داود في عدلام والمصفاة

22 وَهَرَبَ دَاوُدُ مِنْ جَتَّ وَلَجَأَ إِلَى مَغَارَةِ عَدُلَّامَ، فَلَمَّا سَمِعَ إِخْوَتُهُ وَسَائِرُ بَيْتِ أَبِيهِ بِوُجُودِهِ هُنَاكَ جَاءُوا إِلَيْهِ. وَانْضَمَّ إِلَيْهِ نَحْوَ أَرْبَعِ مِئَةِ رَجُلٍ مِنَ الْمُتَضَايِقِينَ وَالْمَدْيُونِينَ وَالثَّائِرِينَ، فَتَرَأَّسَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ انْتَقَلَ دَاوُدُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى مِصْفَاةِ مُوآبَ، وَقَالَ لِمَلِكِ مُوآبَ: «دَعْ أَبِي وَأُمِّي فِي عُهْدَتِكُمْ رَيْثَمَا أَعْلَمُ مَا يَصْنَعُ بِيَ اللهُ». فَأَوْدَعَهُمَا عِنْدَ مَلِكِ مُوآبَ، فَأَقَامَا عِنْدَهُ طَوَالَ مُدَّةِ إِقَامَةِ دَاوُدَ فِي الْحِصْنِ. فَقَالَ جَادٌ النَّبِيُّ لِدَاوُدَ «لا تُقِمْ فِي الْحِصْنِ، بَلِ امْضِ وَادْخُلْ أَرْضَ يَهُوذَا». فَانْتَقَلَ دَاوُدُ إِلَى غَابَةِ حَارِثٍ.

شاول يقتل كهنة نوب

وَبَلَغَ شَاوُلَ مَا أَصَابَ دَاوُدَ وَرِجَالَهُ مِنْ شُهْرَةٍ. وَكَانَ شَاوُلُ آنَئِذٍ مُقِيماً فِي جِبْعَةَ، يَجْلِسُ تَحْتَ الأَثْلَةِ فِي الرَّامَةِ مُحَاطاً بِأَفْرَادِ حَاشِيَتِهِ، وَرُمْحُهُ بِيَدِهِ. فَقَالَ شَاوُلُ لِرِجَالِهِ: «اسْتَمِعُوا يَا بِنْيَامِينِيُّونَ: أَلَعَلَّ ابْنَ يَسَّى يُعْطِيكُمْ جَمِيعاً حُقُولاً وَكُرُوماً أَوْ يَجْعَلُكُمْ جَمِيعاً رُؤَسَاءَ عَلَى أُلُوفِ الْجُنُودِ أَوْ عَلَى مِئَاتٍ مِنْهُمْ، حَتَّى تَحَالَفْتُمْ كُلُّكُمْ عَلَيَّ، فَلَمْ يُخْبِرْنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَبْرَمَهُ ابْنِي مَعَ ابْنِ يَسَّى، وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ مَنْ يَأْسَى لِي أَوْ يُنْبِئُنِي بِأَنَّ ابْنِي قَدْ أَثَارَ خَادِمِي لِيَكْمُنَ لِي كَمَا يَفْعَلُ الْيَوْمَ؟» فَأَجَابَ دُوَاغُ الأَدُومِيُّ الَّذِي كَانَ وَاقِفاً بَيْنَ حَاشِيَةِ شَاوُلَ: «لَقَدْ شَاهَدْتُ ابْنَ يَسَّى قَادِماً إِلَى نُوبٍ إِلَى أَخِيمَالِكَ بْنِ أَخِيطُوبَ 10 فَاسْتَشَارَ لَهُ الرَّبَّ وَزَوَّدَهُ بِطَعَامٍ وَأَعْطَاهُ سَيْفَ جُلْيَاتَ».

مصرع أخيمالك والكهنة

11 فَاسْتَدْعَى الْمَلِكُ أَخِيمَالِكَ وَبَقِيَّةَ بَيْتِ أَبِيهِ مِنْ كَهَنَةِ نُوبٍ، فَأَقْبَلُوا جَمِيعاً إِلَى الْمَلِكِ. 12 فَقَالَ شَاوُلُ: «اسْمَعْ يَا ابْنَ أَخِيطُوبَ». فَأَجَابَ: «نَعَمْ يَا سَيِّدِي». 13 فَقَالَ لَهُ شَاوُلُ: «لِمَاذَا اتَّفَقْتُمْ عَلَيَّ أَنْتَ وَابْنُ يَسَّى بِتَزْوِيدِكَ إِيَّاهُ بِالْخُبْزِ وَبِإِعْطَائِهِ سَيْفاً، وَاسْتَشَرْتَ لَهُ اللهَ لِيَثُورَ عَلَيَّ وَيَكْمُنَ لِي كَمَا يَفْعَلُ هَذَا الْيَوْمَ؟» 14 فَأَجَابَ أَخِيمَالِكُ: «أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ رِجَالِكَ مِثْلُ دَاوُدَ أَمِينٌ وَصِهْرُ الْمَلِكِ وَقَائِدُ حَرَسِهِ وَذُو مَكَانَةٍ رَفِيعَةٍ فِي بَيْتِكَ؟ 15 فَهَلْ هَذِهِ هِيَ أَوَّلُ مَرَّةٍ أَسْتَشِيرُ لَهُ فِيهَا اللهَ؟ مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَتَّهِمَنِي الْمَلِكُ أَوْ يَتَّهِمَ جَمِيعَ بَيْتِ أَبِي بِارْتِكَابِ شَيْءٍ». 16 فَقَالَ الْمَلِكُ: «إِنَّكَ لَا مَحَالَةَ مَائِتٌ يَا أَخِيمَالِكُ، أَنْتَ وَجَمِيعُ بَيْتِ أَبِيكَ». 17 وَأَمَرَ الْمَلِكُ حُرَّاسَهُ الْمَاثِلِينَ لَدَيْهِ: «هَيَّا أَحِيطُوا بِكَهَنَةِ الرَّبِّ وَاقْتُلُوهُمْ، لأَنَّهُمْ أَيْضاً قَدْ تَحَالَفُوا مَعَ دَاوُدَ، وَلأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ كَانَ هَارِباً فَلَمْ يُخْبِرُونِي». فَلَمْ يَرْضَ حُرَّاسُ الْمَلِكِ أَنْ يَقْتُلُوا كَهَنَةَ الرَّبِّ. 18 فَأَمَرَ الْمَلِكُ دُوَاغَ قَائِلاً: «دُرْ أَنْتَ وَاقْتُلِ الْكَهَنَةَ». فَهَجَمَ دُوَاغُ الأَدُومِيُّ عَلَى الْكَهَنَةِ وَقَتَلَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خَمْسَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً لابِسِي أَفُودِ كَتَّانٍ. 19 ثُمَّ اقْتَحَمَ نُوبَ مَدِينَةَ الْكَهَنَةِ وَقَتَلَ بِحَدِّ السَّيْفِ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ وَالرُّضَّعَ وَالثِّيرَانَ وَالْحَمِيرَ وَالْغَنَمَ.

نجاة أبياثار بن أخيمالك

20 وَلَمْ يَنْجُ سِوَى ابْنٍ وَاحِدٍ لأَخِيمَالِكَ بْنِ أَخِيطُوبَ يُدْعَى أَبِيَاثَارَ الَّذِي لَجَأَ إِلَى دَاوُدَ، 21 وَأَخْبَرَهُ أَنَّ شَاوُلَ قَدْ قَتَلَ كَهَنَةَ الرَّبِّ. 22 فَقَالَ دَاوُدُ لأَبِيَاثَارَ: «عِنْدَمَا رَأَيْتُ دُوَاغَ هُنَاكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَدْرَكْتُ أَنَّهُ لابُدَّ أَنْ يُخْبِرَ شَاوُلَ. أَنَا هُوَ السَّبَبُ فِي مَوْتِ أَفْرَادِ بَيْتِ أَبِيكَ. 23 امْكُثْ مَعِي، لَا تَخَفْ، فَالرَّجُلُ الَّذِي يَسْعَى لِقَتْلِكَ يَسْعَى لِقَتْلِي أَيْضاً، فَأَقِمْ عِنْدِي بِأَمَانٍ».

داود ينقذ قعيلة

23 وَقِيلَ لِدَاوُدَ: «هَا الْفِلِسْطِينِيُّونَ يُهَاجِمُونَ قَعِيلَةَ وَيَنْهَبُونَ بَيَادِرَ قَمْحِهَا» فَسَأَلَ الرَّبَّ: «هَلْ أَمْضِي لِمُحَارَبَةِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ؟» فَأَجَابَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ وَحَارِبْهُمْ وَأَنْقِذْ قَعِيلَةَ». وَلَكِنَّ رِجَالَ دَاوُدَ قَالُوا: «إِنْ كَانَ الْخَوْفُ يَسْتَبِدُّ بِنَا وَنَحْنُ هُنَا فِي يَهُوذَا، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِذَا انْطَلَقْنَا إِلَى قَعِيلَةَ لِمُحَارَبَةِ جُيُوشِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ؟» فَعَادَ دَاوُدُ يَسْتَشِيرُ الرَّبَّ، فَأَجَابَهُ: «قُمِ انْزِلْ إِلَى قَعِيلَةَ، فَإِنَّنِي أُسَلِّمُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ إِلَى يَدِكَ». فَمَضَى دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إِلَى قَعِيلَةَ حَيْثُ حَارَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَاسْتَوْلَى عَلَى مَوَاشِيهِمْ وَهَزَمَهُمْ هَزِيمَةً مُنْكَرَةً وَأَنْقَذَ أَهْلَ قَعِيلَةَ. وَكَانَ أَبِيَاثَارُ بْنُ أَخِيمَالِكَ قَدْ حَمَلَ مَعَهُ أَفُوداً عِنْدَ هُرُوبِهِ إِلَى دَاوُدَ.

شاول يتعقب داود

فَقِيلَ لِشَاوُلَ إِنَّ دَاوُدَ قَدْ قَدِمَ إِلَى قَعِيلَةَ، فَقَالَ شَاوُلُ: «قَدْ أَسْلَمَهُ اللهُ إِلَى يَدِي، لأَنَّهُ لَجَأَ إِلَى مَدِينَةٍ ذَاتِ بَوَّابَاتٍ وَأَرْتَاجٍ». وَاسْتَدْعَى شَاوُلُ قُوَّاتِهِ لِلإحَاطَةِ بِالْمَدِينَةِ وَمُحَاصَرَةِ دَاوُدَ وَرِجَالِهِ. وَلَمَّا أَدْرَكَ دَاوُدُ أَنَّ شَاوُلَ يَتَآمَرُ عَلَيْهِ، قَالَ لأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنِ: «أَحْضِرِ الأَفُودَ». 10 ثُمَّ صَلَّى دَاوُدُ: «يَا رَبُّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ، إِنَّ عَبْدَكَ قَدْ سَمِعَ أَنَّ شَاوُلَ يُحَاوِلُ أَنْ يُحَاصِرَ قَعِيلَةَ لِيُدَمِّرَهَا 11 فَأَعْلِمْنِي هَلْ يُسَلِّمُنِي أَهْلُ قَعِيلَةَ لِشَاوُلَ؟ وَهَلْ شَاوُلُ حَقّاً قَادِمٌ إِلَى قَعِيلَةَ كَمَا قِيلَ لِعَبْدِكَ؟ يَا رَبُّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ أَخْبِرْ عَبْدَكَ». فَأَجَابَ الرَّبُّ: «إِنَّهُ قَادِمٌ». 12 وَعَادَ دَاوُدُ يَسْأَلُ: «هَلْ يُسَلِّمُنِي أَهْلُ قَعِيلَةَ مَعَ رِجَالِي لِشَاوُلَ؟» فَأَجَابَ الرَّبُّ: «يُسَلِّمُونَ». 13 فَغَادَرَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ السِّتُّ مِئَةٍ قَعِيلَةَ وَهَامُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ. فَأُخْبِرَ شَاوُلُ بِانْسِحَابِ دَاوُدَ مِنْ قَعِيلَةَ، فَعَدَلَ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَيْهَا بِقُوَّاتِهِ. 14 وَلَجَأَ دَاوُدُ إِلَى حُصُونِ بَرِّيَّةِ زِيفٍ وَمَكَثَ فِي جَبَلِهَا. وَظَلَّ شَاوُلُ يَتَعَقَّبُهُ طَوَالَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ الرَّبَّ لَمْ يُسَلِّمْهُ لِيَدِهِ.

15 وَبَيْنَمَا كَانَ دَاوُدُ مُخْتَبِئاً فِي غَابَةٍ فِي بَرِّيَّةِ زِيفٍ عَلِمَ أَنَّ شَاوُلَ قَدْ خَرَجَ يَبْحَثُ عَنْهُ، 16 فَأَقْبَلَ يُونَاثَانُ بْنُ شَاوُلَ إِلَى دَاوُدَ فِي الْغَابَةِ لِيُقَوِّيَ مِنْ ثِقَتِهِ بِاللهِ، 17 وَقَالَ لَهُ: «لا تَخَفْ، لأَنَّ يَدَ شَاوُلَ أَبِي لَنْ تَطُولَكَ. وَأَنْتَ سَتَكُونُ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَأَنَا أَكُونُ الرَّجُلَ الثَّانِي فِي الْمَمْلَكَةِ. وَأَبِي أَيْضاً يَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ». 18 وَجَدَّدَا عَهْدَهُمَا أَمَامَ الرَّبِّ. وَمَضَى يُونَاثَانُ إِلَى بَيْتِهِ، أَمَّا دَاوُدُ فَمَكَثَ فِي الْغَابَةِ.

19 وَجَاءَ الزِّيفِيُّونَ إِلَى شَاوُلَ فِي جِبْعَةَ وَقَالُوا: «أَلَيْسَ دَاوُدُ مُخْتَبِئاً عِنْدَنَا فِي حُصُونِ الْغَابَةِ فِي حَخِيلَةَ جَنُوبِيَّ الصَّحْرَاءِ، 20 فَتَعَالَ إِلَيْنَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، فِي أَيِّ وَقْتٍ تَشَاءُ، وَنَحْنُ نَضْمَنُ أَنْ نُسَلِّمَهُ إِلَيْكَ». 21 فَأَجَابَهُمْ شَاوُلُ: «لِيُبَارِكْكُمُ الرَّبُّ لِرَأْفَتِكُمْ بِي؛ 22 فَاذْهَبُوا وَتَحَرَّوْا وَتَيَقَّنُوا مِنْ مَكَانِ وجُوُدِهِ وَإِقَامَتِهِ وَمَنْ رَآهُ هُنَاكَ، لأَنَّهُ قِيلَ لِي إِنَّ دَاوُدَ شَدِيدُ الْمَكْرِ. 23 وَتَأَكَّدُوا لِي مِن جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَخْتَبِئَ فِيهَا ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيَّ بِالْخَبَرِ الْيَقِينِ فَأَمْضِيَ مَعَكُمْ، إِنْ كَانَ حَقّاً مَوْجُوداً، فَأَبْحَثُ عَنْهُ بَيْنَ عَشَائِرِ يَهُوذَا».

24 فَانْطَلَقُوا إِلَى زِيفٍ مُتَقَدِّمِينَ أَمَامَ شَاوُلَ. وَكَانَ دَاوُدُ آنَئِذٍ فِي سَهْلِ بَرِّيَّةِ مَعُونٍ جَنُوبِيَّ الصَّحْرَاءِ. 25 فَشَرَعَ رِجَالُ شَاوُلَ يَبْحَثُونَ عَنْهُ. فَبَلَغَ الْخَبَرُ دَاوُدَ فَتَوَغَّلَ فِي مِنْطَقَةِ الصُّخُورِ فِي بَرِّيَّةِ مَعُونٍ. وَعِنْدَمَا عَلِمَ شَاوُلُ بِذَلِكَ تَعَقَّبَهُ إِلَى هُنَاكَ. 26 فَكَانَ شَاوُلُ يَسِيرُ بِمُحَاذَاةِ أَحَدِ جَانِبَيِ الْجَبَلِ، وَدَاوُدُ وَرِجَالُهُ يَسِيرُونَ بِمُحَاذَاةِ الْجَانِبِ الآخَرِ هَرَباً مِنْ شَاوُلَ، الَّذِي سَعَى مَعَ قُوَّاتِهِ لِمُحَاصَرَةِ دَاوُدَ وَرِجَالِهِ لِيَأْسِرَهُمْ. 27 وَمَا لَبِثَ أَنْ وَفَدَ رَسُولٌ إِلَى شَاوُلَ قَائِلاً: «أَسْرِعْ! تَعَالَ، فَقَدِ اقْتَحَمَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ الْبِلادَ». 28 فَرَجَعَ شَاوُلُ عَنْ مُطَارَدَةِ دَاوُدَ وَذَهَبَ لِمُحَارَبَةِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، لِذَلِكَ دُعِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ «تَلَّ الْمُفَارَقَةِ». 29 وَتَوَجَّهَ دَاوُدُ مِنْ هُنَاكَ وَتَمَنَّعَ فِي حُصُونِ عَيْنِ جَدْيٍ.

داود يعفو عن شاول

24 وَبَعْدَ أَنْ رَجَعَ شَاوُلُ مِنْ مُطَارَدَةِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ قِيلَ لَهُ: «إِنَّ دَاوُدَ مُتَحَصِّنٌ فِي بَرِّيَّةِ عَيْنِ جَدْيٍ» فَحَشَدَ ثَلاثَةَ آلافِ رَجُلٍ مِنْ خِيرَةِ قُوَّاتِ إِسْرَائِيلَ وَسَعَى وَرَاءَ دَاوُدَ وَرِجَالِهِ فِي صُخُورِ الْوُعُولِ. وَدَخَلَ شَاوُلُ كَهْفاً عِنْدَ حَظِيرَةِ غَنَمٍ عَلَى الطَّرِيقِ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ، وَكَانَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ مُخْتَبِئِينَ فِي أَغْوَارِ الْكَهْفِ. فَقَالَ لَهُ رِجَالُهُ: «هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي وَعَدَكَ الرَّبُّ أَنْ يُسَلِّمَ فِيهِ عَدُوَّكَ إِلَيْكَ فَتَصْنَعُ بِهِ مَا تَشَاءُ». فَانْسَلَّ دَاوُدُ إِلَيْهِ وَقَطَعَ طَرَفَ جُبَّتِهِ سِرّاً. وَلَكِنْ مَا لَبِثَ قَلْبُهُ أَنْ وَبَّخَهُ عَلَى قَطْعِهِ طَرَفَ جُبَّةِ شَاوُلَ. فَقَالَ لِرِجَالِهِ: «مَعَاذَ اللهِ أَنْ أَقْتَرِفَ هَذَا الإِثْمَ بِحَقِّ سَيِّدِي الْمُخْتَارِ مِنَ الرَّبِّ فَأَمُدَّ يَدِي وَأُسِيءَ إِلَيْهِ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ مَسَحَهُ مَلِكاً». وَهَكَذَا زَجَرَ دَاوُدُ رِجَالَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلامِ، وَلَمْ يَدَعْهُمْ يُهَاجِمُونَ شَاوُلَ. وَمَا لَبِثَ شَاوُلُ أَنْ خَرَجَ مِنَ الْكَهْفِ وَمَضَى فِي سَبِيلِهِ، فَتَبِعَهُ دَاوُدُ إِلَى خَارِجِ الْكَهْفِ وَنَادَى: «يَا سَيِّدِي الْمَلِكُ». فَالْتَفَتَ شَاوُلُ خَلْفَهُ، فَانْحَنَى دَاوُدُ إِلَى الأَرْضِ سَاجِداً وَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْتَمِعُ إِلَى أَقَاوِيلِ النَّاسِ: إِنَّ دَاوُدَ قَدْ وَطَّدَ الْعَزْمَ عَلَى إِيْذَائِكَ. 10 هَا أَنْتَ قَدْ رَأَيْتَ الْيَوْمَ بِعَيْنَيْكَ كَيْفَ أَوْقَعَكَ الرَّبُّ فِي قَبْضَتِي عِنْدَمَا كُنْتَ فِي الْكَهْفِ، وَجَاءَ مَنْ يُحَرِّضُنِي عَلَى قَتْلِكَ، وَلَكِنِّي أَشْفَقْتُ عَلَيْكَ وَقُلْتُ: لا! لَنْ أَمُدَّ يَدِي بِالإِسَاءَةِ إِلَى سَيِّدِي، لأَنَّ الرَّبَّ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ. 11 فَانْظُرْ يَا أَبِي مَا بِيَدِي، إِنَّهُ طَرَفُ جُبَّتِكَ. إِنَّ قَطْعِي طَرَفَ جُبَّتِكَ وَعَدَمَ قَتْلِي إِيَّاكَ خَيْرُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّنِي لَمْ أَرْتَكِبْ شَرّاً أَوْ ذَنْباً، وَلَمْ أُخْطِئْ إِلَيْكَ، بَيْنَمَا أَنْتَ تَتَرَبَّصُ بِي لِتَقْتُلَنِي. 12 فَلْيَقْضِ الرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَيَنْتَقِمْ لِيَ الرَّبُّ مِنْكَ، أَمَّا أَنَا فَلَنْ أَمَسَّكَ بِسُوءٍ. 13 وَكَمَا قِيلَ فِي مَثَلِ الْقُدَمَاءِ: عَنِ الأَشْرَارِ يَصْدُرُ شَرٌّ، لِذَلِكَ فَإِنَّ يَدِي لَنْ تَنَالَكَ بأَذىً. 14 ثُمَّ وَرَاءَ مَنْ يَسْعَى مَلِكُ إِسْرَائِيلَ؟ مَنْ هُوَ الَّذِي تُطَارِدُهُ؟ أَتَسْعَى وَرَاءَ كَلْبٍ مَيْتٍ؟ وَرَاءَ بُرْغُوثٍ وَاحِدٍ؟ 15 لِيَكُنِ الرَّبُّ هُوَ الدَّيَّانُ فَيَقْضِيَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَيَتَوَلَّى قَضِيَّتِي وَيُبْرِئَنِي وَيُنْقِذَنِي مِنْ قَبْضَتِكَ».

16 فَلَمَّا فَرَغَ دَاوُدُ مِنَ الْكَلامِ تَسَاءَلَ شَاوُلُ: «أَهَذَا صَوْتُكَ يَا ابْنِي دَاوُدُ؟» وَارْتَفَعَ صَوْتُ شَاوُلَ بِالْبُكَاءِ. 17 ثُمَّ قَالَ لِدَاوُدَ: «إِنَّكَ حَقّاً أَبَرُّ مِنِّي لأَنَّكَ كَافَأْتَنِي خَيْراً وَأَنَا جَازَيْتُكَ شَرّاً. 18 وَأَبْدَيْتَ نَحْوِي خَيْراً إِذْ إِنَّ الرَّبَّ قَدْ أَوْقَعَنِي فِي قَبْضَتِكَ وَلَكِنَّكَ عَفَوْتَ عَنِّي. 19 أَيَعْفُو رَجُلٌ عَنْ عَدُوِّهِ وَيُطْلِقُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَقَعَ فِي قَبْضَتِهِ؟ فَلْيُكَافِئْكَ الرَّبُّ جَزَاءَ مَا صَنَعْتَ الْيَوْمَ مَعِي مِنْ خَيْرٍ. 20 لَقَدْ عَلِمْتُ الآنَ أَنَّكَ تُصْبِحُ مَلِكاً وَبِيَدِكَ تَثْبُتُ مَمْلَكَةُ إِسْرَائِيلَ. 21 فَاحْلِفْ لِيَ الآنَ بِالرَّبِّ أَنَّكَ لَا تُبِيدُ نَسْلِي مِنْ بَعْدِي وَلا تَقْضِي عَلَى اسْمِي مِنْ بَيْتِ أَبِي». 22 فَحَلَفَ دَاوُدُ لِشَاوُلَ ثُمَّ مَضَى شَاوُلُ إِلَى بَيْتِهِ، أَمَّا دَاوُدُ وَرِجَالُهُ فَالْتَجَأُوا إِلَى الْحِصْنِ.

تحذيرات وتشجيع

12 وَفِي تِلْكَ الأَثْنَاءِ، إِذِ احْتَشَدَ عَشَرَاتُ الأُلُوفِ مِنَ الشَّعْبِ حَتَّى دَاسَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، أَخَذَ يَقُولُ لِتَلامِيذِهِ أَوَّلاً: «احْذَرُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِي هُوَ النِّفَاقُ! فَمَا مِنْ مَسْتُورٍ لَنْ يُكْشَفَ، وَلا مِنْ سِرٍّ لَنْ يُعْرَفَ. لِذَلِكَ كُلُّ مَا قُلْتُمُوهُ فِي الظَّلامِ سَوْفَ يُسْمَعُ فِي النُّورِ، وَمَا تَحَدَّثْتُمْ بِهِ هَمْساً فِي الْغُرَفِ الدَّاخِلِيَّةِ سَوْفَ يُذَاعُ عَلَى سُطُوحِ الْبُيُوتِ.

عَلَى أَنِّي أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لَا تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ ثُمَّ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَفْعَلُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. وَلكِنِّي أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الْقَادِرِ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ بَعْدَ الْقَتْلِ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ، مِنْ هَذَا خَافُوا! أَمَا تُبَاعُ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ بِفَلْسَيْنِ؟ وَمَعَ ذلِكَ لَا يَنْسَى اللهُ وَاحِداً مِنْهَا. بَلْ إِنَّ شَعْرَ رُؤُوسِكُمْ كُلَّهُ مَعْدُودٌ. فَلا تَخَافُوا إِذَنْ، أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ! وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي أَمَامَ النَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضاً أَمَامَ مَلائِكَةِ اللهِ. وَمَنْ أَنْكَرَنِي أَمَامَ النَّاسِ، يُنْكَرْ أَمَامَ مَلائِكَةِ اللهِ. 10 وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً بِحَقِّ ابْنِ الإِنْسَانِ، يُغْفَرُ لَهُ. وَأَمَّا مَنْ ازْدَرَى بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ!

11 وَعِنْدَمَا يُؤْتَى بِكُمْ لِلْمُثُولِ أَمَامَ الْمَجَامِعِ وَالْحُكَّامِ وَالسُّلْطَاتِ، فَلا تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَاذَا تَرُدُّونَ، وَلا بِمَا تَقُولُونَ! 12 فَإِنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ سَيُلَقِّنُكُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ عَيْنِهَا مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوا».

مَثل الغني الغبي

13 وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ: «يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الإِرْثَ!» 14 وَلكِنَّهُ قَالَ لَهُ: «يَا إِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِياً أَوْ مُقَسِّماً؟» 15 وَقَالَ لِلْجَمْعِ: «احْذَرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ. فَمَتَى كَانَ الإِنْسَانُ فِي سِعَةٍ، لَا تَكُنْ حَيَاتُهُ فِي أَمْوَالِهِ». 16 وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً، قَالَ «إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَنْتَجَتْ لَهُ أَرْضُهُ مَحَاصِيلَ وَافِرَةً. 17 فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَعْمَلُ وَلَيْسَ عِنْدِي مَكَانٌ أَخْزِنُ فِيهِ مَحَاصِيلِي؟ 18 وَقَالَ: أَعْمَلُ هَذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ مِنْهَا، وَهُنَاكَ أَخْزِنُ جَمِيعَ غِلَالِي وَخَيْرَاتِي. 19 وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ، عِنْدَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ مَخْزُونَةٌ لِسِنِينَ عَدِيدَةٍ، فَاسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي! 20 وَلكِنَّ اللهَ قَالَ لَهُ: يَا غَبِيُّ، هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَلِمَنْ يَبْقَى مَا أَعْدَدْتَهُ؟ 21 هَذِهِ هِيَ حَالَةُ مَنْ يَخْزِنُ الْكُنُوزَ لِنَفْسِهِ وَلا يَكُونُ غَنِيًّا عِنْدَ اللهِ!»

لا تهتموا

22 ثُمَّ قَالَ لِتَلامِيذِهِ: «لِهَذَا السَّبَبِ أَقُولُ لَكُمْ: لَا تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ، وَلا لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَكْتَسُونَ. 23 إِنَّ الْحَيَاةَ أَكْثَرُ مِنْ مُجَرَّدِ طَعَامٍ، وَالْجَسَدَ أَكْثَرُ مِنْ مُجَرَّدِ كِسَاءٍ. 24 تَأَمَّلُوا الْغِرْبَانَ! فَهِيَ لَا تَزْرَعُ وَلا تَحْصُدُ، وَلَيْسَ عِنْدَهَا مَخْزَنٌ وَلا مُسْتَوْدَعٌ، بَلْ يَعُولُهَا اللهُ. فَكَمْ أَنْتُمْ أَفْضَلُ كَثِيراً مِنَ الطُّيُورِ. 25 وَلكِنْ، أَيٌّ مِنْكُمْ، إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُطِيلَ عُمْرَهُ وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 26 فَمَادُمْتُمْ غَيْرَ قَادِرِينَ وَلَوْ عَلَى أَصْغَرِ الأُمُورِ، فَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِالأُمُورِ الأُخْرَى؟ 27 تَأَمَّلُوا الزَّنَابِقَ كَيْفَ تَنْمُو! فَهِيَ لَا تَتْعَبُ وَلا تَغْزِلُ، وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: حَتَّى سُلَيْمَانُ فِي قِمَّةِ مَجْدِهِ لَمْ يَكْتَسِ مَا يُعَادِلُ وَاحِدَةً مِنْهَا بَهَاءً؟ 28 فَإِنْ كَانَ اللهُ يَكْسُو الْعُشْبَ ثَوْباً كَهَذَا، مَعَ أَنَّهُ يَكُونُ الْيَوْمَ فِي الْحَقْلِ وَغَداً يُطْرَحُ فِي التَّنُّورِ، فَكَمْ أَنْتُمْ أَوْلَى مِنَ الْعُشْبِ (بِأَنْ يَكْسُوَكُمُ اللهُ) يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ 29 فَعَلَيْكُمْ أَنْتُمْ أَلّا تَسْعَوْا إِلَى مَا تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ، وَلا تَكُونُوا قَلِقِينَ. 30 فَهذِهِ الْحَاجَاتُ كُلُّهَا تَسْعَى إِلَيْهَا أُمَمُ الْعَالَمِ، وَأَبُوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا. 31 إِنَّمَا اسْعَوْا إِلَى مَلَكُوتِهِ، فَتُزَادُ لَكُمْ هذِهِ كُلُّهَا.

Read full chapter