14 الإِنْسَانُ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ. قَصِيرُ الْعُمْرِ وَمُفْعَمٌ بِالشَّقَاءِ، يَتَفَتَّحُ كَالزَّهْرِ ثُمَّ يَنْتَثِرُ، وَيَتَوَارَى كَالشَّبَحِ فَلا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ. أَعَلَى مِثْلِ هَذَا فَتَحْتَ عَيْنَيْكَ وَأَحْضَرْتَنِي لأَتَحَاجَّ مَعَكَ؟ مَنْ يَسْتَوْلِدُ الطَّاهِرَ مِنَ النَّجِسِ؟ لَا أَحَدٌ! فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهُ مَحْدُودَةً، وَعَدَدُ أَشْهُرِهِ مَكْتُوباً لَدَيْكَ، وَعَيَّنْتَ أَجَلَهُ فَلا يَتَجَاوَزُهُ، فَأَشِحْ بِوَجْهِكَ عَنْهُ وَدَعْهُ يَسْتَرِيحُ مُسْتَمْتِعاً، رَيْثَمَا يَنْتَهِي يَوْمُهُ، كَالأَجِيرِ.

لأَنَّ لِلشَّجَرَةِ أَمَلاً، إِذَا قُطِعَتْ أَنْ تُفْرِخَ مِنْ جَدِيدٍ وَلا تَفْنَى بَرَاعِمُهَا. حَتَّى لَوْ شَاخَتْ أُصُولُهَا فِي الأَرْضِ وَمَاتَ جِذْعُهَا فِي التُّرَابِ، فَإِنَّهَا حَالَما تَسْتَرْوِحُ الْمَاءَ تُفْرِخُ، وَتُنْبِتُ فُرُوعاً كَالْغَرْسِ. 10 أَمَّا الإِنْسَانُ فَإِنَّهُ يَمُوتُ وَيَبْلَى، يَلْفِظُ آخِرَ أَنْفَاسِهِ، فَأَيْنَ هُوَ؟ 11 كَمَا تَنْفَدُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبُحَيْرَةِ، وَيَجِفُّ النَّهْرُ، 12 هَكَذا يَرْقُدُ الإِنْسَانُ وَلا يَقُومُ، وَلا يَسْتَيْقِظُ مِنْ نَوْمِهِ إِلَى أنْ تَزُولَ السَّمَاوَاتُ.

13 لَيْتَكَ تُوَارِينِي فِي عَالَمِ الأَمْوَاتِ، وَتُخْفِينِي إِلَى أَنْ يَعْبُرَ عَنِّي غَضَبُكَ، وَتُحَدِّدُ لِي أَجَلاً فَتَذْكُرَنِي. 14 إِنْ مَاتَ رَجُلٌ أَفَيَحْيَا؟ إِذَنْ لَصَبِرْتُ كُلَّ أَيَّامِ مُكَابَدَتِي، رَيْثَمَا يَأْتِي زَمَنُ إِعْفَائِي. 15 أَنْتَ تَدْعُو وَأَنَا أُجِيبُكَ. أَنْتَ تَتُوقُ إِلَى عَمَلِ يَدَيْكَ، 16 حِينَئِذٍ تُحْصِي خَطْوَاتِي حَقّاً، وَلَكِنَّكَ لَا تُرَاقِبُ خَطِيئَتِي، 17 فَتَخْتِمُ مَعْصِيَتِي فِي صُرَّةٍ، وَتَسْتُرُ ذَنْبِي.

18 وَكَمَا يَتَفَتَّتُ الْجَبَلُ السَّاقِطُ، وَيَتَزَحْزَحُ الصَّخْرُ مِنْ مَوْضِعِهِ، 19 وَكَمَا تُبْلِي الْمِيَاهُ الْحِجَارَةَ، وَتَجْرُفُ سُيُولُهَا تُرَابَ الأَرْضِ، هَكَذَا تُبِيدُ أَنْتَ رَجَاءَ الإِنْسَانِ. 20 تَقْهَرُهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَيَتَلاشَى، وَتُغَيِّرُ مِنْ مَلامِحِهِ وَتَطْرُدُهُ. 21 يُكْرَمُ أَبْنَاؤُهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، أَوْ يُذَلُّونَ وَلا يُدْرِكُ ذَلِكَ. 22 لَا يَشْعُرُ بِغَيْرِ آلامِ بَدَنِهِ، وَلا يَنُوحُ إِلّا عَلَى نَفْسِهِ».

أليفاز

15 فَقَالَ أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ: «أَلَعَلَّ الْحَكِيمَ يُجِيبُ عَنْ مَعْرِفَةٍ بَاطِلَةٍ وَيَنْفُخُ بَطْنَهُ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ، فَيَحْتَجَّ بِكَلامٍ أَجْوَفَ وَبِأَقْوَالٍ خَرْقَاءَ؟ أَمَّا أَنْتَ فَإِنَّكَ تَطْرَحُ جَانِباً مَخَافَةَ اللهِ وَتَنْقُضُ عِبَادَتَهُ. كَلامُكَ يُقِرُّ بِإِثْمِكَ، وَأَنْتَ تُؤْثِرُ أُسْلُوبَ الْمُنَافِقِينَ. فَمُكَ يَدِينُكَ، لَا أَنَا، شَفَتَاكَ تَشْهَدَانِ عَلَيْكَ.

أَلَعَلَّكَ وُلِدْتَ أَوَّلَ النَّاسِ، أَوْ كُوِّنْتَ قَبْلَ التِّلالِ؟ هَلْ تَنَصَّتَّ فِي مَجْلِسِ اللهِ، فَقَصَرْتَ الْحِكْمَةَ عَلَى نَفْسِكَ؟ أَيُّ شَيْءٍ تَعْرِفُهُ وَنَحْنُ نَجْهَلُهُ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ تَفْهَمُهُ وَنَحْنُ لَا نَمْلِكُ إِدْرَاكَهُ؟ 10 رُبَّ شَيْخٍ وَأَشْيَبَ بَيْنَنَا أَكْبَرَ سِنّاً مِنْ أَبِيكَ. 11 أَيَسِيرَةٌ عَلَيْكَ تَعْزِيَاتُ اللهِ؟ حَتَّى هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي خُوطِبْتَ بِها بِرِفْقٍ؟

12 لِمَاذَا يَسْتَهْوِيكَ قَلْبُكَ وَتَتَوَهَّجُ عَيْنَاكَ، 13 حَتَّى تَنْفُثَ غَضَبَكَ ضِدَّ اللهِ، وَيَصْدُرَ عَنْ فَمِكَ مِثْلُ هَذِهِ الأَقْوَالِ؟ 14 مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى يَزْكُوَ أَوْ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَتَبَرَّرَ؟ 15 فَإِنْ كَانَ اللهُ لَا يَأْتَمِنُ قِدِّيسِيهِ، وَالسَّمَاوَاتُ غَيْرَ طَاهِرَةٍ لَدَيْهِ، 16 فَكَمْ بِالأَحْرَى يَكُونُ الإِنْسَانُ الشَّارِبُ الإِثْمَ كَالْمَاءِ مَكْرُوهاً وَفَاسِداً!

17 دَعْنِي أُبَيِّنُ لَكَ، وَاسْمَعْ لِي لأُحَدِّثَكَ بِمَا رَأَيْتُهُ، 18 وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ حُكَمَاءُ عَنْ آبَائِهِمْ وَلَمْ يَكْتُمُوهُ، 19 الَّذِينَ لَهُمْ وَحْدَهُمْ وُهِبَتِ الأَرْضُ وَلَمْ يَدْخُلْ بَيْنَهُمْ غَرِيبٌ. 20 يَتَلَوَّى الشِّرِّيرُ أَلَماً كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، وَمَعْدُودَةٌ هِيَ سِنُو الْجَائِرِ. 21 يَضِجُّ صَوْتٌ مُرْعِبٌ فِي أُذُنَيْهِ، وَفِي أَوَانِ السَّلامِ يُفَاجِئُهُ الْمُخَرِّبُ. 22 لَا يَأْمُلُ الرُّجُوعَ مِنَ الظُّلُمَاتِ، وَمَصِيرُهُ الْهَلاكُ بِالسَّيْفِ. 23 يَهِيمُ بَحْثاً عَنْ لُقْمَةِ الْعَيْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ يَوْمَ الظُّلْمَةِ آتٍ وَشِيكاً. 24 يُرْهِبُهُ الضِّيقُ وَالضَّنْكُ، وَيَطْغَيَانِ عَلَيْهِ كَمَلِكٍ مُتَأَهِّبٍ لِلْحَرْبِ. 25 لأَنَّهُ هَزَّ قَبْضَتَهُ مُتَحَدِّياً اللهَ، وَعَلَى الْقَدِيرِ يَتَجَبَّرُ، 26 وَأَغَارَ عَلَيْهِ بِعِنَادٍ مُتَصَلِّفٍ، بِمَجَانٍّ غَلِيظَةٍ مَتِينَةٍ. 27 وَمَعَ أَنَّهُ كَسَا وَجْهَهُ سَمْناً، وَغَشَّى الشَّحْمُ كُلْيَتَيْهِ. 28 فَإِنَّهُ يُقِيمُ فِي مُدُنٍ خَرِبَةٍ وَبُيُوتٍ مَهْجُورَةٍ عَتِيدَةٍ أَنْ تُصْبِحَ رُكَاماً. 29 يَفْقِدُ غِنَاهُ، وَتَتَبَخَّرُ ثَرْوَتُهُ، وَلا يَثْبُتُ لَهُ فِي الأَرْضِ مُقْتَنىً. 30 تَكْتَنِفُهُ دَائِماً الظُّلْمَةُ، وتُيَبِّسُ النَّارُ أَغْصَانَهُ، وَتُزِيلُهُ نَفْخَةٌ مِنْ فَمِ الرَّبِّ. 31 لَا يَخْدَعَنَّ نَفْسَهُ بِاتِّكَالِهِ عَلَى السُّوءِ، لأَنَّ السُّوءَ يَكُونُ جَزَاءَهُ. 32 يَسْتَوْفِيهِ كَامِلاً قَبْلَ يَوْمِهِ، وَتَكُونُ (حَيَاتُهُ) كَسُعُفٍ يَابِسَةٍ. 33 وَكَكَرْمَةٍ تَسَاقَطَتْ عَنَاقِيدُ حِصْرِمِهَا، وَتَنَاثَرَ زَهْرُهَا كَالزَّيْتُونِ، 34 لأَنَّ جَمَاعَةَ الْفُجَّارِ عَقِيمُونَ، وَالنَّارُ تَلْتَهِمُ خِيَامَ الْمُرْتَشِينَ. 35 حَبِلُوا شَقَاوَةً وَأَنْجَبُوا إِثْماً، وَوَلَدَتْ بُطُونُهُمْ غِشّاً».

أيوب

16 فَقَالَ أَيُّوبُ: «قَدْ سَمِعْتُ كَثِيراً مِثْلَ هَذَا الْكَلامِ وَأَنْتُمْ كُلُّكُمْ مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ. أَمَا لِهَذَا اللَّغْوِ مِنْ نِهَايَةٍ؟ وَمَا الَّذِي يُثِيرُكَ حَتَّى تَرُدَّ عَلَيَّ؟ فِي وُسْعِي أَنْ أَتَكَلَّمَ مِثْلَكُمْ لَوْ كُنْتُمْ مَكَانِي، وَأُلْقِيَ عَلَيْكُمْ أَقْوَالَ مَلامَةٍ، وَأَهُزَّ رَأْسِي فِي وُجُوهِكُمْ، بَلْ كُنْتُ أُشَجِّعُكُمْ بِنَصَائِحِي، وَأُشَدِّدُكُمْ بِتَعْزِيَاتِي.

إِنْ تَكَلَّمْتُ لَا تُمْحَى كَآبَتِي، وَإِنْ صَمَتُّ، فَمَاذَا يُخَفِّفُ الصَّمْتُ عَنِّي؟ إِنَّ اللهَ قَدْ مَزَّقَنِي حَقّاً وَأَهْلَكَ كُلَّ قَوْمِي. لَقَدْ كَبَّلْتَنِي فَصَارَ ذَلِكَ شَاهِداً عَلَيَّ، وَقَامَ هُزَالِي لِيَشْهَدَ ضِدِّي. مَزَّقَنِي غَضَبُهُ، وَاضْطَهَدَنِي. حَرَّقَ عَلَيَّ أَسْنَانَهُ. طَعَنَنِي عَدُوِّي بِنَظْرَاتِهِ الْحَادَّةِ. 10 فَغَرَ النَّاسُ أَفْوَاهَهُمْ عَلَيَّ، لَطَمُونِي تَعْيِيراً عَلَى خَدِّي، وَتَضَافَرُوا عَلَيَّ جَمِيعاً. 11 أَسْلَمَنِي اللهُ إِلَى الظَّالِمِ، وَطَرَحَنِي فِي يَدِ الأَشْرَارِ. 12 كُنْتُ مُطْمَئِنّاً مُسْتَقِرّاً، فَزَعْزَعَنِي الرَّبُّ وَقَبَضَ عَلَيَّ مِنْ عُنُقِي، وَحَطَّمَنِي وَنَصَبَنِي لَهُ هَدَفاً. 13 حَاصَرَنِي رُمَاتُهُ وَشَقَّ كُلْيَتَيَّ مِنْ غَيْرِ رَحْمَةٍ، أَهْرَقَ مَرَارَتِي عَلَى الأَرْضِ. 14 اقْتَحَمَنِي مَرَّةً تِلْوَ مَرَّةٍ، وَهَاجَمَنِي كَجَبَّارٍ. 15 خِطْتُ مِسْحاً عَلَى جِلْدِي، وَمَرَّغْتُ عِزِّي فِي التُّرَابِ. 16 احْمَرَّ وَجْهِي مِنَ الْبُكَاءِ، وَغَشِيَتْ ظِلالُ الْمَوْتِ أَهْدَابِي، 17 مَعَ أَنَّنِي لَمْ أَقْتَرِفْ ظُلْماً، وَصَلاتِي مُخْلِصَةٌ.

18 يَا أَرْضُ لَا تَسْتُرِي دَمِي، وَلا يَكُنْ لِصُرَاخِي قَرَارٌ. 19 هُوَذَا الآنَ شَاهِدِي فِي السَّمَاءِ، وَكَفِيلِي فِي الأَعَالِي 20 أَمَّا أَصْحَابِي فَهُمُ السَّاخِرُونَ بِي، لِذَلِكَ تَفِيضُ دُمُوعِي أَمَامَ اللهِ، 21 لَكَمْ أَحْتَاجُ لِمَنْ يُدَافِعُ عَنِّي أَمَامَ اللهِ، كَمَا يُدَافِعُ إِنْسَانٌ عَنْ صَدِيقِهِ. 22 إِذْ مَا إِنْ تَنْقَضِي سَنَوَاتُ عُمْرِي الْقَلِيلَةُ حَتَّى أَمْضِيَ فِي طَرِيقٍ لَا أَعُودُ مِنْهَا.

14 «الإنْسَانُ المَولُودُ مِنِ امْرأةٍ
حَيَاتُهُ قَصِيرَةٌ وَمَليئَةٌ بِالشَّقَاءِ.
كَزَهرَةٍ تَنْمُو حَيَاةُ الإنْسَانِ ثُمَّ تَذْوِي،
وَتَهْرُبُ كَظِلٍّ لَا يَدُومُ.
وَمَعَ ذَلِكَ، فَأنْتَ، يَا اللهُ، تَفْتَحُ عَيْنَيْكَ عَلَيَّ،
وَتَقُودُنِي إلَى المُحَاكَمَةِ مَعَكَ.

«مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَجْعَلَ النَّجِسَ طَاهِرًا؟
لَا أحَدُ!
مَا دَامَت أيَّامُ حَيَاتِهِ مُحَدَّدَةٌ سَلَفًا،
وَطُولُ عُمرِهِ مَعلُومًا لَدَيكَ،
فَلَا يُمْكِنُ أنْ يَتَغَيَّرَ.
أبْعِدْ عَيْنَيْكَ عَنْهُ وَدَعْهُ وَشَأنَهُ،
لِكَي يَتَمَتَّعَ بِحَيَاتِهِ كَمَا يَفْعَلُ الأجِيرُ.

«لِلشَّجَرَةِ رَجَاءٌ.
إنْ قُطِعَتْ فَإنَّهَا تَنْمُو مِنْ جَدِيدٍ،
وَأغْصَانُهَا تَظَلُّ تَنْبُتُ.
وَإذَا شَاخَ فِي الأرْضِ جِذْرُهَا،
وَمَاتَ فِي التُّرَابِ جِذعُهَا،
فَبِالمَاءِ القَلِيلِ تَعُودُ فَتُزْهِرُ،
وَتُنتِجُ أغْصَانًا كَنَبْتَةٍ جَدِيدَةٍ.
10 أمَّا الإنْسَانُ فَيَضْعُفُ وَيَمُوتُ.
يَفْقِدُ الإنْسَانُ صِحَّتَهُ،
فَأينَ يَكُونُ عِنْدَ ذَلِكَ؟
11 تَنْفَدُ المِيَاهُ مِنْ بُحَيرَةٍ،
وَيَنْشَفُ النَّهرُ مِنْ مَصْدَرِهِ.
12 هَكَذَا أيْضًا يَضْطَجِعُ الإنْسَانُ وَلَا يَنْهَضُ.
فَلَنْ يَسْتَيْقِظَ المَوْتَى أوْ يَقُومُونَ مِنْ نَومِهِمْ،
إلَّا حِينَ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ.

13 «لَيتَكَ تَخْفِينِي فِي الهَاوِيَةِ،
وَتُخَبِّئُنِي حَتَّى يَهْدَأ غَضَبُكَ.
لَيتَكَ تُحَدِّدُ لِي وَقْتًا تَذْكُرُنِي فِيهِ.
14 إنْ مَاتَ إنْسَانٌ، فَهَلْ يَحيَا ثَانِيَةً؟
إذًا سَأنتَظِرُ كُلَّ أيَّامِ جُندِيَّتِي،
حَتَّى يأتِيَ إعفَائِي.
15 سَتَدْعُونِي فَأُلَبِّي،
فَأنْتَ تَشتَاقُ إلَى عَمَلِ يَدَيْكَ.
16 حِينَئِذٍ، سَتُرَاقِبُ خُطُواتِي،
وَلَنْ تَتَرَصَّدَ خَطَايَايَ.
17 سَتَضَعُ خَطِيَّتِي فِي كِيسٍ مَختُومٍ،
وَسَتَسْتُرُ إثمِي فَلَا تَرَاهُ.

18 «لَكِنْ كَمَا يَسْقُطُ جُزءٌ مِنَ الجَبَلِ وَيُجرَفُ،
وَكَمَا تُزَحْزَحُ الصَّخرَةُ مِنْ مَكَانِهَا،
19 وَكَمَا تَتَآكَلُ الحِجَارَةُ بِالمَاءِ،
وَتَغْسِلُ السُّيُولُ تُرَابَ الأرْضِ،
هَكَذَا تُدَمِّرُ يَا اللهُ رَجَاءَ الإنْسَانِ الفَانِي.
20 تَهْزِمُهُ وَتَنْتَصِرُ عَلَيْهِ، فَيَمْضِي.
تُرسِلُهُ إلَى المَوْتِ
بَعْدَ أنْ غَيَّرتِ الهَزِيمَةُ وَجْهَهُ!
21 إذَا أُكْرِمَ أبْنَاؤُهُ، فَإنَّهُ لَا يَعْلَمُ،
وَإذَا ذَلُّوا، فَإنَّهُ لَا يَدْرِي.
22 غَيْرَ أنَّ جَسَدَهُ يَتَألَّمُ،
وَلَا يَنُوحُ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ.»

حَدِيثُ ألِيفَاز

15 فَأجَابَ ألِيفَازُ التَّيمَانِيُّ:

«أيُجِيبُ الحَكِيمُ بِكَلَامٍ فَارِغٍ؟
بَطنُهُ مَلِيءٌ بِالهَوَاءِ.
هَلْ يُجَادِلُ بِكَلَامٍ لَا يُفِيدُ،
وَبِأقْوَالٍ لَا تَنْفَعُ؟
فَإنَّكَ تُبعِدُ النَّاسَ عَنِ مَخَافَةِ اللهِ،
وَتُعِيقُ التَّأمُّلَ فِي حَضْرَتِهِ.
فَمُكَ يُظهِرُ ذَنبَكَ،
لِأنَّ لِسَانَكَ يَختَارُ الكَلِمَاتِ بِاحتِيَالٍ.
فَمُكَ يَدِينُكَ، لَا أنَا.
إذْ تَشْهَدُ عَلَيْكَ شَفَتَاكَ.

«أأنْتَ أوَّلُ المَولُودِينَ مِنَ البَشَرِ؟
هَلْ خُلِقْتَ قَبْلَ التِّلَالِ؟
هَلْ كُنْتَ حَاضِرًا تَسْمَعُ مَشُورَةَ اللهِ؟
هَلِ الحِكْمَةُ مَقصُورَةٌ عَلَيْكَ؟
مَا الَّذِي تَعْرِفُهُ أنْتَ وَلَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ،
مَا الَّذِي تَفْهَمُهُ أنْتَ وَلَا نَفهَمُهُ نَحْنُ؟
10 بَيْنَنَا الأشيَبُ وَالعَجُوزُ،
وَهُوَ أكبَرُ سِنًّا مِنْ أبِيكَ.
11 هَلْ تَسْتَخِفُّ بِتَعْزِيَاتِ اللهِ لَكَ،
وَالكَلِمَاتِ الرَّفِيقَةِ بِكَ؟
12 لِمَاذَا تَسْمَحُ لِقَلْبِكَ بِأنْ يَأْخُذَكَ بَعِيدًا،
حَتَّى إنَّ عَيْنَيْكَ تُظهِرَانِ ذَلِكَ؟
13 إنَّكَ تَنْقَلِبُ عَلَى اللهِ،
وَتُطلِقُ مِثْلَ هَذِهِ الأقْوَالَ مِنْ فَمِكَ.

14 «مَا هُوَ الإنْسَانُ لِيَكُونَ طَاهِرًا،
أوِ المَولُودُ مِنَ المَرْأةِ لِيَكُونَ بَارًّا،
15 فَاللهُ لَا يَتَّكِلُ عَلَى مَلَائِكَتِهِ المُقَدَّسِينَ،[a]
حَتَّى السَّمَاوَتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ فِي عَيْنَيْهِ.
16 فَكَمْ بِالحِرِيِّ يَكُونُ
ذَلِكَ الإنْسَانُ المَكرُوهُ الفَاسِدُ،
الَّذِي يَشْرَبُ الإثمَ كَالمَاءِ.

17 «سَأُفْهِمُكَ قَصدِي، فَاسْتَمِعْ إلَيَّ.
لَقَدْ رَأيْتُ هَذَا، فَدَعْنِي أُخبِرُكَ عَنْهُ.
18 هُوَ شَيءٌ قَالَهُ الحُكَمَاءُ،
وَلَمْ يُخْفِهِ آبَاؤُهُمْ عَنْهُمْ.
19 أُعْطِيَتِ الأرْضَ لَهُمْ وَحدَهُمْ.
وَلَمْ يَعْبُرْ غَرِيبٌ طَرِيقَهُمْ.
20 يَتَلَوَّى الشِّرِّيرُ طَوَالَ حَيَاتِهِ ألَمًا،
كَذلِكَ الظَّالِمُ يُعَانِي كُلَّ حَيَاتِهِ.
21 يَتَخَيَّلُ أصْوَاتَ الرُّعبِ فِي أُذُنَيهِ،
وَفِي وَقْتِ سَلَامِهِ، يَأْتِيهِ الغُزَاةُ.
22 لَا رَجَاءَ لَهُ فِي أنْ يَعُودَ مِنَ الظُّلمَةِ،
وَهُنَاكَ سَيفٌ بِانْتِظَارِهِ.
23 سَيُلقَى بِهِ طَعَامًا لِلنُّسُورِ،[b]
وَهُوَ يَعْرِفُ أنَّ يَوْمَ الظُلمَةِ قَرِيبٌ.
24 يُرعِبُهُ البَلَاءُ وَالضِّيقُ،
وَيُرْهَبَانِهِ كَمَلِكٍ يَتَهَيَّأُ لِلهُجُومِ.
25 لِأنَّهُ مَدَّ يَدَهُ ضِدَّ اللهِ،
وَوَاجَهَ القَدِيرَ بِوَقَاحَةٍ.
26 بِعِنَادٍ هَاجَمَهُ،
وَبِدِرْعٍ تَقَدَّمَ ضِدَّهُ.
27 فَمَعْ أنَّهُ تَغَطَّى وَجْهُهُ وَخَاصِرَتَاهِ مِنَ الشَّحْمِ،
28 سَيَسْكُنُ مُدُنَ الأشْبَاحِ،
فِي بُيُوتٍ مَهجُورَةٍ مَصِيرُهَا أكْوَامٌ مِنْ حُطَامٍ.
29 لِهَذَا لَنْ يَكُونَ الشِّرِّيرُ غَنِيًّا فِيمَا بَعْدُ،
وَقُوَّتُهُ لَنْ تَدُومَ،
وَمَمتَلَكَاتُهُ لَنْ تَمْتَدَّ فِي الأرْضِ.
30 لَنْ يَجِدَ مَهرَبًا مِنَ الظُلمَةِ،
وَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ يَبَّسَ المَرَضُ أغْصَانَهَا،
وَطَيَّرَتِ الرِّيَاحُ أوْرَاقَهَا.
31 لَا يَنْبَغِي أنْ يَتَّكِلَ عَلَى أُمُورٍ فَارِغَةٍ،
فَيَخْدَعَ نَفْسَهُ.
لِأنَّ الفَرَاغَ سَيَكُونُ مُكَافَأتَهُ.
32 وَسَيَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِهِ،
كَشَجَرَةٍ اصفَرَّتْ قِمَّتُهَا.
33 وَيَكُونُ كَكَرمَةٍ تَفْقِدُ عِنَبَهَا قَبْلَ نُضْجِهِ،
أوْ كَزَيْتُونَةٍ تُسْقِطُ بَرَاعِمَهَا.
34 لِأنَّ الأشرَارَ الفَاسِدِينَ عَقِيمُونَ لَا ثَمَرَ لَهُمْ،
وَالنَّارَ تَأْكُلُ المُتَعَامِلِينَ بِالرِّشوَةِ.
35 لِأنَّهُمْ يَحْبَلُونَ ضِيقًا،
وَيَلِدُونَ شَرًّا،
وَبُطُونُهُمْ تَلِدُ خِدَاعًا.»

رَدُّ أيُّوبَ عَلَى أليفَاز

16 فَأجَابَ أيُّوبُ:

«استَمَعتُ إلَى هَذِهِ الأفكَارِ كُلَّهَا،
وَكُلُّكُمْ مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ.
أمَا مِنْ نِهَايَةٍ لِهَذَا الكَلَامِ الفَارِغِ؟
فَمَا الَّذِي يُزعِجُكُمْ فَتُضْطَرُّونَ لِلكَلَامِ؟
لَوْ كَنتُمْ مَكَانِي،
لَكُنْتُ أسْتَطِيعُ أنَا أيْضًا أنْ أتَكَلَّمَ مِثْلَكُمْ.
أُهَاجِمُكُمْ بِالِاتِّهَامَاتِ،
وَأهُزُّ رَأسِي لَكُمْ.

«لَكِنِّي كُنْتُ سَأُشَجِّعُكُمْ بِكَلِمَاتِي،
وَأُخَفِّفُ أوجَاعَكُمْ بِكَلَامٍ مُعَزٍّ.

«إنْ تَكَلَّمْتُ، لَا يَخِفُّ ألَمِي،
وَإنِ امتَنَعْتُ عَنِ الكَلَامِ، لَا يَتَوَقَفُ.
هَا هُوَ اللهُ يُضعِفُنِي،
ألَمْ تُدَمِّرْ يَا اللهُ كُلَّ أهْلِي؟
مَلأتَ وَجْهِي بِالتَّجَاعِيدِ،
فَصَارَ هَذَا شَاهِدًا ضِدِّي.
قَامَ جِسْمِي الهَزِيلُ لِيَشْهَدَ عَنْ ذَنبِي.

«يُهَاجِمُنِي فِي غَضَبِهِ وَيُمَزِّقُنِي،
وَهُوَ يَصِّرُّ بِأسنَانِهِ عَلَيَّ.
وَيَنْظُرُ إلَيَّ عَدُوِّي بِكُرْهٍ.
10 يَفْتَحُ النَّاسُ أفوَاهَهُمْ لِيَفْتَرِسُونِي.
لَطَمُونِي عَلَى وَجْهِي استِهزَاءً،
وَاصطَفُّوا مَعًا ضِدِّي.
11 أسلَمَنِي اللهُ إلَى الشِّرِّيرِ،
وَرَمَانِي بَيْنَ يَدَي الأشْرَارِ.
12 كُنْتُ مُرتَاحًا فَحَطَّمَنِي.
أمسَكَ بِرَقَبَتِي وَكَسَّرَنِي تَكْسِيرًا.
نَصَبَنِي لَهُ هَدَفًا،
13 وَأحَاطَ بِي رُمَاةُ سِهَامِهِ.
شَقَّ كُلْيَتَيَّ شَقًّا دُونَ شَفَقَةٍ.
يَسْكُبُ مَرَارَتِي عَلَى الأرْضِ.
14 يَسْحَقُنِي مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ،
وَيَهْجُمُ عَلَيَّ كَمُقَاتِلٍ.

15 «لَبِستُ خَيْشًا عَلَى جِلْدِي،
وَمَرَّغتُ كِبرِيَائِي فِي التُّرَابِ.
16 احمَرَّ وَجْهِي مِنَ البُكَاءِ،
وَبَدَتْ حَوْلَ عَينَيَّ دَوَائِرُ سَودَاءُ.
17 مَعَ أنَّ يَدَيَّ لَمْ تُسِيئَا لِأحَدٍ،
وَصَلَاتِي نَقِيَّةٌ.

18 «لَا تُغَطِّي دَمِي يَا أرْضُ،[c]
وَلَا تَمْنَعِي صَرَخَاتِي مِنْ أنْ تُسمَعَ.
19 الآنَ يُوجَدُ شَاهِدٌ فِي السَّمَاءِ،
وَدَلِيلُ بَرَاءَتِي فِي الأعَالِي.
20 صَاحِبِي يُدَافِعُ عَنِّي،
بَيْنَمَا تَذْرِفُ عَيْنَايَ الدُمُوعَ للهِ.
21 سَيُحَاجِجُ عَنِّي فِي حَضْرَةِ اللهِ،
كَإنْسَانٍ يُدَافِعُ عَنْ صَدِيقِهِ.

22 «لِأنَّهُ بَعْدَ سَنَوَاتٍ قَلِيلَةٍ،
سَأمضِي فِي طَرِيقٍ لَا أعُودَ مِنْهَا.

Footnotes

  1. 15‏:15 مَلَائِكَتِه المُقَدَّسِين حرفيًا «قِدِّيسيه.»
  2. 15‏:23 سَيُلقَى … لِلنُّسُور أوْ «سَيَتُوهُ بَحْثًا عَنِ الخُبْزِ.»
  3. 16‏:18 لَا تُغَطِّي … أرْض قَارن بكتَابِ التَّكوينِ 4‏:10‏-11.