وَيَقُولُ الرَّبُّ: «إِنْ رَجَعْتَ إِلَيَّ يَا شَعْبَ إِسْرَائِيلَ، وَأَزَلْتَ أَصْنَامَكَ الْمَقِيتَةَ مِنْ أَمَامِي، وَكَفَفْتَ عَنِ الضَّلالِ، وَإِنْ حَلَفْتَ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْبِرِّ قَائِلاً: ’حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ‘، عِنْدَئِذٍ تَتَبَارَكُ بِهِ الأُمَمُ، وَتَفْتَخِرُ.»

لأَنَّ هَذَا مَا يُعْلِنُهُ الرَّبُّ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَلأَهْلِ أُورُشَلِيمَ: «احْرُثُوا لَكُمْ حَرْثاً، وَلا تَزْرَعُوا بَيْنَ الأَشْوَاكِ. اخْتَتِنُوا لِلرَّبِّ، وَأَزِيلُوا قُلَفَ قُلُوبِكُمْ (أَيْ طَهِّرُوا عُقُولَكُمْ وَقُلُوبَكُمْ وَلَيْسَ أَجْسَادَكُمْ فَقَطْ) لِئَلَّا يَتَفَجَّرَ غَضَبِي كَنَارٍ فَتُحْرِقَ وَلَيْسَ مَنْ يُخْمِدُهَا، مِنْ جَرَّاءِ أَعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ.

كارثة من الشمال

أَذِيعُوا فِي يَهُوذَا، وَأَعْلِنُوا فِي أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: انْفُخُوا بِالْبُوقِ فِي الْبِلادِ، وَنَادُوا بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ، وَقُولُوا: احْتَشِدُوا وَلْنَدْخُلِ الْمُدُنَ الْمُحَصَّنَةَ، ارْفَعُوا الرَّايَةَ دَاعِينَ لِلُّجُوءِ إِلَى صِهْيَوْنَ. لُوذُوا بِمَأْمَنٍ. لَا تَتَقَاعَسُوا، لأَنِّي جَالِبٌ عَلَيْكُمْ مِنَ الشِّمَالِ دَمَاراً وَخَرَاباً. قَدْ بَرَزَ أَسَدٌ مِنْ عَرِينِهِ، وَزَحَفَ مُدَمِّرُ الشُّعُوبِ. قَدْ أَقْبَلَ مِنْ مَكَانِهِ لِيَخْرِبَ أَرْضَكُمْ، فَتُصْبِحُ مُدُنُكُمْ أَطْلالاً مَهْجُورَةً مِنَ السُّكَّانِ. لِذَلِكَ تَمَنْطَقُوا بِالْمُسُوحِ، وَنُوحُوا وَوَلْوِلُوا، لأَنَّ غَضَبَ الرَّبِّ الْمُحْتَدِمَ لَمْ يَرْتَدَّ عَنَّا» وَيَقُولُ الرَّبُّ: «فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَنْهَارُ قَلْبُ الْمَلِكِ وَقُلُوبُ رِجَالِ دَوْلَتِهِ خَوْفاً. وَيَعْتَرِي الْكَهَنَةَ الْفَزَعُ، وَيَسْتَوْلِي الذُّهُولُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ».

10 عِنْدَئِذٍ قُلْتُ: «آهِ أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ، حَقّاً إِنَّكَ خَدَعْتَ هَذَا الشَّعْبَ، وَأَوْهَمْتَ أَهْلَ أُورُشَلِيمَ قَائِلاً: سَيَكُونُ لَكُمْ سَلامٌ، وَهَا السَّيْفُ قَدْ بَلَغَ حَدَّ النَّفْسِ. 11 وَيُقَالُ فِي ذَلِكَ الْحِينِ لِهَذَا الشَّعْبِ وَلأَهْلِ أُورُشَلِيمَ: سَتَهُبُّ رِيحٌ لافِحَةٌ مِنْ هِضَابِ الصَّحْرَاءِ نَحْوَ بِنْتِ شَعْبِي، لَا تَسْتَهْدِفُ التَّذْرِيَةَ وَلا التَّنْقِيَةَ، 12 إِنَّمَا هِيَ رِيحٌ أَشَدُّ عُتُوّاً مِنْهَا، تَهُبُّ بِأَمْرِي، فَأُصْدِرُ أَنَا أَيْضاً أَحْكَامِي عَلَيْهِمْ».

13 انْظُرُوا، هَا هُوَ مُقْبِلٌ كَسَحَابٍ، وَمَرْكَبَاتُهُ كَزَوْبَعَةٍ، وَجِيَادُهُ أَسْرَعُ مِنَ النُّسُورِ. وَيْلٌ لَنَا لأَنَّنَا قَدْ هَلَكْنَا. 14 يَا أُورُشَلِيمُ، اغْسِلِي مِنَ الشَّرِّ قَلْبَكِ فَتَخْلُصِي. إِلَى مَتَى تَظَلُّ أَفْكَارُكِ الْبَاطِلَةُ مُتَرَعْرِعَةً فِي وَسَطِكِ؟ 15 هَا صَوْتٌ يُنَادِي مِنْ أَرْضِ ذُرِّيَّةِ دَانٍ، يُعْلِنُ عَنْ وُقُوعِ كَارِثَةٍ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ. 16 «خَبِّرُوا الأُمَمَ وَأَعْلِنُوهُ لأَهْلِ أُورُشَلِيمَ: إنَّ جَيْشَ الْمُحَاصِرِينَ مُقْبِلٌ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، وَقَدْ أَطْلَقَ هُتَافَاتِ الْحَرْبِ عَلَى مُدُنِ يَهُوذَا. 17 أَحَاطُوا بِها كَحُرَّاسِ الْحُقُولِ لأَنَّهَا تَمَرَّدَتْ عَلَيَّ» يَقُولُ الرَّبُّ. 18 «طُرُقُكِ وَأَعْمَالُكِ جَرَّتْ عَلَيْكِ هَذَا الْعِقَابَ، هَذَا قَصَاصُكِ وَمَا أَمَرَّهُ مِنْ قَصَاصٍ، لأَنَّهُ يَخْتَرِقُ ذَاتَ قَلْبِكِ».

19 لَشَدَّ مَا أَتَعَذَّبُ! لَشَدَّ مَا أَتَعَذَّبُ! قَلْبِي يَتَلَوَّى أَلَماً. فُؤَادِي يَئِنُّ فِي دَاخِلِي فَلا أَسْتَطِيعُ الصَّمْتَ، لأَنِّي سَمِعْتُ دَوِيَّ الْبُوقِ وَصَيْحَاتِ الْقِتَالِ. 20 كَارِثَةٌ فِي أَعْقَابِ كَارِثَةٍ، وَالأَرْضُ قَاطِبَةً قَدِ اسْتَحَالَتْ خَرَاباً، فَتَهَدَّمَتْ فِي لَحْظَةٍ خِيَامِي، وَبُيُوتِي تَدَمَّرَتْ بَغْتَةً. 21 إِلَى مَتَى أَظَلُّ أَرَى رَايَةَ الْمَعْرَكَةِ، وَأَسْمَعُ دَوِيَّ الْبُوقِ؟ 22 «إِنَّ قَوْمِي حَمْقَى لَا يَعْرِفُونَنِي. هُمْ أَبْنَاءٌ أَغْبِيَاءُ مُجَرَّدُونَ مِنَ الْفَهْمِ، حَاذِقُونَ فِي ارْتِكَابِ الشَّرِّ، وَجُهَلاءُ فِي صُنْعِ الْخَيْرِ».

23 تَأَمَّلْتُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ خَرِبَةٌ خَاوِيَةٌ، وَتَطَلَّعْتُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هِيَ مُظْلِمَةٌ. 24 نَظَرْتُ إِلَى الْجِبَالِ وَإذَا بِها تَرْتَجِفُ، وَإِلَى الآكَامِ وَإذَا بِها تَتَقَلْقَلُ. 25 تَلَفَّتُّ حَوْلِي فَلَمْ أَجِدْ إِنْسَاناً، وَإذَا كُلُّ الطُّيُورِ قَدْ هَرَبَتْ. 26 نَظَرْتُ وَإذَا بِالأَرْضِ الْخَصِيبَةِ قَدْ تَحَوَّلَتْ إِلَى بَرِّيَّةٍ، وَأَصْبَحَتْ جَمِيعُ مُدُنِهَا أَطْلالاً أَمَامَ الرَّبِّ وَأَمَامَ غَضَبِهِ الْمُحْتَدِمِ.

27 وَهَذَا مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ: «سَتَحِيقُ الْوَحْشَةُ بِكُلِّ الأَرْضِ، وَلَكِنِّي لَنْ أُفْنِيَهَا. 28 فَمِنْ أَجْلِ هَذَا تَنُوحُ الأَرْضُ وَتُظْلِمُ السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقُ، لأَنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِقَضَائِي. وَهَكَذَا قَرَّرْتُ، لِذَلِكَ لَا أَنْدَمُ وَلا أَرْجِعُ عَنْ عَزْمِي.» 29 مِنْ جَلَبَةِ الْفَارِسِ وَرَامِي السِّهَامِ يَهْرُبُ أَهْلُ الْمُدُنِ، وَيُوْغِلُونَ فِي الْغَابَاتِ وَيَتَسَلَّقُونَ الصُّخُورَ. قَدْ أَصْبَحَتِ الْمُدُنُ جَمِيعُهَا مَهْجُورَةً لَا يُقِيمُ فِيهَا إِنْسَانٌ. 30 وَأَنْتِ أَيَّتُهَا الْمَدِينَةُ الْمُوْحِشَةُ، مَاذَا تَصْنَعِينَ؟ مَهْمَا لَبِسْتِ الثِّيَابَ الْقِرْمِزِيَّةَ، وَتَحَلَّيْتِ بِزِينَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، مَهْمَا كَحَّلْتِ عَيْنَيْكِ، فَبَاطِلاً تُجَمِّلِينَ ذَاتَكِ، فَقَدْ نَبَذَكِ عُشَّاقُكِ وَسَعَوْا لِلْقَضَاءِ عَلَيْكِ. 31 لأَنِّي سَمِعْتُ صَرْخَةً كَصَرْخَةِ امْرَأَةٍ فِي مَخَاضٍ، وَأَنَّةَ عَذَابٍ كَعَذَابِ مَنْ تُقَاسِي فِي وِلادَةِ بِكْرِهَا. إِنَّهَا صَرْخَةُ ابْنَةِ صِهْيَوْنَ الَّتِي تَزْفِرُ لاهِثَةً وَتَبْسُطُ يَدَيْهَا قَائِلَةً: وَيْلٌ لِي! قَدْ غُشِيَ عَلَيَّ أَمَامَ الْقَتَلَةِ.

ليس أحد باراً

اذْرَعُوا شَوَارِعَ أُورُشَلِيمَ ذِهَاباً وَإِيَاباً، وَانْظُرُوا وَاعْتَبِرُوا. ابْحَثُوا فِي أَرْجَاءِ سَاحَاتِهَا لَعَلَّكُمْ تَجِدُونَ رَجُلاً وَاحِداً يُجْرِي الْعَدْلَ وَيَنْشُدُ الْحَقَّ، فَأَصْفَحَ عَنْهَا. فَإِنَّهُمْ وَإِنْ قَالُوا: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، فَإِنَّمَا يَحْلِفُونَ زُوراً. أَيُّهَا الرَّبُّ، أَلَيْسَتْ عَيْنَاكَ تَطْلُبَانِ الْحَقَّ؟ لَقَدْ عَاقَبْتَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَوَجَّعُوا. أَهْلَكْتَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ أَبَوْا التَّقْوِيمَ. صَلَّبُوا وُجُوهَهُمْ أَكْثَرَ مِنَ الصَّخْرِ، وَرَفَضُوا التَّوْبَةَ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: «إِنَّمَا هُمْ مَسَاكِينُ حَمْقَى، يَجْهَلُونَ طَرِيقَ الرَّبِّ وَقَضَاءَ إِلَهِهِمْ. فَلأَقْصِدَنَّ الْعُظَمَاءَ وَأُكَلِّمْهُمْ لأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ طَرِيقَ الرَّبِّ وَقَضَاءَ إِلَهِهِمْ». فَإِذَا هَؤُلاءِ جَمِيعاً قَدْ حَطَّمُوا النِّيرَ وَقَطَعُوا الرُّبُطَ. لِذَلِكَ يَنْقَضُّ عَلَيْهِمْ أَسَدٌ مِنَ الْغَابِ وَيَقْتُلُهُمْ، وَيَفْتَرِسُهُمْ ذِئْبٌ مِنَ الصَّحْرَاءِ، وَيَكْمُنُ النَّمِرُ حَوْلَ مُدُنِهِمْ، فَيُمَزِّقُ إِرْباً كُلَّ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهُمْ، لأَنَّ آثَامَهُمْ كَثِيرَةٌ، وَارْتِدَادَاتِهِمْ مُتَعَاظِمَةٌ.

«كَيْفَ أَعْفُو عَنْ أَعْمَالِكِ؟ تَخَلَّى عَنِّي أَبْنَاؤُكِ وَأَقْسَمُوا بِأَوْثَانٍ. وَعِنْدَمَا أَشْبَعْتُهُمْ ارْتَكَبُوا الْفِسْقَ، وَهَرْوَلُوا طَوَائِفَ إِلَى مَوَاخِيرِ الزَّانِيَاتِ. صَارُوا كَحُصُنٍ مَعْلُوفَةٍ سَائِبَةٍ يَصْهَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى امْرَأَةِ صَاحِبِهِ. أَلا أُعَاقِبُهُمْ عَلَى هَذِهِ الأُمُورِ؟» يَقُولُ الرَّبُّ، «أَلا أَنْتَقِمُ لِنَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ مِثْلَ هَذِهِ؟

10 اذْهَبُوا إِلَى أَتْلامِ كُرُومِهَا وَدَمِّرُوهَا وَلَكِنْ لَا تُفْنُوهَا. انْزِعُوا أَغْصَانَهَا لأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلرَّبِّ. 11 فَذُرِّيَّةُ إِسْرَائِيلَ وَذُرِّيَّةُ يَهُوذَا قَدْ غَدَرَتَا بِي»، يَقُولُ الرَّبُّ. 12 قَدْ أَنْكَرُوا الرَّبَّ وَقَالُوا: «لَنْ يُعَاقِبَنَا وَلَنْ يُصِيبَنَا مَكْرُوهٌ، وَلَنْ نَرَى سَيْفاً وَلَنْ نَتَعَرَّضَ لِجُوعٍ، 13 وَالأَنْبِيَاءُ كَالرِّيحِ وَوَحْيُ الرَّبِّ لَيْسَ مَعَهُمْ. فَلْيَأْتِ عَلَيْهِمْ مَا تَنَبَّأُوا بِهِ». 14 لِذَلِكَ يُعْلِنُ السَّيِّدُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ: «لأَنَّكُمْ قُلْتُمْ هَذَا الْكَلامَ، فَهَا أَنَا أَجْعَلُ كَلِمَاتِي فِي فَمِكَ نَاراً، وَهَذَا الشَّعْبَ حَطَباً، فَتَلْتَهِمُهُمُ النَّارُ. 15 هَا أَنَا أَجْلِبُ عَلَيْكُمْ يَا ذُرِّيَّةَ إِسْرَائِيلَ، أُمَّةً قَدِيمَةً قَوِيَّةً مِنْ أَرْضٍ نَائِيَةٍ، تَجْهَلُونَ لُغَةَ أَهْلِهَا وَلا تَفْهَمُونَ مَا يَقُولُونَ. 16 جُعْبَتُهَا كَقَبْرٍ مَفْتُوحٍ، وَكُلُّ رِجَالِهَا جَبَابِرَةٌ، 17 فَيَأْكُلُونَ حَصَادَكُمْ وَطَعَامَكُمْ، وَيُهْلِكُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَبَنَاتِكُمْ، وَيَلْتَهِمُونَ مَوَاشِيَكُمْ وَقُطْعَانَكُمْ، وَيَأْكُلُونَ كُرُومَكُمْ وَأَشْجَارَ تِينِكُمْ، وَيُدَمِّرُونَ بِالسَّيْفِ مُدُنَكُمُ الْحَصِينَةَ الَّتِي عَلَيْهَا تَتَوَكَّلُونَ.

18 وَلَكِنْ حَتَّى فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَنْ أُفْنِيَكُمْ»، يَقُولُ الرَّبُّ.

19 «وَعِنْدَمَا يَسْأَلُونَ: ’لِمَاذَا صَنَعَ الرَّبُّ إِلَهُنَا بِنَا هَذِهِ الأُمُورَ كُلَّهَا؟‘ تَقُولُ لَهُمْ: ’كَمَا أَنَّكُمْ تَخَلَّيْتُمْ عَنِّي وَعَبَدْتُمُ الأَوْثَانَ الْغَرِيبَةَ فِي أَرْضِكُمْ، كَذَلِكَ تُسْتَعْبَدُونَ لِلْغُرَبَاءِ فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَكُمْ‘». 20 وَأَذيعُوا أَيْضاً هَذَا فِي ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ، وَأَعْلِنُوهُ لِبَنِي يَهُوذَا قَائِلِينَ: 21 «اسْمَعْ هَذَا أَيُّهَا الشَّعْبُ الأَحْمَقُ الْغَبِيُّ، يَا مَنْ لَهُ عُيُونٌ وَلَكِنَّهُ لَا يُبْصِرُ، وَلَهُ آذَانٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْمَعُ. 22 أَلا تَخْشَوْنَنِي؟»، يَقُولُ الرَّبُّ، «أَلا تَرْتَعِدُونَ فِي حَضْرَتِي؟ قَدْ جَعَلْتُ الرَّمْلَ حَدّاً لِمِيَاهِ الْبَحْرِ، حَاجِزاً أَبَدِيًّا لَا يَتَخَطَّاهُ. تَتَلاطَمُ أَمْوَاجُهُ وَلَكِنَّهَا تَعْجَزُ عَنْ تَعَدِّيهِ، وَتَهْدِرُ وَلَكِنَّهَا لَا تَتَجَاوَزُهُ. 23 أَمَّا هَذَا الشَّعْبُ فَذُو قَلْبٍ مُتَمَرِّدٍ عَاصٍ، ثَارُوا عَلَيَّ وَمَضَوْا، 24 وَلَمْ يَتَنَاجَوْا فِي قُلُوبِهِمْ قَائِلِينَ: ’لِنَتَّقِ الرَّبَّ إِلَهَنَا الَّذِي يُغْدِقُ الْمَطَرَ فِي مَوَاعِيدِهِ فِي مَوْسِمَيِ الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ، وَيَحْفَظُ لَنَا أَسَابِيعَ الْحَصَادِ حَسَبَ مَوَاقِيتِهَا.‘ 25 غَيْرَ أَنَّ آثَامَكُمْ قَدْ حَوَّلَتْ عَنْكُمْ هَذِهِ الْبَرَكَاتِ، وَخَطَايَاكُمْ حَرَمَتْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ. 26 فَفِي وَسَطِ شَعْبِي قَوْمٌ أَشْرَارٌ يَكْمُنُونَ كَمَا يَكْمِنُ الْقَنَّاصُونَ لِلطُّيُورِ، وَيَنْصِبُونَ الْفَخَّ لاقْتِنَاصِ النَّاسِ. 27 بُيُوتُهُمْ تَكْتَظُّ بِالْخَدِيعَةِ كَقَفَصٍ مَمْلُوءٍ طُيُوراً، لِذَلِكَ عَظُمُوا وَأَثْرَوْا. 28 ازْدَادُوا سِمَنةً وَنُعُومَةً، وَارْتَكَبُوا الشَّرَّ مُتَجَاوِزِينَ كُلَّ حَدٍّ. لَمْ يَحْكُمُوا بِعَدْلٍ فِي دَعْوَى الْيَتِيمِ حَتَّى تَنْجَحَ، وَلَمْ يُدَافِعُوا عَنْ حُقُوقِ الْمَسَاكِينِ. 29 أَفَلا أُعَاقِبُهُمْ عَلَى هَذِهِ الأُمُورِ؟» يَقُولُ الرَّبُّ. «أَلا أَنْتَقِمُ لِنَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهَذِهِ؟

30 قَدْ جَرَى فِي الْبِلادِ حَدَثٌ مُذْهِلٌ فَظِيعٌ. 31 فَالأَنْبِيَاءُ يَتَنَبَّأُونَ زُوراً، وَالْكَهَنَةُ يَتَصَرَّفُونَ بِمُقْتَضَى أَحْكَامِهِمْ، وَشَعْبِي أَحَبَّ مِثْلَ هَذَا. وَلَكِنْ مَاذَا تَصْنَعُونَ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ؟»

حصار أورشليم

«لُوذُوا بِالْنَّجَاةِ يَا ذُرِّيَّةَ بِنْيَامِينَ، وَاهْرُبُوا مِنْ وَسَطِ أُورُشَلِيمَ. انْفُخُوا بِالْبُوقِ فِي تَقُوعَ، وَأَشْعِلُوا عَلَمَ نَارٍ عَلَى بَيْتِ هَكَّارِيمَ، لأَنَّ الشَّرَّ قَدْ أَقْبَلَ مِنَ الشِّمَالِ لِيَعِيثَ فِي الأَرْضِ خَرَاباً. هَا أَنَا أُهْلِكُ أُورُشَلِيمَ الْجَمِيلَةَ الْمُتْرَفَةَ ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، فَيَحُلُّ بِها الرُّعَاةُ مَعَ قُطْعَانِهِمْ، وَيَضْرِبُونَ حَوْلَهَا خِيَامَهُمْ، وَيَرْعَى كُلٌّ مِنْهُمْ حَيْثُ نَزَلَ. أَعِدُّوا عَلَيْهَا حَرْباً. قُومُوا نُهَاجِمُهَا عِنْدَ الظَّهِيرَةِ. وَيْلٌ لَنَا فَقَدْ مَالَ النَّهَارُ وَانْتَشَرَتْ ظِلالُ الْمَسَاءِ. هُبُّوا لِنَهْجُمَ فِي اللَّيْلِ وَنَهْدِمَ قُصُورَهَا».

لأَنَّ هَذَا مَا يُعْلِنُهُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ: «اقْطَعُوا الشَّجَرَ، وَأَقِيمُوا مِتْرَسَةً حَوْلَ أُورُشَلِيمَ، إِذْ يَجِبُ أَنْ تُعَاقَبَ هَذِهِ الْمَدِينَةُ، لأَنَّ دَاخِلَهَا مُفْعَمٌ بِالظُّلْمِ. وَكَمَا تُنْبِعُ الْعَيْنُ مِيَاهَهَا كَذَلِكَ هِيَ تُنْبِعُ شَرَّهَا. يَتَرَدَّدُ فِي أَرْجَائِهَا الظُّلْمُ وَيَعُمُّهَا السَّلْبُ، وَأَمَامِي دَائِماً مَرَضٌ وَبَلايَا. فَاحْذَرِي يَا أُورُشَلِيمُ لِئَلَّا أَجْفُوَكِ وَأَجْعَلَكِ مُوْحِشَةً وَأَرْضاً مَهْجُورَةً».

وَهَذَا مَا يُعْلِنُهُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ: «لِيَجْمَعُوا بِدِقَّةٍ لِقَاطَ بَقِيَّةِ إِسْرَائِيلَ كَمَا يَجْمَعُونَ لِقَاطَ كَرْمَةٍ. رُدَّ يَدَكَ إِلَى الأَغْصَانِ ثَانِيَةً كَلاقِطِ الْعِنَبِ». 10 لِمَنْ أَتَحَدَّثُ وَأُنْذِرُ حَتَّى يَسْمَعُوا؟ انْظُرْ! إِنَّ آذَانَهُمْ صَمَّاءُ فَلا يَسْمَعُونَ، وَكَلِمَةَ الرَّبِّ مَثَارُ خِزْيٍ لَهُمْ فَلا يُسَرُّونَ بِها. 11 لِذَلِكَ امْتَلَأْتُ مِنْ سَخَطِ الرَّبِّ وَأَعْيَانِي كَبْتُهُ. «أَسْكُبُهُ عَلَى الأَوْلادِ فِي الطَّرِيقِ وَعَلَى الشُّبَّانِ الْمُجْتَمِعِينَ فِي مَجَالِسِهِمْ، فَيُصِيبُ الرَّجُلَ وَزَوْجَتَهُ وَالشَّيْخَ وَالطَّاعِنَ فِي السِّنِّ. 12 وَتَتَحَوَّلُ بُيُوتُهُمْ وَحقُولُهُمْ لآخَرِينَ، وَكَذَلِكَ نِسَاؤُهُمْ، لأَنِّي أَبْسُطُ يَدِي ضِدَّ سُكَّانِ الأَرْضِ» يَقُولُ الرَّبُّ 13 «لأَنَّهُمْ جَمِيعاً، صِغَارَهُمْ وَكِبَارَهُمْ، مُوْلَعُونَ بالرِّبْحِ الْحَرَامِ. حَتَّى النَّبِيُّ وَالْكَاهِنُ يَرْتَكِبَانِ الزُّورَ فِي أَعْمَالِهِمَا. 14 يُعَالِجُونَ جِرَاحَ شَعْبِي بِاسْتِخْفَافٍ قَائِلِينَ: ’سَلامٌ، سَلامٌ.‘ فِي حِينِ لَا يُوْجَدُ سَلامٌ. 15 هَلْ خَجِلُوا لأَنَّهُمُ اقْتَرَفُوا الرِّجْسَ؟ كَلا! لَمْ يَخْزَوْا قَطُّ وَلَمْ يَعْرِفُوا الْخَجَلَ، لِذَلِكَ سَيَسْقُطُونَ بَيْنَ السَّاقِطِينَ، وَحِينَ أُعَاقِبُهُمْ يُطَوَّحُ بِهِمْ».

16 وَهَذَا مَا يُعْلِنُهُ الرَّبُّ: «قِفُوا فِي الطُّرُقَاتِ وَانْظُرُوا، وَاسْأَلُوا عَنِ الْمَسَالِكِ الصَّالِحَةِ الْقَدِيمَةِ وَاطْرُقُوهَا، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. وَلَكِنَّكُمْ قُلْتُمْ: ’لَنْ نَسِيرَ فِيهَا.‘ 17 فَأَقَمْتُ عَلَيْكُمْ رُقَبَاءَ قَائِلاً: اسْمَعُوا دَوِيَّ الْبُوقِ. وَلَكِنَّكُمْ قُلْتُمْ: ’لَنْ نَسْمَعَ!‘ 18 لِذَلِكَ اسْمَعُوا أَيُّهَا الأُمَمُ، وَاعْلَمِي أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ مَاذَا يَحُلُّ بِهِمْ. 19 اسْمَعِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ وَانْظُرِي، لأَنِّي جَالِبٌ شَرّاً عَلَى هَذَا الشَّعْبِ عِقَاباً لَهُمْ عَلَى أَفْكَارِهِمِ الأَثِيمَةِ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوا كَلِمَاتِي وَتَنَكَّرُوا لِشَرِيعَتِي. 20 لأَيِّ غَرَضٍ يَصْعَدُ إِلَيَّ الْبَخُورُ مِنْ شَبَا، وَقَصَبُ الطِّيبِ مِنْ أَرْضٍ نَائِيَةٍ؟ مُحْرَقَاتُكُمْ مَرْفُوضَةٌ، وَتَقْدِمَاتُكُمْ لَا تَسُرُّنِي». 21 لِذَلِكَ يُعْلِنُ الرَّبُّ: «هَا أَنَا أُقِيمُ لِهَذَا الشَّعْبِ مَعَاثِرَ يَتَعَثَّرُ بِها الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ مَعاً، وَيَهْلِكُ بِها الْجَارُ وَصَدِيقُهُ».

22 «انْظُرُوا، هَا شَعْبٌ زَاحِفٌ مِنَ الشِّمَالِ، وَأُمَّةٌ عَظِيمَةٌ تَهُبُّ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ، 23 تَسَلَّحَتْ بِالْقَوْسِ وَالرُّمْحِ، وَهِيَ قَاسِيَةٌ لَا تَرْحَمُ. جَلَبَتُهَا كَهَدِيرِ الْبَحْرِ وَهِيَ مُقْبِلَةٌ عَلَى صَهَوَاتِ الْخَيْلِ. قَدِ اصْطَفَّتْ كَإِنْسَانٍ وَاحِدٍ لِمُحَارَبَتِكِ يَا أُورُشَلِيمُ». 24 سَمِعْنَا أَخْبَارَهُمُ الْمُرْعِبَةَ فَدَبَّ الضَّعْفُ فِي أَيْدِينَا، وَتَوَلّانَا كَرْبٌ وَأَلَمٌ كَأَلَمِ امْرَأَةٍ تُعَانِي مِنَ الْمَخَاضِ. 25 لَا تَخْرُجُوا إِلَى الْحَقْلِ وَلا تَمْشُوا فِي الطَّرِيقِ، فَلِلْعَدُوِّ سَيْفٌ، وَالْهَوْلُ مُحْدِقٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.

26 فَيَا أُورُشَلِيمُ ارْتَدِي الْمُسُوحَ وَتَمَرَّغِي فِي الرَّمَادِ، وَنُوحِي كَمَنْ يَنُوحُ عَلَى وَحِيدِهِ، وَانْتَحِبِي نَحِيباً مُرّاً، لأَنَّ الْمُدَمِّرَ يَنْقَضُّ عَلَيْنَا فَجْأَةً. 27 «إِنِّي أَقَمْتُكَ مُمْتَحِناً لِلْمَعْدِنِ، وَجَعَلْتُ شَعْبِي مَادَّةَ خَامٍ لِكَيْ تَعْرِفَ طُرُقَهُمْ وَتَفْحَصَهَا. 28 فَكُلُّهُمْ عُصَاةٌ مُتَمَرِّدُونَ سَاعُونَ فِي النَّمِيمَةِ. هُمْ نُحَاسٌ وَحَدِيدٌ وَكُلُّهُمْ فَاسِدُونَ. 29 لَشَدَّ مَا تُضْرِمُ رِيحُ المِنْفَاخِ الشَّدِيدَةُ النَّارَ فَتَلْتَهِمُ الرَّصَاصَ وَلَكِنْ كَمَا يَتَعَذَّرُ تَنْقِيَتُهُ مِنَ الزَّغَلِ كَذَلِكَ يَتَعَذَّرُ فَصْلُ الأَشْرَارِ. 30 وَهُمْ يُدْعَوْنَ حُثَالَةَ الْفِضَّةِ الْمَرْذُولَةِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ رَفَضَهُمْ».