35 وَقَالَ أَلِيهُو أَيْضاً: «أَتَحْسِبُ هَذَا عَدْلاً؟ ثُمَّ تَقُولُ: إِنَّ هَذَا حَقِّي أَمَامَ اللهِ، وَتَسْأَلُ: أَيَّةُ مَنْفَعَةٍ لِي؟ هَلْ أَكُونُ فِي حَالٍ أَفْضَلَ لَوْ لَمْ أُخْطِئْ؟ سَأُجِيبُكَ أَنْتَ وَأَصْدِقَاءَكَ مَعَكَ: انْظُرْ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَتَأَمَّلْ: تَفَرَّسْ فِي السُّحُبِ الشَّامِخَةِ فَوْقَكَ. إِنْ أَثِمْتَ فَمَاذَا يُؤَثِّرُ هَذَا فِيهِ؟ وَإِنْ كَثَّرْتَ خَطَايَاكَ فَأَيُّ شَيْءٍ يَلْحَقُ بِهِ؟ وَإِنْ كُنْتَ بَارّاً فَمَاذَا تُعْطِيهِ؟ أَوْ مَاذَا يَأْخُذُ مِنْ يَدِكَ؟ إِنَّ شَرَّكَ يُؤَثِّرُ فِي إِنْسَانٍ نَظِيرِكَ، وَبِرَّكَ يَفِيدُ فَقَطْ أَبْنَاءَ النَّاسِ.

لأَنَّ مِنْ كَثْرَةِ الْجَوْرِ يَسْتَغِيثُ الْمَظْلُومُونَ طَلَباً لِلْخَلاصِ مِنْ قَبْضَةِ الْعُتَاةِ، 10 وَلَكِنْ لَا أَحَدَ يَقُولُ: أَيْنَ اللهُ صَانِعِي، الْوَاهِبُ تَرْنِيماً فِي اللَّيْلِ، 11 الَّذِي عَلَّمَنَا أَكْثَرَ مِنْ وُحُوشِ الأَرْضِ، وَجَعَلَنَا أَعْظَمَ حِكْمَةً مِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ. 12 يَسْتَغِيثُونَ بِهِ فَلا يُجِيبُ مِنْ جَرَّاءِ تَشَامُخِ الأَشْرَارِ 13 فَإِنْ كَانَ اللهُ لَا يَسْمَعُ لِصُرَاخِهِمِ الفَارِغِ، وَلا يَأْبَهُ القَدِيرُ لَهُ 14 فَكَمْ بِالأَحْرَى لَا يَسْمَعُ لَكَ عِنْدَمَا تَقُولُ إِنَّكَ لَا تَرَاهُ! لَكِنِ اصْبِرْ، فَدَعْوَاكَ أَمَامَهُ 15 وَالآنَ، لأَنَّهُ لَمْ يُجَازِ فِي غَضَبِهِ وَلَمْ يُبَالِ بِمُعَاقَبَةِ الإِثْمِ، 16 فَغَرَ أَيُّوبُ فَاهُ بِالْبَاطِلِ، وَأَكْثَرَ مِنَ الْكَلامِ بِجَهْلٍ!»

36 وَاسْتَطْرَدَ أَلِيهُو: «تَحَمَّلْنِي قَلِيلاً فَأَزِيدَكَ اطِّلاعاً، فَمَازَالَ عِنْدِي مَا أَقُولُهُ نِيَابَةً عَنِ اللهِ، لأَنِّي أَتَلَقَّى عِلْمِي مِنْ بَعِيدٍ وَأَعْزُو بِرّاً لِصَانِعِي. حَقّاً إِنَّ كَلامِي صَادِقٌ، لأَنَّ الْكَامِلَ فِي الْمَعْرِفَةِ حَاضِرٌ مَعَكَ.

اللهُ قَدِيرٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَحْتَقِرُ الإِنْسَانَ، هُوَ قَدِيرٌ عَظِيمُ الْقُدْرَةِ وَالْفَهْمِ. لَا يُبْقِي عَلَى حَيَاةِ الشِّرِّيرِ إِنَّمَا يَقْضِي حَقَّ الْبَائِسِينَ. لَا يَغُضُّ طَرْفَهُ عَنِ الصِّدِّيقِينَ، بَلْ يُقِيمُهُمْ مَعَ الْمُلُوكِ عَلَى الْعُرُوشِ إِلَى الأَبَدِ فَيَتَعَظَّمُونَ. وَإِنْ رُبِطُوا بِالْقُيُودِ، وَوَقَعُوا فِي حِبَالِ الشَّقَاءِ، عِنْدَئِذٍ يُبْدِي لَهُمْ أَفْعَالَهُمْ وَآثَامَهُمْ إِذْ سَلَكُوا بِغُرُورٍ. 10 يَفْتَحُ آذَانَهُمْ لِتَحْذِيرَاتِهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالتَّوْبَةِ عَنْ إِثْمِهِمْ. 11 فَإِنْ أَطَاعُوا وَعَبَدُوهُ، يَقْضُونَ أَيَّامَهُمْ بِرَغْدٍ، وَسِنِيهِمْ بِالنِّعَمِ. 12 وَلَكِنْ إِنْ عَصَوْا فَبِحَدِّ السَّيْفِ يَهْلِكُوا، وَيَمُوتُوا مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ. 13 أَمَّا فُجَّارُ الْقُلُوبِ فَيَذْخَرُونَ لأَنْفُسِهِمْ غَضَباً، وَلا يَسْتَغِيثُونَ بِاللهِ حِينَ يُعَاقِبُهُمْ. 14 يَمُوتُونَ فِي الصِّبَا بَيْنَ مَأْبُونِي الْمَعَابِدِ. 15 أَمَّا الْمُبْتَلَوْنَ فَيُنْقِذُهُمْ فِي بَلائِهِمْ، وَبِالضِّيقِ يَفْتَحُ آذَانَهُمْ.

16 يَجْتَذِبُكَ مِنَ الضِّيقِ إِلَى رَحْبٍ طَلِيقٍ، وَيَمْلأُ مَائِدَتَكَ بِالأَطْعِمَةِ الدَّسِمَةِ.

17 وَلَكِنَّكَ مُثْقَلٌ بِالدَّيْنُونَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الأَشْرَارِ، فَالدَّعْوَى وَالْقَضَاءُ يُمْسِكَانِكَ. 18 فَاحْرِصْ لِئَلّا يُغْرِيَكَ الغَضَبُ بالسُّخْرِيَةِ، أَوْ تَصْرِفَكَ الرِّشْوَةُ الْعَظِيمَةُ عَنِ الحَقِّ 19 أَيُمْكِنُ لِثَرَائِكَ أَوْ لِجُهُودِكَ الْجَبَّارَةِ أَنْ تَدْعَمَكَ فَلا تَغْرَقَ فِي الْكَآبَةِ؟ 20 لَا تَتَشَوَّقْ إِلَى اللَّيْلِ حَتَّى تَجُرَّ النَّاسَ خَارِجاً مِنْ بُيُوتِهِمْ. 21 احْتَرِسْ أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلَى الشَّرِّ، فَإِنَّ هَذَا مَا اخْتَرْتَهُ عِوَضاً عَنِ الشَّقَاءِ.

22 انْظُرْ، إِنَّ اللهَ يَتَمَجَّدُ فِي قُوَّتِهِ. أَيُّ مُعَلِّمٍ نَظِيرُهُ؟ 23 مَنْ سَنَّ لَهُ طُرُقَهُ أَوْ قَالَ لَهْ: لَقَدِ ارْتَكَبْتَ خَطَأً؟

24 لَا تَنْسَ أَنْ تُعَظِّمَ عَمَلَهُ الَّذِي يَتَغَنَّى بِهِ النَّاسُ. 25 لَقَدْ شَهِدَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَتَفَرَّسُوا فِيهِ مِنْ بَعِيدٍ. 26 فَمَا أَعْظَمَ اللهَ! وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُهُ، وَعَدَدُ سِنِيهِ لَا يُسْتَقْصَى. 27 لأَنَّهُ يَجْتَذِبُ قَطَرَاتِ الْمَاءِ، وَيَجْعَلُ سُحُبَهُ تَهْطِلُ أَمْطَاراً، 28 تَسْكُبُهَا السَّمَاوَاتُ وَتَصُبُّهَا بِغَزَارَةٍ عَلَى الإِنْسَانِ. 29 أَهُنَاكَ مَنْ يَفْهَمُ كَيْفَ تَنْتَشِرُ السُّحُبُ، وَكَيْفَ تُرْعِدُ سَمَاؤُهُ؟ 30 فَانْظُرْ كَيْفَ بَسَطَ بُرُوقَهُ حَوَالَيْهِ وَتَسَرْبَلَ بِلُجَجِ الْبَحْرِ. 31 هَكَذَا يُطْعِمُ اللهُ الشُّعُوبَ وَيُزَوِّدُهُمْ بِالْغِذَاءِ بِوَفْرَةٍ. 32 يَمْلأُ يَدَيْهِ بِالْبُرُوقِ وَيَأْمُرُهَا أَنْ تُصِيبَ الْهَدَفَ. 33 إِنَّ رَعْدَهُ يُنْذِرُ بِاقْتِرَابِ الْعَاصِفَةِ، وَحَتَّى الْمَاشِيَةُ تُنْبِئُ بِدُنُوِّهَا.

37 لِذَلِكَ يَرْتَعِدُ قَلْبِي وَيَثِبُ فِي مَوْضِعِهِ. فَأَنْصِتْ، وَأَصْغِ إِلَى زَئِيرِ صَوْتِهِ، وَإِلَى زَمْجَرَةِ فَمِهِ. يَسْتَلُّ بُرُوقَهُ مِنْ تَحْتِ كُلِّ السَّمَاوَاتِ وَيُرْسِلُهَا إِلَى جَمِيعِ أَقَاصِي الأَرْضِ، فَتُدَوِّي زَمْجَرَةُ زَئِيرِهِ، وَيُرْعِدُ بِصَوْتِ جَلالِهِ، وَحِينَ تَتَرَدَّدُ أَصْدَاؤُهُ لَا يَكْبَحُ جِمَاحَهَا شَيْءٌ. يُرْعِدُ اللهُ بِصَوْتِهِ صَانِعاً عَجَائِبَ وَآيَاتٍ تَفُوقُ إِدْرَاكَنَا. يَقُولُ لِلثَّلْجِ اهْطِلْ عَلَى الأَرْضِ، وَلِلأَمْطَارِ: انْهَمِرِي بِشِدَّةٍ. يُوْقِفُ كُلَّ إِنْسَانٍ عَنْ عَمَلِهِ، لِيُدْرِكَ كُلُّ النَّاسِ الَّذِينَ خَلَقَهُمْ حَقِيقَةَ قُوَّتِهِ. فَتَلْجَأُ الْوُحُوشُ إِلَى أَوْجِرَتِهَا، وَتَمْكُثُ فِي مَآوِيهَا. تُقْبِلُ الْعَاصِفَةُ مِنَ الْجَنُوبِ، وَالْبَرَدُ مِنَ الشِّمَالِ، 10 مِنْ نَسَمَةِ اللهِ يَتَكَوَّنُ الْجَلِيدُ، وَتَتَجَمَّدُ بِسُرْعَةٍ الْمِيَاهُ الْغَزِيرَةُ. 11 يَشْحَنُ السُّحُبَ الْمُتَكَاثِفَةَ بِالنَّدَى، وَيُبَعْثِرُ بَرْقَهُ بَيْنَهَا. 12 فَتَتَحَرَّكُ كَمَا يَشَاءُ هُوَ، لِتُنَفِّذَ كُلَّ مَا يَأْمُرُهَا بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَسْكُونَةِ. 13 يُرْسِلُهَا سَوَاءٌ لِلتَّأْدِيبِ أَوْ لأَرْضِهِ أَوْ رَحْمَةً مِنْهُ.

14 فَاسْتَمِعْ إِلَى هَذَا يَا أَيُّوبُ. وَتَوَقَّفْ وَتَأَمَّلْ فِي عَجَائِبِ اللهِ. 15 هَلْ تَدْرِي كَيْفَ يَتَحَكَّمُ اللهُ فِي السُّحُبِ، وَكَيْفَ يَجْعَلُ بُرُوقَهُ تُوْمِضُ؟ 16 هَلْ تَعْرِفُ كَيْفَ تَتَعَلَّقُ السُّحُبُ بِتَوَازُنٍ؟ هَذِهِ الْعَجَائِبُ الصَّادِرَةُ عَنْ كَامِلِ الْمَعْرِفَةِ! 17 أَنْتَ يَا مَنْ تَسْخُنُ ثِيَابُهُ عِنْدَمَا تَرِينُ سَكِينَةٌ عَلَى الأَرْضِ بِتَأْثِيرِ رِيحِ الْجَنُوبِ. 18 هَلْ يُمكِنُكَ مِثْلَهُ أَنْ تُصَفِّحَ الْجَلَدَ الْمُمْتَدَّ وَكَأَنَّهُ مِرْآةٌ مَسْبُوكَةٌ؟ 19 أَنْبِئْنَا مَاذَا عَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ لَهُ، فَإِنَّنَا لَا نُحْسِنُ عَرْضَ قَضِيَّتِنَا بِسَبَبِ الظُّلْمَةِ (أَيِ الْجَهْلِ) 20 هَلْ أَطْلُبُ مِنَ اللهِ أَنْ أَتَكَلَّمَ مَعَهُ؟ أَيُّ رَجُلٍ يَتَمَنَّى لِنَفْسِهِ الْهَلاكَ؟ 21 لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُحَدِّقَ إِلَى النُّورِ عِنْدَمَا يَكُونُ مُتَوَهِّجاً فِي السَّمَاءِ، بَعْدَ أَنْ تَكُونَ الرِّيحُ قَدْ بَدَّدَتْ عَنْهُ السُّحُبَ. 22 يُقْبِلُ مِنَ الشِّمَالِ بَهَاءٌ ذَهَبِيٌّ، إِنَّ اللهَ مُسَرْبَلٌ بِجَلالٍ مُرْهِبٍ. 23 وَلا يُمْكِنُنَا إِدْرَاكُ الْقَدِيرِ، فَهُوَ مُتَعَظِّمٌ بِالْقُوَّةِ وَالْعَدْلِ وَالْبِرِّ وَلا يَجُورُ، 24 لِذَلِكَ يَرْهَبُهُ الْجَمِيعُ، لأَنَّهُ يَحْتَقِرُ أَدْعِيَاءَ الْحِكْمَةِ».

35 ثُمَّ قَالَ ألِيهُو:

«أتَحْسِبُ أنَّ مِنَ الصَّوَابِ أنْ تَقُولَ:
‹أنَا أكْثَرُ استِقَامَةً مِنَ اللهِ›؟
إنْ قُلْتَ، ‹مَاذَا أستَفِيدُ؟
كَيْفَ أنْتَفِعُ إنْ تِرَكْتُ خَطِيَّتِي؟›

«سَأرُدُّ عَلَيْكَ وَعَلَى أصْحَابِكَ الَّذِينَ مَعَكَ،
تَطَلَّعْ إلَى السَّمَاوَاتِ وَانْظُرْ،
فَوْقَ الغُيُومِ الَّتِي تَعْلُوكَ كَثِيرًا.
اللهُ أعْلَى مِنْهَا.
إنْ أخطَأتَ، فَبِمَاذَا تَضُرُّ اللهَ؟
وَإذَا كَثَّرتَ مَعَاصِيكَ، فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ هَذَا فِيهِ؟
إنْ كُنْتَ بَرِيئًا، فَكَيْفَ يَنْتَفِعُ بِبَرَاءَتِكَ؟
أوْ مَا الَّذِي يَنَالُهُ مِنْ يَدِكَ؟
لَا يُؤَثِّرُ شَرُّكَ إلَّا فِي إنْسَانٍ مِثْلِكَ،
وَلَا تُؤَثِّرُ بَرَاءَتُكَ إلَّا فِي البَشَرِ.

«يَصْرُخُ النَّاسُ مِنَ الِاضطِهَادِ العَظِيمِ،
وَيَسْتَغِيثُونَ بِأحَدٍ يُخَلِّصُهُمْ مِنْ ذِرَاعِ الأقوِيَاءِ.
10 وَلَا يَقُولُ أحَدٌ مِنْهُمْ مُتَذَمِّرًا:
‹أيْنَ اللهُ صَانِعِي الَّذِي يُعْطِي أغَانِيَ فِي اللَّيلِ،
11 يُعَلِّمُنَا أكْثَرَ مِنْ وُحُوشِ الأرْضِ،
وَيُعطِينَا حِكْمَةً أكْثَرَ مِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ.›

12 «قَدْ يَصْرُخُونَ فَلَا يَسْتَجِيبُ اللهُ،
وَذَلِكَ بِسَبَبِ كِبرِيَاءِ الأشْرَارِ.
13 حَقًّا، لَا يَسْتَمِعُ اللهُ إلَى الكَلَامِ البَاطِلِ،
وَلَا يَلْتَفِتُ القَدِيرُ إلَيْهِ.
14 فَلِمَاذَا تَشْكُو مِنْ أنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْكَ؟
تَقُولُ إنَّ دَعْوَاكَ أمَامَهُ،
فَانتَظِرْ إذًا!

15 «يَظُنُّ أيُّوبُ أنَّ اللهَ لَا يُعَاقِبُهُ،
وَلَا يَبَالِي كَثِيرًا بِخَطَايَاهُ،
16 لِذَلِكَ يُواصِلُ أيُّوبُ كَلَامَهُ الفَارِغَ،
وَيُتَابِعُ ثَرثَرَتَهُ بِلَا مَعْرِفَةٍ.»

36 ثُمَّ أضَافَ ألِيهُو:

«فَاصْبِرْ عَلَيَّ قَلِيلًا فَأشْرَحَ لَكَ،
لِأنَّهُ مَا يَزَالُ هُنَاكَ كَلَامٌ
يُقَالُ دِفَاعًا عَنِ اللهِ.
سَأجْلِبُ مَعْرِفَتِي مِنْ بَعِيدٍ،
وَسَأُبَيِّنُ أنَّ خَالِقِي عَلَى حَقٍّ.
حَقًّا لَيْسَ فِي كَلَامِي زَيفٌ،
وَأنْتَ تَعْلَمُ هَذَا تَمَامَ العِلمِ.

«اللهُ قَدِيرٌ حقًّا وَلَا يَحْتَقِرُ النَّاسَ.
هُوَ قَدِيرٌ وَغَنِيٌّ فِي المَعْرِفَةِ وَالحِكْمَةِ.
لَا يَدَعُ الشِّرِّيرَ يَحيَا،
لَكِنَّهُ يُنْصِفُ المَضطَهَدِينَ.
لَا يُحَوِّلُ عَيْنَيْهِ عَنِ الأبرِيَاءِ،
يُجلِسُهُمْ مَعَ المُلُوكِ عَلَى العُرُوشِ إلَى الأبَدِ فَيَرْتَفِعُونَ.
وَإنْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُقَيَّدِينَ بِسَلَاسِلَ،
أوْ إذَا أسَرَتْهُمْ قُيُودٌ ألِيمَةٌ،
فَإنَّهُ يُخبِرُهُمْ بِمَا فَعَلُوهُ،
وَيُعَلِّمُهُمْ عَنْ جَرَائِمِهِمْ عِنْدَمَا يَتَكَبَّرُونَ.
10 يَفْتَحُ آذَانَهُمْ عَلَى تَعْلِيمِهِ وَتَحْذِيرِهِ،
لِكَي يَرْجِعُوا عَنِ الشَّرِّ.
11 فَإنِ استَمَعُوا إلَيْهِ وَخَدَمُوهُ،
يُمْضُونَ بَقِيَّةَ حَيَاتِهِمْ فِي خَيرٍ،
وَسَنَوَاتِهِمْ بِالمَسَّرَّاتِ.
12 وَإذَا لَمْ يَسْمَعُوا،
فَسَيَضْرِبُهُمْ سَهمٌ،
فَيَنهَارُونَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا أصَابَهُمْ!

13 «أمَّا فَاسِدُو القَلْبِ فَيَتَمَسَّكُونَ بِالغَضَبِ وَالمَرَارَةِ،
وَلَا يَصْرُخُونَ إلَى اللهِ حِينَ يُقَيِّدُهُمْ.
14 يَمُوتُونَ فِي شَبَابِهِمْ مَعَ مَنْ يُبِيحُونَ أجسَادَهُمْ
فِي عِبَادَةِ آلِهَتِهِمْ.
15 يَنْشِلُ المُحبَطِينَ مِنْ ضِيقَتِهِمْ،
وَفِي الإحْبَاطِ يَفْتَحُ آذَانَهُمْ،
وَيَجْعَلُهُمْ يَسْتَيْقِظُونَ.

16 «كَمَا يُخَلِّصُكَ مِنْ فَمِ الضِّيقِ،
إلَى مَكَانٍ رَحْبٍ غَيْرِ مَحصُورٍ عِوَضًا عَنْهُ.
وَتَمْتَلِئُ مَائِدَتُكَ طَعَامًا.
17 لَكِنَّ دَعْوَاكَ مَلأى بِالذُّنُوبِ،
لِذَلِكَ تُمْسِكُ بِكَ الدَّعوَى وَالعَدلُ،
فَتُعَاقَبُ.
18 لَا تَسْمَحْ لِغَيظِكَ بِأنْ يَجْذِبَكَ إلَى الشَّكِّ،
وَلَا تَتَرَاجَعْ بِسَبِبِ عِظَمِ فِدْيَتِكَ.[a]
19 هَلْ يُمْكِنُ لِتَوَسُّلَاتِكَ فِي وَقْتِ الضِّيقِ،
أوْ تَوَسُّلَاتِ كُلِّ أصْحَابِ النُّفُوذِ،
أنْ تُعِيدَ الأُمُورَ إلَى وَضْعِهَا؟[b]
20 لَا تَلْهَثْ وَرَاءَ الظُّلمَةِ الَّتِي تُغَطِّي الآخَرِينَ.[c]
21 احرِصْ عَلَى أنْ لَا تَلْتَفِتَ إلَى الشَّرِّ،
فَيَبْدُو أنَّكَ اخْتَرْتَ ذَلِكَ بِسَبَبِ ألَمِكَ.

22 «حَقًّا يَتَعَالَى اللهُ فِي قُوَّتِهِ،
أيُّ مُعَلِّمٍ مِثْلُهُ؟
23 مَنْ حَدَّدَ لَهُ طَرِيقَهُ؟
وَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَقُولَ لَهُ:
‹قَدْ أخطَأتَ؟›
24 تَذَكَّرْ أنَّ عَلَيْكَ أنْ تُمَجِّدَ أعْمَالَهُ الَّتِي يَتَرَنَّمُ بِهَا النَّاسُ.
25 الجَمِيعُ يُرِيدُونَ أنْ يُبصِرُوا اللهَ،
لَكِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ.
26 حَقًّا إنَّ اللهَ عَظِيمٌ،
وَلَا نَسْتَوْعِبُ عَظَمَتَهُ.
وَسَنَوَاتُ وُجُودِهِ لَا يُمْكِنُ أنْ تُحصَى.

27 «لِأنَّهُ يَجْذِبُ قَطَرَاتِ المَاءِ مِنَ الأرْضِ،
وَيُنْزِلُ المَطَرَ عَبْرَ الضَّبَابِ.
28 هُوَ الَّذِي يَجْعَلُ الغُيُومَ تَقْطُرُ،
وَيُرسِلُ مَاءً كَثِيرًا عَلَى النَّاسِ.
29 حقًّا مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَفْهَمَ كَيْفَ تَنْتَشِرُ الغُيُومُ،
وَكَيْفَ يَهْدِرُ الرَّعدُ مِنْ مَسكَنِهِ فِي السَّمَاءِ؟
30 هَا إنَّهُ يَنْشُرُ بَرْقَهُ حَوْلَهُ،
وَيُغَطِّي قَاعَ البَحْرِ.
31 لِأنَّهُ هَكَذَا يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ،
وَيُعطِيهِمْ طَعَامًا حَتَّى الفَيضِ.
32 يَقْبِضُ عَلَى البَرْقِ بِيَدِهِ،
وَيَأْمُرُهُ لِكَي يُصِيبَ هَدَفَهُ.
33 يُعلِنُ الرَّعْدُ قُدُومَ العَاصِفَةِ.
فَحَتَّى المَوَاشِي تَعْرِفُ أنَّهَا آتِيَةٌ.

37 «يَضْطَرِبُ قَلْبِي مِنَ البَرْقِ وَالرَّعْدِ،
وَيَقْفِزُ مِنْ مَكَانِهِ،
اسْتَمِعُوا اسْتِمَاعًا إلَى صَوْتِ اللهِ المُرْعِدِ،
وَإلَى هَدِيرِ فَمِهِ.
يُضِيءُ بَرْقُهُ السَّمَاءَ كُلَّهَا،
وَيَمْتَدُّ نُورُهُ إلَى أقَاصِي الأرْضِ.
ثُمَّ يَهْدِرُ الرَّعدُ.
يُرْعِدُ بِصَوْتِهِ الجَلِيلِ.
يَهْدِرُ صَوْتُهُ وَيَتَوَاصَلُ البَرْقُ.
يُرْعِدُ اللهُ بِصَوْتِهِ العَجِيبِ،
صَانِعًا أُمُورًا عَظِيمَةً لَا نَسْتَطِيعُ فَهمَهَا.
فَهُوَ يَقُولُ لِلثَّلجِ:
‹اسقُطْ عَلَى الأرْضِ،›
وَيَقُولُ لِلأمْطَارِ: ‹اشتَدِّي.›
يُعلِنُ رِضَاهُ عَنْ أعْمَالِ أيدِي البَشَرِ،
فَيَرَى النَّاسُ أعْمَالَهُ.
فَيَذْهَبُ الحَيَوَانُ إلَى جُحرِهِ،
لِيَكُونَ لَهُ مَأوَى.
تَأْتِي العَاصِفَةُ مِنْ مَخَزَنِهَا الجَنُوبِيِّ،
وَالبَردُ مِنَ الرِّيَاحِ الشِّمَالِيَّةِ.
10 مِنْ نَسمَةِ اللهِ يَأْتِي الجَلِيدُ،
فَتَتَجَمَّدُ المِيَاهُ بِمَسَاحَاتٍ وَاسِعَةٍ.
11 أيْضًا يَملأُ السَّحَابَةَ الكَثِيفَةَ بِالرُّطُوبَةِ،
وَيُبَعْثِرُ بَرْقَهُ فِي السَّحَابِ.
12 تَلْتَفُّ السُّحُبُ كَالدَّوَّامَةِ حَسَبَ قَيَادَتِهِ،
لِتَفْعَلَ كُلَّ مَا يَأْمُرُهَا بِهِ عَلَى الأرْضِ،
13 قَدْ يَصْنَعُ هَذَا كُلَّهُ مِنْ أجْلِ عَشِيرَةٍ مَا،
أوْ مِنْ أجْلِ أرْضٍ مَا،
أوْ بِسَبَبِ نِعْمَتِهِ.[d]

14 «اسْمَعْ هَذَا يَا أيُّوبُ.
قِفْ وَتَأمَّلْ عَجَائِبَ اللهِ تَأمُّلًا.
15 أتَعْرِفُ كَيْفَ يُسَيطِرُ اللهُ عَلَى السُّحُبِ،
وَيَجْعَلُ نُورَهُ يَبْرُقُ مِنْهَا؟
16 أتَعْرِفُ كَيْفَ يُعَلِّقُ الغُيُومَ الكَثِيفَةَ فِي السَّمَاءِ؟
هِيَ فَقَطْ وَاحِدَةٌ مِنْ أعَاجِيبِ اللهِ الكَامِلِ المَعْرِفَةِ.
17 كُلُّ مَا تَعْرِفُهُ هُوَ أنَّ ثِيَابَكَ تَلْتَصِقُ بِكَ مِنَ الحَرِّ،
وَتَهْدَأُ الأرْضُ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ الجَنُوبِ.
18 لَكِنْ هَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَنْشُرَ سُحُبَ السَّمَاءِ مَعَ اللهِ،
لِتَصِيرَ مِثْلَ مَعدِنٍ مَصقُولٍ.

19 «عَلِّمنَا مَاذَا نَقُولُ للهِ!
فَنَحْنُ الجُهَّالَ، لَا نَسْتَطِيعُ أنْ نُرَتِّبَ كَلَامَنَا!
20 أيُطلَبُ الإذنُ لِي بِالْكَلَامِ مَعَهُ!
فَوَاحِدٌ مِثْلِي قَدْ يَبْتَلِعُهُ اللهُ!
21 ألَيْسَ صَحِيحًا أنَّ النُّورَ يَسْطَعُ
حَتَّى عَبْرَ السُّحُبِ العَالِيَةِ،
ثُمَّ تَمُرُّ الرِّيحُ فَتُبَدِّدُهَا.
22 يَأْتِي اللهُ مِنَ الشِّمَالِ[e] بِمَجْدٍ ذَهَبِيٍّ،
يُحِيطُ بِهِ البَهَاءُ وَالجَلَالُ.
23 أمَّا القَدِيرُ فَلَا نَقدِرُ أنْ نَصِلَ إلَيْهِ.
عَظِيمٌ هُوَ فِي قُوَّتِهِ وَفِي أحْكَامِهِ،
وَلَا يُنَاقِضُ كَثْرَةَ عَدلِهِ بِالظُّلْمِ.
24 لِهَذَا يَهَابُهُ البَشَرُ،
فَهُوَ لَا يَتَحَيَّزُ لِمَنْ يَرَوْنَ أنْفُسَهُمْ حُكَمَاءَ.»

Footnotes

  1. 36‏:18 أوْ «لَا تَدَعِ الغِنَى يَخْدَعُكَ، وَلَا تَسْمَحْ لِلمَالِ بأِنْ يُغَيِّرَ فِكرَكَ.»
  2. 36‏:19 أوْ «لَا يَسْتَطيعُ مَالُكَ أنْ يُنَجِّيكَ الآنَ. وَكُلُّ أصْحَابِكَ الأقْوِيَاءِ لَا يَسْتَطيعُونَ مُسَاعَدَتَكْ.»
  3. 36‏:20 هُنَاكَ صُعُوبَةٌ فِي فهمِ هَذَا المقطع فِي اللغةِ العِبْريّة.
  4. 37‏:13 أوْ «يُسيِّرُ اللهُ الغيومَ ليَأتِي بِالطوفَانِ عقَابًا للنَّاسِ، أوْ ليُعطيَ مَاءً فيُظهِرَ نِعمتَهُ.»
  5. 37‏:22 مِنَ الشِّمَال ويَعني أيْضًا «مِنْ صَافُونَ.» إذْ يُشَارُ إلَى جبلِ صَافُونَ – وَهُوَ فِي سورِيَّة – فِي بعضِ القِصَصِ الكَنعَانية بَاعتِبَارِهِ جَبَلَ الآلِهَةِ، وَمِنْ هُنَا رُبَمَا جَاءَ وَجْهُ المقَابَلَةِ مَعَ جَبَلِ اللهِ صِهْيَوْن.