هاجر وإسماعيل

16 وَأَمَّا سَارَايُ زَوْجَةُ أَبْرَامَ فَقَدْ كَانَتْ عَاقِراً، وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ مِصْرِيَّةٌ تُدْعَى هَاجَرَ. فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: «هُوَذَا الرَّبُّ قَدْ حَرَمَنِي مِنَ الْوِلادَةِ، فَادْخُلْ عَلَيْهَا لَعَلَّنِي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ». فَسَمِعَ أَبْرَامُ لِكَلامِ زَوْجَتِهِ. وَهَكَذَا بَعْدَ إِقَامَةِ عَشْرِ سَنَوَاتٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، أَخَذَتْ سَارَايُ جَارِيَتَهَا الْمِصْرِيَّةَ هَاجَرَ وَأَعْطَتْهَا لِرَجُلِهَا أَبْرَامَ لِتَكُونَ زَوْجَةً لَهُ.

فَعَاشَرَ هَاجَرَ فَحَبِلَتْ مِنْهُ. وَلَمَّا أَدْرَكَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ هَانَتْ مَوْلاتُهَا فِي عَيْنَيْهَا، فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: «لِيَقَعْ ظُلْمِي عَلَيْكَ، فَأَنَا قَدْ زَوَّجْتُكَ مِنْ جَارِيَتِي وَحِينَ أَدْرَكَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ هِنْتُ فِي عَيْنَيْهَا. لِيَقْضِ الرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ». فَأَجَابَهَا أَبْرَامُ: «هَا هِيَ جَارِيَتُكِ تَحْتَ تَصَرُّفِكِ، فَافْعَلِي بِها مَا يَحْلُو لَكِ». فَأَذَلَّتْهَا سَارَايُ حَتَّى هَرَبَتْ مِنْهَا.

فَوَجَدَهَا مَلاكُ الرَّبِّ بِالْقُرْبِ مِنْ عَيْنِ الْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى شُورٍ. فَقَالَ: «يَا هَاجَرُ جَارِيَةَ سَارَايَ، مِنْ أَيْنَ جِئْتِ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟». فَأَجَابَتْ: «إِنَّنِي هَارِبَةٌ مِنْ وَجْهِ سَيِّدَتِي سَارَايَ». فَقَالَ لَهَا مَلاكُ الرَّبِّ: «عُودِي إِلَى مَوْلاتِكِ وَاخْضَعِي لَهَا». 10 وَقَالَ لَهَا مَلاكُ الرَّبِّ: «لأُكَثِّرَنَّ نَسْلَكِ فَلا يَعُودُ يُحْصَى»، 11 وَأَضَافَ مَلاكُ الرَّبِّ: «هُوَذَا أَنْتِ حَامِلٌ، وَسَتَلِدِينَ ابْناً تَدْعِينَهُ إِسْمَاعِيلَ (وَمَعْنَاهُ: اللهُ يَسْمَعُ) لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ شَقَائِكِ. 12 وَيَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيًّا يُعَادِي الْجَمِيعَ وَالْجَمِيعُ يُعَادُونَهُ، وَيَعِيشُ مُسْتَوْحِشاً مُتَحَدِّياً كُلَّ إِخْوَتِهِ». 13 فَدَعَتِ اسْمَ الرَّبِّ الَّذِي خَاطَبَهَا: «أَنْتَ اللهُ الَّذِي رَآنِي» لأَنَّهَا قَالَتْ: «حَقّاً رَأَيْتُ الآنَ الَّذِي يَرَانِي» 14 لِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْبِئْرُ «بِئْرَ لَحَيْ رُئِي» (وَمَعْنَاهُ بِئْرُ الْحَيِّ الَّذِي يَرَانِي) وَهِيَ وَاقِعَةٌ بَيْنَ قَادَشَ وَبَارَدَ.

15 ثُمَّ وَلَدَتْ هَاجَرُ لأَبْرَامَ ابْناً، فَدَعَا أَبْرَامُ ابْنَهُ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ لَهُ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ. 16 وَكَانَ أَبْرَامُ فِي السَّادِسَةِ وَالثَّمَانِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا وَلَدَتْ لَهُ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ.

عهد الختان

17 وَعِنْدَمَا كَانَ أَبْرَامُ فِي التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ، ظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ قَائِلاً: «أَنَا هُوَ اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً، فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَأُكَثِّرَ نَسْلَكَ جِدّاً». فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ، فَخَاطَبَهُ اللهُ قَائِلاً: «هَا أَنَا أَقْطَعُ لَكَ عَهْدِي، فَتَكُونُ أَباً لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ. وَلَنْ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدَ الآنَ أَبْرَامَ (وَمَعْنَاهُ الأَبُ الرَّفِيعُ) بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ (وَمَعْنَاهُ أَبٌ لِجُمْهُورٍ) لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ؛ وَأُصَيِّرُكَ مُثْمِراً جِدّاً، وَأَجْعَلُ أُمَماً تَتَفَرَّعُ مِنْكَ، وَيَخْرُجُ مِنْ نَسْلِكَ مُلُوكٌ. وَأُقِيمُ عَهْدِي الأَبَدِيَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ، فَأَكُونُ إِلَهاً لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. وَأَهَبُكَ أَنْتَ وَذُرِّيَّتَكَ مِنْ بَعْدِكَ جَمِيعَ أَرْضِ كَنْعَانَ، الَّتِي نَزَلْتَ فِيهَا غَرِيباً، مُلْكاً أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً».

وَقَالَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ: «أَمَّا أَنْتَ فَاحْفَظْ عَهْدِي، أَنْتَ وَذُرِّيَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ مَدَى أَجْيَالِهِمْ. 10 هَذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ الَّذِي عَلَيْكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ: أَنْ يُخْتَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنْكُمْ 11 تَخْتِنُونَ رَأْسَ قُلْفَةِ غُرْلَتِكُمْ فَتَكُونُ عَلامَةَ الْعَهْدِ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ 12 تَخْتِنُونَ عَلَى مَدَى أَجْيَالِكُمْ كُلَّ ذَكَرٍ فِيكُمُ ابْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلُودُ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ أَمْ كَانَ ابْناً لِغَرِيبٍ مُشْتَرىً بِمَالِكَ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ نَسْلِكَ. 13 فَعَلَى كُلِّ وَلِيدٍ سَوَاءٌ وُلِدَ فِي بَيْتِكَ أَمِ اشْتُرِيَ بِمَالٍ أَنْ يُخْتَنَ، فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْداً أَبَدِيًّا. 14 أَمَّا الذَّكَرُ الأَغْلَفُ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ، يُسْتَأْصَلُ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ لأَنَّهُ نَكَثَ عَهْدِي».

15 وَقَالَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ: «أَمَّا سَارَايُ زَوْجَتُكَ فَلا تَدْعُوهَا سَارَايَ بَعْدَ الآنَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُهَا سَارَةَ (وَمَعْنَاهُ أَمِيرةٌ). 16 وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ ابْناً مِنْهَا. سَأُبَارِكُهَا وَأَجْعَلُهَا أُمّاً لِشُعُوبٍ، وَمِنْهَا يَتَحَدَّرُ مُلُوكُ أُمَمٍ». 17 فَانْطَرَحَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ قَائِلاً فِي نَفْسِهِ: «أَيُوْلَدُ ابْنٌ لِمَنْ بَلَغَ الْمِئَةَ مِنْ عُمْرِهِ؟ وَهَلْ تُنْجِبُ سَارَةُ وَهِيَ فِي التِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهَا؟»

18 وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَحْيَا فِي رِعَايَتِكَ». 19 فَأَجَابَ الرَّبُّ: «إِنَّ سَارَةَ زَوْجَتَكَ هِيَ الَّتِي تَلِدُ لَكَ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحاقَ (وَمَعْنَاهُ يَضْحَكُ). وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ وَمَعَ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَهْداً أَبَدِيًّا. 20 أَمَّا إِسْمَاعِيلُ، فَقَدِ اسْتَجَبْتُ لِطِلْبَتِكَ مِنْ أَجْلِهِ. سَأُبَارِكُهُ حَقّاً، وَأَجْعَلُهُ مُثْمِراً، وَأُكَثِّرُ ذُرِّيَّتَهُ جِدّاً فَيَكُونُ أَباً لاثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً، وَيُصْبِحُ أُمَّةً كَبِيرَةً. 21 غَيْرَ أَنَّ عَهْدِي أُبْرِمُهُ مَعَ إِسْحاقَ الَّذِي تُنْجِبُهُ لَكَ سَارَةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ السَّنَةِ الْقَادِمَةِ». 22 وَلَمَّا انْتَهَى مِنْ مُحَادَثَتِهِ فَارَقَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ.

23 وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ أَخَذَ إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيلَ وَجَمِيعَ الْمَوْلُودِينَ فِي بَيْتِهِ وَكُلَّ مَنِ اشْتُرِيَ بِمَالٍ، كُلَّ ذَكَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَخَتَنَ لَحْمَ غُرْلَتِهِمْ كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ. 24 وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ فِي التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ، 25 أَمَّا إِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ فَقَدْ كَانَ ابْنَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ. 26 وَهَكَذَا خُتِنَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ فِي الْيَوْمِ نَفْسِهِ. 27 وَكَذَلِكَ خُتِنَ مَعَهُ كُلُّ رِجَالِ بَيْتِهِ الْمَوْلُودِينَ فِيهِ وَالْمُبْتَاعِينَ بِمَالٍ مِنَ الْغَرِيبِ.

الزائرون الثلاثة

18 ثُمَّ ظَهَرَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَقْتَ اشْتِدَادِ حَرِّ النَّهَارِ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَإذَا بِهِ يَرَى ثَلاثَةَ رِجَالٍ مَاثِلِينَ لَدَيْهِ. فَأَسْرَعَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ. وَقَالَ: «يَا سَيِّدِي، إِنْ كُنْتُ قَدْ حَظِيْتُ بِرِضَاكَ فَلا تَعْبُرْ عَنْ عَبْدِكَ. بَلْ دَعْنِي أُقَدِّمُ لَكُمْ بَعْضَ مَاءٍ تَغْسِلُونَ بِهِ أَرْجُلَكُمْ وَتَتَّكِئُونَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ آتِي لَكُمْ بِلُقْمَةِ خُبْزٍ تُسْنِدُونَ بِها قُلُوبَكُمْ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تُوَاصِلُونَ مَسِيرَتَكُمْ، لأَنَّكُمْ قَدْ مِلْتُمْ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمْ». فَأَجَابُوهُ: «حَسَناً، لِيَكُنْ كَمَا قُلْتَ».

فَأَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى دَاخِلِ الْخَيْمَةِ إِلَى زَوْجَتِهِ سَارَةَ وَقَالَ: «هَيَّا أَسْرِعِي وَاعْجِنِي ثَلاثَ كَيْلاتٍ مِنْ أَفْضَلِ الدَّقِيقِ وَاخْبِزِيهَا». ثُمَّ أَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ نَحْوَ قَطِيعِهِ وَاخْتَارَ عِجْلاً غَضّاً مُسَمَّناً وَأَعْطَاهُ لِغُلامٍ كَيْ يُجَهِّزَهُ. ثُمَّ أَخَذَ زُبْداً وَلَبَناً وَالْعِجْلَ الَّذِي طَبَخَهُ، وَمَدَّهَا أَمَامَهُمْ، وَبَقِيَ وَاقِفاً فِي خِدْمَتِهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَهُمْ يَأْكُلُونَ.

ثُمَّ سَأَلُوهُ: «أَيْنَ زَوْجَتُكَ؟» فَأَجَابَ: «هَا هِيَ فِي الْخَيْمَةِ». 10 فَقَالَ: «إِنِّي أَرْجِعُ إِلَيْكَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ السَّنَةِ الْقَادِمَةِ فَتَكُونُ سَارَةُ آنَئِذٍ قَدْ وَلَدَتْ لَكَ ابْناً». وَكَانَتْ سَارَةُ وَرَاءَهُ، عِنْدَ بَابِ الْخَيْمَةِ، فَسَمِعَتْ حَدِيثَهُ. 11 وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ عَجُوزَيْنِ طَاعِنَيْنِ جِدّاً فِي السِّنِّ وَقَدْ تَجَاوَزَتْ سَارَةُ سِنَّ الْيَأْسِ. 12 فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي نَفْسِهَا قَائِلَةً: «أَبَعْدَ أَنْ فَنِيَ عُمْرِي وَأَصْبَحَ زَوْجِي شَيْخاً يَكُونُ لِي هَذَا التَّنَعُّمُ؟» 13 فَقَالَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ: «لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: أَحَقّاً أَلِدُ ابْناً وَقَدْ بَلَغْتُ سِنَّ الشَّيْخُوخَةِ؟ 14 أَيَتَعَذَّرُ عَلَى الرَّبِّ شَيْءٌ؟ سَأَرْجِعُ إِلَيْكَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ السَّنَةِ الْقَادِمَةِ فَتَكُونُ سَارَةُ قَدْ أَنْجَبَتِ ابْناً». 15 فَخَافَتْ سَارَةُ وَأَنْكَرَتْ قَائِلَةً: «لَمْ أَضْحَكْ». فَقَالَ: «لا، بَلْ ضَحِكْتِ».

تضرع إبراهيم لأجل سدوم وعمورة

16 ثُمَّ نَهَضَ الرِّجَالُ وَتَطَلَّعُوا نَحْوَ سَدُومَ. فَمَشَى إِبْرَاهِيمُ مَعَهُمْ لِيُوَدِّعَهُمْ. 17 فَقَالَ الرَّبُّ: «أَأَكْتُمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ؟ 18 وَإِبْرَاهِيمُ لابُدَّ أَنْ يُصْبِحَ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَبِهِ تَتَبَارَكُ شُعُوبُ الأَرْضِ جَمِيعاً، 19 لأَنَّنِي قَدِ اخْتَرْتُهُ لِيُوْصِيَ بَنِيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ بَعْدِهِ كَيْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، عَامِلِينَ الْبِرَّ وَالْعَدْلَ، حَتَّى يُنْجِزَ الرَّبُّ مَا وَعَدَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ». 20 وَقَالَ الرَّبُّ: «لأَنَّ الشَّكْوَى ضِدَّ مَظَالِمِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَتْ وَخَطِيئَتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدّاً 21 أَنْزِلُ لأَرَى إِنْ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ مُطَابِقَةً لِلشَّكْوَى ضِدَّهُمْ وَإلَّا فَأَعْلَمُ». 22 وَانْطَلَقَ الرَّجُلانِ مِنْ هُنَاكَ نَحْوَ سَدُومَ، وَبَقِيَ إِبْرَاهِيمُ مَاثِلاً أَمَامَ الرَّبِّ.

23 فَاقْتَرَبَ إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: «أَتُهْلِكُ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ؟ 24 لَوْ وُجِدَ فِي الْمَدِينَةِ خَمْسُونَ بَارّاً، فَهَلْ تُدَمِّرُهَا وَلا تَصْفَحُ عَنْهَا مِنْ أَجْلِ الْخَمْسِينَ بَارّاً الَّذِينَ فِيهَا؟ 25 تَنَزَّهْتَ عَنْ أَنْ تُهْلِكَ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ، فَيَكُونُ الْبَارُّ كَالأَثِيمِ؛ حَاشَا لَكَ. أَدَيَّانُ الأَرْضِ كُلِّهَا لَا يُجْرِي عَدْلاً؟» 26 فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنْ وَجَدْتُ فِي سَدُومَ خَمْسِينَ بَارّاً فَإِنَّنِي أَصْفَحُ عَنِ الْمَكَانِ كُلِّهِ مِنْ أَجْلِهِمْ». 27 فَأَجَابَ إِبْرَاهِيمُ: «هَا أَنَا قَدْ أَخَذْتُ فِي مُخَاطَبَةِ الْمَوْلَى، مَعَ أَنَّنِي لَسْتُ سِوَى تُرَابٍ وَرَمَادٍ. 28 مَاذَا لَوْ نَقَصَ الْخَمْسُونَ بَارّاً خَمْسَةً؟ أَفَتُهْلِكُ الْمَدِينَةَ كُلَّهَا مِنْ أَجْلِ الْخَمْسَةِ؟» فَأَجَابَهُ: «إِنْ وَجَدْتُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ بَارّاً لَا أُهْلِكُهَا». 29 فَخَاطَبَهُ إِبْرَاهِيمُ ثَانِيَةً: «وَمَاذَا لَوْ وُجِدَ هُنَاكَ أَرْبَعُونَ بَارّاً فَقَطْ؟». فَأَجَابَهُ: «لا أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الأَرْبَعِينَ». 30 وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «لا يَغْضَبِ الْمَوْلَى، بَلْ دَعْنِي أَتَكَلَّمُ. مَاذَا لَوْ وُجِدَ هُنَاكَ ثَلاثُونَ بَارّاً؟». فَأَجَابَهُ: «لا أُهْلِكُهَا إِنْ وَجَدْتُ ثَلاثِينَ». 31 وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «هَا أَنَا قَدِ اسْتَرْسَلْتُ فِي الْكَلامِ أَمَامَ الْمَوْلَى، فَمَاذَا لَوْ وَجَدْتَ هُنَاكَ عِشْرِينَ بَارّاً؟» فَقَالَ: «لا أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الْعِشْرِينَ». 32 وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «لا يَغْضَبِ الْمَوْلَى، فَأَتَكَلَّمَ مَرَّةً أُخْرَى: مَاذَا لَوْ وُجِدَ هُنَاكَ عَشَرَةٌ؟». فَأَجَابَهُ الرَّبُّ: «لا أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الْعَشَرَةِ». 33 وَعِنْدَمَا فَرَغَ الرَّبُّ مِنْ مُحَادَثَةِ إِبْرَاهِيمَ مَضَى، وَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَكَانِهِ.

الجَارِيةُ هَاجَر

16 وَأمَّا سَارَايُ، زَوْجَةُ أبْرَامَ، فَلَمْ تَكُنْ قَدْ أنْجَبَتْ لَهُ أبْنَاءً. وَكَانَ لَهَا جَارِيَةٌ مِصْرِيَّةٌ اسْمُهَا هَاجَرُ. فَقَالَتْ سَارَايُ لِأبْرَامَ: «هَا أنْتَ تَرَى أنَّ اللهَ حَرَمَنِي مِنَ القُدْرَةِ عَلَى الإنْجَابِ، فَعَاشِرْ جَارِيَتِي. وَسَأبْنِي عَائِلَتِي مِنْ أوْلَادِهَا.» فَوَافَقَ أبْرَامُ امْرَأتَهُ عَلَى رَأيِهَا.

فَبَعْدَ أنْ مَضَتْ عَشْرُ سَنَوَاتٍ عَلَى سَكَنِ أبْرَامَ فِي أرْضِ كَنْعَانَ، قَدَّمَتْ سَارَايُ، زَوْجَةُ أبْرَامَ، جَارِيَتَهَا المِصْرِيَّةَ هَاجَرَ زَوْجَةً لِزَوْجِهَا أبْرَامَ. فَعَاشَرَ أبْرَامُ هَاجَرَ فَحَبِلَتْ. وَلَمَّا رَأتْ هَاجَرُ أنَّهَا حَبِلَتْ، صَغُرَتْ سَيِّدَتُهَا سَارَايُ فِي عَيْنَيْهَا. فَقَالَتْ سَارَايُ لِأبْرَامَ: «أنْتَ المَلُومُ فِي مَا أُسِيئَ بِهِ إلَيَّ. أنَا نَفْسِي الَّتِي وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيكَ، فَلَمَّا حَبِلَتْ، صَارَتْ تَحْتَقِرُنِي. لِيَحْكُمِ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ.»

فَقَالَ أبْرَامَ لِسَارَايَ: «مَا هِيَ إلَّا خَادِمَةٌ عِنْدَكِ، وَهِيَ تَحْتَ سُلطَتِكِ. فَافْعَلِي بِهَا كَمَا يَحْلُو لَكِ.» فَأسَاءَتْ سَارَايُ مُعَامَلَةَ هَاجَرَ، فَهَرَبَتْ مِنْهَا.

إسْمَاعِيلُ ابْنُ هَاجَر

وَجَلَسَتْ هَاجَرُ عِنْدَ نَبْعٍ فِي الصَّحْرَاءِ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى شُورَ. فَجَاءَهَا مَلَاكُ اللهِ إلَى هُنَاكَ. وَقَالَ لَهَا: «يَا هَاجَرُ، يَا جَارِيَةَ سَارَايَ، مِنْ أيْنَ جِئْتِ؟ وَإلَى أيْنَ تَمْضِينَ؟»

فَقَالَتْ: «أنَا هَارِبَةٌ مِنْ سَيِّدَتِي سَارَايَ.»

فَقَالَ لَهَا مَلَاكُ اللهِ: «عُودِي إلَى سَيِّدَتِكِ، وَاخضَعِي لَهَا.» 10 وَأضَافَ مَلَاكُ اللهِ: «سَأُكَثِّرُ نَسْلَكِ تَكْثِيرًا، فَلَا يُعَدُّونَ لِكَثْرَتِهِمْ.»

11 «وَقَالَ لَهَا مَلَاكُ اللهِ:

«هَا أنْتِ حُبلَى،
وَسَتَلِدِينَ ابْنًا،
وَسَيَكُونُ اسْمُهُ إسْمَاعِيلَ.[a]
فَاللهُ قَدْ سَمِعَ مِحْنَتَكِ.
12 سَيَهِيمُ ابْنُكِ كَحِمَارٍ وَحشِيٍّ.
وَسَتَكُونُ يَدُهُ عَلَى جَمِيعِ المُحِيطِينَ بِهِ،
وَيَدُ المُحِيطِينَ بِهِ عَلَيْهِ.
وَسَيَنْصُبُ خِيَامَهُ فِي مُواجَهَةِ إخْوَتِهِ.»[b]

13 وَنَادَتْ هَاجَرُ اللهَ الَّذِي كَلَّمَهَا وَقَالَتْ: «أنْتَ الإلَهُ البَصِيرُ.»[c] إذْ قَالَتْ: «أحَقًّا أبصَرْتُ ذَاكَ الَّذِي أبصَرَنِي؟» 14 فَسُمِّيَتْ تِلْكَ البِئْرُ «بِئْرَ لَحَي رُئِي.»[d] وَهِيَ تَقَعُ بَيْنَ قَادِشَ وَبَارَدَ.

15 وَأنْجَبَتْ هَاجَرُ ابْنًا لِأبْرَامَ. فَسَمَّاهُ أبْرَامُ إسْمَاعِيلَ. 16 وَكَانَ أبْرَامُ فِي السَّادِسَةِ وَالثَّمَانِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا أنْجَبَتْ هَاجَرُ إسْمَاعِيلَ.

الخِتَانُ: عَلَامَةُ العَهْد

17 وَلَمَّا بَلَغَ أبْرَامُ التَّاسِعَةَ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ، ظَهَرَ لَهُ اللهُ. وَقَالَ لَهُ: «أنَا اللهُ الجَبَّارُ.[e] أطِعْنِي وَعِشْ حَيَاةً خَالِيَةً مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ. فَإنْ فَعَلْتَ هَذَا، سَأقْطَعُ عَهْدًا بَيْنِي وَبَيْنَكَ. وَسَأُعْطِيكَ نَسْلًا كَثِيرًا جِدًّا.»

فَسَجَدَ أبْرَامُ. فَقَالَ لَهُ اللهُ: «أمَّا أنَا، فَهَذَا هُوَ عَهْدِي مَعَكَ: سَتَكُونُ أصلَ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ. وَلَنْ يَكُونَ اسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ أبْرَامَ،[f] بَلْ إبْرَاهِيمَ.[g] فَقَدْ جَعَلْتُكَ أبًا لِشُعُوبٍ كَثِيرَةٍ. سَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ، حَتِّى إنِّي سَأجْعَلُ شُعُوبًا كَثِيرَةً تَخْرُجُ مِنْكَ. وَسَيَخْرُجُ مِنْكَ مُلُوكٌ. وَسَأقْطَعُ عَهْدًا أبَدِيًّا بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ عَلَى مَدَى الأجْيَالِ. فَأنَا أتَعَهَّدُ بِأنْ أكُونَ إلَهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. وَسَأُعْطِيكَ وَنَسْلَكَ مِنْ بَعْدِكَ الأرْضَ الَّتِي تَتَغَرَّبُ فِيهَا الآنَ، أرْضَ كَنْعَانَ كُلَّهَا. سَأُعْطِيهَا لَكَ وَلَهُمْ مَقْتَنَىً أبَدِيًّا. وَسَأكُونُ لَهُمْ إلَهًا.»

ثُمَّ قَالَ اللهُ لِإبْرَاهِيمَ: «أمَّا أنْتَ فَاحفَظْ عَهْدِي، أنْتَ وَكُلُّ نَسْلِكَ عَلَى مَدَى الأجْيَالِ. 10 وَهَذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي يَنْبَغِي أنْ تَحْفَظُوهُ. هَذَا هُوَ العَهْدُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ بَيْنَكُمْ أنْ يُختَنَ.[h] 11 اختِنُوا لَحْمَ غُرْلَتِكُمْ. هَذِهِ هِيَ العَلَامَةُ الَّتِي تَقْبَلُونَهَا لِلعَهْدِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. 12 عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ ابْنِ ثَمَانِيَةِ أيَّامٍ أنْ يُخْتَتَنَ عَلَى مَدَى أجْيَالِكُمْ. كَمَا يَنْبَغِي أنْ يُخْتَتَنَ الخَدَمُ الَّذِينَ يُولَدُونَ فِي بَيْتِكَ. كَذَلِكَ لِيُخْتَتَنْ كُلُّ مَنِ اشْتَرَيتُمُوهُ بِالمَالِ عَبْدًا مِنْ أيِّ أجْنَبِيٍّ، حَتَّى وَإنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَسْلِكَ. 13 فَلْيُخْتَتَنْ حَتَّى العَبْدُ المَولُودُ فِي بَيْتِكَ أوِ العَبْدُ الَّذِي اشْتَرَيتَهُ بِمَالِكَ. وَهَكَذَا يَحْمِلُ جَسَدُكَ عَلَامَةَ عَهْدِي الأبَدِيِّ. 14 أمَّا الَّذِي يَرْفُضُ أنْ يَخْتِنَ غُرْلَتَهُ، فَسَيُقْطَعُ مِنْ شَعْبِهِ.[i] فَهَذَا قَدْ كَسَرَ عَهْدِي.»

إسْحَاقُ: ابْنُ الوَعْد

15 وَقَالَ اللهُ لِإبْرَاهِيمَ: «وَأمَّا زَوْجَتُكَ سَارَايُ، فَلَنْ تُدْعَى سَارَايُ[j] فِيمَا بَعْدُ، إذْ سَيَكُونُ اسْمُهَا سَارَةَ.[k] 16 وَأنَا سَأُبَارِكُهَا. وَسَأُعِطِيكَ ابْنًا مِنْهَا. وَسَأُبَارِكُهَا، وَسَتُصْبِحُ أُمًّا لِشُعُوبٍ كَثِيرَةٍ. وَسَيَخْرُجُ مُلُوكٌ مِنْهَا.»

17 فأنْكَبَّ إبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ، وَضَحِكَ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: «أيُولَدُ ابْنٌ لِرَجُلٍ فِي المِئَةِ مِنْ عُمْرِهِ؟ أمْ يُمْكِنُ لِسَارَةَ ذَاتِ التِّسْعِينَ سَنَةً أنْ تُنْجِبَ؟» 18 ثُمَّ قَالَ إبْرَاهِيمُ للهِ: «أرْجُو أنْ تُنْعِمَ عَلَى إسْمَاعِيلَ بِرِضَاكَ.»

19 فَقَالَ اللهُ: «لَا بَلْ سَارَةُ سَتُنْجِبُ لَكَ وَلَدًا، وَأنْتَ سَتُسَمِّيهِ إسْحَاقَ.[l] وَسَأحفَظُ عَهْدِي مَعَهُ وَمَعَ نَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَهْدًا أبَدِيًّا.

20 «أمَّا دُعَاؤكَ مِنْ أجْلِ إسْمَاعِيلَ، فَقَدْ سَمِعْتُهُ. فَسَأُبَارِكُهُ، وَسَأُعْطِيهِ أبْنَاءً كَثِيرِينَ. وَسَيَكُونُ أبًا لِاثنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا. وَسَأجْعَلُهُ شَعْبًا عَظِيمًا. 21 أمَّا عَهْدِي فَسَأقْطَعُهُ مَعَ إسْحَاقَ الَّذِي سَتُنْجِبُهُ سَارَةُ لَكَ فِي مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ مِنَ السَّنَةِ القَادِمَةِ.»

22 وَبَعْدَ أنْ أنْهَى اللهُ كَلَامَهُ مَعَ إبْرَاهِيمَ، اختَفَى عَنْ نَظَرِهِ. 23 ثُمَّ أخَذَ إبْرَاهِيمُ ابْنَهُ إسْمَاعِيلَ وَكُلَّ العَبِيدِ المَولُودِينَ فِي بَيْتِهِ وَالَّذِينَ اشْتَرَاهُمْ بِمَالِهِ – أخَذَ كُلَّ ذَكَرٍ فِي بَيْتِهِ، وَخَتَنَهُمْ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ نَفْسِهِ، كَمَا أمَرَهُ اللهُ.

24 وَكَانَ إبْرَاهِيمُ فِي التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ. 25 وَكَانَ ابْنُهُ إسْمَاعِيلُ فِي الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ. 26 فِي ذَلِكَ اليَوْمِ نَفْسِهِ خُتِنَ إبْرَاهِيمُ وَابْنُهُ إسْمَاعِيلُ. 27 وَخُتِنَ مَعَهُ جَمِيعُ الذُّكُورِ الَّذِينَ فِي بَيْتِهِ، سَوَاءٌ الَّذِينَ وُلِدُوا عَبِيدًا فِي بَيْتِهِ، أمِ الَّذِينَ اشْتَرَاهُمْ بِمَالٍ مِنْ أجنَبِيٍّ.

الزَّائِرُونَ الثَّلَاثَة

18 وَظَهَرَ اللهُ لِإبْرَاهِيمَ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا، وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَتِهِ فِي عِزِّ الظَّهِيرَةِ. فَرَفَعَ إبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ، فَرَأى ثَلَاثَةَ رِجَالٍ وَاقِفِينَ هُنَاكَ أمَامَهُ. فَلَمَّا رَآهُمْ، رَكَضَ مِنْ مَدْخَلِ خَيْمَتِهِ لِلِقَائِهِمْ، وَانحَنَى لَهُمْ. وَقَالَ: «يَا سَادَتِي، أرْجُو أنْ تَتَكَرَّمُوا عَلَيَّ بِالبَقَاءِ عِنْدِي قَلِيلًا، أنَا خَادِمَكُمْ. فَاسْمَحُوا لِي بِأنْ أُحضِرَ بَعْضَ المَاءِ، فَتَغْسِلُوا أقْدَامَكُمْ وَتَرْتَاحُوا عِنْدَ الشَّجَرَةِ. وَسَأُحضِرُ بَعْضَ الخُبْزِ فَتَنْشُطَ أنْفُسُكُمْ، وَتُواصِلُوا طَرِيقَكُمْ. اسْمَحُوا لِي بِهَذَا بِمَا أنَّكُمْ جِئْتُمْ إلَيَّ، أنَا خَادِمَكُمْ.»

فَقَالُوا: «كَمَا قُلْتَ فَافْعَلْ.»

فَأسْرَعَ إبْرَاهِيمُ إلَى سَارَةَ فِي خَيْمَتِهِ وَقَالَ لَهَا: «عَجِّلِي، اعْجِنِي ثَلَاثَةَ أكيَالٍ مِنَ الدَّقِيقِ، وَاصْنَعِي لَنَا بَعْضَ الفَطَائِرِ.» ثُمَّ رَكَضَ إبْرَاهِيمُ إلَى القَطِيعِ وَأخَذَ عِجلًا جَيِّدًا صَغِيرًا، وَأعْطَاهُ لِخَادِمِهِ الَّذِي أسْرَعَ لِيَطْبُخَهُ. ثُمَّ أخَذَ إبْرَاهِيمُ زُبْدًا وَحَلِيبًا وَالعِجلَ الَّذِي طَبَخَهُ، وَوَضَعَ هَذَا كُلَّهُ أمَامَهُمْ، وَوَقَفَ قُرْبَهُمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بَيْنَمَا هُمْ يَأْكُلُونَ.

فَقَالُوا لَهُ: «أيْنَ زَوْجَتُكَ سَارَةُ؟»

فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «هُنَاكَ، فِي الخَيْمَةِ.»

10 فَقَالَ:[m] «سأعُودُ إلَيكَ فِي الرَّبيعِ القَادِمِ، وَسَيَكُونُ لِزَوْجَتِكَ سَارَةَ وَلَدٌ.»

وَكَانَتْ سَارَةُ تَسْتَمِعُ عِنْدَ مَدْخَلِ الخَيْمَةِ وَرَاءَهُ. 11 وَكَانَا قَدْ شَاخَا. وَانقَطَعَتِ العَادَةُ الشَّهْرِيَّةُ عِنْدَ سَارَةَ مُنْذُ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. 12 فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي نَفْسِهَا وَقَالَتْ: «أبَعْدَ أنْ كَادَ يَفْنَى جَسَدِي، وَشَاخَ زَوْجِي، أهْنأُ بِهَذَا الأمْرِ؟»

13 فَقَالَ اللهُ لِإبْرَاهِيمَ: «لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ وَقَالَتْ: ‹هَلْ أُرْزَقُ بِطِفلٍ حَقًّا وَأنَا قَدْ شِخْتُ؟› 14 هَلْ يَسْتَحيلُ أمْرٌ عَلَى اللهُ؟ فِي الوَقْتِ المُحَدَّدِ سأعُودُ إلَيكَ – فِي الرَّبيعِ القَادِمِ – وَسَيَكُونُ لِسَارَةَ وَلَدٌ.»

15 فَخَافَتْ سَارَةُ، فَأنْكَرَتْ وَقَالَتْ: «لَمْ أضْحَكْ!»

فَقَالَ: «بَلْ ضَحِكْتِ!»

16 ثُمَّ انطَلَقَ الرِّجَالُ مِنْ هُنَاكَ وَأشْرَفُوا عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ. وَكَانَ إبْرَاهِيمُ يَمْشِي مَعَهُمْ لِيُوَدِّعَهُمْ.

إبْرَاهيمُ يَطْلُبُ العَفوَ عَنِ المَدِينَة

17 فَقَالَ اللهُ: «كَيفَ أُخفِي عَنْ إبْرَاهِيمَ مَا أُوشِكُ أنْ أفْعَلَهُ؟ 18 فَهُوَ سَيُصبِحُ أُمَّةً عَظِيمَةً وَقَوِيَّةً. وَبِهِ سَتَتَبَارَكُ كُلُّ أُمَمِ الأرْضِ. 19 وَقَدِ اختَرْتُهُ لِأنَّهُ سَيَأْمُرُ أبْنَاءَهُ وَبَيْتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أنْ يَحْيَوْا كَمَا يُرِيدُهُمُ اللهُ. فَيَعْمَلُوا أعْمَالَ البِرِّ وَالإنْصَافِ، وَأُحَقِّقُ، أنَا اللهَ، لِإبْرَاهِيمَ مَا وَعَدْتُهُ بِهِ.»

20 ثُمَّ قَالَ اللهُ: «الشَّكَاوَى كَثِيرَةٌ جِدًّا عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ. وَخَطِيَّتُهُمْ عَظِيمَةٌ جِدًّا. 21 سَأنْزِلُ، وَسَأرَى إنْ كَانُوا قَدْ فَعَلُوا كُلَّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ شَكْوَى أمْ لَمْ يَفْعَلُوا.»

22 فَانصَرَفَ الرِّجَالُ مِنْ هُنَاكَ وَسَارُوا نَحْوَ سَدُومَ. أمَّا إبْرَاهِيمُ فَظَلَّ وَاقِفًا فِي حَضْرَةِ اللهِ.

23 وَدَنَا إبْرَاهِيمُ مِنَ اللهِ وَقَالَ: «أحَقًّا سَتَسْحَقُ الصَّالِحِينَ مَعَ الأشْرَارِ؟ 24 فَمَاذَا إذَا كَانَ هُنَاكَ خَمْسُونَ صَالِحًا فِي المَدِينَةِ؟ فَهَلْ سَتَسْحَقُ المَدِينَةَ؟ أفَلَا تَعْفُو عَنِ المَدِينَةِ مِنْ أجْلِ الخَمْسِينَ الصَّالِحِينَ السَّاكِنِينَ فِي المَدِينَةِ؟ 25 لَنْ تَفْعَلَ هَذَا بِكُلِّ تأكِيدٍ: لَنْ تَقْتُلَ الصَّالِحَ مَعَ الشِّرِّيرِ. فَتُسَاوِي بَيْنَ الصَّالِحِ وَالشِّرِّيرِ. لَا يُمْكِنُ أنْ لَا يَكُونَ قَاضِي الأرْضِ كُلِّهَا عَادِلًا؟»

26 فَقَالَ اللهُ: «إنْ وَجَدْتُ فِي سَدُومَ خَمْسِينَ صَالِحِينَ، سَأعْفُو عَنِ المَدِينَةِ كُلِّهَا بِسَبَبِهِمْ.»

27 فَأجَابَ إبْرَاهِيمُ: «قَدْ تَجَرَّأتُ فِي مُخَاطَبَةِ الرَّبِّ، وَأنَا لَسْتُ سِوَى تُرَابٍ وَرَمَادٍ! 28 لَكِنْ مَاذَا إنْ وُجِدَ خَمْسةٌ وَأرْبَعُونَ فَقَطْ صَالِحُونَ؟ هَلْ سَتُدَمِّرِ المَدِينَةَ كُلَّهَا بِسَبَبِ الخَمْسَةِ؟»

فَقَالَ: «لَنْ أُدَمِّرَ المَدِينَةَ إنْ وُجِدَ فِيهَا خَمْسَةٌ وَأرْبَعُونَ صَالِحُونَ.»

29 ثُمَّ تَكَلَّمَ إبْرَاهِيمُ إلَيْهِ ثَانِيَةً وَقَالَ: «فَمَاذَا إنْ وُجِدَ أرْبَعُونَ صَالِحُونَ؟»

فَقَالَ: «لَنْ أُدَمِّرَ المَدِينَةَ مِنْ أجْلِ الأرْبَعِينَ.»

30 فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «يَا رَبِّي، لَا تَغْضَبْ مِنِّي إنْ تَكَلَّمْتُ هَذِهِ المَرَّةِ. فَمَاذَا إنْ وُجِدَ ثَلَاثَونَ صَالِحُونَ؟»

فَقَالَ: «لَنْ أُدَمِّرَهَا إنْ وَجَدْتُ ثَلَاثِينَ صَالِحِينَ.»

31 فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «هَا قَدْ تَجَاسَرْتُ كَثِيرًا فِي الحَدِيثِ مَعَ رَبِّي، لَكِنْ مَاذَا إنْ وُجِدَ عِشْرُونَ صَالِحُونَ؟»

فَقَالَ: «لَنْ أُدَمِّرَهَا مِنْ أجْلِ العِشْرِينَ.»

32 فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «يَا رَبُّ، لَا تَغْضَبْ مِنِّي فَأتَكَلَّمَ لِلمَرَّةِ الأخِيرَةِ. مَاذَا إنْ وُجِدَ فِيهَا عَشْرَةٌ صَالِحُونَ؟»

فَقَالَ: «لَنْ أُدَمِّرَهَا مِنْ أجْلِ العَشْرَةِ الصَّالِحِينَ.»

33 ثُمَّ ذَهَبَ اللهُ بَعْدَ أنْ أنهَى حَدِيثَهُ مَعَ إبْرَاهِيمَ. أمَّا إبْرَاهِيمُ فَعَادَ إلَى بَيْتِهِ.

Footnotes

  1. 16‏:11 إسمَاعيل يعني «الله يسمع.»
  2. 16‏:12 فِي موَاجهة إخْوَته أوْ قَدْ تعني «سَيهَاجم إخْوَته.» أيْضًا فِي 25‏:18.
  3. 16‏:13 الإلَه البَصِير حَرْفيًّا «إيلْ رُئِي.»
  4. 16‏:14 بئر لحي رئي أيْ «بئرُ الحيِّ (الله) الَّذِي يرَاني.»
  5. 17‏:1 الله الجَبَّار حرفيًا «إيل شدَّاي.»
  6. 17‏:5 أبْرَام ويعني «أبٌ مُكرَّم.»
  7. 17‏:5 إبرَاهيم ويعني «أبٌ لكثيرين.»
  8. 17‏:10 يُختَن كذلك فِي بقيّةِ هَذَا الفصلِ – خِتَانُ الأوْلَادِ طقسٌ مَا يزَالُ اليومَ معروفًا عِنْدَ العَامّةِ باسمِ التّطهيرِ أوِ الطُهُورِ. وَقَدْ كَانَ هَذَا الطَّقسُ علَامَةَ العَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ اللهُ مَعَ إبرَاهِيمَ، وَظَلَّ شَريعةً مُهمّةً لِكُلِّ ذكرٍ يَهودِيٍّ. وَفِي العَهْدِ الجَدِيدِ، يُشَارُ إلَى هَذَا الطّقسِ بِمعَانٍ روحيّةٍ. (انْظُرْ مثلًا رُومَا 2‏:28، فيلبّي 3‏:3، كولوسي 2‏:11)
  9. 17‏:14 يُقطع من شعبه يُنْزعُ مِنْ عَائلتِهِ ويفقدُ ميرَاثَه.
  10. 17‏:15 سَارَاي ويعني «أميرة» فِي الأرَامية.
  11. 17‏:15 سَارة ويعني «أميرة» فِي العِبْرِيِّة.
  12. 17‏:19 إسْحَاق ويعني «يضحك» أوْ «سعيد.»
  13. 18‏:10 من هُنَا وحتَّى العَدَد 15، تتحول صيغة الخطَاب إلَى المفرد. وَفِي العَدَد 13، يصرّح النصّ بأن الله هُوَ المتَكلِّم.