ملكيصادق الكاهن

فَإِنَّ مَلْكِيصَادَقَ الْمَذْكُورَ، كَانَ مَلِكاً عَلَى مَدِينَةِ سَالِيمَ وَكَاهِناً لِلهِ الْعَلِيِّ، فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَقَدِ اسْتَقْبَلَ إِبْرَاهِيمَ الْعَائِدَ مُنْتَصِراً مِنْ مَعْرَكَةٍ هَزَمَ فِيهَا عَدَداً مِنَ الْمُلُوكِ، وَبَارَكَهُ. وَأَدَّى لَهُ إِبْرَاهِيمُ عُشْراً مِنْ كُلِّ مَا غَنِمَهُ فِي الْمَعْرَكَةِ. فَمِنْ جِهَةٍ، يَعْنِي اسْمُ مَلْكِيصَادَقَ «مَلِكَ الْعَدْلِ». وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، كَانَ لَقَبُهُ «مَلِكَ سَالِيمَ» أَيْ «مَلِكَ السَّلامِ». وَالْوَحْيُ لَا يَذْكُرُ لَهُ أَباً وَلا أُمّاً وَلا نَسَباً، كَمَا لَا يَذْكُرُ شَيْئاً عَنْ وِلادَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ. وَذَلِكَ لِكَيْ يَصِحَّ اعْتِبَارُهُ رَمْزاً لابْنِ اللهِ، بِوَصْفِهِ كَاهِناً إِلَى الأَبَدِ. لِنَتَأَمَّلِ الآنَ كَمْ كَانَ هَذَا الشَّخْصُ عَظِيماً. فَحَتَّى إِبْرَاهِيمُ، جَدُّنَا الأَكْبَرُ، أَدَّى لَهُ عُشْراً مِنْ غَنَائِمِهِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ شَرِيعَةَ مُوسَى تُوصِي الْكَهَنَةَ الْمُتَحَدِّرِينَ مِنْ نَسْلِ لاوِي بِأَنْ يَأْخُذُوا الْعُشُورَ مِنَ الشَّعْبِ، أَيْ مِنْ إِخْوَتِهِمْ، مَعَ أَنَّ أَصْلَهُمْ جَمِيعاً يَرْجِعُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ. وَلَكِنَّ مَلْكِيصَادَقَ الَّذِي لَا يَجْمَعُهُ بِهَؤُلاءِ أَيُّ نَسَبٍ، أَخَذَ الْعُشْرَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَبَارَكَهُ، مَعَ كَوْنِ إِبْرَاهِيمَ حَاصِلاً عَلَى وُعُودٍ بِالْبَرَكَةِ مِنَ اللهِ.

إِذَنْ، لَا خِلافَ أَنَّ مَلْكِيصَادَقَ أَعْظَمُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَإلَّا فَمَا كَانَ قَدْ بَارَكَهُ!

أَضِفْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ الْكَهَنَةَ الْمُتَحَدِّرِينَ مِنْ نَسْلِ لاوِي، الَّذِينَ يَأْخُذُونَ العُشُورَ بِمُوجِبِ الشَّرِيعَةِ، هُمْ بَشَرٌ يَمُوتُونَ. أَمَّا مَلْكِيصَادَقُ، الَّذِي أَخَذَ الْعُشُورَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، فَمَشْهُودٌ لَهُ بِأَنَّهُ حَيٌّ. وَلَوْ جَازَ الْقَوْلُ، لَقُلْنَا: حَتَّى لاوِي، الَّذِي يَأْخُذُ نَسْلُهُ الْعُشُورَ، هُوَ أَيْضاً قَدْ أَدَّى الْعُشُورَ لِمَلْكِيصَادَقَ مِنْ خِلالِ إِبْرَاهِيمَ. 10 فَمَعَ أَنَّ لاوِي لَمْ يَكُنْ قَدْ وُلِدَ بَعْدُ، فَإِنَّهُ كَانَ مَوْجُوداً فِي صُلْبِ جَدِّهِ إِبْرَاهِيمَ، عِنْدَمَا لاقَاهُ مَلْكِيصَادَقُ.

يسوع مثل ملكيصادق

11 إِنَّ شَرِيعَةَ مُوسَى كُلَّهَا كَانَتْ تَدُورُ حَوْلَ نِظَامِ الْكَهَنُوتِ الَّذِي قَامَ بَنُو لاوِي بِتَأْدِيَةِ وَاجِبَاتِهِ. إِلّا أَنَّ ذَلِكَ النِّظَامَ لَمْ يُوصِلْ إِلَى الْكَمَالِ أُولئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ اللهَ عَلَى أَسَاسِهِ. وَإلَّا، لَمَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى تَعْيِينِ كَاهِنٍ آخَرَ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَقَ، وَلَيْسَ عَلَى رُتْبَةِ هَرُونَ! 12 وَحِينَ يَحْدُثُ أَيُّ تَغَيُّرٍ فِي الْكَهَنُوتِ، فَمِنَ الضَّرُورِيِّ أَنْ يُقَابِلَهُ تَغَيُّرٌ مُمَاثِلٌ فِي شَرِيعَةِ الْكَهَنُوتِ. 13 فَالْمَسِيحُ، رَئِيسُ كَهَنَتِنَا، لَمْ يَكُنْ مِنْ سِبْطِ لاوِي، الَّذِي كَانَ كَهَنَةُ الْيَهُودِ يَتَحَدَّرُونَ مِنْهُ. 14 إِذْ مِنَ الْوَاضِحِ تَارِيخِيًّا أَنَّ رَبَّنَا يَرْجِعُ بِأَصْلِهِ الْبَشَرِيِّ إِلَى يَهُوذَا. وَشَرِيعَةُ مُوسَى لَا تَذْكُرُ أَيَّةَ عَلاقَةٍ لِنَسْلِ يَهُوذَا بِنِظَامِ الْكَهَنُوتِ.

15 وَمِمَّا يَزِيدُ الأَمْرَ وُضُوحاً، أَنَّ الْكَاهِنَ الْجَدِيدَ، الشَّبِيهَ بِمَلْكِيصَادَقَ، 16 لَمْ يُعَيَّنْ كَاهِناً عَلَى أَسَاسِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي تُوصِي بِضَرُورَةِ الانْتِمَاءِ إِلَى نَسْلٍ بَشَرِيٍّ مُعَيَّنٍ، بَلْ عَلَى أَسَاسِ الْقُوَّةِ النَّابِعَةِ مِنْ حَيَاتِهِ الَّتِي لَا تَزُولُ أَبَداً. 17 ذَلِكَ لأَنَّ الْوَحْيَ يَشْهَدُ لَهُ قَائِلاً: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَقَ!»

18 هَكَذَا، يَتَبَيَّنُ أَنَّ نِظَامَ الْكَهَنُوتِ الْقَدِيمَ قَدْ أُلْغِيَ لأَنَّهُ عَاجِزٌ وَغَيْرُ نَافِعٍ. 19 فَالشَّرِيعَةُ لَمْ تُوصِلِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ اللهَ بِحَسَبِهَا وَلَوْ إِلَى أَدْنَى دَرَجَاتِ الْكَمَالِ. وَلِذَلِكَ، وَضَعَ اللهُ أَسَاساً جَدِيداً لِلاقْتِرَابِ إِلَيْهِ، مُقَدِّماً لَنَا رَجَاءً أَفْضَلَ.

20 ثُمَّ إِنَّ تَعْيِينَ الْمَسِيحِ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، قَدْ تَأَيَّدَ بِالْقَسَمِ. 21 أَمَّا بَنُو لاوِي، فَكَانُوا يَصِيرُونَ كَهَنَةً دُونَ أَيِّ قَسَمٍ. هَذَا الْقَسَمُ وَاضِحٌ فِي قَوْلِ الله: «أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَتَرَاجَعَ: أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ» 22 فَعَلَى أَسَاسِ ذَلِكَ الْقَسَمِ، صَارَ يَسُوعُ ضَامِناً لِعَهْدٍ أَفْضَلَ! 23 فَضْلاً عَنْ هَذَا، فالْكَهَنَةُ الْعَادِيُّونَ كَانُوا يَتَغَيَّرُونَ دَائِماً، لأَنَّ الْمَوْتَ كَانَ يَمْنَعُ أَيَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنَ الْبَقَاءِ. 24 وَأَمَّا الْمَسِيحُ، فَلأَنَّهُ حَيٌّ إِلَى الأَبَدِ، فَهُوَ يَبْقَى صَاحِبَ كَهَنُوتٍ لَا يَزُولُ! 25 وَهُوَ لِذَلِكَ قَادِرٌ دَائِماً أَنْ يُحَقِّقَ الْخَلاصَ الْكَامِلَ لِلَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَى اللهِ. فَهُوَ، فِي حَضْرَةِ اللهِ، حَيٌّ عَلَى الدَّوَامِ لِيَتَضَرَّعَ مِنْ أَجْلِهِمْ وَيُحَامِيَ عَنْهُمْ! 26 نَعَمْ، هَذَا هُوَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ الَّذِي كُنَّا مُحْتَاجِينَ إِلَيْهِ. إِنَّهُ قُدُّوسٌ، لَا عَيْبَةَ فِيهِ، وَلا نَجَاسَةَ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخَاطِئِينَ، وَارْتَفَعَ حَتَّى صَارَ أَسْمَى مِنَ السَّمَاوَاتِ. 27 وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مَا كَانَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ قَدِيماً كُلُّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ: أَنْ يُقَدِّمَ الذَّبَائِحَ يَوْمِيًّا لِلتَّكْفِيرِ عَنْ خَطَايَاهُ الْخَاصَّةِ أَوَّلاً، ثُمَّ عَنْ خَطَايَا الشَّعْبِ، وَذَلِكَ لأَنَّهُ كَفَّرَ عَنْ خَطَايَاهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً، حِينَ قَدَّمَ نَفْسَهُ عَنْهُمْ. 28 إِذَنْ، كَانَتِ الشَّرِيعَةُ تُعَيِّنُ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ مِنْ بَيْنِ الْبَشَرِ الضُّعَفَاءِ. أَمَّا كَلِمَةُ الْقَسَمِ، الَّتِي جَاءَتْ بَعْدَ الشَّرِيعَةِ، فَقَدْ عَيَّنَتِ ابْنَ اللهِ، الْمُؤَهَّلَ تَمَاماً لِمُهِمَّتِهِ، رَئِيسَ كَهَنَةٍ إِلَى الأَبَدِ!

الكاهن الأعلى لعهد جديد

وَخُلاصَةُ الْقَوْلِ، أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ رَئِيسُ كَهَنَتِنَا الَّذِي وَصَفْنَا كَهَنُوتَهُ هُنَا. إِنَّهُ الآنَ جَالِسٌ فِي السَّمَاءِ عَنْ يَمِينِ عَرْشِ اللهِ الْعَظِيمِ. وَهُوَ يَقُومُ بِمُهِمَّتِهِ هُنَاكَ، فِي قُدْسِ الأَقْدَاسِ: فِي خَيْمَةِ الْعِبَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي نَصَبَهَا الرَّبُّ، لَا الإِنْسَانُ. فَمُهِمَّةُ كُلِّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ هِيَ أَنْ يُقَرِّبَ لِلهِ التَّقْدِمَاتِ وَالذَّبَائِحَ. وَعَلَيْهِ، فَمِنَ الضَّرُورِيِّ أَنْ يَكُونَ لِرَئِيسِ كَهَنَتِنَا مَا يُقَدِّمُهُ. فَلَوْ أَنَّ الْمَسِيحَ كَانَ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ، لَمَا كَانَ كَاهِناً. إِذْ هُنَاكَ مَنْ يُقَدِّمُونَ الْقَرَابِينَ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ، وَهُمْ مِنْ نَسْلِ لاوِي حَصْرِيًّا. وَهَؤُلاءِ يَقُومُونَ بِخِدْمَةِ مَا يُشَكِّلُ رَمْزاً وَظِلًّا لِلأُمُورِ الَّتِي فِي السَّمَاءِ. وَهَذَا وَاضِحٌ مِنْ قَوْلِ اللهِ لِمُوسَى قَبْلَ أَنْ يَصْنَعَ خَيْمَةَ الْعِبَادَةِ. إِذْ أَوْحَى إِلَيْهِ قَائِلاً: «انْتَبِهْ! عَلَيْكَ أَنْ تَصْنَعَ الْخَيْمَةَ وَمَا فِيهَا وَفْقاً لِلْمِثَالِ الَّذِي أَظْهَرْتُهُ لَكَ عَلَى الْجَبَلِ!»

فَرَئِيسُ كَهَنَتِنَا، إِذَنْ، قَدْ حَصَلَ عَلَى خِدْمَةٍ أَفْضَلَ مِنْ خِدْمَةِ الْكَهَنُوتِ الأَرْضِيِّ، لِكَوْنِهِ الْوَسِيطَ الَّذِي أَعْلَنَ لَنَا قِيَامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ أَفْضَلَ مِنَ الْعَهْدِ السَّابِقِ، وَلِكَوْنِ هَذَا الْعَهْدِ الْجَدِيدِ يَنْطَوِي عَلَى وُعُودٍ أَفْضَلَ.

فَلَوْ كَانَ الْعَهْدُ السَّابِقُ بِلا عَيْبٍ، لَمَا ظَهَرَتْ الْحَاجَةُ إِلَى عَهْدٍ آخَرَ يَحُلُّ مَحَلَّهُ. وَالْوَاقِعُ أَنَّ اللهَ يَلُومُ شَعْبَهُ قَائِلاً: «لابُدَّ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامٌ، يَقُولُ الرَّبُّ، أُبْرِمُ فِيهَا عَهْداً جَدِيداً مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي يَهُوذَا. هَذَا الْعَهْدُ الْجَدِيدُ لَيْسَ كَالْعَهْدِ الَّذِي أَبْرَمْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ، حِينَ أَمْسَكْتُ بِأَيْدِيهِمْ وَأَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. فَبِمَا أَنَّهُمْ خَرَقُوا ذَلِكَ الْعَهْدَ، أَهْمَلْتُهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ! 10 فَهَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أُبْرِمُهُ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَضَعُ شَرَائِعِي دَاخِلَ ضَمَائِرِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً. 11 بَعْدَ ذَلِكَ، لَا يُعَلِّمُ أَحَدٌ مِنْهُمُ ابْنَ وَطَنِهِ وَلا أَخَاهُ قَائِلاً: تَعَرَّفْ بِالرَّبِّ! ذَلِكَ لأَنَّ الْجَمِيعَ سَوْفَ يَعْرِفُونَنِي، مِنَ الصَّغِيرِ فِيهِمْ إِلَى الْعَظِيمِ. 12 لأَنِّي سَأَصْفَحُ عَنْ آثَامِهِمْ، وَلا أَعُودُ أَبَداً إِلَى تَذَكُّرِ خَطَايَاهُمْ وَمُخَالَفَاتِهِمْ!» 13 وَاللهُ بِكَلامِهِ عَنْ عَهْدٍ جَدِيدٍ، جَعَلَ الْعَهْدَ السَّابِقَ عَتِيقاً. وَطَبِيعِيٌّ أَنَّ كُلَّ مَا عَتَقَ وَشَاخَ، يَكُونُ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الزَّوَالِ!

العبادة في الخيمة الأرضية

حَقّاً كَانَ الْعَهْدُ الْعَتِيقُ يَتَضَمَّنُ طُقُوساً وَقَوَانِينَ تُنَظِّمُ عِبَادَةَ اللهِ فِي خَيْمَةٍ مُقَدَّسَةٍ مَنْصُوبَةٍ عَلَى هذِهِ الأَرْضِ. وَكَانَتْ هَذِهِ الْخَيْمَةُ الْكَبِيرَةُ تَحْتَوِي عَلَى قِسْمَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا الْحِجَابُ. الْقِسْمُ الأَوَّلُ، وَاسْمُهُ «الْقُدْسُ»، كَانَ يَحْتَوِي عَلَى مَنَارَةٍ ذَهَبِيَّةٍ، وَمَائِدَةٍ يُوضَعُ عَلَيْهَا خُبْزٌ مُقَرَّبٌ لِلهِ. أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي، الْوَاقِعُ وَرَاءَ الْحِجَابِ، فَكَانَ يُسَمَّى «قُدْسَ الأَقْدَاسِ»، وَيَحْتَوِي عَلى مَوْقِدٍ لِلْبَخُورِ مَصْنُوعٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَتَابُوتٍ مُغَشّىً بِالذَّهَبِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، يُدْعَى «تَابُوتَ الْعَهْدِ». وَكَانَ فِي دَاخِلِ التَّابُوتِ إِنَاءٌ مَصْنُوعٌ مِنَ الذَّهَبِ يَحْتَوِي عَلَى بَعْضِ الْمَنِّ؛ وَعَصَا هَرُونَ الَّتِي أَنْبَتَتْ وَرَقاً أَخْضَرَ؛ وَاللَّوْحَانِ الْمَنْقُوشَةُ عَلَيْهِمَا وَصَايَا الْعَهْدِ. أَمَّا فَوْقَ التَّابُوتِ، فَكَانَ يُوْجَدُ كَرُوبَا الْمَجْدِ (تِمْثَالانِ لِمَلاكَيْنِ)، يُخَيِّمَانِ بِأَجْنِحَتِهِمَا عَلَى غِطَاءِ الصُّنْدُوقِ الَّذِي كَانَ يُدْعَى «كُرْسِيَّ الرَّحْمَةِ»، وَهُنَا، نَكْتَفِي بِهَذَا الْمِقْدَارِ مِنَ التَّفَاصِيلِ. فَالْمَجَالُ لَا يَتَّسِعُ لِلْمَزِيدِ. وَبِمَا أَنَّ هَذِهِ الأُمُورَ كَانَتْ مُرَتَّبَةً هَكَذَا، كَانَ الْكَهَنَةُ يَدْخُلُونَ دَائِماً إِلَى الْقِسْمِ الأَوَّلِ، حَيْثُ يَقُومُونَ بِوَاجِبَاتِ خِدْمَتِهِمْ. أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي، فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُهُ إِلّا رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَحْدَهُ، مَرَّةً وَاحِدَةً كُلَّ سَنَةٍ. وَكَانَ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ دَماً يَرُشُّهُ عَلَى «كُرْسِيِّ الرَّحْمَةِ» تَكْفِيراً عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ الْخَطَايَا الَّتِي ارْتَكَبَهَا الشَّعْبُ عَنْ جَهْلٍ. وَبِهَذَا، يُشِيرُ الرُّوحُ الْقُدُسُ إِلَى أَنَّ الطَّرِيقَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى «قُدْسِ الأَقْدَاسِ» الْحَقِيقِيِّ فِي السَّمَاءِ، كَانَتْ غَيْرَ مَفْتُوحَةٍ بَعْدُ. ذَلِكَ لأَنَّ الْمَسْكَنَ الأَوَّلَ مَازَالَ قَائِماً. وَمَا هَذَا إِلّا صُورَةٌ لِلْوَقْتِ الْحَاضِرِ الَّذِي فِيهِ مَازَالَتِ التَّقْدِمَاتُ وَالذَّبَائِحُ تُقَرَّبُ وَفْقاً لِنِظَامِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ. وَلكِنَّهَا لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطَهِّرَ ضَمَائِرَ الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ بِها إِلَى اللهِ، وَلا أَنْ تُوصِلَهُمْ إِلَى الْكَمَالِ فَتُرِيحَ ضَمَائِرَهُمْ. 10 إِذْ إِنَّ نِظَامَ الْعَهْدِ السَّابِقِ قَدِ اقْتَصَرَ عَلَى تَحْرِيمِ بَعْضِ الْمَأْكُولاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ وَتَحْلِيلِ غَيْرِهَا، وَعَلَى وَضْعِ النُّظُمِ الْمُخْتَصَّةِ بِطُقُوسِ الاغْتِسَالِ الْمُخْتَلِفَةِ. بَلْ إِنَّ كُلَّ مَا ضَمَّهُ ذَلِكَ النِّظَامُ كَانَ قَوَانِينَ جَسَدِيَّةً يَنْتَهِي عَمَلُهَا حِينَ يَأْتِي وَقْتُ الإِصْلاحِ.

دم المسيح

11 ذَلِكَ أَنَّ الْبَرَكَاتِ السَّمَاوِيَّةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ فِي الْمَسِيحِ. فَهُوَ الآنَ كَاهِنُنَا الأَعْلَى الَّذِي يُؤَدِّي مُهِمَّتَهُ فِي الْخَيْمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَهِيَ أَعْظَمُ وَأَكْمَلُ مِنَ الْخَيْمَةِ الأَرْضِيَّةِ. إِنَّهَا فِي السَّمَاءِ. لَمْ تَصْنَعْهَا يَدٌ بَشَرِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ. 12 فَإِلَى «قُدْسِ الأَقْدَاسِ» فِي هَذِهِ الْخَيْمَةِ، دَخَلَ الْمَسِيحُ مَرَّةً وَاحِدَةً، حَامِلاً دَمَ نَفْسِهِ، لَا دَمَ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ. وَذَلِكَ بَعْدَمَا سَفَكَ دَمَهُ عِوَضاً عَنَّا. فَحَقَّقَ فِدَاءً أَبَدِيًّا. 13 وَلا عَجَبَ! فَوَفْقاً لِلنِّظَامِ السَّابِقِ، كَانَ دَمُ الثِّيرَانِ وَالتُّيُوسِ يُرَشُّ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، مَعَ رَمَادِ عِجْلَةٍ مَحْرُوقَةٍ، فَيَصِيرُونَ طَاهِرِينَ طَهَارَةً جَسَدِيَّةً. 14 فَكَمْ بِالأَحْرَى دَمُ الْمَسِيحِ الَّذِي قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلهِ بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ ذَبِيحَةً لَا عَيْبَ فِيهَا، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَنَا مِنَ الأَعْمَالِ الْمَيِّتَةِ لِنَعْبُدَ اللهَ الْحَيَّ.

15 وَلِذَلِكَ، فَالْمَسِيحُ هُوَ الْوَسِيطُ لِهَذَا الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. فَبِمَا أَنَّهُ قَدْ تَّمَ الْمَوْتُ فِدَاءً لِلْمُخَالَفَاتِ الْحَاصِلَةِ تَحْتَ الْعَهْدِ الأَوَّلِ، يَنَالُ الْمَدْعُوُّونَ الْوَعْدَ بِالإِرْثِ الأَبَدِيِّ. 16 فَعِنْدَمَا يَمُوتُ أَحَدٌ وَيَتْرُكُ وَصِيَّةً، لابُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ مَوْتِهِ لِلاسْتِفَادَةِ مِنْ وَصِيَّتِهِ. 17 إِذْ لَا قُوَّةَ لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الإِطْلاقِ مَادَامَ صَاحِبُهَا حَيًّا. فَلا تَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ إِلّا بِمَوْتِ صَاحِبِهَا.

18 وَهَكَذَا، فَحَتَّى الْعَهْدُ الْعَتِيقُ لَمْ يَبْدَأْ تَنْفِيذُهُ إِلّا بِرَشِّ الدَّمِ. 19 فَمَعْلُومٌ أَنَّ مُوسَى، بَعْدَ تِلاوَةِ وَصَايَا الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا عَلَى الشَّعْبِ، أَخَذَ دَمَ الْعُجُولِ وَالتُّيُوسِ مَعَ بَعْضِ الْمَاءِ، وَرَشَّهُ عَلَى كِتَابِ الشَّرِيعَةِ، وَعَلَى أَفْرَادِ الشَّعْبِ، بِبَاقَةٍ مِنْ نَبَاتِ الزُّوفَا وَصُوفٍ أَحْمَرِ اللَّوْنِ. 20 وَقَالَ: هَذَا دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي أَوْصَاكُمُ اللهُ بِحِفْظِهِ. 21 وَقَدْ رَشَّ مُوسَى الدَّمَ أَيْضاً عَلَى خَيْمَةِ الْعِبَادَةِ، وَعَلَى أَدَوَاتِ الْخِدْمَةِ الَّتِي فِيهَا. 22 فَالشَّرِيعَةُ تُوصِي بِأَنْ يَتَطَهَّرَ كُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيباً بِالدَّمِ. وَلا غُفْرَانَ إِلّا بِسَفْكِ الدَّمِ!

23 وَبِمَا أَنَّ تَطْهِيرَ الْخَيْمَةِ الأَرْضِيَّةِ كَانَ يَتَطَلَّبُ رَشَّ دَمِ الذَّبَائِحِ الْحَيَوَانِيَّةِ، فَإِنَّ الْخَيْمَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لابُدَّ أَنْ تَتَطَلَّبَ دَمَ ذَبِيحَةٍ أَفْضَلَ مِنَ الذَّبَائِحِ الأُخْرَى. 24 فَالْمَسِيحُ، رَئِيسُ كَهَنَتِنَا، لَمْ يَدْخُلْ إِلَى «قُدْسِ الأَقْدَاسِ» الأَرْضِيِّ، الَّذِي صَنَعَتْهُ يَدٌ بَشَرِيَّةٌ وَمَا هُوَ إِلّا ظِلٌّ لِلْحَقِيقَةِ، بَلْ دَخَلَ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا، حَيْثُ يَقُومُ الآنَ بِتَمْثِيلِنَا فِي حَضْرَةِ اللهِ بِالذَّاتِ. 25 وَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةً مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، كَمَا كَانَ الْكَاهِنُ الأَعْلَى عَلَى الأَرْضِ يَدْخُلُ مَرَّةً كُلَّ سَنَةٍ إِلَى «قُدْسِ الأَقْدَاسِ» بِدَمٍ غَيْرِ دَمِهِ. 26 وَإلَّا لَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ الْمَسِيحُ مُتَأَلِّماً مَرَّاتٍ كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ! وَلَكِنَّهُ الآنَ، عِنْدَ انْتِهَاءِ الأَزْمِنَةِ، ظَهَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً لِيُبْطِلَ قُوَّةَ الْخَطِيئَةِ بِتَقْدِيمِ نَفْسِهِ ذَبِيحَةً لِلهِ. 27 فَكَمَا أَنَّ مَصِيرَ النَّاسِ الْمَحْتُومَ، هُوَ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ تَأْتِي الدَّيْنُونَةُ، 28 كَذَلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضاً: مَاتَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَامِلاً خَطَايَا كَثِيرِينَ، مُقَدِّماً نَفْسَهُ عِوَضاً عَنْهُمْ. وَلابُدَّ أَنْ يَعُودَ إِلَى الظُّهُورِ. لَا لِيُعَالِجَ الْخَطَايَا، بَلْ لِيُحَقِّقَ الْخَلاصَ النِّهَائِيَّ لِجَمِيعِ مُنْتَظِرِيهِ!

ذبيحة المسيح مرة واحدة

10 فَقَدْ كَانَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى تَتَضَمَّنُ ظِلًّا وَاهِياً لِلْخَيْرَاتِ الَّتِي سَيَأْتِي بِها الْمَسِيحُ، وَلَمْ تَكُنْ لِتُصَوِّرَ الْحَقِيقَةَ ذَاتَهَا. وَلِذَلِكَ، لَمْ تَكُنْ قَادِرَةً أَنْ تُوصِلَ إِلَى الْكَمَالِ أُولئِكَ الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ بِها إِلَى اللهِ، مُقَدِّمِينَ دَائِماً الذَّبَائِحَ السَّنَوِيَّةَ عَيْنَهَا، وَإلَّا، لَمَا كَانَ هُنَالِكَ دَاعٍ لِلاسْتِمْرَارِ فِي تَقْدِيمِهَا! لأَنَّ ضَمَائِرَ الْعَابِدِينَ، مَتَى تَطَهَّرَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى التَّمَامِ، لَا تَعُودُ بِحَاجَةٍ إِلَى التَّطْهِيرِ مَرَّةً ثَانِيَةً: إِذْ يَكُونُ الشُّعُورُ بِالذَّنْبِ قَدْ زَالَ. وَلَكِنَّ فِي عَمَلِيَّةِ تَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ الْمُتَكَرِّرَةِ كُلَّ سَنَةٍ، تَذْكِيراً لِلْعَابِدِينَ بِخَطَايَاهُمْ. فَمِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يُزِيلَ دَمُ الثِّيرَانِ وَالتُّيُوسِ خَطايَا النَّاسِ. لِذَلِكَ قَالَ الْمَسِيحُ، عِنْدَ مَجِيئِهِ إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ: «إِنَّ الذَّبَائِحَ وَالتَّقْدِمَاتِ مَا أَرَدْتَهَا. لَكِنَّكَ أَعْدَدْتَ لِي جَسَداً بَشَرِيًّا. فَالْحَيَوَانَاتُ الَّتِي كَانَتْ تُذْبَحُ وَتُحْرَقُ أَمَامَكَ تَكْفِيراً عَنِ الْخَطِيئَةِ، لَمْ تَرْضَ بِها. عِنْدَئِذٍ قُلْتُ لَكَ: هَا أَنَا آتِي لأَعْمَلَ إِرَادَتَكَ، يَا اللهُ. هَذَا هُوَ الْمَكْتُوبُ عَنِّي فِي صَفْحَةِ الْكِتَابِ!»

فَبَعْدَ أَنْ عَبَّرَ الْمَسِيحُ عَنْ عَدَمِ رِضَى اللهِ بِجَمِيعِ التَّقْدِمَاتِ وَالذَّبَائِحِ الَّتِي كَانَتْ تُقَرَّبُ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ تُقَدَّمُ وَفْقاً لِلشَّرِيعَةِ، أَضَافَ قَائِلاً: «هَا أَنَا آتِي لأَعْمَلَ إِرَادَتَكَ!» فَهُوَ، إِذَنْ، يُلْغِي النِّظَامَ السَّابِقَ، لِيَضَعَ مَحَلَّهُ نِظَاماً جَدِيداً. 10 بِمُوجِبِ هَذِهِ الإِرَادَةِ الإِلَهِيَّةِ، صِرْنَا مُقَدَّسِينَ إِذْ قَدَّمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، مَرَّةً وَاحِدَةً، جَسَدَهُ عِوَضاً عَنَّا!

11 وَقَدِيماً، كَانَ كُلُّ كَاهِنٍ يَقِفُ يَوْمِيًّا أَمَامَ الْمَذْبَحِ لِيَقُومَ بِمُهِمَّتِهِ، فَيُقَدِّمُ لِلهِ تِلْكَ الذَّبَائِحَ عَيْنَهَا، مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قَادِرَةً عَلَى إِزَالَةِ الْخَطَايَا إِطْلاقاً. 12 وَلَكِنَّ الْمَسِيحَ، رَئِيسَ كَهَنَتِنَا، قَدَّمَ ذَبِيحَةً وَاحِدَةً عَنِ الْخَطَايَا، ثُمَّ جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ، 13 مُنْتَظِراً أَنْ يُوضَعَ أَعْدَاؤُهُ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْهِ. 14 إِذْ إِنَّهُ، بِتَقْدِمَةٍ وَحِيدَةٍ جَعَلَ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَدَّسَهُمْ كَامِلِينَ إِلَى الأَبَدِ. 15 وَالرُّوحُ الْقُدُسُ نَفْسُهُ يَشْهَدُ لَنَا بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ. إِذْ قَالَ أَوَّلاً: 16 «هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أُبْرِمُهُ مَعَهُمْ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَضَعُ شَرَائِعِي فِي دَاخِلِ قُلُوبِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا فِي عُقُولِهِمْ». 17 ثُمَّ أَضَافَ: «وَلا أَعُودُ أَبَداً إِلَى تَذَكُّرِ خَطَايَاهُمْ وَمُخَالَفَاتِهِمْ». 18 فَحِينَمَا يَتَحَقَّقُ غُفْرَانُ الْخَطَايَا، لَا تَبْقَى حَاجَةٌ بَعْدُ إِلَى تَقْرِيبِ التَّقْدِمَاتِ!

دعوة للثبات

19 فَلَنَا الآنَ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ حَقُّ التَّقَدُّمِ بِثِقَةٍ إِلَى «قُدْسِ الأَقْدَاسِ» (فِي السَّمَاءِ) بِدَمِ يَسُوعَ. 20 وَذَلِكَ بِسُلُوكِ هَذَا الطَّرِيقِ الْحَيِّ الْجَدِيدِ الَّذِي شَقَّهُ لَنَا الْمَسِيحُ بِتَمْزِيقِ الحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ. 21 وَلَنَا أَيْضاً كَاهِنٌ عَظِيمٌ يُمَارِسُ سُلْطَتَهُ عَلَى بَيْتِ اللهِ. 22 فَلْنَتَقَدَّمْ إِلَى حَضْرَةِ اللهِ بِقَلْبٍ صَادِقٍ وَبِثِقَةِ الإِيمَانِ الْكَامِلَةِ، بَعْدَمَا طَهَّرَ رَشُّ الدَّمِ قُلُوبَنَا مِنْ كُلِّ شُعُورٍ بِالذَّنْبِ، وَغَسَلَ الْمَاءُ النَّقِيُّ أَجْسَادَنَا. 23 وَلْنَتَمَسَّكْ دَائِماً بِالرَّجَاءِ الَّذِي نَعْتَرِفُ بِهِ، دُونَ أَنْ نَشُكَّ فِي أَنَّهُ سَيَتَحَقَّقُ، لأَنَّ الَّذِي وَعَدَنَا بِتَحْقِيقِهِ، هُوَ أَمِينٌ وَصَادِقٌ. 24 وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَنْتَبِهَ لِلآخَرِينَ، لِنَحُثَّ بَعْضُنَا بَعْضاً عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. 25 وَعَلَيْنَا أَلّا نَنْقَطِعَ عَنِ الاجْتِمَاعِ مَعاً، كَمَا تَعَوَّدَ بَعْضُكُمْ أَنْ يَفْعَلَ. إِنَّمَا، يَجْدُرُ بِكُمْ أَنْ تَحُثُّوا وَتُشَجِّعُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَتُوَاظِبُوا عَلَى هَذَا بِقَدْرِ مَا تَرَوْنَ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَقْتَرِبُ.

عاقبة رفض المسيح

26 فَإِنْ أَخْطَأْنَا عَمْداً بِرَفْضِنَا لِلْمَسِيحِ بَعْدَ حُصُولِنَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، لَا تَبْقَى هُنَاكَ ذَبِيحَةٌ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، 27 بَلِ انْتِظَارُ الْعِقَابِ الأَكِيدِ فِي لَهِيبِ النَّارِ الَّتِي سَتَلْتَهِمُ الْمُتَمَرِّدِينَ. وَيَا لَهُ مِنِ انْتِظَارٍ مُخِيفٍ!

28 تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ خَالَفَ شَرِيعَةَ مُوسَى، كَانَ عِقَابُهُ الْمَوْتَ دُونَ رَحْمَةٍ، عَلَى أَنْ يُؤَيِّدَ مُخَالَفَتَهُ شَاهِدَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ. 29 فَفِي ظَنِّكُمْ، كَمْ يَكُونُ أَشَدَّ كَثِيراً ذَلِكَ الْعِقَابُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ مَنْ يَدُوسُ ابْنَ اللهِ، إِذْ يَعْتَبِرُ أَنَّ دَمَ الْعَهْدِ، الَّذِي يَتَقَدَّسُ بِهِ، هُوَ دَمٌ نَجِسٌ، وَبِذَلِكَ يُهِينُ رُوحَ النِّعْمَةِ؟ 30 فَنَحْنُ نَعْرِفُ مَنْ قَالَ: «لِيَ الانْتِقَامُ، أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ الرَّبُّ!» وَأَيْضاً: «إِنَّ الرَّبَّ سَوْفَ يُحَاكِمُ شَعْبَهُ!» 31 حَقّاً مَا أَرْهَبَ الْوُقُوعَ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ!

32 لَا تَنْسَوْا أَبَداً تِلْكَ الأَيَّامَ الْمَاضِيَةَ الَّتِي فِيهَا، بَعْدَمَا أَشْرَقَ عَلَيْكُمْ نُورُ الإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ، صَبَرْتُمْ عَلَى جِهَادٍ مَرِيرٍ طَوِيلٍ، إِذْ قَاسَيْتُمْ كَثِيراً مِنَ الآلامِ. 33 وَذَلِكَ عِنْدَمَا تَعَرَّضْتُمْ لِلإِهَانَاتِ وَالْمُضَايَقَاتِ مِنْ جِهَةٍ، وَعِنْدَمَا شَارَكْتُمُ الَّذِينَ عُومِلُوا مِثْلَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. 34 فَقَدْ تَعَاطَفْتُمْ مَعَ الْمَسْجُونِينَ، كَمَا تَقَبَّلْتُمْ نَهْبَ مُمْتَلَكَاتِكُمْ بِفَرَحٍ، عِلْماً مِنْكُمْ بِأَنَّ لَكُمْ فِي السَّمَاءِ ثَرْوَةً أَفْضَلَ وَأَبْقَى. 35 إِذَنْ، لَا تَتَخَلَّوْا عَنْ ثِقَتِكُمْ بِالرَّبِّ. فَإِنَّ لَهَا مُكَافَأَةً عَظِيمَةً. 36 إِنَّكُمْ تحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ لِتَعْمَلُوا إِرَادَةَ اللهِ، فَتَنَالُوا الْبَرَكَةَ الَّتِي وُعِدْتُمْ بِها. 37 فَقَرِيباً جِدّاً، سَيَأْتِي الآتِي وَلا يَتَمَهَّلُ. 38 وَأَمَّا مَنْ تَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ، فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا. وَمَنِ ارْتَدَّ لَا تُسَرُّ بِهِ نَفْسِي! 39 وَلَكِنَّنَا نَحْنُ لَسْنَا مِنْ أَهْلِ الارْتِدَادِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْهَلاكِ، بَلْ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ الْمُؤَدِّي إِلَى خَلاصِ نُفُوسِنَا!

مَلْكِيصَادَق

كَانَ مَلْكِيصَادَقُ مَلِكًا عَلَى سَالِيمَ،[a] وَكَاهِنًا للهِ العَلِيِّ. وَذَاتَ يَوْمٍ، قَابَلَ مَلْكِيصَادَقُ إبرَاهِيمَ وَهُوَ عَائِدٌ مِنَ المَعْرَكَةِ الَّتِي هَزَمَ فِيهَا المُلُوكَ. فَبَارَكَ مَلْكِيصَادَقُ إبْرَاهِيمَ. وَأعْطَاهُ إبْرَاهِيمُ عُشْرًا مِنْ كُلِّ مَا غَنِمَهُ مِنَ الحَرْبِ. وَاسْمُهُ يَعْنِي «مَلِكَ البِرِّ،» وَهُوَ أيْضًا «مَلِكُ سَالِيمَ» أيْ «مَلِكُ السَّلَامِ.» وَلَا ذِكْرَ لِأبِيهِ أوْ أُمِّهِ أوْ أصلِهِ،[b] وَلَا ذِكْرَ لِبِدَايَةِ حَيَاتِهِ أوْ نِهَايَتِهَا. وَهُوَ، مِثْلُ ابْنِ اللهِ، يَبْقَى كَاهِنًا إلَى الأبَدِ.

فَأنْتُمْ تَرَوْنَ إذًا عَظَمَةَ هَذَا الرَّجُلِ! فَحَتَّى أبُونَا إبرَاهِيمُ قَدَّمَ لَهُ عُشْرًا مِمَّا غَنِمَهُ. وَتَأْمُرُ شَرِيعَةُ مُوسَى نَسْلَ لَاوِي الكَهَنَةَ أنْ يَجْمَعُوا عُشْرًا مِنَ الشَّعْبِ، أيْ مِنْ إخْوَتِهِمْ، مَعَ أنَّ إخْوَتَهُمْ هُمْ أيْضًا مِنْ نَسْلِ إبرَاهِيمَ.

وَمَلْكِيصَادَقُ لَمْ يَأْتِ مِنْ نَسْلِ لَاوِي. وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أخَذَ العُشْرَ مِنْ إبرَاهِيمَ نَفْسِهِ. وَبَارَكَ مَلْكِيصَادَقُ إبرَاهِيمَ الَّذِي أعْطَاهُ اللهُ الوُعُودَ. وَلَا شَكَّ فِي أنَّ الأعْلَى هُوَ الَّذِي يُبَارِكُ الأدْنَى.

فَفِي حَالَةِ اللَّاوِيِّينَ، يَجْمَعُ العُشْرَ كَهَنَةٌ فَانُونَ. أمَّا مَلْكِيصَادَقُ فَقَدْ شُهِدَ بِأنَّهُ حَيٌّ. كَمَا نَسْتَطِيعُ أنْ نَقُولَ إنَّ لَاوِي الَّذِي يَجْمَعُ العُشُورَ قَدْ دَفَعَ هُوَ نَفْسُهُ العُشْرَ مِنْ خِلَالِ إبرَاهِيمَ، 10 لِأنَّهُ كَانَ مَا يَزَالُ فِي جِسْمِ جَدِّهِ إبرَاهِيمَ لَمَّا قَابَلَهُ مَلْكِيصَادَقُ.

11 فَمِنَ الوَاضِحِ أنَّ الكَهَنُوتَ اللَّاوِيَّ، الَّذِي أُعْطِيَتِ الشَّرِيعَةُ عَلَى أسَاسِهِ إلَى الشَّعْبِ، عَاجِزٌ عَنْ إيصَالِ النَّاسِ إلَى الكَمَالِ. وَإلَّا فَلِمَاذَا كَانَتْ هُنَاكَ بَعْدُ حَاجَةٌ إلَى ظُهُورِ كَاهِنٍ آخَرَ عَلَىْ رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَقَ، وَلَيْسَ عَلَى رُتْبَةِ هَارُونَ؟ 12 فَحِينَ يَكُونُ هُنَاكَ تَغْيِيرٌ لِلكَهَنُوتِ، فَلَا بُدَّ أنْ يَتْبَعَ هَذَا تَغْيِيرٌ لِلشَّرِيعَةِ. 13 فَالمَسِيحُ الَّذِي تُقَالُ فِيهِ هَذِهِ الأُمُورُ جَاءَ مِنْ عَشِيرَةٍ أُخْرَى غَيْرِ قَبِيلَةِ لَاوِي. وَهِيَ عَشِيرَةٌ لَمْ يَخْدِمْ أحَدٌ مِنْهَا كَكَاهِنٍ عِنْدَ المَذْبَحِ. 14 فَمِنَ الْمَعْرُوفِ أنَّ رَبَّنَا أتَى مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا الَّتِي لَمْ يَذْكُرْ مُوسَى أيَّ ارتِبَاطٍ لَهَا بِالكَهَنُوتِ.

يَسُوعُ كَاهِنٌ كَمَلْكِيصَادَق

15 وَتُصبِحُ المَسألَةُ أكْثَرَ وُضُوحًا مَعَ ظُهُورِ هَذَا الكَاهِنِ الآخَرِ الَّذِي يُشْبِهُ مَلْكِيصَادَقَ. 16 وَقَدْ جُعِلَ كَاهِنًا، لَا عَلَى أسَاسِ شَرِيعَةٍ تَتَضَمَّنُ تَرْتِيبًا بَشَرِيًّا، بَلْ عَلَى أسَاسِ قُوَّةِ حَيَاةٍ لَا تَفْنَى. 17 إذْ يُقَالُ عَنْهُ فِي الكِتَابِ: «أنْتَ كَاهِنٌ إلَى الأبَدِ عَلَىْ رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَقَ.»

18 وَالْآنَ يُوضَعُ النِّظَامُ القَدِيمُ جَانِبًا، لِأنَّهُ كَانَ ضَعِيفًا وَعَدِيمَ الفَائِدَةِ. 19 فَشَرِيعَةُ مُوسَى لَمْ تَجْعَلْ شَيْئًا كَامِلًا، أمَّا الآنَ فَقَدْ صَارَ لَنَا رَجَاءٌ أفْضَلُ، بِهِ نَسْتَطِيعُ أنْ نَقتَرِبَ مِنَ اللهِ. 20 وَمَا يَهُمُّ أيْضًا أنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ يَسُوعَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِنْ دُونَ قَسَمٍ. 21 فَالآخَرُونَ صَارُوا كَهَنَةً مِنْ دُونِ قَسَمٍ، أمَّا هُوَ فَصَارَ كَاهِنًا بِقَسَمٍ إذْ قَالَ اللهُ لَهُ:

«أقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَتَرَاجَعَ:
‹أنْتَ كَاهِنٌ إلَى الأبَدِ.›»[c]

22 وَهَذَا يَجْعَلُ يَسُوعَ ضَمَانَتَنَا لِعَهْدٍ أفْضَلَ.

23 كَانَ فِي العَهْدِ القَدِيمِ رُؤَسَاءُ كَهَنَةٍ كَثِيرُونَ. وَكُلَّمَا مَاتَ أحَدُهُمْ، كَانَ لَا بُدَّ مِنَ استِبدَالِهِ. 24 أمَّا يَسُوعُ فَهُوَ حَيٌّ إلَى الأبَدِ، لِذَلِكَ فَإنَّ كَهَنُوتَهُ كَهَنُوتٌ دَائِمٌ. 25 وَلِذَلِكَ يَقْدِرُ أنْ يُعطِيَ خَلَاصًا أبَدِيًّا لِلَّذِينَ يَأْتُونَ إلَى اللهِ بِوَاسِطَتِهِ، لِأنَّهُ حَيٌّ عَلَى الدَّوَامِ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ عِنْدَ اللهِ.

26 فَيَسُوعُ هُوَ رَئيسُ كَهَنَةٍ يُنَاسِبُ احتِيَاجَاتِنَا. وَهُوَ قُدُّوسٌ بِلَا خَطِيَّةٍ وَطَاهِرٌ، وَلَا يَتَأثَّرُ بِالخُطَاةِ. وَهُوَ مُمَجَّدٌ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ. 27 وَلَا يَحْتَاجُ كَأيِّ رَئيسِ كَهَنَةٍ آخَرَ، إلَى تَقْدِيمِ ذَبَائِحَ يَوْمِيَّةٍ عَنْ خَطَايَاهُ أوَّلًا، ثُمَّ عَنْ خَطَايَا الشَّعْبِ. فَقَدْ قَدَّمَ يَسُوعُ ذَبِيحَةً عَنْ خَطَايَا النَّاسِ مَرَّةً وَاحِدَةً نِهَائِيَّةً حَاسِمَةً، عِنْدَمَا قَدَّمَ نَفْسَهُ. 28 فَالشَّرِيعَةُ تُعَيِّنُ رُؤَسَاءَ كَهَنَةٍ مِنَ البَشَرِ الضُّعَفَاءِ. لَكِنَّ اللهَ أعْطَى فِيمَا بَعْدُ وَعْدًا مَصحُوبًا بِقَسَمٍ. وَبِحَسَبِ هَذَا الوَعْدِ، فَإنَّ الابْنَ المُكَمَّلَ[d] إلَى الأبَدِ هُوَ الَّذِي عُيِّنَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ.

يَسُوعُ رَئِيسُ كَهَنَتِنَا

وَخُلَاصَةُ الكَلَامِ، هُوَ أنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ بِهَذِهِ الميزَاتِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ عَرْشِ الجَلَالَةِ فِي السَّمَاوَاتِ. وَهُوَ يَخْدِمُ كَرَئِيسِ كَهَنَةٍ فِي أقْدَسِ مَكَانٍ، أيْ فِي خَيْمَةِ العِبَادَةِ الحَقِيقِيَّةِ. وَهِيَ خَيْمَةٌ لَمْ يَبْنِهَا إنْسَانٌ، بَلِ الرَّبُّ نَفْسُهُ.

وَيُعَيَّنُ كُلُّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ بِقَصْدِ تَقْدِيمِ تَقْدِمَاتٍ وَذَبَائِحَ. وَلِهَذَا كَانَ ضَرُورِيًّا أنْ يَكُونَ لِرَئِيسِ كَهَنَتِنَا مَا يُقَدِّمُهُ أيْضًا. وَلَوْ كَانَ هُنَا عَلَى الأرْضِ الآنَ لَمَا صَلُحَ أنْ يَكُونَ كَاهِنًا، فَهُنَاكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ التَّقدِمَاتِ الَّتِي تَنُصُّ عَلَيْهَا الشَّرِيعَةُ! وَمَا الخِدْمَةُ الَّتِي يُؤَدُّونَهَا إلَّا نُسخَةٌ وَظِلٌّ لِمَا يَجْرِي فِي السَّمَاءِ. وَلِهَذَا نَبَّهَ اللهُ مُوسَى عِنْدَمَا كَانَ عَلَى وَشَكِ أنْ يَنْصُبَ خَيْمَةَ العِبَادَةِ الأرْضِيَّةِ وَقَالَ لَهُ: «احرِصْ عَلَى أنْ تَصْنَعَ كُلَّ شَيءٍ حَسَبَ النَّمُوذَجِ الَّذِي أرَيتُكَ إيَّاهُ عَلَى الجَبَلِ.»[e]

لَكِنَّ يَسُوعَ قَدْ أُعْطِيَ خِدْمَةً أعْظَمَ جِدًّا مِنْ خِدْمَةِ أُولَئِكَ الكَهَنَةِ، وَذَلِكَ بِمِقدَارِ تَفَوُّقِ العَهْدِ الجَدِيدِ[f] الَّذِي وَسِيطُهُ يَسُوعُ عَلَى العَهْدِ القَدِيمِ.[g] وَهَذَا العَهْدُ الجَدِيدُ مُؤَسَّسٌ عَلَى وُعُودٍ أفْضَلَ. فَلَو كَانَ العَهْدُ الأوَّلُ بِلَا عَيْبٍ لَمَا كَانَتْ هُنَاكَ حَاجَةٌ إلَى عَهْدٍ آخَرَ يَحِلُّ مَحَلَّهُ. لَكِنَّ اللهَ وَجَدَهُمْ مَلُومِينَ فَقَالَ:

«هَا تَأْتِي أيَّامٌ، يَقُولُ الرَّبُّ،
حِينَ أقطَعُ عَهْدًا جَدِيدًا مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ
وَمَعَ بَنِي يَهُوذَا.
لَنْ يَكُونَ كَالعَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ
عِنْدَمَا أمسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لِأُخرِجَهُمْ مِنْ مِصْرَ.
فَهُمْ لَمْ يَظَلُّوا مُخْلِصِينَ لِعَهْدِي،
فَابْتَعَدْتُ عَنْهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ.

10 «وَهَذَا هُوَ العَهْدُ الَّذِي سَأقطَعُهُ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ:

«سَأزرَعُ شَرَائِعِي فِي عُقُولِهِمْ،
وَسَأكتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ.
سَأكُونُ إلَهَهُمْ،
وَهُمْ سَيَكُونُونَ شَعْبِي.
11 وَلَنْ تَكُونَ هُنَاكَ حَاجَةٌ لأنْ يُعَلِّمَ أحَدٌ قَرِيبَهُ وَيَقُولَ لَهُ:
‹اعْرِفِ الرَّبَّ.›
إذْ سَيَعْرِفُونَنِي جَمِيعًا،
مِنْ صَغِيرِهِمْ إلَى كَبِيرِهِمْ.
12 فَأنَا سَأغْفِرُ آثَامَهُمْ،
وَلَنْ أعُودَ أذْكُرُ خَطَايَاهُمْ.»[h]

13 فَحِينَ يَدْعُو اللهُ هَذَا العَهْدَ «جَدِيدًا،» فَإنَّهُ يَجْعَلُ الأوَّلَ «قَدِيمًا.» وَمَا هُوَ قَدِيمٌ وَبِلَا نَفْعٍ، يَزُولُ سَرِيعًا.

العِبَادَةُ تَحْتَ العَهْدِ القَدِيم

تَضَمَّنَ العَهْدُ الأوَّلُ تَوْجِيهَاتٍ لِلعِبَادَةِ وَمَكَانًا مُقَدَّسًا بَشَرِيَّ الصُّنْعِ. إذْ نُصِبَ الْقِسْمُ الأوَّلُ مِنَ الْخَيْمَةِ حَيْثُ وُضِعَتِ المَنَارَةُ وَالمَائِدَةُ وَعَلَيهَا الخُبْزُ المُقَدَّمُ للهِ. وَيُدْعَىْ ذَلِكَ الْقِسْمُ: «المَكَانَ المُقَدَّسَ.» وَخَلْفَ السِّتَارَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ هُنَاكَ الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي يُدْعَىْ: «قُدْسَ الأقْدَاسِ،» حَيْثُ يُوجَدُ مَذْبَحٌ ذَهَبِيٌّ لِلبَخُورِ، وَصُندُوقُ العَهْدِ المُغَشَّىْ بِالذَّهَبِ. وَفِيهِ جَرَّةٌ ذَهَبِيَّةٌ تَحْتَوِي عَلَى المَنِّ، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أورَقَتْ، وَلَوحَا العَهْدِ الحَجَرِيَّانِ. وَفَوقَهُ تِمثَالَانِ لِكَرُوبَيْنِ يُظهِرَانِ مَجْدَ اللهِ وَيُظَلِّلَانِ عَرْشَ الرَّحمَةِ. وَلَا مَجَالَ لِلدُّخُولِ فِي تَفَاصِيلِ هَذِهِ الأُمُورِ[i] الآنَ.

وَبَعْدَ أنْ تُرَتَّبَ هَذِهِ الأشْيَاءُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، كَانَ الكَهَنَةُ يَدْخُلُونَ إلَى الْقِسْمِ الأوَّلِ مِنَ الخَيْمَةِ بِانتِظَامٍ، لِيُؤَدُّوا فُرُوضَ العِبَادَةِ. أمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُهُ إلَّا رَئِيسُ الكَهَنَةِ وَحْدَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي السَّنَةِ. وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ هُنَاكَ دُونَ أنْ يَأْخُذَ مَعَهُ دَمًا يُقَدِّمُهُ عَنْ خَطَايَاهُ، وَعَنْ خَطَايَا الشَّعْبِ الَّتِي ارتَكَبُوهَا فِي جَهلِهِمْ. وَبِهَذَا يُظهِرُ الرُّوحُ القُدُسُ أنَّ الدُّخُولَ إلَى قُدسِ الأقْدَاسِ غَيْرُ مُمْكِنٍ مَا دَامَ الْقِسْمُ الأوَّلُ مِنَ الْخَيْمَةِ قَائِمًا. وَهَذَا كُلُّهُ رَمزٌ لِلزَّمَنِ الحَالِيِّ. وَهُوَ يَعْنِي أنَّ التَّقدِمَاتِ وَالذَّبَائِحَ المُقَدَّمَةَ للهِ كَانَتْ عَاجِزَةً عَنْ جَعلِ ضَمِيرِ العَابِدِ صَالِحًا تَمَامًا. 10 لِأنَّهَا قَائِمَةٌ عَلَى أطعِمَةٍ وَأشرِبَةٍ وَغُسُولَاتٍ طَقْسيَّةٍ مُتَنَوِّعَةٍ. وَمَا هَذِهِ إلَّا فَرَائِضُ خَارِجِيَّةٌ تَسْرِي إلَى وَقْتِ النِّظَامِ الجَدِيدِ.

العِبَادَةُ تَحْتَ العَهْدِ الجَدِيد

11 أمَّا الآنَ فَقَدْ جَاءَ المَسِيحُ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلخَيرَاتِ المَوعُودَةِ. وَدَخَلَ خَيْمَةً أعْظَمَ وَأكمَلَ غَيْرَ مَصْنُوعَةٍ بِأيدٍ بَشَرِيَّةٍ، أيْ خَيْمَةً لَيْسَتْ جُزءًا مِنْ هَذَا العَالَمِ المَخْلُوقِ. 12 وَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَاسِمَةً إلَى قُدْسِ الأقْدَاسِ بِدَمِ نَفْسِهِ، فَضَمِنَ لَنَا فِدَاءً أبَدِيًّا.

13 فَإنْ كَانَ دَمُ التُّيُوسِ وَالثِّيرَانِ وَالعُجُولِ المَرشُوشُ عَلَى النَّجِسِينَ قَادِرًا أنْ يُقَدِّسَهُمْ فَيَصِيرُوا طَاهِرِينَ خَارِجِيًّا، 14 ألَا يَكُونُ دَمُ المَسِيحِ أعْظَمَ؟ فَقَدْ قَدَّمَ نَفْسَهُ بِرُوحٍ أزَلِيٍّ، ذَبِيحَةً كَامِلَةً للهِ، لِكَي يُطَهِّرَ ضَمَائِرَنَا مِنْ أعْمَالٍ تُؤَدِّي إلَى المَوْتِ، وَهَكَذَا نَسْتَطِيعُ الآنَ أنْ نَعبُدَ اللهَ الحَيَّ.

15 لِذَلِكَ فَإنَّ المَسِيحَ هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ. فَالآنَ، وَقَدْ مَاتَ المَسِيحُ لِفِدَاءِ البَشَرِ مِنَ الخَطَايَا المُرتَكَبَةِ تَحْتَ العَهْدِ الأوَّلِ، يُمْكِنُ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ دَعَاهُمُ اللهُ أنْ يَنَالُوا المِيرَاثَ الأبَدِيَّ المَوعُودَ. 16 وَحَيْثُ تُوجَدُ وَصِيَّةٌ،[j] يَنْبَغِي إثبَاتُ مَوْتِ صَاحِبِ الوَصِيَّةِ. 17 فَالوَصِيَّةَ لَا تُصبِحُ سَارِيَةَ المَفعُولِ إلَّا عِنْدَ المَوْتِ، حَيْثُ إنَّهَا لَا تَكُونُ نَافِذَةَ المَفعُولِ فِي حَيَاةِ المُوصِي.

18 لِذَلِكَ حَتَّى العَهْدُ الأوَّلُ يَتِمُّ تَدْشِينُهُ أيْضًا بِالدَّمِ. 19 فَبَعدَ أنْ قَرَأ مُوسَى كُلَّ وَصَايَا الشَّرِيعَةِ عَلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ، أخَذَ دَمَ عُجُولٍ وُتُيُوسٍ مَعَ مَاءٍ وَصُوفٍ قُرمُزِيٍّ وَنَبَاتِ زُوفَا، ثُمَّ رَشَّ عَلَى كِتَابِ الشَّرِيعَةِ نَفْسِهِ، وَعَلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ 20 وَقَالَ: «هَذَا هُوَ دَمُ العَهْدِ الَّذِي أوصَاكُمُ اللهُ أنْ تُطِيعُوهُ.»[k] 21 وَكَذَلِكَ رَشَّ خَيْمَةَ العِبَادَةِ، وَجَمِيعَ الأدَوَاتِ المُسْتَخْدَمَةِ فِي العِبَادَةِ. 22 وَتَشْتَرِطُ الشَّرِيعَةُ أنْ يَتَطَهَّرَ كُلُّ شَيءٍ تَقْرِيبًا بِالدَّمِ، وَبِغَيرِ سَفكِ دَمٍ لَا يُوجَدُ غُفرَانٌ.

ذَبِيحَةُ المَسِيحِ تَنْزِعُ الخَطَايَا

23 إذًا كَانَ ضَرُورِيًّا أنْ تُطَهَّرَ بِهَذِهِ الذَّبَائِحِ النُّسَخُ الأرْضِيَّةُ لِلأشيَاءِ الحَقِيقِيَّةِ فِي السَّمَاءِ، أمَّا الأشْيَاءُ السَّمَاوِيَّةُ نَفْسُهَا فَيَنْبَغِي أنْ تُطَهَّرَ بِذَبَائِحَ أفْضَلَ مِنْ هَذِهِ. 24 فَالمَسِيحُ لَمْ يَدْخُلْ قُدْسَ أقدَاسٍ صَنَعَتْهُ أيدٍ بَشَرِيَّةٌ نُسخَةً عَنِ قُدْسِ الأقْدَاسِ الحَقِيقِيِّ، بَلْ دَخَلَ السَّمَاءَ عَينَهَا، لِكَي يَقِفَ الآنَ أمَامَ حَضْرَةِ اللهِ لأجْلِنَا.

25 وَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ مَرَّةً تِلْوَ الأُخرَى كَمَا يَدْخُلُ رَئِيسُ الكَهَنَةِ قُدْسَ الأقْدَاسِ كُلَّ سَنَةٍ بِدَمٍ غَيْرِ دَمِهِ. 26 وَلَوْ كَانَ الأمْرُ كَذَلِكَ، لَكَانَ عَلَيْهِ أنْ يَتَألَّمَ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً جِدًّا مُنْذُ خَلقِ العَالَمِ. لَكِنَّهُ ظَهَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ اقْتِرَابِ نِهَايَةِ التَّارِيخِ لِكَي يُزِيلَ الخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ. 27 وَكَمَا أنَّ النَّاسَ يَمُوتُونَ مَرَّةً، ثُمَّ يُواجِهُونَ الدَّينُونَةَ، 28 فَقَدْ قُدِّمَ المَسِيحُ ذَبِيحَةً مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ لِكَي يَنْزِعَ خَطَايَا كَثِيرِينَ. وَسَيَظْهَرُ مَرَّةً ثَانِيَةً، لَا مِنْ أجْلِ الخَطِيَّةِ، وَإنَّمَا لِيُخَلِّصَ الَّذِينَ يَتَرَقَّبُونَ قُدُومَهُ.

10 فَلَيْسَ لَدَى الشَّرِيعَةِ إلَّا ظِلُّ الخَيْرَاتِ الآتِيَةِ. فَهِيَ لَا تَحْمِلُ نَفْسَ جَوهَرِ الأشْيَاءِ الحَقِيقِيَّةِ. فَالشَّرِيعَةُ لَا تَقْدِرُ أبَدًا، بِنَفْسِ الذَّبَائِحِ الَّتِي تُقَدَّمُ سَنَةً بَعْدَ أُخْرَى، أنْ تُكَمِّلَ الَّذِينَ يَقْتَرِبُونَ مِنَ اللهِ فِي العِبَادَةِ. وَلَوْ كَانَ فِي مَقدُورِهَا أنْ تُكَمِّلَهُمْ، أفَمَا كَانُوا يَتَوَقَّفُونَ عَنْ تَقْدِيمِهَا؟ فَلَو تَطَهَّرُوا بِشَكلٍ نِهَائِيٍّ مِنْ خَطَايَاهُمْ، لَمَا شَعَرُوا بِذَنبِ خَطَايَاهُمْ! لَكِنَّ الذَّبَائِحَ هِيَ تَذكَارٌ لِخَطَايَاهُمْ كُلَّ سَنَةٍ. فَلَا يُمْكِنُ لِدَمِ الثِّيرَانِ وَالتُّيُوسِ أنْ يَنْزِعَ الخَطَايَا. لِهَذَا عِنْدَمَا جَاءَ المَسِيحُ إلَى العَالَمِ قَالَ للهِ:

«أنْتَ لَمْ تُرِدْ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً،
لَكِنَّكَ أعدَدْتَ لِي جَسَدًا.
لَمْ تَسُرَّكَ الذَّبَائِحُ الصَّاعِدَةُ وَقَرَابِينُ الخَطِيَّةِ.
ثُمَّ قُلْتُ: ‹فَكَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي مَخطُوطَةِ الكِتَابِ:
هَا أنَا قَدْ جِئْتُ لأفعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا اللهُ.›»[l]

قَالَ أوَّلًا: «أنْتَ لَا تُرِيدُ ذَبَائِحَ وَتَقْدِمَاتٍ، ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَقَرَابِينَ خَطِيَّةٍ، وَلَا تُسَرُّ بِهَا،» مَعَ أنَّ الشَّرِيعَةَ كَانَتْ تَطْلُبُ تَقْدِيمَ هَذِهِ الذَّبَائِحِ. ثُمَّ قَالَ: «هَأنَذَا قَدْ جِئْتُ لِأفعَلَ مَشِيئَتَكَ.» وَهُوَ بِهَذَا يَضَعُ النِّظَامَ الأوَّلَ جَانِبًا لِكَي يُؤَسِّسَ الثَّانِيَ. 10 فَبِهَذِهِ المَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ، بِذَبِيحَةِ جَسَدِ يَسُوعَ المَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً إلَى الأبَدِ.

11 فَكُلُّ كَاهِنٍ يَهُودِيٍّ يَقِفُ لِيُؤَدِّيَ وَاجِبَاتِهِ الدِّينِيَّةَ كُلَّ يَوْمٍ، فَيُقَدِّمَ مَرَّةً تِلْوَ المَرَّةِ نَفْسَ الذَّبَائِحِ الَّتِي لَا تَقْدِرُ أنْ تَنْزِعَ الخَطَايَا.

12 أمَّا المَسيحُ، فَبَعْدَ أنْ قَدَّمَ ذَبِيحَةً مُفْرَدَةً عَنِ الخَطَايَا مَرَّةً وَاحِدَةً إلَى الأبَدِ، جَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ. 13 وَهُوَ الآنَ يَنْتَظِرُ أنْ يُجْعَلَ أعْدَاؤُهُ مِسْنَدًا لِقَدَمَيهِ. 14 فَبِذَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ جَعَلَ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ كَامِلِينَ إلَى الأبَدِ.

15 وَيَشْهَدُ لَنَا الرُّوحُ القُدُسُ عَنْ هَذِهِ الحَقيقَةِ أيْضًا فَيَقُولُ أوَّلًا:

16 «هَذَا هُوَ العَهْدُ الَّذِي سَأقْطَعُهُ مَعَهُمْ
بَعْدَ تِلْكَ الأيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ:
سَأضَعُ شَرَائِعِي فِي قُلُوبِهِمْ،
وَأكْتُبُهَا فِي عُقُولِهِمْ.»[m]

17 ثُمَّ يَقُولُ:

«وَلَنْ أعُودَ أذكُرُ خَطَايَاهُمْ وَآثَامَهُمْ.»[n]

18 فَعِنْدَمَا تَكُونُ هُنَاكَ مَغفِرَةٌ لِهَذِهِ الخَطَايَا وَالآثَامِ، لَا تَعُودُ هُنَاكَ حَاجَةٌ لِقُربَانٍ عَنِ الخَطَايَا.

الدُّخُولُ إلَى مَحضَرِ الله

19 لِهَذَا أيُّهَا الإخْوَةُ، لَنَا جُرأةٌ لِلدُّخُولِ إلَى قُدْسِ الأقْدَاسِ بِدَمِ يَسُوعَ. 20 فَنَحْنُ نَدخُلُ طَرِيقًا جَدِيدًا حَيًّا فَتَحَهُ يَسُوعُ أمَامَنَا عَبْرَ السِّتَارَةِ،[o] أيْ جَسَدِهِ. 21 إذْ لَنَا كَاهِنٌ عَظِيمٌ يَتَوَلَّى مَسؤُولِيَّةَ بَيْتِ اللهِ، 22 فَلْنَدخُلْ إذًا مَحضَرَ اللهِ بِقَلْبٍ مُخْلِصٍ، وَبِيَقِينٍ نَابِعٍ مِنَ الإيمَانِ. إذْ إنَّ قُلُوبَنَا قَدْ رُشَّتْ فَتَطَهَّرَتْ مِنَ الضَّميرِ الشِّرِّيرِ، وَأجْسَادَنَا غُسِلَتْ بِمَاءٍ نَقِيٍّ. 23 فَلِنَتَمَسَّكْ إذًا بِقُوَّةٍ بِالرَّجَاءِ الَّذِي نَعْتَرِفُ بِهِ، لِأنَّ مَنْ وَعَدَنَاَ أمِينٌ.

لِيُشَدِّدْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا

24 فَلْيَنْتَبِهْ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى الآخَرِ مُحَرِّضًا إيَّاهُ عَلَى المَزِيدِ مِنَ المَحَبَّةِ وَالأعْمَالِ الصَّالِحَةِ. 25 فَلَا يَنْبَغِي أنْ نَتَوَقَّفَ عَنْ الاجتِمَاعِ مَعًا، كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُهُمْ. بَلْ لِنَجتَمِعْ لِكَي يُشَجِّعَ أحَدُنَا الآخَرَ أكْثَرَ فَأكثَرَ، خَاصَّةً أنَّ يَوْمَ الرَّبِّ يَقْتَرِبُ!

التَّمَسُّكُ بِالنِّعمَة

26 فَإنَّهُ إنْ تَعَمَّدْنَا الاسْتِمَرَارَ فِي الخَطِيَّةِ، بَعْدَ أنْ تَلَقَّينَا مَعْرِفَةَ الحَقِّ، فَلَنْ تُقْبَلَ ذَبيحَةٌ أُخْرَى عَنْ خَطَايَانَا، 27 بَلْ يَبْقَىْ أنْ نَتَوَقَّعَ دَينُونَةً وَنَارًا هَائِجَةً سَتَلْتَهِمُ الَّذِينَ يُعَادُونَ اللهَ! 28 مَنْ كَانَ يُخَالِفُ شَرِيعَةَ مُوسَى، كَانَ يُنَفَّذُ فِيهِ حُكْمُ المَوْتِ بِلَا رَأفَةٍ بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَينِ أوْ ثَلَاثَةِ شُهُودٍ. 29 فَتَصَوَّرُوا مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ عِقَابٍ أشَدَّ مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَاحتَقَرَ دَمَ العَهْدِ الَّذِي قَدَّسَهُ، وَأهَانَ رُوحَ النِّعمَةِ! 30 فَنَحْنُ نَعْرِفُ اللهَ الَّذِي قَالَ: «لِيَ الانْتِقَامُ، وَأنَا الَّذِي سَيُجَازِي.» وَنَعْرِفُ مَنْ قَالَ أيْضًا: «الرَّبُّ سَيَحْكُمُ عَلَى شَعْبِهِ.» 31 فَمَا أفظَعَ الوُقُوعَ بَيْنَ يَدَيِّ اللهِ الحَيِّ!

الصَّبرُ وَالإيمَان

32 تَذَكَّرُوا تِلْكَ الأيَّامَ الأُولَى لإيمَانِكُمْ، عِنْدَمَا استُنِرْتُمْ بِنُورِ البِشَارَةِ، فَصَبَرْتُمْ عَلَى الآلَامِ الكَثيرَةِ. 33 تَعَرَّضْتُمْ أحْيَانًا لِلإهَانَاتِ وَالمُضَايَقَاتِ العَلَنِيَّةِ، وَكُنْتُمْ تَتَعَاطَفُونَ أحْيَانًا أُخْرَى مَعَ الَّذِينَ عُومِلُوا بِهَذِهِ الطَّريقَةِ. 34 وَأنْتُمْ لَمْ تَتَألَّمُوا بِسَبَبِ الَّذِينَ سُجِنُوا فَحَسْبُ، لَكِنَّكُمْ قَبِلتُمْ بِفَرَحٍ مُصَادَرَةَ مُمتَلَكَاتِكُمْ أيْضًا، لِأنَّكُمْ عَرَفْتُمْ أنَّ لَكُمْ شَيْئًا أفْضَلَ، شَيْئًا سَيَدُومُ. 35 فَلَا تَخْسَرُوا ثِقَتَكُمُ الَّتِي سَتَعُودُ عَلَيْكُمْ بِمُكَافَأةٍ عَظِيمَةٍ. 36 لَا بُدَّ لَكُمْ مِنَ الصَّبْرِ حَتَّى تَنَالُوا مَا وَعَدَ اللهُ بِهِ، بَعْدَ أنْ تَكُونُوا قَدْ أطَعتُمُوهُ.

37 لَمْ يَبْقَ الآنَ إلَّا القَلِيلُ مِنَ الوَقْتِ،
«وَسَيَأْتِي مَنْ وَعَدَ بِالمَجِيءِ.
وَلَنْ يَتَأخَّرَ.
38 البَارُّ بِالإيمَانِ يَحْيَا.
وَإنِ ارْتَدَّ فَلَنْ أُسَرَّ بِهِ.»[p]

39 لَكِنَّنَا لَسنَا مِنْ بَيْنِ الَّذِينَ يَرْتَدُّونَ فَيَهْلِكُونَ، بَلْ مِنَ الَّذِينَ لَهُمُ الإيمَانُ فَيَخْلُصُونَ.

Footnotes

  1. 7‏:1 سَاليم الأغلب أن هَذِهِ إشَارة إلَى مدينةِ القدسِ.
  2. 7‏:3 وَلَا ذكر … أصلِه حرفيًا «بِلَا أبٍ، بِلَا أمٍّ، بِلَا نَسَبٍ.»
  3. 7‏:21 المَزْمُور 110‏:4.
  4. 7‏:28 المُكَمَّل الَّذِي أعَدَّهُ اللهُ تمَامًا مِنْ خِلَالِ الآلَامِ ليكونَ مُخَلِّصَ العَالم. رَاجِعْ 2‏:10، و 5‏:9.
  5. 8‏:5 احرص … الجبل من كتَاب الخروج 25‏:40.
  6. 8‏:6 العَهْد الجديد العَهْد الَّذِي قطعه اللهُ مع البشر فِي الرب يسوع.
  7. 8‏:6 العَهْد القديم العَهْد الَّذِي قطعه اللهُ قديمًا مع بَنِي إسْرَائيِل.
  8. 8‏:12 إرِمْيَا 31‏:31‏-34.
  9. 9‏:5 تفَاصيل هَذِهِ الأمور رَاجِعْ جدول الشروح لقرَاءة تعَاريف بسيطة لِهذه الأمور.
  10. 9‏:16 وَصيَّة هِيَ نفس الكلمة المترجمة إلَى «عَهْد» فِي الأعدَاد السَّابقة.
  11. 9‏:20 هَذَا هُوَ … تطيعوه من كتَاب الخروج 24‏:8.
  12. 10‏:7 المَزْمُور 40‏:6‏-8.
  13. 10‏:16 إرِمْيَا 31‏:33.
  14. 10‏:17 إرِمْيَا 31‏:34.
  15. 10‏:20 السِّتَارة هِيَ الستَارة الفَاصلة بينَ أقدس مكَان فِي الهيكل اليهودي (قدس الأقدَاس، أوْ مَقْدِسَ الله)، وبين بقية أقسَام الهيكل. وعندمَا مَات يسوع عَلَى الصَّليب، انشَقَّت ستَارة الهيكل هَذِهِ إشَارةً عَلَى أنَّ الطَّريق إلَى محضر الله صَار مفتوحًا لكل من يؤمن بِالمسيح المُخَلِّص. انْظُرْ بشَارة مَتَّى 27‏:51.
  16. 10‏:38 حبقوق 2‏:3‏-4.