ملوك الجنوب والشمال

11 «فَقَدْ سَبَقَ لِي فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ حُكْمِ دَارِيُّوسَ الْمَادِيِّ أَنْ آزَرْتُهُ وَشَدَّدْتُهُ. وَالآنَ لأَكْشِفَنَّ لَكَ الْحَقِيقَةَ، فَهَا ثَلاثَةُ مُلُوكٍ يَتَوَلَّوْنَ حُكْمَ فَارِسَ، يَعْقُبُهُمْ رَابِعٌ يَكُونُ أَوْفَرَهُمْ ثَرَاءً. وَبِفَضْلِ قُوَّةِ غِنَاهُ يُثِيرُ الْجَمِيعَ عَلَى مَمْلَكَةِ الْيُونَانِ. وَلَكِنْ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْيُونَانِ مَلِكٌ عَاتٍ يَتَمَتَّعُ بِسُلْطَانٍ عَظِيمٍ، وَيَفْعَلُ مَا يَحْلُو لَهُ. وَلَكِنْ فِي ذِرْوَةِ قُوَّتِهِ تَنْقَسِمُ مَمْلَكَتُهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، فَلا تَكُونُ لِعَقِبِهِ، وَلا تَكُونُ فِي مِثْلِ قُوَّةِ مُلْكِهِ، بَلْ يَتَوَلّاهَا آخَرُونَ. أَمَّا سُلْطَانُهُ فَيَنْقَرِضُ.

ثُمَّ تَنْمُو قُوَّةُ الْجَنُوبِ غَيْرَ أَنَّ وَاحِداً مِنْ قُوَّادِ مَلِكِ الْيُونَانِ الْمُنْقَرِضِ يُصْبِحُ أَكْثَرَ قُوَّةً مِنْهُ، وَيَتَّسِعُ نُفُوذُهُ وَسُلْطَانُهُ. وَبَعْدَ سَنَوَاتٍ يَعْقِدُ الْمَلِكَانِ مُعَاهَدَةَ سَلامٍ، تُصْبِحُ فِيهَا ابْنَةُ مَلِكِ الْجَنُوبِ زَوْجَةً لِمَلِكِ الشِّمَالِ، وَلَكِنَّهَا تَفْقِدُ تَأْثِيرَهَا عَلَيْهِ، فَلا تَتَحَقَّقُ لَهَا وَلا لأَبِيهَا وَلا لاِبْنِهَا وَلا لِمَنْ آزَرَهَا فِي تِلْكَ الأَوْقَاتِ آمَالٌ. وَيَتَوَلَّى مِنْ فَرْعِ أُصُولِهَا (أَيْ أَخُوهَا) الْمُلْكَ، فَيَزْحَفُ عَلَى رَأْسِ جَيْشٍ وَيَقْتَحِمُ حِصْنَ مَلِكِ الشِّمَالِ وَيُنَكِّلُ بِهِمْ وَيَقْهَرُهُمْ. وَيَسْبِي إِلَى مِصْرَ آلِهَتَهُمْ مَعَ أَصْنَامِهِمْ وَالآنِيَةِ النَّفِيسَةِ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ. ثُمَّ يَتَوَقَّفُ عَنْ مُحَارَبَةِ مَلِكِ الشِّمَالِ لِعِدَّةِ سَنَوَاتٍ. ثُمَّ يَغْزُو مَلِكُ الشِّمَالِ أَرْضَ مَلِكِ الْجَنُوبِ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى أَرْضِهِ فَاشِلاً.

10 إِلا أَنَّ بَنِي مَلِكِ الشِّمَالِ يَثُورُونَ وَيَحْشِدُونَ جُيُوشاً عَظِيمَةً، تَتَقَدَّمُ كَالطُّوفَانِ عَبْرَ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، وَتَهْجُمُ عَلَى أَرْضِ مَلِكِ الْجَنُوبِ حَتَّى تَبْلُغَ الْعَاصِمَةَ. 11 فَيَنْفَجِرُ مَلِكُ الْجَنُوبِ غَيْظاً، فَيُجَنِّدُ جُيُوشاً هَائِلَةً وَيَخْرُجُ وَيُحَارِبُ مَلِكَ الشِّمَالِ وَيَقْهَرُ جُيُوشَهُ 12 وَيَقْضِي عَلَيْهَا، وَيُفْنِي عَشَرَاتِ الأُلُوفِ، وَيَشْمَخُ قَلْبُهُ. غَيْرَ أَنَّ 13 مَلِكَ الشِّمَالِ لَا يَلْبَثُ أَنْ يُجَنِّدَ جَيْشاً عَرَمْرَماً أَضْخَمَ مِنَ الْجَيْشِ السَّابِقِ، وَبَعْدَ سَنَوَاتٍ يَزْحَفُ بِقُوَّاتِهِ الْكَبِيرَةِ وَعُدَّتِهِ الْعَظِيمَةِ. 14 وَفِي ذَلِكَ الْحِينِ يَتَمَرَّدُ كَثِيرُونَ عَلَى مَلِكِ الْجَنُوبِ، وَيَثُورُ الْمُتَمَرِّدُونَ مِنْ أَبْنَاءِ شَعْبِكَ، وَلَكِنَّهُمْ يُخْفِقُونَ، وَذَلِكَ لإِتْمَامِ الرُّؤْيَا. 15 وَيُقْبِلُ مَلِكُ الشِّمَالِ وَيُقِيمُ مَتَارِيسَ الْحِصَارِ، وَيَسْتَوْلِي عَلَى مَدِينَةٍ مُحَصَّنَةٍ، وَتَعْجِزُ قُوَّاتُ مَلِكِ الْجَنُوبِ وَفِرَقُهُ الْمُنْتَخَبَةُ عَنْ صَدِّهِ، لأَنَّهَا تَفْقِدُ كُلَّ قُوَّةٍ. 16 أَمَّا الْمَلِكُ الْغَازِي فَيَفْعَلُ مَا يَطِيبُ لَهُ، ولا أَحَدَ يَقْدِرُ عَلَى مُقَاوَمَتِهِ. وَيَسْتَوْلِي عَلَى الأَرْضِ الْبَهِيَّةِ وَيُخْضِعُهَا لِسُلْطَانِهِ. 17 وَيُوَطِّدُ الْعَزْمَ عَلَى دُخُولِ أَرْضِ مَلِكِ الْجَنُوبِ بِكُلِّ جُيُوشِهِ، إِلّا أَنَّهُ يَحْمِلُ مَعَهُ شُرُوطَ صُلْحٍ. وَيُزَوِّجُ مَلِكَ الْجَنُوبِ مِنِ ابْنَتِهِ لِتَكُونَ لَهُ عَيْناً علَيْهِ. وَلَكِنَّ خُطَّتَهُ لَا يُحَالِفُهَا النَّجَاحُ. 18 فَيَتَحَوَّلُ نَحْوَ مُدُنِ سَاحِلِ الْبَحْرِ وَيَسْتَوْلِي عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّ قَائِداً يَرُدُّهُ عَنْهَا وَيُلْحِقُ بِهِ عَارَ الْهَزِيمَةِ. 19 فَيَرْجِعُ إِلَى حُصُونِ أَرْضِهِ، فَتَعْتَرِضُهُ الْعَقَبَاتُ فِي أَثْنَاءِ عَوْدَتِهِ فَيَتَعَثَّرُ وَيَخْتَفِي ذِكْرُهُ.

20 ثُمَّ يَعْتَلِي الْعَرْشَ بَعْدَهُ مَنْ يَبْعَثُ جُبَاةَ الْجِزْيَةِ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، وَلَكِنَّهُ فِي غُضُونِ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ تُصِيبُهُ الْهَزِيمَةُ مِنْ غَيْرِ فِتْنَةٍ وَلا حَرْبٍ. 21 وَيَخْلِفُهُ حَقِيرٌ لَمْ يُنْعَمْ عَلَيْهِ بِجَلالِ الْمُلْكِ، إِنَّمَا يُحْرِزُ الْعَرْشَ فَجْأَةً، وَيَتَوَلَّى زِمَامَ الْمَمْلَكَةِ بِالتَّمَلُّقِ. 22 وَيَمْحَقُ جُيُوشاً بِأَسْرِهَا فَتَنْدَحِرُ أَمَامَهُ، وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ. 23 وَمُنْذُ اللَّحْظَةِ الَّتِي يُبْرِمُ فِيهَا عَهْداً يَتَصَرَّفُ بِمَكْرٍ، وَيُحْرِزُ قُوَّةً وَعَظَمَةً بِنَفَرٍ قَلِيلٍ، 24 يَقْتَحِمُ فَجْأَةً أَخْصَبَ الْبِلادِ، وَيَرْتَكِبُ مِنَ الْمُوبِقَاتِ مَا لَمْ يَرْتَكِبْهُ آبَاؤُهُ وَلا أَسْلافُهُ. وَيُغْدِقُ الثَّرَاءَ عَلَى أَعْوَانِهِ مِمَّا نَهَبَهُ وَغَنِمَهُ، وَيَرْسِمُ خُطَطاً لِلاسْتِيلاءِ عَلَى الْحُصُونِ، إِنَّمَا يَحْدُثُ هَذَا إِلَى أَمَدٍ وَجِيزٍ. 25 وَيَسْتَثِيرُ هِمَّتَهُ وَيُجَنِّدُ قُوَّاتِهِ لِمُحَارَبَةِ مَلِكِ الْجَنُوبِ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ وَيَتَأَهَّبُ مَلِكُ الْجَنُوبِ لِلْقِتَالِ بِجَيْشٍ ضَخْمٍ وَقَوِيٍّ جِدّاً، وَلَكِنَّهُ لَا يَصْمُدُ، لأَنَّ أَعْدَاءَهُ يَتَآمَرُونَ عَلَيْهِ. 26 وَيَخُونُهُ الآكِلُونَ مِنْ طَعَامِهِ الشَّهِيِّ، وَيَنْدَحِرُ جَيْشُهُ وَيُصْرَعُ كَثِيرُونَ. 27 وَيُضْمِرُ هَذَانِ الْمَلِكَانِ ارْتِكَابَ الْمَكَائِدِ، وَيَنْطِقَانِ بِالْكَذِبِ وَهُمَا يَجْلِسَانِ عَلَى مَائِدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلا يُفْلِحَانِ لأَنَّ مَوْعِدَ حُلُولِ قَضَاءِ اللهِ بَاتَ وَشِيكاً. 28 وَيَرْجِعُ مَلِكُ الشِّمَالِ إِلَى بِلادِهِ بِغِنىً جَزِيلٍ، وَفِي قَلْبِهِ أَنْ يُدَمِّرَ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ، فَيَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى أَرْضِهِ.

29 وَفِي الْمَوْعِدِ الْمُقَرَّرِ يَعُودُ وَيَقْتَحِمُ أَرْضَ الْجَنُوبِ، وَلَكِنَّ حَمْلَتَهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ لَا تَكُونُ مُمَاثِلَةً لِلْحَمْلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ. 30 إِذْ تَنْقَضُّ عَلَيْهِ سُفُنٌ حَرْبِيَّةٌ مِنْ قُبْرُصَ، فَيَعْتَرِيهِ يَأْسٌ وَيَغْلِي غَيْظاً عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، وَيَصْغَى إِلَى مَشُورَةِ رَافِضِي الْعَهْدِ الْمُقَدَّسِ. 31 فَتُهَاجِمُ بَعْضُ قُوَّاتِهِ حِصْنَ الْهَيْكَلِ وَتُنَجِّسُهُ، وَتُزِيلُ الْمُحْرَقَةَ الدَّائِمَةَ، وَتَنْصِبُ الرِّجْسَ الْمُخَرِّبَ (أَيِ الْوَثَنَ). 32 وَيُغْوِي بِالتَّمَلُّقِ الْمُتَعَدِّينَ عَلَى عَهْدِ الرَّبِّ. أَمَّا الشَّعْبُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ إِلَهَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَصْمُدُونَ وَيُقَاوِمُونَ. 33 وَالْعَارِفُونَ مِنْهُمْ يُعَلِّمُونَ كَثِيرِينَ، مَعَ أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بِالسَّيْفِ وَالنَّارِ وَيَتَعَرَّضُونَ لِلأَسْرِ وَالنَّهْبِ أَيَّاماً. 34 وَلا يَلْقَوْنَ عِنْدَ سُقُوطِهِمْ إِلّا عَوْناً قَلِيلاً، وَيَنْضَمُّ إِلَيْهِمْ كَثِيرُونَ نِفَاقاً. 35 وَيَعْثُرُ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ تَمْحِيصاً لَهُمْ وَتَنْقِيَةً، حَتَّى يَأْزِفَ وَقْتُ النِّهَايَةِ فِي وَقْتِ اللهِ الْمُعَيَّنِ.

الملك الذي يمجد نفسه

36 وَيَصْنَعُ الْمَلِكُ مَا يَطِيبُ لَهُ، وَيَتَعَظَّمُ عَلَى كُلِّ إِلَهٍ، وَيُجَدِّفُ بِالْعَظَائِمِ عَلَى إِلَهِ الآلِهَةِ، وَيُفْلِحُ، إِلَى أَنْ يَحِينَ اكْتِمَالُ الْغَضَبِ إِذْ لابُدَّ أَنْ يَتِمَّ مَا قَضَى اللهُ بِهِ. 37 وَلَنْ يُبَالِيَ هَذَا الْمَلِكُ بِآلِهَةِ آبَائِهِ وَلا بِمَعْبُودِ النِّسَاءِ، وَلا بِأَيِّ وَثَنٍ آخَرَ إِذْ يَتَعَظَّمُ عَلَى الْكُلِّ. 38 إِنَّمَا يُكْرِمُ إِلَهَ الْحُصُونِ بَدَلاً مِنْهُمْ، وَهُوَ إِلَهٌ لَمْ يَعْرِفْهُ آبَاؤُهُ، وَيُكْرِمُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ وَالنَّفَائِسِ. 39 وَيَقْتَحِمُ الْقِلاعَ الْمُحَصَّنَةَ بِاسْمِ إِلَهٍ غَرِيبٍ. وَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِهِ يُغْدِقُ عَلَيْهِ الإِكْرَامَ، وَيُوَلِّيهِ عَلَى كَثِيرِينَ، وَيَقْسِمُ الأَرْضَ بَيْنَهُمْ، أُجْرَةً لَهُمْ.

40 وَعِنْدَمَا تَأْزِفُ النِّهَايَةُ يُحَارِبُهُ مَلِكُ الْجَنُوبِ، فَيَنْقَضُّ عَلَيْهِ مَلِكُ الشِّمَالِ كَالزَّوْبَعَةِ بِمَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ وَسُفُنٍ كَثِيرَةٍ، وَيَقْتَحِمُ دِيَارَهُ كَالطُّوفَانِ الْجَارِفِ. 41 وَيَغْزُو أَرْضَ إِسْرَائِيلَ فَيَسْقُطُ عَشَرَاتُ الأُلُوفِ صَرْعَى، وَلا يَنْجُو مِنْهُ سِوَى أَرْضِ أَدُومَ وَأَرْضِ مُوآبَ وَالْجُزْءِ الأَكْبَرِ مِنْ أَرْضِ عَمُّونَ. 42 يَبْسُطُ يَدَهُ عَلَى الأَرَاضِي فَلا تُفْلِتُ مِنْهُ حَتَّى أَرْضُ مِصْرَ. 43 وَيَسْتَوْلِي عَلَى كُنُوزِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَعَلَى كُلِّ ذَخَائِرِ مِصْرَ. وَيَسِيرُ اللِّيبِيُّونَ وَالكُوشِيُّونَ فِي رِكَابِهِ. 44 وَتَبْلُغُهُ أَخْبَارٌ مِنَ الشَّرْقِ وَمِنَ الشِّمَالِ، فَيَرْجِعُ بِغَضَبٍ شَدِيدٍ لِيُدَمِّرَ وَيَقْضِيَ عَلَى كَثِيرِينَ، 45 وَيَنْصُبُ خَيْمَتَهُ الْمَلَكِيَّةَ بَيْنَ الْبَحْرِ وَأُورُشَلِيمَ، وَيَبْلُغُ نِهَايَةَ مَصِيرِهِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ نَصِيرٍ».

الأيام الأخيرة

12 «وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَقُومُ الرَّئِيسُ الْعَظِيمُ الْمَلاكُ مِيخَائِيلُ حَارِسُ شَعْبِكَ، وَذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ ضِيقٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَثِيلٌ مُنْذُ أَنْ وُجِدَتْ أُمَّةٌ حَتَّى ذَلِكَ الزَّمَانِ. غَيْرَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ اسْمُهُ مُدَوَّناً فِي الْكِتَابِ مِنْ شَعْبِكَ يَنْجُو فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ. وَيَسْتَيْقِظُ كَثِيرُونَ مِنَ الأَمْوَاتِ الْمَدْفُونِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ، بَعْضُهُمْ لِيُثَابُوا بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ لِيُسَامُوا ذُلَّ الْعَارِ وَالازْدِرَاءِ إِلَى الأَبَدِ. وَيُضِيءُ الْحُكَمَاءُ (أَيْ شَعْبُ اللهِ) كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ يَشِعُّونَ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى مَدَى الدَّهْرِ.

أَمَّا أَنْتَ يَا دَانِيَالُ فَاكْتُمِ الْكَلامَ، وَاخْتِمْ عَلَى الْكِتَابِ إِلَى مِيعَادِ النِّهَايَةِ. وَكَثِيرُونَ يَطُوفُونَ فِي الأَرْضِ وَتَزْدَادُ الْمَعْرِفَةُ».

ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَا دَانِيَالَ فَإِذَا بِاثْنَيْنِ آخَرَيْنِ وَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى ضَفَّةٍ مِنْ ضَفَّتَيِ النَّهْرِ، سَأَلَ أَحَدُهُمَا الرَّجُلَ اللّابِسَ الْكَتَّانِ الْوَاقِفَ عَلَى مِيَاهِ النَّهْرِ: «مَتَى يَنْقَضِي زَمَنُ هَذِهِ الأَحْدَاثِ الْعَجِيبَةِ؟». فَسَمِعْتُ الرَّجُلَ اللّابِسَ الْكَتَّانِ الْوَاقِفَ فَوْقَ مِيَاهِ النَّهْرِ يَقُولُ، بَعْدَ أَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاوَاتِ مُقْسِماً بِالْحَيِّ إِلَى الأَبَدِ: «تَنْقَضِي هَذِهِ الْعَجَائِبُ بَعْدَ ثَلاثِ سَنَوَاتٍ وَنِصْفٍ، حِينَ يَتِمُّ تَشْتِيتُ قُوَّةِ الشَّعْبِ الْمُقَدَّسِ». فَسَمِعْتُ مَا قَالَهُ وَلَكِنَّنِي لَمْ أَفْهَمْ، فَسَأَلْتُ: «يَا سَيِّدِي مَا هِيَ آخِرُ هَذِهِ؟» فَأَجَابَ: «اذْهَبْ يَا دَانِيَالُ لأَنَّ الْكَلِمَاتِ مَكْتُومَةٌ وَمَخْتُومَةٌ إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ. 10 كَثِيرُونَ يَتَطَهَّرُونَ وَيَتَنَقَّوْنَ وَيُمَحَّصُونَ بِالتَّجَارِبِ، أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَرْتَكِبُونَ شَرّاً وَلا يَفْهَمُونَ. إِنَّمَا ذَوُو الْفِطْنَةِ يُدْرِكُونَ. 11 أَمَّا الْفَتْرَةُ مَا بَيْنَ إِزَالَةِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَإِقَامَةِ رِجْسِ الْمُخَرَّبِ، فَهِيَ أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَتِسْعُونَ يَوْماً. 12 فَطُوبَى لِمَنْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الأَلْفِ وَالثَّلاثِ مِئَةٍ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّلاثِينَ يَوْماً. 13 وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ إِلَى آخِرَتِكَ فَتَسْتَرِيحَ، ثُمَّ تَقُومَ فِي نِهَايَةِ الأَيَّامِ لِتُثَابَ بِمَا قُسِمَ لَكَ».

مِنْ يَهُوذَا، عَبْدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَشَقِيقِ يَعْقُوبَ، إِلَى الَّذِينَ دَعَاهُمُ اللهُ الآبُ إِلَيْهِ، الْمَحْبُوبِينَ مِنْهُ، وَالْمَحْفُوظِينَ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لِتَكُنْ لَكُمُ الرَّحْمَةُ وَالسَّلامُ وَالْمَحَبَّةُ فِي وَفْرَةٍ وَازْدِيَادٍ!

الخطيئة وموت الأشرار

أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، كُنْتُ قَدْ نَوَيْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ فِي مَوْضُوعِ الْخَلاصِ الَّذِي نَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعاً. وَلَكِنْ، أَرَانِي الآنَ مُضْطَرّاً لأَنْ أَكْتُبَ لأُشَجِّعَكُمْ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ الإِيمَانِ الَّذِي سُلِّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً لِلْقِدِّيسِينَ. لأَنَّهُ قَدْ تَسَلَّلَ إِلَى مَا بَيْنَكُمْ مُعَلِّمُونَ لابُدَّ أَنْ يُلاقُوا الْحُكْمَ بِالْعِقَابِ الأَبَدِيِّ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ لَهُمْ مُنْذُ الْقَدِيمِ. فَهُمْ أَشْرَارٌ لَا يَهَابُونَ اللهَ، يَتَّخِذُونَ مِنْ نِعْمَةِ إِلَهِنَا فُرْصَةً لإِبَاحَةِ الرَّذَائِلِ، وَيُنْكِرُونَ سَيِّدَنَا وَرَبَّنَا الْوَحِيدَ يَسُوعَ الْمَسِيحَ.

فَالآنَ، أُرِيدُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ بِأُمُورٍ تَعْرِفُونَهَا. فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّ الرَّبَّ، بَعْدَمَا أَنْقَذَ الشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ، عَادَ فَأَهْلَكَ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا مِنْ ذَلِكَ الشَّعْبِ. وَأَمَّا الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يُحَافِظُوا عَلَى مَقَامِهِمِ الرَّفِيعِ، بَلْ تَرَكُوا مَرْكَزَهُمْ، فَمَازَالَ الرَّبُّ يَحْفَظُهُمْ مُقَيَّدِينَ بِسَلاسِلَ أَبَدِيَّةٍ فِي أَعْمَاقِ الظَّلامِ، بِانْتِظَارِ دَيْنُونَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ. وَتَعْرِفُونَ كَذَلِكَ مَا فَعَلَهُ الرَّبُّ بِمَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَبِالْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَهُمَا. فَقَدْ كَانَ أَهْلُ هذِهِ الْمُدُنِ، مِثْلَ أُولئِكَ الْمُعَلِّمِينَ، مُنْدَفِعِينَ وَرَاءَ الزِّنَى، وَمُنْغَمِسِينَ فِي شَهْوَاتٍ مُخَالِفَةٍ لِلطَّبِيعَةِ. لِذَلِكَ عَاقَبَ الرَّبُّ هَذِهِ الْمُدُنَ بِالنَّارِ الأَبَدِيَّةِ، فَدَمَّرَهَا. فَكَانَتْ بِذَلِكَ عِبْرَةً لِلآخَرِينَ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ أُولئِكَ الْمُعَلِّمِينَ الْمُتَوَهِّمِينَ يَسِيرُونَ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي سَارَ فِيهَا أَهْلُ تِلْكَ الْمُدُنِ. إِذْ يُلَوِّثُونَ أَجْسَادَهُمْ بِالنَّجَاسَةِ، وَيَحْتَقِرُونَ السِّيَادَةَ الإِلَهِيَّةَ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِالإِهَانَةِ عَلَى الْكَائِنَاتِ الْمَجِيدَةِ! فَحَتَّى مِيخَائِيلُ، وَهُوَ رَئِيسُ مَلائِكَةٍ، لَمْ يَجْرُؤْ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى إِبْلِيسَ بِكَلامٍ مُهِينٍ عِنْدَمَا خَاصَمَهُ وَتَجَادَلَ مَعَهُ بِخُصُوصِ جُثْمَانِ مُوسَى، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِالْقَوْلِ لَهُ: «لِيَزْجُرْكَ الرَّبُّ!» 10 وَلَكِنَّ هَؤُلاءِ الْمُعَلِّمِينَ يَتَكَلَّمُونَ كَلاماً مُهِيناً عَلَى أُمُورٍ لَا يَعْرِفُونَهَا. وَأَمَّا مَا يَفْهَمُونَهُ بِالْغَرِيزَةِ، كَالْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْعَاقِلَةِ، فَإِنَّهُمْ بِهِ يُدَمِّرُونَ أَنْفُسَهُمْ. 11 الْوَيْلُ لَهُمْ! لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ، وَانْدَفَعُوا إِلَى ارْتِكَابِ خَطِيئَةِ بَلْعَامَ طَلَباً لِلْمَالِ، وَتَمَرَّدُوا كَمَا تَمَرَّدَ قُورَحُ، فَدَمَّرُوا أَنْفُسَهُمْ. 12 إِنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ مَعَكُمْ فِي وَلائِمِ الْمَحَبَّةِ دُونَ خَجَلٍ، وَلَكِنَّهُمْ كَصُخُورٍ تُعِيقُكُمْ. لَا هَمَّ لَهُمْ سِوَى إِشْبَاعِ أَنْفُسِهِمْ! إِنَّهُمْ يُشْبِهُونَ غُيُوماً بِلا مَطَرٍ تَسُوقُهَا الرِّيَاحُ، وَأَشْجَاراً خَرِيفِيَّةً بِلا ثَمَرٍ، يَقْتَلِعُهَا أَصْحَابُهَا، فَتَكُونُ قَدْ مَاتَتْ مَرَّتَيْنِ. 13 وَبِأَعْمَالِهِمِ الْمُخْجِلَةِ يَفْضَحُونَ أَنْفُسَهُمْ كَأَمْوَاجٍ فِي الْبَحْرِ هَائِجَةٍ تَقْذِفُ الأَوْسَاخَ. وَهُمْ أَشْبَهُ بِنُجُومٍ تَائِهَةٍ فِي الْفَضَاءِ، مَصِيرُهَا الظَّلامُ الشَّدِيدُ إِلَى الأَبَدِ! 14 عَنْ هؤُلاءِ وَأَمْثَالِهِمْ، تَنَبَّأَ أَخْنُوخُ السَّابِعُ بَعْدَ آدَمَ، فَقَالَ: «انْظُرُوا إِنَّ الرَّبَّ آتٍ بِصُحْبَةِ عَشَرَاتِ الأُلُوفِ مِنْ قِدِّيسِيهِ، 15 لِيَدِينَ جَمِيعَ النَّاسِ، وَيُوَبِّخَ جَمِيعَ الأَشْرَارِ الَّذِينَ لَا يَهَابُونَ اللهَ، بِسَبَبِ جَمِيعِ أَعْمَالِهِمِ الشِّرِّيرَةِ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا وَجَمِيعِ أَقْوَالِهِمِ الْقَاسِيَةِ الَّتِي أَهَانُوهُ بِها وَالَّتِي لَا تَصْدُرُ إِلّا عَنِ الْخَاطِئِينَ الأَشْرَارِ غَيْرِ الأَتْقِيَاءِ!»

16 وَهؤُلاءِ الْمُعَلِّمُونَ يَتَذَمَّرُونَ وَيَشْكُونَ دَائِماً وَفِيمَا هُمْ يَنْدَفِعُونَ وَرَاءَ شَهْوَاتِهِمْ، يُطْلِقُونَ أَلْسِنَتَهُمْ مُتَحَدِّثِينَ بِأُمُورٍ طَنَّانَةٍ، وَيَمْدَحُونَ مَنْ يُعْجِبُهُمْ طَلَباً لِلْمَنْفَعَةِ!

دعوة للثبات

17 أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، فَاذْكُرُوا دَائِماً مَا قَالَهُ رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 18 فَقَدْ سَبَقَ أَنْ نَبَّهُوكُمْ إِلَى أَنَّهُ، فِي نِهَايَةِ الزَّمَانِ، سَيَطْلُعُ مُسْتَهْزِئُونَ يَعِيشُونَ مُنْغَمِسِينَ فِي شَهْوَاتِهِمِ الْفَاسِقَةِ. 19 هؤُلاءِ هُمُ الَّذِينَ يُسَبِّبُونَ الانْشِقَاقَ، وَيَنْسَاقُونَ وَرَاءَ غَرَائِزِهِمِ الْحَيَوَانِيَّةِ، وَلَيْسَ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهِمْ!

20 وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، وَصَلُّوا دَائِماً فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ. 21 وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ إِذْ يَعُودُ وَيَأْخُذُكُمْ لِتَحْيَوْا مَعَهُ إِلَى الأَبَدِ. 22 بَعْضُ النَّاسِ يَجِبُ أَنْ تُعَامِلُوهُمْ بِشَفَقَةٍ بِسَبَبِ شُكُوكِهِمْ. 23 وَبَعْضُهُمْ يَجِبُ أَنْ تُنْقِذُوهُمْ مِنَ النَّارِ خَطْفاً. وَآخَرُونَ يَجِبُ أَنْ تُعَالِجُوهُمْ بِشَفَقَةٍ وَحَذَرٍ، مُبْغِضِينَ حَتَّى الثِّيَابَ الَّتِي يُلَوِّثُونَهَا بِأَجْسَادِهِمْ.

ختام

24 وَلِلْقَادِرِ أَنْ يَحْرُسَكُمْ مِنَ السُّقُوطِ حَتَّى يُوصِلَكُمْ إِلَى الْمُثُولِ أَمَامَهُ فِي الْمَجْدِ مُبْتَهِجِينَ وَلا عَيْبَ فِيكُمْ. 25 لِلهِ الْوَاحِدِ، مُخَلِّصِنَا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا الْمَجْدُ وَالْجَلالُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَةُ، مِنْ قَبْلِ أَنْ كَانَ الزَّمَانُ، وَالآنَ وَطَوَالَ الأَزْمَانِ. آمِين!