Add parallel Print Page Options

سَبيُ دَانِيَالَ إلَى بَابِل

فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ يَهُويَاقِيمَ[a] مَلِكِ يَهُوذَا، أتَى نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ وَحَاصَرَهَا بِجَيْشِهِ. وَسَمَحَ الرَّبُّ بِأنْ يَهْزِمَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا. فَسَلَبَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ بَعْضَ الآنِيَةِ مِنْ بَيْتِ اللهِ، وَأحضَرَهَا إلَى هَيْكَلِ آلِهَتِهِ فِي أرْضِ شِنْعَارَ، وَوَضَعَهَا فِي غُرفَةِ الخَزْنَةِ فِي هَيْكَلِ آلِهَتِهِ.

ثُمَّ أمَرَ المَلِكُ رَئِيسَ الخُدَّامِ أشْفْنَزَ بِأنْ يَختَارَ بَعْضَ الفِتيَانِ مِنْ أبْنَاءِ العَائِلَةِ المَالِكَةِ وَالطَبَقَةِ العُليَا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عُمُومًا، وَأنْ يَكُونُوا فِتيَانًا بِلَا عَيْبٍ وَحِسَانَ المَنظَرِ، قَادِرِينَ عَلَى تَعَلُّمِ الحِكْمَةِ، وَفُهُمَاءَ فِي العُلُومِ، مُؤَهَّلِينَ لِلخِدْمَةِ فِي قَصرِ المَلِكِ. وَكَانَ عَلَيْهِمْ أنْ يَتَعَلَّمُوا لُغَةَ الكَلدَانِيِّينَ وَآدَابَهُمْ.

وَقَدْ خَصَّصَ المَلِكُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ لَهُمْ حِصَّةً يَوْمِيَّةً مِنْ أطعِمَةِ المَلِكِ وَأشرِبَتِهِ الفَاخِرَةِ. فَبَعَدَ أنْ يَتَلَقَّى هَؤلَاءِ الفِتيَانُ تَعلِيمَهُمْ لِمُدَّةِ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، يُعَيَّنُونَ لِلعَمَلِ فِي قَصرِ المَلِكِ. وَكَانَ دَانِيَالُ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلُ وَعَزَرْيَا مِنْ هَؤلَاءِ الفِتيَانِ الَّذِينَ تَمَّ اختِيَارُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا. وَأعْطَاهُمْ أشْفْنَزُ أسْمَاءً أرَامِيَّةً، فَدَعَا دَانِيَالَ بَلْطشَاصَّرَ، وَدَعَا حَنَنْيَا شَدْرَخَ، وَدَعَا مِيشَائِيلَ مِيشَخَ، وَدَعَا عَزَرْيَا عَبْدَنَغُوَ.

أمَّا دَانِيَالُ فَقَدْ صَمَّمَ فِي قَلْبِهِ أنْ لَا يَتَنَجَّسَ بِحِصَّةِ المَلِكِ اليَوْمِيَّةِ مِنَ الطَّعَامِ وَالخَمْرِ. وَلِذَا طَلَبَ مِنْ أشْفْنَزَ رَئِيسِ الخُدَّامِ أنْ لَا يُقَدِّمَ لَهُ طَعَامًا يَتَنَجَّسُ بِهِ. وَجَعَلَ اللهُ دَانِيَالَ يَحْظَى بِعَطفِ رَئِيسِ الخُدَّامِ. 10 فَقَالَ رَئِيسُ الخُدَّامِ لِدَانِيَالَ: «أنَا خَائِفٌ مِنْ مَوْلَايَ المَلِكِ الَّذِي حَدَّدَ حِصَّةَ طَعَامِكُمْ، وَأخَافُ أنْ يَرَى أنَّكُمْ فِي حَالَةٍ سَيِّئَةٍ بِالمُقَارَنَةِ بِالفِتيَانِ الآخَرِينَ الَّذِينَ فِي مِثْلِ عُمرِكُمْ. فَحِينَئِذٍ، تَكُونُونَ أنْتُمُ السَّبَبَ فِي قَطعِ رَأسِي.»

11 فَقَالَ دَانِيَالُ لِلمُشرِفِ الَّذِي عَيَّنَهُ رَئِيسُ الخُدَّامِ عَلَى دَانِيَالَ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا: 12 «امْتَحِنَّا، نَحْنُ خُدَّامَكَ، لِمُدَّةِ عَشْرَةِ أيَّامٍ، وَلَا تُقَدِّمْ لَنَا سِوَى الخُضْرَوَاتِ وَالمَاءِ. 13 ثُمَّ قَارِنَّا بِالفِتيَانِ الآخَرِينَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِ المَلِكِ الفَاخِرِ وَخَمرِهِ. وَحِينَئِذٍ، افْعَلْ مَا تَرَاهُ مُنَاسِبًا.»

14 فَوَافَقَ المُشرِفُ عَلَى عَمَلِ هَذَا وَامتَحَنَهُمْ لِعَشْرَةِ أيَّامٍ. 15 وَفِي نِهَايَةِ الأيَّامِ العَشرَةِ، بَدَتْ أجسَادُهُمْ أفْضَلَ وَأكثَرَ صِحَّةً مِنْ كُلِّ الفِتيَانِ الَّذِينَ أكَلُوا مِنْ أطعِمَةِ المَلِكِ الفَاخِرَةِ وَخَمرِهِ. 16 فَاستَمَرَّ المُشرِفُ بَتَقْدِيمِ الخُضَارِ لَهُمْ، وَاستِبْعَادِ الطَّعَامِ وَالخَمْرِ المَلَكِيِّ الفَاخِرِ.

17 وَأعْطَى اللهُ هَؤلَاءِ الفِتيَانَ الأرْبَعَةَ مَعْرِفَةً وَفَهْمًا فِي الكِتَابَةِ وَفِي كُلِّ العُلُومِ. وَكَانَ دَانِيَالُ قَادِرًا عَلَى تَفْسِيرِ الرُؤى وَالأحْلَامِ.

18 وَفِي نِهَايَةِ المُدَّةِ الَّتِي حَدَّدَهَا المَلِكُ لِتَرْبِيَتِهِمْ، أتَى رَئِيسُ الخُدَّامِ بِهِمْ إلَى المَلِكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ. 19 فَتَحَدَّثَ المَلِكُ إلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَوَجَدَ أنْ لَا أحَدَ يُقَارَنُ بِدَانِيَالَ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا، فَتَمَّ تَعْيِينُهُمْ فِي خِدْمَةِ المَلِكِ. 20 فَمَهمَا كَانَتْ نَوَاحِي العُلُومِ وَالحِكْمَةِ الَّتِي سَألَ المَلِكُ عَنْهَا، وَجَدَ أنَّ فَهْمَهُمْ يَفُوقُ بِعَشَرِ مَرَّاتٍ فَهْمَ أيِّ مُنَجِّمٍ أوْ سَاحِرٍ فِي مَملَكَتِهِ كُلِّهَا. 21 وَاستَمَرَّ دَانِيَالُ فِي خِدْمَةِ المَلِكِ حَتَّى السَّنَةِ الأُولَى لِحُكْمِ المَلِكِ كُورَشَ.[b]

Footnotes

  1. 1‏:1 السَّنَة الثَّالِثَة … يَهُويَاقِيم أيْ نَحْوَ 605 قَبْلَ الميلَاد.
  2. 1‏:21 السَّنَةِ الأُولَى … كُورَش أيْ نَحْوَ 539‏-538 قَبْلَ الميلَاد.

حُلْمُ نَبُوخَذْنَاصَّر

وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مُلكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ، حَلِمَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ أحْلَامًا سَبَّبَتْ لَهُ انزِعَاجًا فِي رُوحِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَنَامَ.

فَأمَرَ المَلِكُ المُنَجِمِّينَ وَالسَّحَرَةَ وَالكَلْدَانِيِّينَ أنْ يُخبِرُوا المَلِكَ بِأحْلَامِهِ، فَأتَوْا وَوَقَفُوا فِي حَضْرَةِ المَلِكِ.

فَقَالَ لَهُمُ المَلِكُ: «حَلُمتُ حُلْمًا، وَأنَا مُنْزَعِجٌ! وَأُرِيدُ أنْ تَعْرِفُوا مَا هُوَ الحُلْمُ الَّذِي حَلِمْتُهُ.»

فَقَالَ الكِلدَانِيُّونُ لِلمَلِكِ بِالأرَامِيَّةِ: «عِشْ سَالِمًا أيُّهَا المَلِكُ! أخبِرْنَا نَحْنُ خُدَّامَكَ بِحُلْمِكَ، فَنُفَسِّرَهُ لَكَ.»

فَأجَابَهُمُ المَلِكُ: «قُلْتُ كَلِمَةً لَنْ أرجِعَ عَنْهَا. فَإنْ لَمْ تُخبِرُونِي مَا هُوَ الحُلْمُ وَمَا هُوَ تَفْسِيرُهُ فَإنَّكُمْ سَتُقَطَّعُونَ تَقْطِيعًا، وَسَتُحَوَّلُ بُيُوتُكُمْ إلَى كَومَةِ حِجَارَةٍ. وَلَكِن إنْ أخبَرتُمُونِي بِالحُلْمِ وَتَفْسِيرِهِ، فَسَتَنَالُونَ هَدَايَا وَإكرَامِيَّاتٍ وَثَروَةً عَظِيمَةً. وَالْآنَ، أخبِرُونِي بِالحُلْمِ وَتَفْسِيرِهِ.»

فَأجَابَ الكَلْدَانِيُّونَ وَقُالُوا: «أيُّهَا المَلِكُ أخبِرْنَا، نَحْنُ خُدَّامَكَ، بِالحُلْمِ حَتَّى نُخبِرَكَ بِتَفْسِيرِهِ.»

فَأجَابَ المَلِكُ: «أنْتُمْ تُحَاوِلُونَ كَسْبَ الوَقْتِ، لِأنَّكُمْ تَعْرِفُونَ أنِّي أعنِي مَا قُلْتُهُ. إنْ لَمْ تُخبِرُونِي بِالحُلْمِ، سَتَنَالُونَ العِقَابَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ. قَدِ اتَّفَقتُمْ عَلَى أنْ تَكْذِبُوا عَلَيَّ، آمِلِينَ أنْ أنْسَى بِمُرُورِ الوَقْتِ. لِذَلِكَ أطلُبُ مِنْكُمْ أنْ تَكْتَشِفُوا الحُلْمَ نَفْسَهُ، فَأعلَمَ أنَّكُمْ قَادِرُونَ عَلَى تَفْسِيرِهِ.»

10 فَأجَابَ الكَلْدَانِيُّونَ المَلِكَ وَقُالُوا: «لَا يَمْلِكُ إنْسَانٌ قُدرَةً لِلإخبَارِ بِمَا يَطْلُبُهُ المَلِكُ! فَلَمْ يَسْبِقْ لِمَلِكٍ، مَهْمَا كَانَ عَظِيمًا وَقَدِيرًا، أنْ طَلَبَ شَيْئًا كَهَذَا مِنْ مُنَجِّمٍ أوْ سَاحِرٍ أوْ كَلْدَانِيٍّ. 11 هَذَا صَعبٌ جِدًّا! وَلَا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يُعلِنَهُ لِلمَلِكِ إلَّا الآلِهَةُ الَّذِينَ لَا يَسْكُنُونَ وَسَطَ البَشَرِ.»

12 حِينَئِذٍ، غَضِبَ المَلِكُ وَاغتَاظَ جِدًّا، وَأمَرَ بِإبَادَةِ جَمِيعِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. 13 فَصَدَرَ المَرسُومُ وَابْتَدَأُوا بِقَتْلِ الحُكَمَاءِ. كَمَا أرَادُوا قَتْلَ دَانِيَالَ وَرِفَاقِهِ. 14 لَكِنَّ دَانِيَالَ أرْسَلَ رِسَالَةً إلَى أرْيُوخَ رَئِيسِ جَلَّادِيِّ المَلِكِ الَّذِي عَيَّنَهُ لِقَتْلِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. 15 وَقَالَ لَهُ: «إلَى أرْيُوخَ خَادِمِ المَلِكِ. مَا سَبَبُ هَذَا الأمْرِ المُسْتَعْجَلِ مِنَ المَلِكِ؟» فَأرْسَلَ أرْيُوخُ رِسَالةً يَشْرَحُ فِيهَا الأمْرَ. 16 فَقَرَّرَ دَانِيَالُ أنْ يَذْهَبَ إلَى القَصرِ، وَطَلَبَ أنْ يَمْثُلَ أمَامَ المَلِكِ لِيُخبِرَهُ بِالتَّفسِيرِ.

17 ثُمَّ ذَهَبَ دَانِيَالُ إلَى البَيْتِ، وَأخبَرَ رِفَاقَهُ حَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا بِمَا يَحْدُثُ. 18 فَصَلُّوا طَالِبِينَ رَحمَةَ إلَهِ السَّمَاءِ، لِكَي يُعلِنَ لَهُمُ السِّرَّ فَلَا يَهْلِكَ دَانِيَالُ وَرِفَاقُهُ مَعَ بَقِيَّةِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. 19 فَأعلَنَ اللهُ السِّرَّ لِدَانِيَالَ فِي أحْلَامِهِ، فَسَجَدَ دَانِيَالُ لِإلَهِ السَّمَاءِ وَمَجِّدَهُ، 20 فَقَالَ:

«لِيَتَبَارَكِ اسْمُ اللهِ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ،
لِأنَّ لَهُ وَمِنْهُ الحِكْمَةَ وَالقُوَّةَ!
21 هُوَ يُغَيِّرُ الأوقَاتَ وَالمَوَاسِمَ!
يَعْزِلُ مُلُوكًا وَيُنَصِّبُ مُلُوكًا آخَرِينَ.
يُعْطِي الحِكْمَةَ لِلحُكَمَاءِ،
وَالفَهْمَ لِلفُهَمَاءِ،
22 يُعلِنُ الأُمُورَ العَمِيقَةَ وَالأسرَارَ المَخْفِيَّةَ.
يَعْرِفُ مَا يَكْمُنُ فِي الظُّلمَةِ،
لِأنَّهُ يَسْكُنُ النُّورَ.

23 «يَا إلَهَ آبَائِي،
أشكُرُكَ وَأُسَبِّحُكَ،
لِأنَّكَ أعْطَيْتَنِي حِكْمَةً وَقُوَّةً،
وَلِأنَّكَ أعلَنتَ لِي مَا طَلَبتُهُ مِنْكَ،
فَأعلَنتَ لِي مَا يُرِيدُهُ المَلِكُ.»

دَانِيَالُ يُفَسِّرُ الحُلْم

24 فَذَهَبَ دَانِيَالُ إلَى القَصرِ، وَقَابَلَ أرْيُوخَ الَّذِي أمَرَهُ المَلِكُ بِقَتْلِ الحُكَمَاءِ فِي بَابِلَ، وَقَالَ لَهُ: «لَا تَقْتُلْ حُكَمَاءَ بَابِلَ، بَلْ خُذنِي إلَى المَلِكِ فَأُخبِرَهُ بِتَفْسِيرِ حُلْمِهِ.»

25 فَأخَذَ أرْيُوخُ دَانِيَالَ بِسُرعَةٍ إلَى المَلِكِ. وَقَالَ أريُوخُ لِلمَلِكِ: «وَجَدْتُ رَجُلًا مِنَ المَسبِيِّينَ مِنْ يَهُوذَا، يُمكِنُهُ أنْ يُفَسِّرَ حُلْمَ المَلِكِ!»

26 فَقَالَ المَلِكُ لِدَانِيَالَ – الَّذِي اسْمُهُ بِالأرَامِيَّةِ بَلْطْشَاصَّرُ: «أحَقًّا تَسْتَطِيعُ أنْ تُخبِرَنِي بِالحُلْمِ وَبِتَفْسِيرِهِ؟»

27 فَأجَابَ دَانِيَالُ المَلِكَ: «لَا يَسْتَطِيعُ الحُكَمَاءُ وَالسَّحَرَةُ وَالمُنَجِمُّونَ وَالعَرَّافُونَ أنْ يُعلِنُوا هَذَا السِّرَّ لِلمَلِكِ. 28 وَلَكِنْ هُنَاكَ إلَهٌ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ يَقْدِرُ أنْ يُعلِنَ الأسرَارَ. فَاللهُ قَد أعْلَنَ لَكَ، أيُّهَا المَلِكُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ، مَا سَيَحْدُثُ فِي آخِرِ الأيَّامِ. وَهَذَا هُوَ الحُلْمُ وَالرُّؤيَا الَّتِي رَأيْتَهَا وَأنْتَ عَلَى سَرِيرِكَ. 29 تُشِيرُ الأفكَارُ الَّتِي رَاوَدَتْكَ وَأنْتَ نَائِمٌ إلَى مَا سَيَحْدُثُ فِي المُسْتَقْبَلِ. فَمُعلِنُ الأسْرَارِ قَد أخبَرَكَ بِمَا سَيَحْدُثُ. 30 أمَّا بِشَأنِي، فَلَمْ يُعلِنْ لِيَ اللهُ هَذَا لِأنِّي أكْثَرُ حِكْمَةً مِنْ أيِّ مَخْلُوقٍ آخَرَ، بَلْ لِكَي تَعْلَمَ أيُّهَا المَلِكُ تَفْسِيرَ حُلْمِكَ، فَتَفْهَمَ مَا كَانَ فِي ذِهنِكَ.

31 «أيُّهَا المَلِكُ، بَيْنَمَا كُنْتَ تَنْظُرُ، ظَهَرَ تِمثَالٌ عَظِيمٌ جِدًّا وَوَقَفَ أمَامَكَ. كَانَ لَمَعَانُهُ عَظِيمًا جِدًّا، وَمَنظَرُهُ مُخِيفًا وَمُدْهِشًا. 32 كَانَ رَأسُ التِّمثَالِ ذَهَبًا نَقِيًّا، وَكَتِفَاهُ وَذِرَاعَاهُ فِضَّةً، وَبَطنُهُ مِنَ البرُونزِ، 33 وَفَخذَاهُ حَدِيدًا، وَالجُزءُ السُّفلِيُّ مِنْ رِجلَيهِ بَعْضُهُ حَدِيدٌ وَبَعْضُهُ الآخَرُ طِينٌ. 34 وَبَيْنَمَا كُنْتَ تَنْظُرُ، قُطِعَ حَجَرٌ. وَبِدُونِ أنْ يَدْفَعَهُ أحَدٌ، طَارَ الحَجَرُ وَضَرَبَ التِّمثَالَ عَلَى الجُزءِ السُّفلِيِّ مِنْ قَدَمَيهِ المُكَوَّنِ مِنْ خَلِيطِ الحَدِيدِ وَالطِّينِ، فَسَحَقَهُ. 35 فَسُحِقَ كُلُّ الطِّينِ وَالحَدِيدِ وَالبرُونزِ وَالفِّضَّةِ وَالذَّهَبِ، وَصَارَ غُبَارًا حَمَلَتهُ الرِّيحُ مِثْلَ التِّبنِ وَقْتَ حَصَادِ الصَّيفِ، حَتَّى لَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ مَعْرِفَةَ مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ. ثُمَّ كَبِرَ الحَجَرُ وَصَارَ جَبَلًا عَظِيمًا مَلأ الأرْضَ.

36 «هَذَا هُوَ الحُلْمُ، وَالْآنَ سَأُخبِرُ المَلِكَ بِتَفْسِيرِهِ. 37 أيُّهَا المَلِكُ، أنْتَ مَلِكٌ عَظِيمٌ اخْتَارَكَ إلَهُ السَّمَاءِ لِتَكُونَ مَلِكًا عَظِيمًا، وَأعطَاكَ قُوَّةً وَغِنَىً. 38 وَجَعَلَكَ مَسؤُولًا عَنْ كُلِّ البَشَرِ أيْنَمَا كَانُوا، وَعَنِ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، إذْ جَعَلَكَ حَاكِمًا عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. فَأنْتَ هُوَ رَأسُ الذَّهَبِ فِي هَذَا التِّمثَالِ. 39 وَلَكِن بَعْدَكَ سَتَأْتِي مَمْلَكَةٌ أُخْرَى أقَلُّ مِنْكَ قِيمَةً، ثُمَّ مَمْلَكَةٌ ثَالِثَةٌ مِنَ البرُونزِ سَتَمْلُكُ عَلَى كُلِّ الأرْضِ. 40 وَالمَملَكَةُ الرَّابِعَةُ سَتَكُونُ بِقُوَّةِ الحَدِيدِ. وَكَمَا يَسْحَقُّ الِحَدِيدُ كُلَّ شَيءٍ، سَتَسْحَقُ هَذِهِ المَملَكَةُ المَمَالِكَ الأُخرَى وَتُحَطِّمُهَا. 41 وَكَمَا رَأيْتَ أنَّ قَدَمَيِّ التِّمثَالِ وَأصَابِعَهُ كَانَتْ خَلِيطًا مِنْ طِينٍ وَحَدِيدٍ، فَسَتَكُونُ هَذِهِ المَمْلَكَةُ مُنقَسِمَةً مَعَ أنَّ لَهَا قُوَّةَ الحَدِيدِ. لَكِنَّهُ مُختَلِطٌ بِالطِّينِ كَمَا رَأيْتَ. 42 وَلِأنَّ الأصَابِعَ كَانَتْ خَلِيطًا مِنْ حَدِيدٍ وَطِينٍ، فَسَتَكُونُ لِلمَمْلَكَةِ جَوَانِبُ ضَعفٍ وَجَوَانِبُ قُوَّةٍ. 43 قَدْ رَأيْتَ اختِلَاطَ الحَدِيدِ وَالطِّينِ. هَكَذَا سَيكُونُ النَّاسُ هُنَاكَ. لَكِنَّ هَذَا الِاخْتِلَاطَ هَشٌّ لَنْ يَصْمِدَ، كَمَا لَا يَصْمِدُ اختِلَاطُ الحَدِيدِ وَالطِّينِ.

44 «وَفِي أيَّامِ أُولَئِكَ المُلُوكِ، سَيُؤَسِّسُ إلَهُ السَّمَاءِ مَملَكَةً أبَدِيَّةً لَا تُدَمَّرُ. وَلَن تُتْرَكَ تِلْكَ المَملَكَةُ لِلغُرَبَاءِ، بَلْ سَتَسْحَقُ تِلْكَ المَملَكَةُ وَتَلْتَهِمُ مَمَالِكَ أُخْرَى، وَهِيَ سَتَثْبُتُ إلَى الأبَدِ. 45 فَهَذَا هُوَ الحَجَرُ الَّذِي قُطِعَ مِنَ الجَبَلِ بِلَا يَدَينِ، فَسَحَقَ الحَدِيدَ وَالبُرُونْزَ وَالطِّينَ وَالفِّضَّةَ وَالذَّهَبَ. فَقَدْ أعْلَنَ اللهُ العَظِيمُ لِلمَلِكِ مَا سَيَحْدُثُ فِي المُسْتَقْبَلِ. هَذَا هُوَ الحُلْمُ، وَتَفْسِيرُهُ صَحِيحٌ.»

46 حِينَئِذٍ، انحَنَى المَلِكُ وَرَأسُهُ إلَى الأرْضِ، ثُمَّ أمَرَ بِتَقْدِيمِ تَقْدِمَاتٍ وَعُطُورٍ جَمِيلَةٍ لِدَانِيَالَ. 47 وَقَالَ المَلِكُ لِدَانِيَالَ: «حَقًّا إنَّ إلَهَكُمْ إلَهٌ عَظِيمٌ. هُوَ مُعلِنُ الأسرَارِ، إذْ قَدْ أعْلَنَ لَكَ هَذَا السِّرَّ.»

48 فَأكرَمَ المَلِكُ دَانِيَالَ وَرَقَّاهُ، وَأعْطَاهُ هَدَايَا ثَمِينَةً وَجَعَلَهُ مَسْؤُولًا عَنْ مُقَاطَعَةِ بَابِلَ. كَمَا جَعَلَهُ رَئِيسًا عَلَى جَمِيعِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. 49 وَطَلَبَ دَانِيَالُ مِنَ المَلِكِ أنْ يُعَيِّنَ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعِبْدَنَغُوَ عَلَى خَدَمَاتِ مُقَاطَعَةِ بَابِلَ. أمَّا دَانِيَالُ فَبَقِيَ فِي البَلَاطِ المَلَكِيِّ.

تِمثَالُ الذَّهَب

وَصَنَعَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ تِمثَالًا مِنَ الذَّهَبِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ سِتُّ أذْرُعٍ. وَنَصَبَهُ فِي وَادِي دُورَا فِي مُقَاطَعَةِ بَابِلَ. وَأصدَرَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ أمْرًا بِأنْ يَأْتِيَ جَمِيعُ الوُلَاةِ وَكِبَارِ المَسؤُولِينَ وَالحُكَّامِ وَالمُسْتَشَارِينَ وَأُمَنَاءِ الخَزنَةِ وَالقُضَاةِ وَضُبَّاطِ الشُرطَةِ وَجَمِيعُ مُوَظَفِي المُقَاطَعَةِ لِتَدْشِينِ تِمثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي كَانَ المَلِكُ قَد أمَرَ بِإقَامَتِهِ.

فَاجتَمَعَ كُلُّ الوُلَاةِ وَكِبَارِ المَسؤُولِينَ وَالحُكَّامِ وَالمُسْتَشَارِينَ وَأُمَنَاءِ الخَزنَةِ وَالقُضَاةِ وَضُبَّاطِ الشُرطَةِ وَكُلُّ مُوَظَّفِي المُقَاطَعَةِ الآخَرِينَ لِأجْلِ تَدْشِينِ التِّمثَالِ الَّذِي أمَرَ المَلِكُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ بِإقَامَتِهِ، وَوَقَفُوا أمَامَ التِّمثَالِ. ثُمَّ أعْلَنَ مُنَادٍ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ وَقَالَ: «أيَّتُهَا الشُّعُوبُ وَالأُمَمُ مِنْ جَمِيعِ اللُّغَاتِ، حِينَ تَسْمَعُونَ أصْوَاتَ البُوقِ وَالنَّايِ وَالقِيثَارَةِ وَالرَّبَابَةِ وَالقَانُونِ وَالقِرْبَةِ وَغَيرِهَا مِنَ الآلَاتِ، تَسْجُدُونَ لِتِمثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ. وَمَنْ لَا يَسْجُدُ لَهُ، سَيُقبَضُ عَلَيْهِ فَوْرًا وَيُطرَحُ فِي فُرنٍ مُشتَعِلٍ.»

وَكَانَ هُنَاكَ أُنَاسٌ مِنْ كُلِّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَاللُّغَاتِ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَ البُوقِ وَالنَّايِ وَالقَانُونِ وَالقِيثَارَاتِ الكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالمِزمَارِ وَأصوَاتِ الآلَاتِ المُوسِيقِيَّةِ الأُخرَى، سَجَدُوا أمَامَ تِمثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ.

فَذَهَبَ رِجَالٌ كَلْدَانِيُّونَ إلَى المَلِكِ وَاشتَكَوْا عَلَى اليَهُودِ. وَقَالُوا لِنَبُوخَذْنَاصَّرَ المَلِكِ: «أيُّهَا المَلِكُ، فَلتَعِشْ إلَى الأبَدِ! 10 أيُّهَا المَلِكُ، أنْتَ أصدَرتَ أمْرًا بِأنَّ كُلَّ مَنْ يَسْمَعُ صَوْتَ البُوقِ وَالنَّايِ وَالقَانُونِ وَالقِيثَارَاتِ الكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالمِزمَارِ وَالآلَاتِ المُوسِيقِيَّةِ الأُخرَى، يَنْبَغِي أنْ يَسْجُدَ أمَامَ تِمثَالِ الذَّهَبِ. 11 وَأنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَسْجُدُ سَيُلقَى بِهِ إلَى فُرنٍ مُشتَعِلٍ. 12 لَكِنْ هُنَاكَ رِجَالٌ يَهُودٌ عَيَّنْتَهُمْ فِي مَرَاكِزَ عُلْيَا فِي مُقَاطَعَةِ بَابِلَ، هُمْ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدُنَغُو، وَهُمْ يَتَجَاهَلُونَ أمرَكَ وَلَا يَعْبُدُونَ إلَهَكَ، إذْ لَمْ يَسْجُدُوا لِتِمثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي أمَرْتُ بِإقَامَتِهِ.»

13 فَاغتَاظَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ عِنْدَمَا سَمِعَ ذَلِكَ وَقَالَ غَاضِبًا: «أحضِرُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ إلَيَّ.» فَأحضَرُوا هَؤلَاءِ الرِّجَالَ أمَامَ المَلِكِ. 14 فَقَالَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ: «يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو، هَلْ صَحِيحٌ أنَّكُمْ لَمْ تُشَارِكُوا فِي العِبَادَةِ وَالسُّجُودِ لِتِمثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبتُهُ؟ 15 اسْتَعِدُّوا لِلسُّجُودِ لِذَلِكَ التِّمثَالِ فَورَ سَمَاعِ أصْوَاتِ البُوقِ وَالنَّايِ وَالقِيثَارَةِ وَالرَّبَابَةِ وَالقَانُونِ وَالقِرْبَةِ وَغَيرِهَا مِنَ الآلَاتِ. فَإنْ لَمْ تَسْجُدُوا، سَتُلقَوْنَ إلَى الفُرنِ المُشْتَعِلِ! وَمَنْ هُوَ الإلَهُ الَّذِي يَسْتَطِيعُ أنْ يُنقِذَكُمْ مِنْ يَدَيَّ؟» 16 فَأجَابَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو المَلِكَ وَقَالُوا: «يَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ، لَا نَحتَاجُ أنْ نُجِيبَكَ عَنْ هَذَا الأمْرِ، 17 لِأنَّ الإلَهَ الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أنْ يُنقِذَنَا مِنْكَ أيُّهَا المَلِكُ وَمِنَ الفُرنِ المُشْتَعِلِ. 18 لَكِنْ حَتَّى إنْ لَمْ يُنقِذْنَا، فَليَكُنْ مَعلُومًا لَدَيكَ أيُّهَا المَلِكُ بِأنَّنَا لَنْ نَعْبُدَ آلِهَتَكَ سَاجِدِينَ لِتِمثَالِ الذَّهَبَ الَّذِي نَصَبتَهُ.»

19 فَغَضِبَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ غَضَبًا شَدِيدًا، وَعَبَسَ وَجْهُهُ أمَامَ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ، وَأمَرَ بِأنْ يُحَمَّى الفُرْنُ سَبْعَةَ أضعَافٍ. 20 وَأمَرَ بَعْضَ الجُنُودِ فِي جَيْشِهِ بِأنْ يَرْبِطُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ وَيُلقُوهُمْ إلَى الفُرنِ المُشْتَعِلِ. 21 فَرَبَطُوهُمْ وَهُمْ مُرتَدُونَ قُمصَانَهُمْ وَسَرَاوِيلَهُمْ وَعَمَائِمَهُمْ وَثِيَابَهُمْ كَامِلَةً، وَألقَوْا بِهِمْ إلَى الفُرنِ المُشْتَعِلِ. 22 وَلِضَرورَةِ الإسرَاعِ بِتَنْفِيذِ أمْرِ المَلِكِ وَلِأنَّ الفُرنَ حُمِّيَ سَبْعَةَ أضعَافٍ عَنِ المُعتَادِ، فَإنَّ الجُنُودَ الَّذِينَ ألقَوْا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ إلَى الفُرنِ احتَرَقُوا حَتَّى المَوْتِ مِنْ لَهَبِ النَّارِ. 23 وَسَقَطَ الرِّجَالُ الثَّلَاثَةُ – شَدرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو – مُوثَقِينَ فِي الفُرنِ.

24 حِينَئِذٍ، اندَهَشَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ وَقَفَزَ مُسرِعًا وَقَالَ لِمُرَافِقِيهِ: «ألَمْ نُلقِ ثَلَاثَةَ رِجَالٍ مُوثَقِينَ إلَى الفُرنِ؟» فَأجَابُوا: «نَعَمْ، هُوَ كَذَلِكَ أيُّهَا المَلِكُ.» 25 فَقَالَ المَلِكُ: «فَلِمَاذَا أرَى أرْبَعَةَ رِجَالٍ مَحلُولِينَ يَتَمَشُّونَ فِي النَّارِ دُونَ أنْ يُصِيبَهُمْ أذَىً؟ وَكَذَلِكَ يَظْهَرُ الرَّابِعُ شَبِيهًا بِابنِ الآلِهَةِ.»[a]

26 ثُمَّ تَقَدَّمَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ إلَى بَوَّابَةِ الفُرنِ المُشْتَعِلِ وَقَالَ: «يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو، يَا عَبِيدَ اللهِ العَلِيِّ، اخرُجُوا.» فَخَرَجَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو مِنَ النَّارِ.

27 حِينَئِذٍ، اجتَمَعَ كُلُّ الوُلَاةِ وَكِبَارِ المَسؤُولِينَ وَالحُكَّامِ وَمُرَافِقِي المَلِكِ حَوْلَهُمْ، وَرَأوْا أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلنَّارِ أثَرٌ عَلَى أجسَادِهِمْ، حَتَّى إنَّ شَعْرَ رُؤوسِهِمْ لَمْ يَحْتَرِقْ، وَثِيَابَهُمْ لَمْ تَتَأثَّرْ، بَلْ إنَّ رَائِحَةَ النَّارِ لَمْ تَعْلَقْ بِثِيَابِهِمْ.

28 حِينَئِذٍ، قَالَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ: «مُبَارَكٌ إلَهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ الَّذِي أرْسَلَ مَلَاكَهُ لِيُنقِذَ خُدَّامَهُ الَّذِينَ يَثِقُونَ بِهِ، وَالَّذِينَ هَزِئُوا بِمَرسُومِ المَلِكِ مُخَاطِرِينَ بِحَيَاتِهِمْ لِئَلَّا يَعْبُدُوا أوْ يَسْجُدُوا لِأيِّ إلَهٍ آخَرَ غَيْرِ إلَهِهِمْ. 29 وَالْآنَ أنَا آمُرُ بِأنَّ أيَّ إنْسَانٍ مِنْ أيِّ شَعْبٍ أوْ أُمَّةٍ أوْ لُغَةٍ يَتَكَلَّمُ بِسُوءٍ عَنْ إلَهِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ، سَيُمَزَّقُ تَمْزِيقًا، وَسَيُصَادَرُ بَيتُهُ وَيُحَوَّلُ إلَى مَزبَلَةٍ، لِأنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَهٌ آخَرُ يَسْتَطِيعُ أنْ يُنقِذَ شَعْبَهُ هَكَذَا.»

30 وَهَكَذَا رَفَعَ المَلِكُ مِنْ مَقَامِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ فِي مُقَاطَعَةِ بَابِلَ.

Footnotes

  1. 3‏:25 شَبِيهًا بِابن الآلِهَة أوْ بَابنِ اللهِ. وَهي حَرْفيًّا «بَار إلَهين،» بصيغةِ الجمعِ فِي اللغَةِ الأرَاميّةِ الَّتِي استَخَدَمَهَا الكلدَانِيون. لِكنَّهَا صيغة جمع تدل عَلَى وَاحدٍ مثل إلوهيم العِبْريّة.

دَانِيَالُ فِي حُفرَةِ الأُسُود

وَقَرَّرَ دَارِيُوسُ تَعْيِينَ مِئَةٍ وَعِشرِينَ وَالِيًا لِإدَارَةِ المَمْلَكَةِ. وَاخْتَارَ ثَلَاثَةَ وُزَرَاءٍ مِنْهُمْ دَانِيَالُ، يُقَدِّمُ الوُلَاةُ التَّقَارِيرَ لَهُمْ، كَي لَا يَتَعَرَّضَ المَلِكُ لِأيِّ خَسَارَةٍ. وَلِأنَّهُ كَانَ فِي دَانِيَالَ رُوحٌ يَتَفَوَّقُ بِهِ عَلَى الوُزَرَاءِ وَالوُلَاةِ الآخَرِينَ، فَقَدْ كَانَ المَلِكُ يُفَكِّرُ بِأنْ يَجْعَلَهُ مَسؤُولًا عَنْ كُلِّ المَمْلَكَةِ.

وَبَدَأ الوُزَرَاءُ وَالوُلَاةُ يَبْحَثُونَ عَنْ عِلَّةٍ فِي دَانِيَالَ فِي الأُمُورِ المُتَعَلِّقَةِ بِالحُكُومَةِ لِإثبَاتِ عَدَمِ كَفَاءَتِهِ وَأمَانَتِهِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا سَبَبًا لِإدَانَتِهِ، وَلَا فَسَادًا فِيهِ. لِأنَّ دَانِيَالَ كَانَ أمِينًا وَلَا يَأْخُذُ رِشْوَةً وَلَا يُشَارِكُ فِي احتِيَالٍ.

فَقَالَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ: «بِمَا أنَّنَا لَنْ نَقدِرَ أنْ نَجِدَ فَسَادًا فِي دَانِيَالَ، فَعَلَينَا أنْ نَبحَثَ عَنْ أمرٍ فِي شَرِيعَةِ إلَهِهِ.»

فَجَاءَ هَؤلَاءِ الوُزَرَاءُ وَالوُلَاةُ إلَى المَلِكِ بِهَذَا الِاقْتِرَاحِ: «أيُّهَا المَلِكُ دَارِيُوسُ، فَلتَعِشْ إلَى الأبَدِ! أيُّهَا المَلِكُ، تَشَاوَرَ وُزَرَاءُ المَمْلَكَةِ وَالوُلَاةُ وَكِبَارُ المَسؤُولِينَ وَرُفَقَاؤُهِمْ وَالحُكَّامُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أنْ يُصدِرَ المَلِكُ مَرسُومًا يَمْنَعُ أيَّ شَخْصٍ مِنْ تَقْدِيمِ أيِّ دُعَاءٍ أوْ طَلَبٍ لِأيِّ إلَهٍ أوْ إنْسَانٍ إلَّا لَكَ أيُّهَا المَلِكُ لِمُدَّةِ شَهرٍ كَامِلٍ. وَمَنْ لَا يَمْتَثِلُ لِهَذَا، فَإنَّهُ يُلقَى فِي حُفْرَةِ الأُسُودِ. فَأصدِرْ أيُّهَا المَلِكُ مَرسُومًا وَاختِمْهُ لِيَصِيرَ مِثْلَ شَرِيعَةِ المَادِيِّينَ وَالفُرْسِ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ.»

وَهَكَذَا أصدَرَ المَلِكُ دَارِيُوسُ المُرسُومَ وَخَتَمَهُ.

10 وَسَمِعَ دَانِيَالُ أنَّ المَلِكَ خَتَمَ مَرسُومًا بِذَلِكَ، فَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ وَفَتَحَ النَّوَافِذَ فِي غُرفَتِهِ العُلوِيَّةِ المَفتُوحَةَ بَاتِّجَاهِ مَدِينَةِ القُدْسِ كَالمُعتَادِ، وَسَجَدَ عَلَى رُكبَتَيْهِ وَسَبَّحَ إلَهَهُ. فَقَدْ اعتَادَ أنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ يَوْمٍ.

11 فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرِّجَالُ إلَى هُنَاكَ، وَوَجَدُوا دَانِيَالَ يُصَلِّي وَيَطْلُبُ الرَّحمَةَ مِنْ إلَهِهِ. 12 فَأسرَعُوا إلَى المَلِكِ وَقَالُوا لَهُ: «أيُّهَا المَلِكُ، ألَمْ تَخْتِمْ مَرسُومًا يَمْنَعُ أيَّ شَخْصٍ مِنَ الصَّلَاةِ أوِ الطَّلَبِ مِنْ أيِّ إلَهٍ أوْ إنْسَانٍ غَيْرَكَ لِمُدَّةِ شَهرٍ كَامِلٍ؟ وَإنْ فَعَلَ أحَدٌ ذَلِكَ ألَا يَنْبَغِي أنْ يُلقَى فِي حُفْرَةِ الأُسُودِ؟» فَأجَابَ المَلِكُ: «نَعَمْ، هَذَا صَحِيحٌ، فَهَذَا مَرسُومٌ مِنْ مَرَاسِيمِ مَادِي وَفَارِسَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهَا.»

13 فَقَالُوا لِلمَلِكِ: «دَانِيَالُ، الَّذِي مِنَ اليَهُودِ المَسبِيِّينَ، لَمْ يَهْتَمَّ بِالمَرسُومِ الَّذِي أنْتَ خَتَمْتَهُ أيُّهَا المَلِكُ! بَلْ إنَّهُ يُصَلِّي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ يَوْمٍ!» 14 وَحِينَ سَمِعَ المَلِكُ ذَلِكَ انزَعَجَ جِدًّا، وَبَدَأَ عَلَى الفَوْرِ يُفَكِّرُ بِطَرِيقَةٍ لِإنقَاذِ دَانِيَالَ. وَقَدْ حَاوَلَ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ أنْ يَجِدَ طَرِيقَةً لِإنقَاذِهِ.

15 فَجَاءَ أُولَئِكَ الرِّجَالُ إلَى المَلِكِ وَقَالُوا: «أيُّهَا المَلِكُ، أنْتَ تَعْرِفُ أنَّهُ بِحَسَبِ قَانُونِ مَادِي وَفَارِسَ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ أيِّ مَرسُومٍ يُصدِرُهُ المَلِكُ.» 16 فَأمَرَهُمُ المَلِكُ بِإحضَارِ دَانِيَالَ وَإلقَائِهِ فِي حُفْرَةِ الأُسُودِ. وَقَالَ المَلِكُ لِدَانِيَالَ: «لِيُنقِذْكَ اللهُ الَّذِي تَعْبُدُهُ دَائِمًا!» 17 ثُمَّ وَضَعُوا حَجَرًا كَبِيرًا عَلَى فَتْحَةِ الحُفرَةِ وَخَتَمُوهَا بِخَاتَمِ المَلِكِ وَوُزَرَائِهِ، كَي لَا يَسْتَطِيعَ أحَدٌ تَغْيِيرَ الحُكْمِ الَّذِي صَدَرَ عَلَى دَانِيَالَ.

18 وَذَهَبَ المَلِكُ إلَى قَصرِهِ وَقَضَى اللَّيلَ بِلَا طَعَامٍ. وَمَنَعَ أنْ يَأْتِيَ إلَيْهِ مَنْ يُسَلِّيهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعِ النَّومَ. 19 وَعِنْدَ الفَجرِ بَاكِرًا جِدًّا، أسرَعَ إلَى حُفرَةِ الأُسُودِ. 20 فَاقْتَرَبَ مِنَ الحُفرَةِ وَنَادَى بِصَوْتٍ عَالٍ حَزِينٍ عَلَى دَانِيَالَ: «يَا دَانِيَالُ، يَا عَبدَ اللهِ الحَيِّ، هَلِ استَطَاعَ إلَهُكَ الَّذِي تَخْدِمُهُ وَتَعْبُدُهُ دَائِمًا أنْ يُنقِذَكَ مِنَ الأُسُودِ؟»

21 فَأجَابَ دَانِيَالُ المَلِكَ: «أيُّهَا المَلِكُ، فَلتَعِشْ إلَى الأبَدِ! 22 إلَهِي أرْسَلَ مَلَاكَهُ فَأغلَقَ أفوَاهَ الأُسُودِ فَلَمْ تُؤذِنِي، لِأنَّهُ وَجَدَنِي بَرِيئًا. وَحَتَّى أنْتَ أيُّهَا المَلِكُ تَعْلَمُ بِأنِّي لَمْ أعمَلْ شَيْئًا سَيِّئًا.»

23 فَفَرِحَ المَلِكُ كَثِيرًا، وَأمَرَ بِإخرَاجِ دَانِيَالَ مِنَ الحُفْرَةِ. فَخَرَجَ دَانِيَالُ مِنَ الحُفْرَةِ سَالِمًا دُونَ أذَىً، لِأنَّهُ آمَنَ بِإلَهِهِ.

24 ثُمَّ أمَرَ المَلِكُ بِإحضَارِ الَّذِينَ اشْتَكَوْا عَلَى دَانِيَالَ، وَأمَرَ بِطَرحِهِمْ هُمْ وَأوْلَادِهِمْ وَنِسَائِهِمْ إلَى الحُفْرَةِ. وَمَا أنْ مَسُّوا أرْضَ الحُفْرَةِ، حَتَّى هَجَمَتِ الأُسُودُ عَلَيْهِمْ فَمَزَّقَتْ لَحْمَهُمْ، وَسَحَقَتْ عِظَامَهُمْ.

25 ثُمَّ كَتَبَ المَلِكُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ:

«إلَى كُلِّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَاللُّغَاتِ السَّاكِنِينَ فِي الإمبَرَاطُورِيَّةِ، لِيَكُنْ لَكُمْ سَلَامٌ جَزِيلٌ.

26 أنَا دَارِيوسَ أُصدِرُ هَذَا المَرسُومَ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ مُقَاطَعَاتِ مَملَكَتِي أنْ يَهَابَ إلَهَ دَانِيَالَ وَيُكرِمَهُ.

«‹هُوَ الإلَهُ الحَيُّ الأزَلِيُّ،
وَمُلْكُهُ لَنْ يَفْنَى أبَدًا،
وَسُلطَانُهُ لَيْسَتْ لَهُ نِهَايَةٌ.
27 هُوَ إلَهٌ يُخَلِّصُ وَيُنقِذُ.
هُوَ إلَهٌ يَعْمَلُ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأرْضِ.
وَهُوَ الَّذِي أنقَذَ دَانِيَالَ مِنَ الأُسُودِ.›»

28 هَذَا هُوَ دَانِيَالُ الَّذِي نَجَحَ أثْنَاءَ مُلكِ دَارِيوسَ المَادِيِّ وَمُلكِ كُورَشَ الفَارِسِيِّ.