صوفر

11 فَأَجَابَ صُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ: «هَلْ يُتْرَكُ هَذَا الْكَلامُ الْمُفَرِّطُ مِنْ غَيْرِ جَوَابٍ، أَمْ يَتَبَرَّأُ الرَّجُلُ الْمِهْذَارُ؟ أَيُفْحِمُ لَغْوُكَ النَّاسَ، أَمْ تَهَكُّمُكَ يَحُولُ دُونَ تَسْفِيهِكَ؟ إِذْ تَدَّعِي قَائِلاً: مَذْهَبِي صَالِحٌ، وَأَنَا بَارٌّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. وَلَكِنْ لَيْتَ اللهَ يَتَكَلَّمُ وَيَفْتَحُ شَفَتَيْهِ لِيَرُدَّ عَلَيْكَ، وَيَكْشِفَ لَكَ أَسْرَارَ حِكْمَتِهِ، فَلِلْحِكْمَةِ الصَّالِحَةِ وَجْهَانِ، فَتُدْرِكَ آنَئِذٍ أَنَّ اللهَ عَاقَبَكَ عَلَى إِثْمِكَ بِأَقَلَّ مِمَّا تَسْتَحِقُّ.

أَلَعَلَّكَ تُدْرِكُ أَعْمَاقَ اللهِ، أَمْ تَبْلُغُ أَقْصَى قُوَّةِ الْقَدِيرِ؟ هُوَ أَسْمَى مِنَ السَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا يُمْكِنُكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ وَهُوَ أَبْعَدُ غَوْراً مِنَ الْهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَعْلَمُ؟ هُوَ أَطْوَلُ مِنَ الأَرْضِ وَأَعْرَضُ مِنَ الْبَحْرِ. 10 فَإِنِ اجْتَازَ وَاعْتَقَلَكَ وَحَاكَمَكَ فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ 11 لأَنَّهُ عَالِمٌ بِالْمُنَافِقِينَ. إِنْ رَأَى الإِثْمَ، أَفَلا يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِ؟ 12 يُصْبِحُ الأَحْمَقُ حَكِيماً عِنْدَمَا يَلِدُ حِمَارُ الْوَحْشِ إِنْسَاناً.

13 إِنْ هَيَّأْتَ قَلْبَكَ وَبَسَطْتَ إِلَيْهِ يَدَيْكَ، 14 وَإِنْ نَبَذْتَ الإِثْمَ الَّذِي تَلَطَّخَتْ بِهِ كَفَّاكَ، فَلَمْ يَعُدِ الْجَوْرُ يُقِيمُ فِي خَيْمَتِكَ. 15 حِينَئِذٍ تَرْفَعُ وَجْهَكَ بِكَرَامَةٍ، وَتَكُونُ رَاسِخاً مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، 16 فَتَنْسَى مَا قَاسَيْتَ مِنْ مَشَقَّةٍ، وَلا تَذْكُرُهَا إِلّا كَمِيَاهٍ عَبَرَتْ. 17 وَتُصْبِحُ حَيَاتُكَ أَكْثَرَ إِشْرَاقاً مِنْ نُورِ الظَّهِيرَةِ، وَيَتَحَوَّلُ ظَلامُهَا إِلَى صَبَاحٍ، 18 وَتَطْمَئِنُّ لأَنَّ هُنَاكَ رَجَاءً، وَتَتَلَفَّتُ حَوْلَكَ وَتَرْقُدُ آمِناً. 19 تَسْتَكِينُ إِذْ لَيْسَ مِنْ مُرَوِّعٍ، وَكَثِيرُونَ يَتَرَجَّوْنَ رِضَاكَ 20 أَمَّا عُيُونُ الأَشْرَارِ فَيُصِيبُهَا التَّلَفُ، وَمَنَافِذُ الْهَرَبِ تَخْتَفِي مِنْ أَمَامِهِمْ، وَلا أَمَلَ لَهُمْ إِلّا فِي الْمَوْتِ».

أيوب

12 فَقَالَ أَيُّوبُ: «صَحِيحٌ إِنَّكُمْ شَعْبٌ تَمُوتُ مَعَكُمُ الْحِكْمَةُ! إِلّا أَنِّي ذُو فَهْمٍ مِثْلَكُمْ، وَلَسْتُ دُونَكُمْ مَعْرِفَةً، وَمَنْ هُوَ غَيْرُ مُلِمٍّ بِهَذِهِ الأُمُورِ؟ لَقَدْ أَصْبَحْتُ مَثَارَ هُزْءٍ لأَصْدِقَائِي، أَنَا الَّذِي دَعَا اللهَ فَاسْتَجَابَ لِي. أَنَا الرَّجُلُ الْبَارُّ الْكَامِلُ قَدْ أَصْبَحْتُ مَثَارَ سُخْرِيَةٍ! يُضْمِرُ الْمُطْمَئِنُّ شَرّاً لِلْبَائِسِ الَّذِي تَزِلُّ بِهِ الْقَدَمُ، بَيْنَمَا يَسُودُ السَّلامُ عَلَى اللُّصُوصِ، وَتُهَيْمِنُ الطُّمأْنِينَةُ عَلَى الَّذِينَ يَعْبُدُونَ أَصْنَاماً يَحْمِلُونَهَا عَلَى أَيْدِيهِمْ.

وَلَكِنِ اسْأَلِ البَهَائِمَ فَتُعَلِّمَكَ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ فَتُخْبِرَكَ، أَوْ خَاطِبِ الأَرْضَ فَتُعَرِّفَكَ وَسَمَكَ الْبَحْرِ فَيُنْبِئَكَ، أَيٌّ مِنْهَا لَا يَعْلَمُ أَنَّ يَدَ الرَّبِّ قَدْ صَنَعَتْ هَذَا؟ 10 فَفِي يَدِهِ نَفَسُ كُلِّ حَيٍّ وَرُوحُ كُلِّ بَشَرٍ. 11 أَلَيْسَتِ الأُذُنُ تَمْتَحِنُ الْكَلامَ كَمَا يَتَذَوَّقُ اللِّسَانُ الطَّعَامَ؟ 12 الْحِكْمَةُ تُلازِمُ الشَّيْخُوخَةَ، وفِي طُولِ الأَيَّامِ فَهْمٌ.

13 الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّةُ للهِ، وَلَهُ الْمَشُورَةُ وَالْفَهْمُ. 14 وَمَا يَهْدِمُهُ لَا يُبْنَى، وَالْمَرْءُ الَّذِي يَأْسِرُهُ اللهُ لَا يُحَرِّرُهُ إِنْسَانٌ. 15 إِنْ حَبَسَ الْمِيَاهَ تَجِفُّ الأَرْضُ، وَإِنْ أَطْلَقَهَا تُغْرِقُهَا. 16 لَهُ الْعِزَّةُ وَالْحِكْمَةُ. فِي يَدِهِ الْمُضِلُّ وَالْمُضَلُّ. 17 يَأْسِرُ الْمُشِيرِينَ، وَيُحَمِّقُ فِطْنَةَ الْقُضَاةِ، 18 يَفُكُّ مَنَاطِقَ الْمُلُوكِ وَيَشُدُّ أَحْقَاءَهُمْ بِوِثَاقٍ، 19 يَأْسِرُ الْكَهَنَةَ وَيُطِيحُ بِالأَقْوِيَاءِ، 20 يَحْرِمُ الأُمَنَاءَ مِنَ الْكَلامِ وَيُبْطِلُ فِطْنَةَ الشُّيُوخِ، 21 يُصِيبُ الشُّرَفَاءَ بِالْهَوَانِ، وَيُرْخِي مِنْطَقَةَ الْقَوِيِّ، 22 يَكْشِفُ الأَغْوَارَ فِي الظَّلامِ، وَيُبْرِزُ الظُّلُمَاتِ الْمُتَكَاثِفَةَ إِلَى النُّورِ، 23 يُعَظِّمُ الأُمَمَ ثُمَّ يُبِيدُهَا، وَيُوَسِّعُ تُخُومَهَا ثُمَّ يُشَتِّتُهَا، 24 يَنْزِعُ الْفَهْمَ مِنْ عُقُولِ رُؤَسَاءِ شَعْبِ الأَرْضِ، ثُمَّ يُضِلُّهُمْ فِي قَفْرٍ بِلا طَرِيقٍ، 25 فَيَتَحَسَّسُونَ سَبِيلَهُمْ فِي الظَّلامِ وَلَيْسَ نُورٌ، وَيُرَنِّحُهُمْ كَالسُّكَارَى.

13 هَذَا جَمِيعُهُ شَهِدَتْهُ عَيْنَايَ وَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَفَهِمَتْهُ، وَأَنَا أَعْرِفُ مَا تَعْرِفُونَهُ أَيْضاً، إِذْ لَسْتُ أَقَلَّ مِنْكُمْ فِطْنَةً. وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُخَاطِبَ الْقَدِيرَ، وَأَوَدُّ أَنْ أُحَاجَّ اللهَ. أَمَّا أَنْتُمْ فَمُنَافِقُونَ، وَكُلُّكُمْ أَطِبَّاءُ جَهَلَةٌ. لَيْتَكُمْ تَلْتَزِمُونَ الصَّمْتَ، فَيُحْسَبَ لَكُمْ ذَلِكَ حِكْمَةً. أَنْصِتُوا الآنَ إِلَى حُجَّتِي وَأَصْغُوا إِلَى دَعْوَى شَفَتَيَّ أَلإِرْضَاءِ اللهِ تَنْطِقُونَ بِالْكَذِبِ، وَهَلْ مِنْ أَجْلِهِ تَتَفَوَّهُونَ بِالْبُهْتَانِ؟ أَتُحَابُونَ اللهَ أَمْ تُدَافِعُونَ عَنْهُ؟ لَوْ فَحَصَكُمْ هَلْ يَجِدُ فِيكُمْ صَلاحاً؟ أَمْ تَخْدَعُونَهُ كَمَا تَخْدَعُونَ الْبَشَرَ؟ 10 إِنَّهُ حَتْماً يُوَبِّخُكُمْ إِنْ حَابَيْتُمْ أَحَداً خُفْيَةً. 11 أَوَلا يُرْهِبُكُمْ جَلالُهُ وَيَطْغَى عَلَيْكُمْ رُعْبُهُ؟ 12 أَقْوَالُكُمْ أَمْثَالُ رَمَادٍ، وَحُصُونُكُمْ حُصُونٌ مِنْ طِينٍ.

13 اسْكُتُوا عَنِّي فَأَتَكَلَّمَ، وَلْيَحُلَّ بِي مَا يَحُلُّ! 14 لِمَاذَا أَنْهَشُ لَحْمِي بِأَسْنَانِي وَأَضَعُ نَفْسِي فِي كَفِّي؟ 15 فَهَا هُوَ حَتْماً يَقْضِي عَلَيَّ وَلا أَمَلَ لِي. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنِّي أَبْسُطُ حُجَّتِي لأُزَكِّيَ طَرِيقِي أَمَامَهُ. 16 لأَنَّ هَذَا سَبِيلُ خَلاصِي، إِذْ لَا يَمْثُلُ الْفَاجِرُ فِي حَضْرَتِهِ. 17 أَرْهِفُوا السَّمْعَ لأَقْوَالِي، وَلْتَحْتَفِظْ مَسَامِعُكُمْ بِكَلِمَاتِي، 18 فَهَا أَنَا قَدْ أَحْسَنْتُ إِعْدَادَ الدَّعْوَى، وَلابُدَّ أَنْ أَتَبَرَّرَ. 19 مَنِ الَّذِي يُحَاجُّنِي؟ عِنْدَئِذٍ أَصْمُتُ وَأَمُوتُ!

20 أَمْرَيْنِ أَطْلُبُ إِلَيْكَ أَنْ لَا تَفْعَلَهُمَا بِي، حَتَّى لَا أَخْتَفِيَ مِنْ حَضْرَتِكَ: 21 ارْفَعْ يَدَيْكَ عَنِّي وَلا تَدَعْ هَيْبَتَكَ تُفْزِعُنِي، 22 ثُمَّ ادْعُ فَأُلَبِّيَ، أَوْدَعْنِي أَتَكَلَّمُ وَأَنْتَ تُجِيبُنِي. 23 كَمْ هِيَ آثَامِي وَخَطَايَايَ؟ أَطْلِعْنِي عَلَى ذَنْبِي وَمَعْصِيَتِي. 24 لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ وَتُعَامِلُنِي مِثْلَ عَدُوٍّ لَكَ؟ 25 أَتُفْزِعُ وَرَقَةً مُتَطَايِرَةً وَتُطَارِدُ قَشّاً يَابِساً؟ 26 فَأَنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ أُمُوراً مُرَّةً، وَأَوْرَثْتَنِي آثَامَ صِبَايَ. 27 أَدْخَلْتَ رِجْلَيَّ فِي الْمِقْطَرَةِ، وَرَاقَبْتَ جَمِيعَ سُبُلِي، إِذْ خَطَّطْتَ عَلامَاتٍ عَلَى بَاطِنِ قَدَمَيَّ، 28 فَأَنَا كَشَجَرَةٍ نَخَرَهَا السُّوسُ وَكَثَوْبٍ أَكَلَهُ الْعُثُّ.

حَدِيثُ صُوفَر

11 فَأجَابَ صُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ:

«هَلْ سَيَمُرُّ هَذَا الكَلَامُ كُلُّهُ دُونَ جَوَابٍ؟
وَهَلْ تَظْهَرُ بَرَاءَةُ الإنْسَانِ بِكَثرَةِ ثَرْثَرَتِهِ؟
هَلْ يُسْكِتُ كَلَامُكَ الفَارِغُ السَّامِعِينَ؟
وَعِنْدَمَا تَسْخَرُ، أفَلَيْسَ مَنْ يُخْجِلُكَ؟
تَقُولُ حُجَجِي صَحِيحَةٌ،
وَأنَا طَاهِرٌ فِي عَيْنَيْكَ يَا اللهُ.
لَكِنْ لَيْتَ اللهَ يَتَكَلَّمُ،
وَيَتَحَدَّثُ إلَيْكَ،
وَيُعلِنُ أسرَارَ الحِكْمَةِ لَكَ،
لِأنَّ لِكُلِّ حُجَّةٍ جَانِبَينِ.
وَاعلَمْ بِأنَّ اللهَ يُعَاقِبُكَ بِأقَلَّ مِمَّا تَسْتَحِقُّ!

«أتَظُنُ أنَّكَ تَفْهَمُ أعْمَاقَ اللهِ،
أوْ تَصِلُ إلَى المَعْرِفَةِ الكَامِلَةِ لِلقَدِيرِ؟
هِيَ أعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ،
فَمَاذَا عَسَاكَ تَفْعَلُ؟
وَأعمَقُ مِنَ الهَاوِيَةِ،
فَمَاذَا تَدْرِي عَنْهَا؟
هِيَ أطوَلُ مِنَ الأرْضِ،
وَأعرَضُ مِنَ البَحْرِ.

10 «إنْ مَرَّ وَأمسَكَ بِإنْسَانٍ وَقَادَهُ إلَى المَحْكَمَةِ،
فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُقَاوِمَهُ؟
11 لِأنَّ اللهَ يَعْرِفُ أُولَئِكَ البَاطِلِينَ.
حِينَ يَرَى الشَّرَّ، أفَلَا يَنْتَبِهُ؟
12 سَيَكْتَسِبُ فَارِغُ العَقلِ فَهْمًا،
حِينَ يَلْدُ الحِمَارُ البَرِّيُّ إنْسَانًا!

13 «فَإنْ وَجَّهْتَ قَلْبَكَ إلَى اللهِ،
وَمَدَدْتَ يَدَكَ نَحوَهُ،
14 إذَا نَفَضتَ الشَّرَّ مِنْ يَدِكَ،
وَلَمْ تَسْمَحْ لِلإثمِ بِأنْ يَسْكُنَ بَيْتَكَ،
15 فَسَتَرْفَعُ وَجْهَكَ دُونَ خَجَلٍ مِنْ عَيْبٍ،
وَسَتَقِفُ آمِنًا بِلَا خَوفٍ.
16 لِأنَّكَ سَتَنْسَى ضِيقَكَ،
وَلَنْ تَذْكُرَهُ إذْ سَيَكُونُ كَميَاهٍ جَارِيَةٍ تَعْبُرُ.
17 سَتَسْطِعُ الحَيَاةُ أكْثَرَ مِنْ شَمْسِ الظَّهِيرَةِ،
وَتَكُونُ ظُلمَتُهَا كَنُورِ الصَّبَاحِ.
18 وَتَطْمَئِنُّ لِأنَّ لَكَ رَجَاءً،
تَنْظُرُ حَوْلَكَ وَتَنَامُ دُونَ هَمٍّ.
19 وَعِنْدَمَا تَضْطَجِعُ،
لَنْ يُرْهِبَكَ أحَدٌ.
سَيطلُبُ عَونَكَ كَثِيرُونَ.
20 أمَّا عُيُونُ الأشْرَارِ فَتَبْلَى.
لَنْ يَجِدُوا مَهْرَبًا،
وَرَجَاؤُهُمُ الأخِيرُ يَمْضِي كَالرِّيحِ.»

رَدُّ أيُّوبَ عَلَى صُوفَر

12 فَأجَابَ أيُّوبُ:

«لَا بُدَّ أنَّكُمْ أهْلُ الحِكْمَةِ.
وَتَمُوتُ الحِكْمَةُ بِمَوْتِكُمْ!
لَكِنْ لِي أنَا أيْضًا عَقلٌ مِثْلَكُمْ،
فَلَسْتُ أقِلَّ مِنْكُمْ.
فَمَنْ لَا يَعْرِفُ هَذَا الَّذِي تَقُولُونَهُ؟

«هَا قَد أصبَحْتُ أُضْحُوكَةً لِأصدِقَائِي.
يَقُولُونَ دَعَا اللهَ،
فَاسْتَجَابَ إلَيْهِ بِالآلَامِ.
فَهَا هُوَ البَّارُّ وَالمُسْتَقِيمُ يُصْبِحُ أُضْحُوكَةً.
فَالَّذِينَ يَعِيشُونَ حَيَاةً هَانِئَةً،
يَسْتَخِفُّونَ بِمَصَائِبِ الآخَرِينَ،
يَضْرِبُونَ الإنْسَانَ بَعْدَ أنْ يَسْقُطَ!
بُيُوتُ اللُّصُوصِ تَسْلَمُ،
وَالَّذِينَ يُغِيظُونَ اللهَ يَعِيشُونَ بِأمَانٍ!
مَعَ أنَّ مَصَائِرَهُمْ فِي يَدِ اللهِ!

«اسْألِ البَهَائِمَ فَتُعَلِّمَكَ،
وَطُيُورَ السَّمَاءِ فَسَتُخبِرَكَ.
أوْ حَدِّثِ الأرْضَ فَتُرشِدَكَ،
أوْ سَمَكَ البَحْرِ فَيَرْوِيَ لَكَ.
مَنْ مِنْهَا لَا يَعْرِفُ أنَّ يَدَ اللهِ
هِيَ الَّتِي فَعَلَتْ هَذَا بِكَ،
10 فَهُوَ يَتَحَكَّمُ بِنَفَسِ كُلِّ شَيءٍ حَيٍّ،
وَبِرُوحِ كُلِّ بَشَرٍ.
11 ألَا تَزِنُ الأُذُنُ الكَلَامَ،
كَمَا يَفْحَصُ اللِّسَانُ الطَعَامَ؟
12 هَلِ الحِكْمَةُ لِلشُّيُوخِ،
وَالفَهُمُ لِمَنْ يَعِيشُونَ طَوِيلًا؟
13 بَلِ الحِكْمَةُ وَالقُوَّةُ للهِ،
لَهُ الحُكْمُ الصَّائِبُ وَالفَهْمُ.
14 إذَا هَدَمَ، فَلَا أحَدَ يَبْنِي.
إذَا أغلَقَ عَلَى أحَدٍ، فَلَا أحَدَ يَفْتَحُ.
15 إذَا حَجَزَ المَطَرَ، يَجِفُّ كُلَّ شَيءٍ،
وَإذَا أرْسَلَهُ، فَإنَّهُ يَغْمُرُ الأرْضَ.
16 لَهُ القُوَّةُ وَالحِكْمَةُ.
الرَّابِحُونَ وَالخَاسِرُونَ كُلُّهُمْ للهِ.
17 يَنْزِعُ الحِكْمَةَ مِنَ النَّاصِحِينَ،
وَيَجْعَلُ القُضَاةَ يَبْدُونَ كَحَمقَى.
18 يَنْزِعُ قُوَّةَ المُلُوكِ،
وَيُطَوِّقُهُمْ بِقُيُودٍ.
19 يَنْزِعُ قُوَّةَ الكَهَنَةِ،
وَيُنزِلُ ذَوِي المَرَاكِزِ الَّتِي يَظُنُّونَهَا خَالِدَةً.
20 يُخْرِسُ النَّاصِحِينَ المُؤتَمَنِينَ،
وَيَنْزِعُ حُسْنَ التَمْيِيزِ مِنَ الشُّيُوخِ.
21 يَسْكُبُ الخَجَلَ عَلَى النُّبَلَاءِ،
وَيَنْزِعُ قُوَّةَ الأقوِيَاءِ.
22 يَكْشِفُ أعمَقَ أسرَارِ الظُلمَةِ،
وَيُعلِنَ مَا هُوَ مُظلِمٌ كَالمَوْتِ.
23 يُقَوِّي الأُمَمَ، ثُمَّ يُدَمِّرُهَا،
يُوَسِّعُ حُدُودَ البِلَادِ، ثُمَّ يُشَتِّتُ شُعُوبَهَا.
24 يَنْزِعُ فَهْمَ قَادَةِ شَعْبِ الأرْضِ،
وَيُضِلُّهُمْ فِي أرْضٍ قَاحِلَةٍ بِلَا طَرِيقٍ.
25 فَيَدُورُونَ كَالسُّكَارَى،
يَتَلَمَّسُونَ طَرِيقَهُمْ فِي الظُّلمَةِ دُونَ نُورٍ.

13 «هَا قَدْ رَأتْ عَيْنِي هَذَا كُلَّهُ،
وَسَمِعَتْهُ أُذُنِي وَفَهِمَتْهُ.
فَأنَا أعْرِفُ مَا تَعْرِفُونَ،
فَلَسْتُ دُونَكُمْ.
غَيْرَ أنِّي أوَدُّ أنْ أتَحَدَّثَ إلَى القَدِيرِ،
وَأُحَاجِجَهُ بِشَأنِ قَضِيَّتِي.
لَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أنْ تَسْتُرُوا جَهلَكُمْ بِالكَذِبِ،
كُلُّكُمْ أطِبَّاءٌ عَاجِزُونَ.
لَيتَكُمْ تَصْمِتُونَ!
فَيَكُونُ هَذَا أحكَمَ شَيءٍ تَفْعَلُونَهُ!

«اسْمَعُوا رَأيِي،
وَانتَبِهُوا لِلحُجَجِ الَّتِي سَأطرَحُهَا.
هَلْ تَكْذِبُونَ لِأجْلِ اللهِ،
وَتَتَحَدَّثُونَ بِالغِشِّ لِمَصلَحَتِهِ؟
هَلْ تَتَمَلَّقُونَ اللهَ،
وَتُدَافِعُونَ عَنْ قَضِيَّتِهِ؟
إنْ فَحَصَكُمُ اللهُ، أيَقُولُ إنَّكُمْ عَلَى صَوَابٍ؟
أمْ تَسْتَطِيعُونَ خِدَاعَهُ
كَمَا يَخْدَعُ البَشَرُ أحَدُهُمُ الآخَرَ؟
10 لَا شَكَّ فِي أنَّهُ سَيُؤَدِّبُكُمْ
إنْ كُنْتُمْ مُتَحَيِّزِينَ فِي السِّرِّ.
11 ألَا يُرعِبُكُمْ حِينَ يَنْهَضُ؟
ألَا تَخَافُونَهُ؟
12 حَفِظتُمْ أمثَالًا تَافِهَةً كَالرَّمَادِ تُجَادِلُونَ بِهَا،
وَأجوِبَتُكُمْ هَشَّةٌ كَالطِّينِ.

13 «اصمُتُوا وَدَعُونِي أتَكَلَّمْ،
وَلِيَحْدُثْ لِي مَا يَحْدُثُ.
14 لِمَاذَا أُخَاطِرُ بِحَيَاتِي،
وَأضَعُ نَفْسِي فِي كَفِّي؟
15 هَلْ سَيَقْتُلُنِي اللهُ؟
حَتَّى لَوْ فَعَلَ، فَرَجَائِي فِيهِ.
غَيْرَ أنِّي سَأُدَافِعُ عَنْ نَفْسِي أمَامَ وَجْهِهِ.
16 فَهُوَ نَفْسُهُ سَيُخَلِّصُنِي،
لِأنَّ الفَاجِرَ لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يَقِفَ أمَامَهُ.
17 انتَبِهُوا لِمَا أقُولُ،
وَاصْغُوا لِمَا أُخبِرُكُمْ بِهِ.
18 هَا أنَا قَدْ أعدَدتُ دِفَاعِي،
وَأنَا أعْلَمُ أنِّي سَأُبَرَّأُ.
19 فَمَنْ يُثبِتُ تُهمَةً عَلَيَّ؟
فَإنْ فَعَلَ فَإنِّي سَأخرَسُ وَأمُوتُ.

20 «لَكِنِّي أسألُكَ أنْ لَا تَفْعَلَ أمرَينَ بِي،
حِينَئِذٍ، لَنْ أختَبِئَ مِنْكَ.
21 أبْعِدْ يَدَكَ عَنِّي،
وَتَوَقَّفْ عَنْ تَرْهِيبِي بِخَوفِكَ.
22 ادْعُنِي وَأنَا سَأُجِيبُ.
أوْ دَعْنِي أتَكَلَّمْ، وَأجِبْ أنْتَ.
23 كَمْ هِيَ ذُنُوبِي وَخَطَايَايَ؟
أرِنِي أيْنَ جَرِيمَتِي وَخَطِيَّتِي.
24 لِمَاذَا تُخفِي عَنِّي وَجْهَكَ،
وَتَعْتَبِرُنِي عَدُوَّكَ؟
25 أتُرعِبُ وَرَقَةً تَحْمِلُهَا الرِّيحُ،
أمْ تُطَارِدُ قَشَّةً يَابِسَةً؟
26 لِأنَّكَ كَتَبْتَ تُهَمًا لَاذِعَةً ضِدِّي،
وَجَعَلتَنِي أُعَانِي بِسَبَبِ آثَامِ شَبَابِي.
27 تُقَيِّدُ قَدَمَيَّ بِالحَدِيدِ وَالخَشَبِ،
تُرَاقِبُ كُلَّ مَكَانٍ أذهَبُ إلَيْهِ،
وَتُرَاقِبُ كُلَّ خُطوَةٍ أخطُوهَا.
28 وَأنَا أتلَفُ كَشَيءٍ عَفِنٍ،
كَثَوبٍ يَأْكُلُهُ العُثُّ.