تَكُونُ قَادِرًا. 28 لَا تَقُلْ لِصَاحِبِكَ: «عُدْ غَدًا وَسَأُعْطِيكَ،» بَيْنَمَا لَدَيكَ الآنَ.

29 لَا تُخَطِّطْ بِعَمَلِ الشَّرَّ لِصَاحِبِكَ الَّذِي يَسْكُنُ آمِنًا بِجِوَارِكَ.

30 لَا تَتَشَاجَرْ مَعَ أحَدٍ دُونَ سَبَبٍ، وَهُوَ لَمْ يُؤذِكَ.

31 لَا تَحْسِدِ الظَّالِمَ، وَلَا تَقْتَدِ بِهِ. 32 لِأنَّ اللهَ يُبغِضُ الخِدَاعَ، لَكِنَّهُ يُطلِعُ الأُمَنَاءَ عَلَى سِرِّهِ.

33 لَعْنَةُ اللهِ عَلَى بَيْتِ الشِّرِّيرِ، وَيُبَارِكُ بَيْتَ الأبْرَارِ.

34 يَهزأُ بِالهَازِئِينَ، لَكِنَّهُ يُعْطِي نِعْمَتَهُ لِلمُتَوَاضِعِينَ.

35 الحُكَمَاءُ سَيَرِثُونَ كَرَامَةً، أمَّا الحَمْقَى فَالعَارُ نَصِيبُهُمْ.