الله يتكلم

38 ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لأَيُّوبَ مِنَ الْعَاصِفَةِ: «مَنْ ذَا الَّذِي يُظْلِمُ الْقَضَاءَ بِكَلامٍ مُجَرَّدٍ مِنَ الْمَعْرِفَةِ؟ اشْدُدْ حَقَوَيْكَ كَرَجُلٍ لأَسْأَلَكَ فَتُجِيبَنِي أَيْنَ كُنْتَ عِنْدَمَا أَسَّسْتُ الأَرْضَ؟ أَخْبِرْنِي إِنْ كُنْتَ ذَا حِكْمَةٍ. مَنْ حَدَّدَ مَقَايِيسَهَا، إِنْ كُنْتَ حَقّاً تَعْرِفُ؟ أَوْ مَنْ مَدَّ عَلَيْهَا خَيْطَ الْقِيَاسِ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ اسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُهَا؟ وَمَنْ وَضَعَ حَجَرَ زَاوِيَتِهَا؟ بَيْنَمَا كَانَتْ كَوَاكِبُ السَّمَاءِ تَتَرَنَّمُ مَعاً وَمَلائِكَةُ اللهِ تَهْتِفُ بِفَرَحٍ.

مَنْ حَجَزَ الْبَحْرَ بِبَوَّابَاتٍ، عِنْدَمَا انْدَفَقَ مِنْ رَحِمِ الأَرْضِ، حِينَ جَعَلْتُ السُّحُبَ لِبَاساً لَهُ وَالظُّلْمَةَ قِمَاطَهُ، 10 عِنْدَمَا عَيَّنْتُ لَهُ حُدُوداً، وَأَثْبَتُّ بَوَّابَاتِهِ وَمَغَالِيقَهُ فِي مَوَاضِعِهَا، 11 وَقُلْتُ لَهُ: إِلَى هُنَا تُخُومُكَ فَلا تَتَعَدَّاهَا، وَهُنَا يَتَوَقَّفُ عُتُوُّ أَمْوَاجِكَ؟

12 هَلْ أَمَرْتَ مَرَّةً الصُّبْحَ فِي أَيَّامِكَ، وَأَرَيْتَ الْفَجْرَ مَوْضِعَهُ، 13 لِيَقْبِضَ عَلَى أَكْنَافِ الأَرْضِ وَيَنْفُضَ الأَشْرَارَ مِنْهَا؟ 14 تَتَشَكَّلُ كَطِينٍ تَحْتَ الْخَاتَمِ، وَتَبْدُو مَعَالِمُهَا كَمَعَالِمِ الرِّدَاءِ. 15 يَمْتَنِعُ النُّورُ عَنِ الأَشْرَارِ، وَتَتَحَطَّمُ ذِرَاعُهُمُ الْمُرْتَفِعَةُ.

16 هَلْ غُصْتَ إِلَى يَنَابِيعِ الْبَحْرِ، أَمْ دَلَفْتَ إِلَى مَقَاصِيرِ اللُّجَجِ؟ 17 هَلِ اطَّلَعْتَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَنِيَّةِ، أَمْ رَأَيْتَ بَوَّابَاتِ ظِلالِ الْمَوْتِ؟ 18 هَلْ أَحَطْتَ بِعَرْضِ الأَرْضِ؟ أَخْبِرْنِي إِنْ كُنْتَ بِكُلِّ هَذَا عَلِيماً.

19 أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَى مَقَرِّ النُّورِ، وَأَيْنَ مُسْتَقَرُّ الظُّلْمَةِ؟ 20 حَتَّى تَقُودَهَا إِلَى تُخُومِهَا وَتَعْرِفَ سُبُلَ مَسْكَنِهَا؟ 21 حَقّاً أَنْتَ تَعْرِفُهَا لأَنَّكَ آنَئِذٍ كُنْتَ قَدْ وُلِدْتَ وَعِشْتَ أَيَّاماً طَوِيلَةً!

22 هَلْ دَخَلْتَ إِلَى مَخَازِنِ الثَّلْجِ، أَمْ رَأَيْتَ خَزَائِنَ الْبَرَدِ، 23 الَّتِي ادَّخَرْتُهَا لأَوْقَاتِ الضِّيقِ، لِيَوْمِ الْمَعْرَكَةِ وَالْحَرْبِ؟ 24 مَا هُوَ السَّبِيلُ إِلَى مَوْضِعِ انْتِشَارِ النُّورِ، أَوْ أَيْنَ تَتَوَزَّعُ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ عَلَى الأَرْضِ؟ 25 مَنْ حَفَرَ قَنَوَاتٍ لِسُيُولِ الْمَطَرِ، وَمَمَرّاً لِلصَّوَاعِقِ، 26 لِيُمْطِرَ عَلَى أَرْضٍ مُقْفِرَةٍ لَا إِنْسَانَ فِيهَا، 27 لِيُرْوِيَ الأَرْضَ الْخَرِبَةَ، وَلِيَسْتَنْبِتَ الأَرْضَ عُشْباً؟

28 هَلْ لِلْمَطَرِ أَبٌ؟ وَمَنْ أَنْجَبَ قَطَرَاتِ النَّدَى؟ 29 وَمِنْ أَيِّ أَحْشَاءٍ خَرَجَ الْجَمَدُ، وَمَنْ وَلَدَ صَقِيعَ السَّمَاءِ؟ 30 تَتَجَلَّدُ الْمِيَاهُ كَحِجَارَةٍ وَيَتَجَمَّدُ وَجْهُ الْغَمْرِ.

31 هَلْ تَرْبِطُ سَلاسِلَ الثُّرَيَّا، أَمْ تَفُكُّ عُقَدَ الْجَوْزَاءِ؟ 32 هَلْ تَهْدِي كَوَاكِبَ الْمَنَازِلِ فِي فُصُولِهَا، أَمْ تَهْدِي النَّعْشَ مَعَ بِنَاتِهِ؟ 33 هَلْ تَعْرِفُ أَحْكَامَ السَّمَاوَاتِ، أَمْ أَسَّسْتَ سُلْطَتَهَا عَلَى الأَرْضِ؟ 34 هَلْ تَرْفَعُ صَوْتَكَ آمِراً الْغَمَامَ فَيَغْمُرَكَ فَيْضُ الْمِيَاهِ؟ 35 هَلْ فِي وُسْعِكَ أَنْ تُطْلِقَ الْبُرُوقَ فَتَمْضِيَ وَتَقُولَ لَكَ: هَا نَحْنُ طَوْعَ أَمْرِكَ؟ 36 مَنْ أَضْفَى عَلَى الْغُيُومِ حِكْمَةً وَأَنْعَمَ عَلَى الضَّبَابِ بِالْفَهْمِ؟ 37 مَنْ لَهُ الْحِكْمَةُ لِيُحْصِيَ النُّجُومَ، وَمَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ مِنْ مَيَازِيبِ السَّمَاءِ، 38 حِينَ يَتَلَبَّدُ التُّرَابُ وَتَتَمَاسَكُ كُتَلُ الطِّينِ؟

عجائب عالم الحيوان

39 هَلْ تَصْطَادُ الْفَرِيسَةَ لِلَّبُؤَةِ، أَمْ تُشْبِعُ جُوعَ الأَشْبَالِ، 40 حِينَ تَتَرَبَّصُ فِي الْعَرَائِنِ وَتَكْمُنُ فِي أَوْجَارِهَا؟ 41 مَنْ يُزَوِّدُ الْغُرَابَ بِصَيْدِهِ إِذْ تَنْعَبُ فِرَاخُهُ مُسْتَغِيثَةً بِاللهِ، وَتَهِيمُ لاِفْتِقَارِهَا إِلَى الْقُوتِ؟

39 هَلْ تُدْرِكُ مَتَى تَلِدُ أَوْعَالُ الصُّخُورِ أَمْ تَرْقُبُ مَخَاضَ الأَيَائِلِ؟ هَلْ تَحْسُبُ أَشْهُرَ حَمْلِهِنَّ، وَتَعْلَمُ مِيعَادَ وَضْعِهِنَّ، حِينَ يَجْثُمْنَ لِيَضَعْنَ صِغَارَهُنَّ، وَيتَخَلَّصْنَ مِنْ آلامِ مَخَاضِهِنَّ؟ تَكْبُرُ صِغَارُهُنَّ، وَتَنْمُو فِي الْقَفْرِ، ثُمَّ تَشْرُدُ وَلا تَعُودُ.

مَنْ أَطْلَقَ سَرَاحَ حِمَارِ الْوَحْشِ وَفَكَّ رُبُطَ حِمَارِ الْوَحْشِ؟ لِمَنْ أَعْطَيْتُ الصَّحْرَاءَ مَسْكَناً وَالأَرْضَ الْمِلْحِيَّةَ مَنْزِلاً؟ فَيَسْخَرَ مِنْ جَلَبَةِ الْمُدُنِ وَلا يَسْمَعَ نِدَاءَ السَّائِقِ؟ يَرْتَادُ الْجِبَالَ مَرْعىً لَهُ، وَيَلْتَمِسُ كُلَّ مَا هُوَ أَخْضَرُ، أَيَرْضَى الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ أَنْ يَخْدُمَكَ؟ أَيَبِيتُ عِنْدَ مِعْلِفِكَ؟ 10 أَتَرْبِطُهُ بِالنِّيرِ لِيَجُرَّ لَكَ الْمِحْرَاثَ، أَمْ يُمَهِّدُ الْوَادِي خَلْفَكَ؟ 11 أَتَتَّكِلُ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ الْعَظِيمَةِ، وَتُكَلِّفُهُ الْقِيَامَ بِأَعْمَالِكَ؟ 12 أَتَثِقُ بِعَوْدَتِهِ حَامِلاً إِلَيْكَ حِنْطَتَكَ لِيُكَوِّمَهَا فِي بَيْدَرِكَ؟

13 يُرَفْرِفُ جَنَاحَا النَّعَامَةِ بِغِبْطَةٍ، وَلَكِنْ أَهُمَا جَنَاحَانِ مَكْسُوَّانِ بِرِيشِ الْمَحَبَّةِ؟ 14 فَهِيَ تَتْرُكُ بَيْضَهَا عَلَى الأَرْضِ لِيَدْفَأَ بِالتُّرَابِ، 15 وَتَنْسَى أَنَّ الْقَدَمَ قَدْ تَطَأُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ الْكَاسِرَةِ قَدْ تُحَطِّمُهُ. 16 إِنَّهَا تُعَامِلُ صِغَارَهَا بِقَسْوَةٍ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهَا، غَيْرَ آسِفَةٍ عَلَى ضَيَاعِ تَعَبِهَا، 17 لأَنَّ اللهَ قَدْ أَنْسَاهَا الْحِكْمَةَ، وَلَمْ يَمْنَحْهَا نَصِيباً مِنَ الْفَهْمِ. 18 وَلَكِنْ مَا إِنْ تَبْسُطُ جَنَاحَيْهَا، لِتَجْرِيَ حَتَّى تَهْزَأَ بِالْفَرَسِ وَرَاكِبِهِ!

19 أَأَنْتَ وَهَبْتَ الْفَرَسَ قُوَّتَهُ، وَكَسَوْتَ عُنُقَهُ عُرْفاً؟ 20 أَأَنْتَ تَجْعَلُهُ يَثِبُ كَجَرَادَةٍ؟ إنَّ نَخِيرَهُ الْهَائِلَ لَمُخِيفٌ. 21 يَشُقُّ الْوَادِي بِحَوَافِرِهِ، وَيَمْرَحُ فِي جَمِّ نَشَاطِهِ، وَيَقْتَحِمُ الْمَعَارِكَ. 22 يَسْخَرُ مِنَ الْخَوْفِ وَلا يَرْتَاعُ، وَلا يَتَرَاجَعُ أَمَامَ السَّيْفِ. 23 تَصِلُّ عَلَيْهِ جُعْبَةُ السِّهَامِ، وَأَيْضاً بَرِيقُ الرِّمَاحِ وَالْحِرَابِ. 24 فِي جَرْيِهِ يَنْهَبُ الأَرْضَ بِعُنْفُوَانٍ وَغَضَبٍ وَلا يَسْتَقِرُّ فِي مَكَانِهِ عِنْدَ نَفْخِ بُوقِ الْحَرْبِ. 25 عِنْدَمَا يُدَوِّي صَوْتُ الْبُوقِ يَقُولُ: هَهْ هَهْ! وَيَسْتَرْوِحُ الْمَعْرَكَةَ عَنْ بُعْدٍ، وَيَسْمَعُ زَئِيرَ الْقَادَةِ وَهُتَافَهُمْ.

26 أَبِحِكْمَتِكَ يُحَلِّقُ الصَّقْرُ وَيَفْرِدُ جَنَاحَيْهِ نَحْوَ الْجَنُوبِ؟ 27 أَبِأَمْرِكَ يُحَلِّقُ النَّسْرُ وَيَجْعَلُ وَكْرَهُ فِي الْعَلاءِ؟ 28 يُعَشِّشُ بَيْنَ الصُّخُورِ، وَيَبِيتُ فِيهَا وَعَلَى جُرْفٍ صَخْرِيٍّ يَكُونُ مَعْقَلُهُ. 29 مِنْ هُنَاكَ يَتَرَصَّدُ قُوتَهُ، وَتَرْقُبُ عَيْنَاهُ فَرِيسَتَهُ مِنْ بَعِيدٍ. 30 وَتَأْكُلُ فِرَاخُهُ أَيْضاً الدِّمَاءَ، وَحَيْثُ تَكُونُ الْجُثَثُ تَتَجَمَّعُ النُّسُورُ».

حَدِيثُ اللهِ إلَى أيُّوب

38 وَبَدَأ اللهُ يَتَكَلَّمُ مِنَ العَاصِفَةِ مُسْتَجِيبًا لِأيُّوبَ:

«مَنْ هَذَا الَّذِي يَلُفُّ الظَّلَامَ حَوْلَ مَقَاصِدِي بِكَلِمَاتٍ بِلَا مَعنَى؟[a]
تَهَيَّأْ كَرَجُلٍ،
وَبَعْدَ ذَلِكَ أنَا أسْألُكَ فَتُجِيبَنِي.

«أيْنَ كُنْتَ حِينَ وَضَعْتُ أسَاسَ الأرْضِ؟
أخْبِرْنِي إنْ كَانَ لَكَ فَهْمٌ.
مَنِ الَّذِي وَضَعَ قِيَاسَاتِهَا؟
أوْ مَنِ الَّذِي مَدَّ فَوقَهَا خَيطًا لِيَقِيسَهَا؟
عَلَى أيِّ شَيءٍ رُكِّزَتْ أسَاسَاتُهَا؟
أوْ مَنِ الَّذِي وَضَعَ حَجَرَ زَاوِيَتِهَا
عِنْدَمَا رَنَّمَتْ نُجُومُ الصُّبحِ مَعًا،
وَهَتَفَتِ المَلَائِكَةُ[b] فَرَحًا؟

«مَنِ الَّذِي حَصَرَ البَحْرَ خَلفَ أبوَابٍ،
عِنْدَمَا اندَفَعَ كَأنَّهُ خَارِجٌ مِنَ الرَّحِمِ.
عِنْدَمَا جَعَلْتُ أنَا الغُيُومَ لِبَاسًا لَهُ،
وَلَفَفْتُ غَيمَةً سَودَاءَ حَوْلَهُ.
10 عِنْدَمَا فَرَضْتُ عَلَيْهِ حَدِّي،
وَأقَمتُ قُضبَانًا وَأبوَابًا حَدِيدِيَّةً عَلَيْهِ،
11 عِنْدَمَا قُلْتُ لَهُ:
‹هَذَا حَدُّكَ فَلَا تَتَجَاوَزْهُ،
وَإلَى هُنَا حَدُّ أموَاجِكَ المُعتَزَّةِ؟›

12 «هَلْ أمرْتَ فِي حَيَاتِكِ الصَّبَاحَ أنْ يَطْلُعَ،
أوْ هَلْ أرَيتَ الفَجرَ أيْنَ يَمْكُثُ؟
13 هَلْ أمسَكْتَ الأرْضَ مِنْ أطرَافِهَا
لِكَي يُنْفَضَ عَنْهَا الأشرَارُ؟
14 تَرَى الأرْضَ وَكَأنَّهَا تَتَشَكَّلُ كَطِينٍ تَحْتَ خَتمٍ،
وَتَقِفُ التِّلَالُ وَالوِديَانُ كَطَيَّاتِ ثَوبٍ.
15 هَكَذَا يَظْهَرُ النُّورُ الَّذِي يَقِفُ فِي وَجْهِ الأشْرَارِ،
فَتُكَسِّرُ ذِرَاعَهُمُ المُرْتَفِعَةَ.

16 «هَلْ ذَهَبتَ يَومًا إلَى يَنَابِيعِ البَحْرِ،
وَهَلْ تَمَشَّيتَ فِي أعْمَاقِ المُحِيطِ؟
17 هَلِ انكَشَفَتْ لَكَ بَوَّابَاتُ المَوْتِ؟
وَهَلْ رَأيْتَ بَوَّابَاتِ الظُّلمَةِ العَمِيقَةِ؟
18 هَلْ تَسْتَوْعِبُ أبْعَادَ الأرْضِ؟
قُلْ، إنْ كُنْتَ تَعْرِفُ هَذَا كُلَّهُ.

19 «أيْنَ الطَّرِيقُ إلَى حَيْثُ يَسْكُنُ النُّورُ؟
وَأينَ بَيْتُ الظُلمَةِ؟
20 لَا شَكَّ أنَّكَ تَسْتَطِيعُ أنْ تُعِيدَهَا إلَى مَكَانِهَا.
وَتَعْرِفَ الطَّرِيقَ المُؤَدِّي إلَى النُّورِ.
21 لَا بُدَّ أنَّكَ تَعْلَمُ هَذِهِ الأُمُورَ لِأنَّكَ كُنْتَ مَولُودًا حِينَئِذٍ،
وَلِأنَّ عُمْرَكَ طَوِيلٌ!

22 «هَلْ ذَهَبْتَ يَومًا إلَى مَخَازِنِ الثَّلجِ،
أوْ رَأيْتَ مَخَازِنَ البَرَدِ
23 الَّتِي أبقَيْتُهَا لِوَقْتِ ضِيقٍ،
لِيَوْمِ حَرْبٍ أوْ مَعْرَكَةٍ؟
24 أيْنَ الطَّرِيقُ إلَى حَيْثُ يَخْرُجُ النُّورُ،
الَّذِي تَتَفَرَّقُ مِنْهُ الرِّيحُ الشَّرقِيَّةُ عَلَى الأرْضِ؟
25 مَنِ الَّذِي يَشُقُّ قَنَاةً لِمِيَاهِ الفَيَضَانِ،
وَطَرِيقًا لِقَصْفِ الرَّعدِ،
26 لِيَجْلِبَ المَطَرَ عَلَى أرْضٍ غَيْرِ مَسكُونَةٍ،
صَحرَاءَ لَا يَسْكُنُهَا إنْسَانٌ،
27 فَيَفِيضُ الخَيْرُ فِي الأرْضِ الجَرْدَاءِ،
وَيُطلِعُ العُشْبَ؟
28 هَلْ لِلمَطَرِ أبٌ؟
أوْ مَنْ أنْجَبَ قَطَرَاتِ النَّدَى؟
29 مِنْ أيِّ بَطنٍ يَخْرُجُ الجَلِيدُ؟
وَابْنُ مَنْ صَقِيعُ السَّمَاءِ؟
30 يَتَصَلَّبُ المَاءُ كَصَخرَةٍ،
وَيَتَجَمَّدُ سَطحُ المُحِيطِ.

31 «أتَقْدِرُ أنْ تَرْبِطَ حِبَالَ الثُرَيَّا؟[c]
أوْ أنْ تَفُكَّ حِبَالَ الجَبَّارِ؟[d]
32 أتَقْدِرُ أنْ تُخْرِجَ الكَوَاكِبَ فِي أوْقَاتِهَا،
أوْ تَهْدِي الدُّبَ الأكبَرَ[e] مَعَ بَنِيهِ؟
33 أتَعْرِفُ قَوَانِينَ السَّمَاوَاتِ؟
أوْ هَلْ تُحَدِّدُ القَوَاعِدَ الَّتِي تَحْكُمُ الأرْضَ؟
34 أتَقْدِرُ أنْ تَأْمُرَ الغُيُومَ،
فَتَغْمُرَ نَفْسَكَ بِفَيضِ المِيَاهِ؟
35 أتَقْدِرُ أنْ تَأْمُرَ الصَّوَاعِقَ بِالقَصْفِ،
فَتَقُولَ لَكَ: ‹سَمْعًا وَطَاعَةً؟›

36 «مَنْ جَعَلَ الحِكْمَةَ فِي النَّاسِ؟
أوْ مَنْ وَضَعَ فَهْمًا فِي أعمَاقِهِمْ.
37 مَنِ الَّذِي يُحْصِي الغُيُومَ بِالحِكْمَةِ؟
وَمَنِ الَّذِي يَسْكُبُ المَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ
38 فَيُشَكِّلُ التُرَابُ طِينًا تَتَكَتَّلُ حَبَّاتُهُ؟

39 «هَلْ تَصطَادُ فَرِيسَةً لِلأسَدِ،
أمْ تَسُدُّ شَهِيَّةَ الأشْبَالَ،
40 عِنْدَمَا تَرْبِضُ فِي عَرِينِهَا
وَتَكْمُنُ لِفَرِيسَتِهَا فِي العُشبِ الكَثِيفِ؟
41 مَنْ يُزَوِّدُ الغُرَابَ بِالطَعَامِ
عِنْدَمَا تَصْرُخُ صِغَارُهُ مُسْتَغِيثَةً بِاللهِ،
وَتَهِيمُ بَاحِثَةً عَنْ طَعَامٍ؟

39 «أتَعْرِفُ مَتَى تَلِدُ المِعزَاةُ الجَبَلِيَّةُ؟
أتُرَاقِبُ الغُزلَانَ أثْنَاءَ آلَامِ الوِلَادَةِ وَتَحْمِيهَا؟
وَتَحْسِبُ الشُّهُورَ حَتَّى تَلِدَ؟
هَلْ تَعْرِفُ وَقْتَ وِلَادَتِهَا؟
حِينَ تَرْبِضُ وَتَلِدُ أوْلَادَهَا،
وَتَتَخَلَّصُ مِنْ آلَامِهَا.
يَصِيرُ أوْلَادُهَا أقوِيَاءَ،
يَكْبُرُونَ فِي البَرِّيَّةِ.
يَتْرُكُونَ أُمَّهَاتِهِمْ وَلَا يَعُودُونَ.

«مَنِ الَّذِي أطلَقَ الحِمَارَ البَرِّيَّ؟
مَنْ حَلَّهُ؟
جَعَلْتُ لَهُ فِي الصَّحْرَاءِ بَيْتًا،
وَمَكَانَ سَكَنٍ فِي الأرْضِ المَالِحَةِ.
يَضْحَكُ عَلَى ضَجِيجِ المَدِينَةِ،
وَلَا يَسْمَعُ أوَامِرَ مُرَاقِبِ العَمَلِ.
يَطُوفُ التِّلَالَ بَحْثًا عَنْ مَرَاعِيهِ،
وَيَسْعَى إلَى كُلِّ مَا هُوَ أخضَرُ.

«أيَرْضَى الثَّورُ البَرِّيُّ أنْ يَكُونَ لَكَ خَادِمًا؟
أوْ أنْ يَبِيتَ عِنْدَ مِذوَدِكَ؟
10 أتَقْدِرُ أنْ تَضَعَ نِيرًا عَلَى جَامُوسٍ بَرِّيٍّ لِيَحْرُثَ؟
أمْ يَرْضَى بِأنْ يُمَهِّدَ الحُقُولَ خَلفَكَ؟
11 أتَتَّكِلُ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ العَظِيمَةِ؟
وَهَلْ تَتْرُكُ لَهُ عَمَلَكَ المُتْعِبَ؟
12 أتَتَّكِلُ عَلَيْهِ لِيُحضِرَ زَرعَكَ،
وَيَجْمَعَهُ إلَى بَيدَرِكَ؟

13 «يُصَفِّقُ جَنَاحَا النَّعَامَةِ،
مَعَ أنَّهُمَا لَيْسَا كَجَنَاحِ اللَّقلَقِ وَرِيشِهِ.
14 لَكِنَّهَا تَتْرُكُ بَيضَهَا عَلَى الأرْضِ،
تَضَعُهُ عَلَى التُّرَابِ لِتُبقِيَهُ دَافِئًا.
15 ثُمَّ تَنْسَى أنَّ قَدَمًا قَدْ تَدُوسُهُ،
وَأنَّ حَيَوَانًا بَرِّيًّا قَدْ يَسْحَقُهُ.
16 تَقْسُو عَلَى صِغَارِهَا كَأنَّهُمْ لَيْسُوا لَهَا.
وَلَا يُقلِقُهَا إنْ كَانَتْ قَدْ تَعِبَتْ عَبَثًا،
17 لِأنَّ اللهَ مَنَعَ عَنْهَا الحِكْمَةَ،
وَلَمْ يُعطِهَا فَهْمًا.
18 لَكِنْ عِنْدَمَا تَنْهَضُ وَتَبْدَأُ العَدْوَ،
تَضْحَكُ عَلَى الحِصَانِ وَرَاكِبِهِ.
19 أأنْتَ مَنْ تُعطِي الحِصَانَ قُوَّتَهُ،
وَتَكْسُو عُنُقَهُ عُرْفًا مُنْسَابًا؟
20 أتَجْعَلُهُ يَثِبُ كَجَرَادَةٍ،
وَهُوَ الَّذِي يُخِيفُ النَّاسَ بِصَهِيلِهِ ذِي الكِبرِيَاءِ؟
21 يَضْرِبُ الأرْضَ بِعُنفٍ بِحَافِرِهِ،
وَيُسرِعُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ إلَى المَعْرَكَةِ.
22 يَهْزَأُ بِالخَوفِ وَلَا يَفْزَعُ،
وَلَا يَتَرَاجَعُ أمَامَ السَّيْفِ.
23 تُقَعْقِعُ عَلَيْهِ جَعْبَةُ السِّهَامِ،
وَوَمِيضُ الحَرْبِ وَالرِّمَاحِ.
24 يَبْتَلِعُ الأرْضَ وَسَطَ ضَجِيجِ الحَرْبِ،
وَعِنْدَ صَوْتِ البُوقِ لَا يَهْدَأُ،
25 عِنْدَ نَفخِ البُوقِ يَصْهَلُ مُتَحَمِّسًا!
وَيَشُمُّ رَائِحَةَ المَعْرَكَةِ مِنْ بَعِيدٍ.
يَسْمَعُ صِيَاحَ القَادَةِ وَصَرَخَاتِ القِتَالِ.

26 «أتَفْهَمُ كَيْفَ يَطِيرُ الصَّقرُ،
وَيَنْشُرُ جَنَاحَيهِ حَوْلَ الجَنُوبِ؟
27 أيُحَلِّقُ النَّسرُ بِأمْرِكَ؟
وَيَبْنِي عُشَّهُ فِي الأعَالِي؟
28 يَسْكُنُ عَلَى صَخْرَةٍ شَاهِقَةٍ،
وَيَبِيتُ عَلَى قِمَّتِهَا،
وَيَجْعَلُهَا حِصْنًا لَهُ.
29 يَبْحَثُ عَنْ طَعَامِهِ مِنْ هُنَاكَ،
وَيُرَاقِبُ فَرِيسَتَهُ عَنْ بُعْدٍ.
30 تَلْعَقُ صِغَارُهُ الدَّمَ،
وَحَيْثُ الجُثَثُ، فَهُنَاكَ تَجِدُهُ.»

Notas al pie

  1. 38‏:2 مَنْ هَذَا … بِلَا مَعنَى الكلَامُ هُنَا مُوجّهٌ إلَى أليهو.
  2. 38‏:7 المَلَائكَة حرفيًا «أبْنَاء الله.»
  3. 38‏:31 الثُرَيَّا مَجمُوعةٌ نجميةٌ تُسَمَّى أيْضًا «الأخوَاتِ السَبْعَ.»
  4. 38‏:31 الجَبَّار مَجمُوعةٌ نجميةٌ تَبدو علَى شَكْلِ رَجُلٍ مُحَارِب.
  5. 38‏:32 الدُّب الأكبَر مَجمُوعةٌ نجميةٌ تَظْهَرُ فِي أمَاكِنَ مُختلِفةٍ كُلَّ شَهر.