مِنْ سِمْعَانَ بُطْرُسَ، عَبْدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَرَسُولِهِ، إِلَى الَّذِينَ يُشَارِكُونَنَا فِي الإِيمَانِ الْوَاحِدِ الثَّمِينِ الَّذِي نَتَسَاوَى جَمِيعاً فِي الْحُصُولِ عَلَيْهِ بِبِرِّ إِلَهِنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ!

لِيَكُنْ لَكُمُ الْمَزِيدُ مِنَ النِّعْمَةِ وَالسَّلامِ بِفَضْلِ مَعْرِفَةِ اللهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا!

يقين الدعوة الإِلهية والاختيار

إِنَّ اللهَ، بِقُدْرَتِهِ الإِلَهِيَّةِ، قَدْ زَوَّدَنَا بِكُلِّ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْحَيَاةِ الرُّوحِيَّةِ الْمُتَّصِفَةِ بِالتَّقْوَى. ذَلِكَ أَنَّهُ عَرَّفَنَا بِالْمَسِيحِ الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ وَفَضِيلَتِهِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا أَعْطَانَا اللهُ بَرَكَاتِهِ الْعُظْمَى الثَّمِينَةَ الَّتِي كَانَ قَدْ وَعَدَ بِها. وَبِهَذَا صَارَ بِإِمْكَانِكُمْ أَنْ تَتَخَلَّصُوا مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي تَنْشُرُهُ الشَّهْوَةُ فِي الْعَالَمِ، وَتَشْتَرِكُوا فِي الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ. فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، عَلَيْكُمْ أَنْ تَبْذُلُوا كُلَّ اجْتِهَادٍ وَنَشَاطٍ فِي مُمَارَسَةِ إِيمَانِكُمْ حَتَّى يُؤَدِّيَ بِكُمْ إِلَى الْفَضِيلَةِ. وَأَقْرِنُوا الْفَضِيلَةَ بِالتَّقَدُّمِ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَالْمَعْرِفَةَ بِضَبْطِ النَّفْسِ، وَضَبْطَ النَّفْسِ بِالصَّبْرِ، وَالصَّبْرَ بِالتَّقْوَى، وَالتَّقْوَى بِالْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ، وَالْمَوَدَّةَ الأَخَوِيَّةَ بِالْمَحَبَّةِ. فَحِينَ تَكُونُ هَذِهِ الصِّفَاتُ الطَّيِّبَةُ فِي دَاخِلِكُمْ، وَتَزْدَادُ بِوَفْرَةٍ، تَجْعَلُكُمْ مُجْتَهِدِينَ وَمُثْمِرِينَ فِي مَعْرِفَتِكُمْ لِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. أَمَّا الَّذِي لَا يَمْلِكُ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَهُوَ أَعْمَى رُوحِيًّا. إِنَّهُ قَصِيرُ الْبَصَرِ، قَدْ نَسِيَ أَنَّهُ تَطَهَّرَ مِنْ خَطَايَاهُ الْقَدِيمَةِ! 10 فَأَحْرَى بِكُمْ إِذَنْ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنْ تَجْتَهِدُوا لِتُثْبِتُوا عَمَلِيًّا أَنَّ اللهَ قَدْ دَعَاكُمْ وَاخْتَارَكُمْ حَقّاً. فَإِنَّكُمْ، إِنْ فَعَلْتُمْ هَذَا، لَنْ تَسْقُطُوا أَبَداً! 11 وَهَكَذَا يَفْتَحُ اللهُ لَكُمُ الْبَابَ وَاسِعاً لِلدُّخُولِ إِلَى الْمَلَكُوتِ الأَبَدِيِّ، مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.

نبوءة الكتاب

12 لِذَلِكَ أَنْوِي أَنْ أُذَكِّرَكُمْ دَائِماً بِهذِهِ الأُمُورِ، وَإِنْ كُنْتُمْ عَالِمِينَ بِها، وَرَاسِخِينَ فِي الْحَقِّ الَّذِي عِنْدَكُمْ. 13 فَمَادُمْتُ فِي خَيْمَةِ جِسْمِي هَذِهِ، أَرَى مِنْ وَاجِبِي أَنْ أُنَبِّهَكُمْ مُذَكِّراً. 14 فَأَنَا أَعْلَمُ أَن خَيْمَتِي سَتُطْوَى بَعْدَ وَقْتٍ قَصِيرٍ، كَمَا سَبَقَ أَنْ أَعْلَنَ لِي رَبُّنَا يَسُوعُ الْمَسِيحُ. 15 وَلِهَذَا، أَجْتَهِدُ الآنَ فِي تَذْكِيرِكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَتَذَكَّرُوهَا دَائِماً بَعْدَ رَحِيلِي.

شهادة الرسل الثابتة

16 فَنَحْنُ، عِنْدَمَا أَخْبَرْنَاكُمْ بِقُدْرَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَبِعَوْدَتِهِ الْمَجِيدَةِ، لَمْ نَكُنْ نَنْقُلُ عَنْ أَسَاطِيرَ مُخْتَلَقَةٍ بِمَهَارَةٍ. وَإِنَّمَا، تَكَلَّمْنَا بِاعْتِبَارِنَا شُهُودَ عَيَانٍ لِعَظَمَةِ الْمَسِيحِ. 17 فَإِنَّهُ قَدْ نَالَ مِنَ اللهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْداً، إِذْ جَاءَهُ مِنَ الْمَجْدِ الْفَائِقِ صَوْتٌ يَقُولُ: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ كُلَّ سُرُورٍ!» 18 وَنَحْنُ أَنْفُسُنَا قَدْ سَمِعْنَا هَذَا الصَّوْتَ الصَّادِرَ مِنَ السَّمَاءِ لَمَّا كُنَّا مَعَهُ عَلَى الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ. 19 وَهَكَذَا، صَارَتِ الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ أَكْثَرَ ثَبَاتاً عِنْدَنَا. فَحَسَناً تَفْعَلُونَ إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي قُلُوبِكُمْ. إِذْ إِنَّهَا أَشْبَهُ بِمِصْبَاحٍ يُضِيءُ فِي مَكَانٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَطَلَعَ النَّهَارُ وَيَظْهَرَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ. 20 وَلَكِنْ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، اعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ نُبُوءَةٍ وَارِدَةٍ فِي الْكِتَابِ لَا تُفَسَّرُ بِاجْتِهَادٍ خَاصٍّ. 21 إِذْ لَمْ تَأْتِ نُبُوءَةٌ قَطُّ بِإِرَادَةٍ بَشَرِيَّةٍ، بَلْ تَكَلَّمَ بِالنُّبُوءاتِ جَمِيعاً رِجَالُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَدْفُوعِينَ بِوَحْيِ الرُّوحِ الْقُدُسِ.

المعلمون الدجالون وتدميرهم

وَلَكِنْ، كَمَا كَانَ فِي الشَّعْبِ قَدِيماً أَنْبِيَاءُ دَجَّالُونَ، كَذَلِكَ سَيَكُونُ بَيْنَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً مُعَلِّمُونَ دَجَّالُونَ. هَؤُلاءِ سَيَدُسُّونَ بِدَعاً مُهْلِكَةً، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ لِنَفْسِهِ. وَبِذَلِكَ يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ دَمَاراً سَرِيعاً. وَكَثِيرُونَ سَيَسِيرُونَ وَرَاءَهُمْ فِي طُرُقِ الإِبَاحِيَّةِ. وَبِسَبَبِهِمْ تُوَجَّهُ الإِهَانَةُ إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ. وَبِدَافِعِ الطَّمَعِ، يُتَاجِرُونَ بِكُمْ بِالأَقْوَالِ الْمُحَرَّفَةِ الْمُصْطَنَعَةِ.

عبرة الماضي

إِلّا أَنَّ الدَّيْنُونَةَ تَتَعَقَّبُ هَؤُلاءِ مُنْذُ الْقَدِيمِ، وَهَلاكَهُمْ لَا يَتَوَانَى. فَإِنَّ اللهَ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى الْمَلائِكَةِ الَّذِينَ أَخْطَأُوا، بَلْ طَرَحَهُمْ فِي أَعْمَاقِ هَاوِيَةِ الظَّلامِ مُقَيَّدِينَ بِالسَّلاسِلِ، حَيْثُ يَظَلُّونَ مَحْبُوسِينَ إِلَى يَوْمِ الْحِسَابِ. كَذَلِكَ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى الْعَالَمِ الْقَدِيمِ عِنْدَمَا أَحْدَثَ الطُّوفَانَ عَلَى عَالَمِ الْفَاجِرِينَ، إِلّا أَنَّهُ حَفِظَ نُوحاً الْمُنَادِيَ بِبِرِّ اللهِ وَعَدْلِهِ. وَكَانَ نُوحٌ وَاحِداً مِنْ ثَمَانِيَةِ أَشْخَاصٍ نَجَوْا مِنَ الطُّوفَانِ. وَإِذْ حَكَمَ اللهُ عَلَى مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ بِالْخَرَابِ، حَوَّلَهُمَا إِلَى رَمَادٍ، جَاعِلاً مِنْهُمَا عِبْرَةً لِلَّذِينَ يَعِيشُونَ حَيَاةً فَاجِرَةً. وَلَكِنَّهُ أَنْقَذَ لُوطاً الْبَارَّ، الَّذِي كَانَ مُتَضَايِقاً جِدّاً مِنْ سُلُوكِ أَشْرَارِ زَمَانِهِ فِي الدَّعَارَةِ. فَإِذْ كَانَ سَاكِناً بَيْنَهُمْ، وَهُوَ رَجُلٌ بَارٌّ، كَانَتْ نَفْسُهُ الزَّكِيَّةُ تَتَأَلَّمُ يَوْمِيًّا مِنْ جَرَائِمِهِمِ الَّتِي كَانَ يَرَاهَا أَوْ يَسْمَعُ بِها. وَهَكَذَا نَرَى أَنَّ الرَّبَّ يَعْرِفُ أَنْ يُنْقِذَ الأَتْقِيَاءَ مِنَ الْمِحْنَةِ، وَيَحْفَظَ الأَشْرَارَ مَحْبُوسِينَ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِالْعِقَابِ فِي يَوْمِ الدَّيْنُونَةِ. 10 وَمَا أَشَدَّ الْعِقَابَ، وَبِخَاصَّةٍ عَلَى الَّذِينَ يَنْجَرِفُونَ وَرَاءَ الْمُيُولِ الجَسَدِيَّةِ، مُسْتَجِيبِينَ لِشَهْوَةِ النَّجَاسَةِ، وَمُحْتَقِرِينَ سِيَادَةَ اللهِ! ثُمَّ إِنَّهُمْ وَقِحُونَ، مُعْجِبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، لَا يَخَافُونَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالشَّتْمِ وَالإِهَانَةِ عَلَى أَصْحَابِ الأَمْجَادِ. 11 وَمَعَ ذَلِكَ، فَحَتَّى الْمَلائِكَةُ، وَهُمْ يَتَفَوَّقُونَ عَلَيْهِمْ فِي الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ، لَا يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِمْ أَمَامَ الرَّبِّ أَيَّةَ تُهْمَةٍ مُهِينَةٍ.

12 حَقّاً إِنَّ هَؤُلاءِ الْمُعَلِّمِينَ الدَّجَّالِينَ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ كَلاماً مُهِيناً فِي أُمُورٍ يَجْهَلُونَهَا، يُشْبِهُونَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُفْتَرِسَةَ غَيْرَ الْعَاقِلَةِ، الْمَوْلُودَةَ لِيَصْطَادَهَا النَّاسُ وَيَقْتُلُوهَا. فَلابُدَّ أَنْ يَهْلِكُوا مِثْلَهَا. 13 وَبِذَلِكَ يَنَالُونَ أُجْرَةَ إِثْمِهِمْ! إِنَّهُمْ يَحْسَبُونَ الانْغِمَاسَ فِي اللَّذَّاتِ طُولَ النَّهَارِ بَهْجَةً عَظِيمَةً. فَهُمْ أَدْنَاسٌ وَعُيُوبٌ: يَتَلَذَّذُونَ بِالنَّجَاسَةِ وَيُحَاوِلُونَ خِدَاعَكُمْ، فَيَشْتَرِكُونَ مَعَكُمْ فِي الْوَلائِمِ. 14 عُيُونُهُمْ لَا تَنْظُرُ إِلّا نَظَرَاتِ الزِّنَى، وَلا تَشْبَعُ مِنَ الْخَطِيئَةِ. وَكَمْ مِنْ نُفُوسٍ ضَعِيفَةٍ تَقَعُ فِي فِخَاخِهِمْ! أَمَّا قُلُوبُهُمْ، فَقَدْ تَدَرَّبَتْ عَلَى الشَّهْوَةِ وَالطَّمَعِ. إِنَّهُمْ حَقّاً أَبْنَاءُ اللَّعْنَةِ! 15 وَإِذْ خَرَجُوا عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، ضَلُّوا. فَهُمْ سَائِرُونَ فِي طَرِيقِ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ، الَّذِي أَحَبَّ الْحُصُولَ عَلَى الْمَالِ أُجْرَةً لإِثْمِهِ. 16 وَلَكِنَّهُ تَوَبَّخَ عَلَى هذِهِ الْمُخَالَفَةِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا. إِذْ إِنَّ الْحِمَارَ الأَبْكَمَ نَطَقَ بِصَوْتٍ بَشَرِيٍّ، فَوَضَعَ حَدّاً لِحَمَاقَةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ! 17 فَلَيْسَ هَؤُلاءِ إِلّا آبَاراً لَا مَاءَ فِيهَا، وَغُيُوماً تَسُوقُهَا الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ. وَيَا لَهُ مِنْ مَصِيرٍ مُرْعِبٍ مَحْجُوزٍ لَهُمْ فِي الظَّلامِ الأَبَدِيِّ الْقَاتِمِ! 18 يَنْطِقُونَ بِأَقْوَالٍ طَنَّانَةٍ فَارِغَةٍ، مُشَجِّعِينَ عَلَى الانْغِمَاسِ فِي الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ بِمُمَارَسَةِ الدَّعَارَةِ، فَيَصْطَادُونَ مَنْ كَانُوا قَدْ بَدَأُوا يَنْفَصِلُونَ عَنْ رِفَاقِ السُّوءِ الَّذِينَ يَسْلُكُونَ فِي الضَّلالِ. 19 يَعِدُونَ هَؤُلاءِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ عَبِيدٌ لِلْفَسَادِ! لأَنَّ الإِنْسَانَ يَصِيرُ عَبْداً لِكُلِّ مَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ وَيَغْلِبُهُ. 20 فَإِنَّ الَّذِينَ يَبْتَعِدُونَ عَنْ نَجَاسَاتِ الْعَالَمِ بَعْدَ أَنْ يَتَعَرَّفُوا بِالرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، ثُمَّ يَعُودُونَ وَيَتَوَرَّطُونَ بِها، تَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ تِلْكَ النَّجَاسَاتُ، فَتَصِيرُ نِهَايَتُهُمْ أَشَرَّ مِنْ بِدَايَتِهِمْ. 21 وَبِالْحَقِيقَةِ، كَانَ أَفْضَلَ لَهُمْ لَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَرَّفُوا بِطَرِيقِ الْبِرِّ، مِنْ أَنْ يَتَعَرَّفُوا بِهِ ثُمَّ يَرْتَدُّوا عَنِ الْوَصِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي تَسَلَّمُوهَا. 22 وَيَنْطَبِقُ عَلَى هَؤُلاءِ مَا يَقُولُهُ الْمَثَلُ الصَّادِقُ: «عَادَ الْكَلْبُ إِلَى تَنَاوُلِ مَا تَقَيَّأَهُ، وَالْخِنْزِيرَةُ الْمُغْتَسِلَةُ إِلَى التَّمَرُّغِ فِي الْوَحْلِ!»

يوم الرب

أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، أَنَا الآنَ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ رِسَالَتِي الثَّانِيَةَ. وَفِي كِلْتَا الرِّسَالَتَيْنِ، أَقْصِدُ أَنْ أُنَبِّهَ أَذْهَانَكُمُ الصَّافِيَةَ، مُذَكِّراً إِيَّاكُمْ بِحَقَائِقَ تَعْرِفُونَهَا. وَغَايَتِي أَنْ تَتَذَكَّرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي أَعْلَنَهَا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ قَدِيماً، وَكَذَلِكَ وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ، تِلْكَ الْوَصِيَّةَ الَّتِي نَقَلَهَا إِلَيْكُمُ الرُّسُلُ. فَاعْلَمُوا، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الأَيَّامِ أُنَاسٌ مُسْتَهْزِئُونَ يَسْخَرُونَ بِالْحَقِّ، وَيَسْلُكُونَ مُنْجَرِفِينَ وَرَاءَ شَهْوَاتِهِمِ الْخَاصَّةِ. وَسَيَقُولُونَ: «أَيْنَ هُوَ الْوَعْدُ بِرُجُوعِ الْمَسِيحِ؟ فَمُنْذُ أَنْ مَاتَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ، بَلْ مُنْذُ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، مَازَالَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى حَالِهِ!»

إِنَّهُمْ يَتَنَاسُونَ، عَمْداً، أَنَّهُ بِكَلِمَةِ أَمْرٍ مِنَ اللهِ وُجِدَتِ السَّمَاوَاتُ مُنْذُ الْقَدِيمِ وَتَكَوَّنَتِ الأَرْضُ مِنَ الْمَاءِ وَبِالْمَاءِ. وَبِكَلِمَةٍ مِنْهُ أَيْضاً، دُمِّرَ الْعَالَمُ الَّذِي كَانَ مَوْجُوداً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، إِذْ فَاضَ الْمَاءُ عَلَيْهِ. أَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْحَالِيَّةُ، فَسَتَبْقَى مَخْزُونَةً وَمَحْفُوظَةً لِلنَّارِ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَيْنِهَا إِلَى يَوْمِ الدَّيْنُونَةِ وَهَلاكِ الْفَاجِرِينَ!

وَلَكِنْ، أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، عَلَيْكُمْ أَلّا تَنْسَوْا هَذِهِ الْحَقِيقَةَ: إِنَّ يَوْماً وَاحِداً فِي نَظَرِ الرَّبِّ هُوَ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ. فَالرَّبُّ، إِذَنْ، لَا يُبْطِئُ فِي إِتْمَامِ وَعْدِهِ، كَمَا يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْكُمْ، فَهُوَ لَا يُرِيدُ لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَهْلِكَ، بَلْ يُرِيدُ لِجَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِ تَائِبِينَ. 10 إِلّا أَنَّ «يَوْمَ الرَّبِّ» سَيَأْتِي كَمَا يَأْتِي اللِّصُّ فِي اللَّيْلِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، تَزُولُ السَّمَاوَاتُ مُحْدِثَةً دَوِيًّا هَائِلاً وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً بِنَارٍ شَدِيدَةٍ، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ مُنْجَزَاتٍ.

11 وَمَادَامَتْ هَذِهِ الأَشْيَاءُ جَمِيعاً سَتَنْحَلُّ، فَكَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ أَصْحَابَ سُلُوكٍ مُقَدَّسٍ يَتَّصِفُ بِالتَّقْوَى، 12 مُنْتَظِرِينَ «يَوْمَ اللهِ» الأَبَدِيَّ وَطَالِبِينَ حُلُولَهُ بِسُرْعَةٍ. فَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَتَذُوبُ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً. 13 إِلّا أَنَّنَا، وَفْقاً لِوَعْدِ الرَّبِّ، نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، حَيْثُ يَسْكُنُ الْبِرُّ.

14 فَبَيْنَمَا تَنْتَظِرُونَ إِتْمَامَ هَذَا الْوَعْدِ، أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، اجْتَهِدُوا أَنْ يَجِدَكُمُ الرَّبُّ فِي سَلامٍ، خَالِينَ مِنَ الدَّنَسِ وَالْعَيْبِ. 15 وَتَأَكَّدُوا أَنَّ تَأَنِّيَ رَبِّنَا فِي رُجُوعِهِ، هُوَ فُرْصَةٌ لِلْخَلاصِ.

إِنَّ أَخَانَا الْحَبِيبَ بُولُسَ قَدْ كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَيْضاً عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ عَيْنِهَا، بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الَّتِي أَعْطَاهُ إِيَّاهَا الرَّبُّ. 16 وَمَا كَتَبَهُ فِي رِسَالَتِهِ إِلَيْكُمْ، يُوَافِقُ مَا كَتَبَهُ فِي بَاقِي رَسَائِلِهِ. وَفِي تِلْكَ الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أُمُورٌ صَعْبَةُ الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا الْجُهَّالُ وَغَيْرُ الرَّاسِخِينَ فِي الْحَقِّ، كَمَا يُحَرِّفُونَ غَيْرَهَا أَيْضاً مِنَ الْكِتَابَاتِ الْمُوْحَى بِها، فَيَجْلِبُونَ الْهَلاكَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. 17 أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، فَإِذْ قَدْ تَنَبَّهْتُمْ إِلَى الْخَطَرِ قَبْلَ حُدُوثِهِ، احْذَرُوا أَنْ تَسْقُطُوا عَنْ ثَبَاتِكُمْ بِالانْجِرَافِ وَرَاءَ ضَلالِ الأَشْرَارِ. 18 وَلَكِنْ، ازْدَادُوا نُمُوّاً فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لَهُ الْمَجْدُ، الآنَ وَإِلَى الْيَوْمِ الأَبَدِيِّ.

مِنْ سِمعَانَ بُطْرُسَ، عَبْدِ يَسُوعَ المَسِيحِ وَرَسُولِهِ، إلَى الَّذِينَ نَالُوا مِنَ اللهِ إيمَانًا مُسَاوِيًا فِي مَنزِلَتِهِ لإيمَانِنَا، بِفَضْلِ عَدلِ وَصَلَاحِ إلَهِنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. أُصَلِّي أنْ تَتَزَايَدَ لَكُمُ النِّعمَةُ وَالسَّلَامُ بِمَعْرِفَةِ اللهِ وَرَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ.

أعطَانَا اللهُ كُلَّ مَا نَحتَاجُه

لَقَدْ مَنَحَتْنَا قُدرَةُ يَسُوعَ الإلَهِيَّةُ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالحَيَاةِ وَتَقْوَى اللهِ، وَذَلِكَ بِمَعْرِفَةِ ذَاكَ الَّذِي دَعَانَا بِمَجْدِهِ وَصَلَاحِهِ، وَوَهَبَنَا بِهِمَا هِبَاتٍ عَظِيمَةً وَثَمِينَةً وَعَدَنَا بِهَا، لِكَي نَشتَرِكَ فِي الطَّبِيعَةِ الإلَهِيَّةِ، وَنَهْرُبَ مِنَ الانْحِلَالِ المَوجُوِدِ فِي العَالَمِ بِسَبَبِ الشَّهَوَاتِ.

لِهَذَا، ابْذُلُوا كُلَّ جَهْدٍ
لِكَي تُضِيفُوا إلَى إيمَانِكُمْ صَلَاحًا،
وَإلَى صَلَاحِكُمْ مَعْرِفَةً،
وَإلَى مَعْرِفَتِكُمْ ضَبطًا للنَّفْسِ،
وَإلَى ضَبطِ النَّفْسِ صَبْرًا،
وَإلَى الصَّبرِ تَقْوَى،
وَإلَى التَّقوَى مَوَدَّةً أخَوِيَّةً،
وَإلَى المَوّدِّةِ الأخَوِيَّةِ مَحَبَّةً.

إنْ كَانَتْ هَذِهِ الفَضَائِلُ مَوجُودَةً وَمُتَكَاثِرَةً فِيكُمْ، فَإنَّهَا سَتَجْعَلُكُمْ نَشِيطِينَ وَمُثمِرِينَ، وَسَتَقُودُكُمْ إلَى مَعْرِفَةٍ أكمَلَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ.

أمَّا مَنْ يَفْتَقِرُ إلَى هَذِهِ الفَضَائِلِ، فَهُوَ قَصِيرُ النَّظَرِ إلَى حَدِّ العَمَى، وَقَدْ نَسِيَ أنَّ اللهَ قَدْ طَهَّرَهُ مِنْ خَطَايَاهُ المَاضِيَةِ.

10 لِهَذَا أيُّهَا الإخْوَةُ، اجْتَهِدُوا فِي إظهَارِ أنَّ اللهَ دَعَاكُمْ وَاخْتَارَكُمْ. لِأنَّكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ هَذِهِ الأُمُورَ، فَلَنْ تَتَعثَّرُوا أبَدًا. 11 وَسَتَلْقَوْنَ تِرحَابًا كَرِيمًا لَدَى دُخُولِكُمُ المَلَكُوتَ الأبَدِيَّ لِرَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. 12 لِذَلِكَ لَنْ أغفَلَ عَنْ تَذْكِيرِكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ دَائِمًا، مَعَ أنَّكُمْ تَعْرِفُونَهَا، وَمَعَ أنَّكُمْ رَاسِخُونَ فِي الحَقِّ الَّذِي قَبِلْتُمُوهُ. 13 وَلَكِنِّي أرَى أنَّ مِنَ الصَّوَابِ أنْ أُواصِلَ تَنبِيهَكُمْ إلَيْهَا مَا دُمْتُ أسكُنُ فِي هَذَا الجَسَدِ. 14 لِأنِّي أعْلَمُ أنَّنِي سَأُغَادِرُ خَيْمَةَ جَسَدِي هَذِهِ قَرِيبًا كَمَا أعْلَنَ لِيَ رَبُّنَا يَسُوعُ المَسِيحُ. 15 فَسَأبذُلُ جَهْدِي كَي أضمَنَ أنَّكُمْ سَتَتَذَكَّرُونَ هَذِهِ الأُمُورَ دَائِمًا بَعْدَ رَحِيلِي.

رَأينَا مَجْدَ المَسِيح

16 إنَّنَا لَمْ نَتَّبِعْ قِصَصًا مُلَفَّقَةً، عِنْدَمَا أخبَرْنَاكُمْ عَنْ قُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، وَعَنْ مَجِيئِهِ، بَلْ كُنَّا شُهُودَ عَيَانٍ لِجَلَالِهِ. 17 فَقَدْ نَالَ إكرَامًا وَمَجدًا مِنَ اللهِ الآبِ، عِنْدَمَا جَاءَ مِنْ أجْلِهِ ذَلِكَ الصَوْتُ الخَاصُّ مِنَ مَجْدِ السَّمَاءِ الجَلِيلِ وَقَالَ:

«هَذَا هُوَ ابنِي حَبِيبِي الَّذِي سُرُورِي بِهِ عَظِيمٌ.»

18 وَقَدْ سَمِعْنَا الصَّوْتَ آتِيًا مِنَ السَّمَاءِ عِنْدَمَا كُنَّا مَعَهُ عَلَى الجَبَلِ المُقَدَّسِ.[a]

19 لِهَذَا لَنَا ثِقَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الكَلِمِةِ الَّتِي أذَاعَهَا الأنْبِيَاءُ. وَأنْتُمْ تُحسِنُونَ صُنعًا بِانتِبَاهِكُمْ إلَيْهَا، لِأنَّهَا أشبَهُ بِنُورٍ يَسْطَعُ فِي مَكَانٍ مُظلِمٍ، إلَى أنْ يَبْزُغَ الفَجرُ، وَتُشرِقُ نَجمَةُ الصُّبحِ فِي قُلُوبِكُمْ. 20 وَاعلَمُوا قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ أنَّهُ لَمْ تَأْتِ أيَّةُ نُبُوَّةٍ فِي الكَتَابِ بِنَاءً عَلَى تَفسيرِ النَّبيِّ الخَاصِّ. 21 لِأنَّهُ لَمْ تُعطَ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنْسَانٍ، بَلِ انْقَادَ رِجَالُ اللهِ بِالرُّوحِ القُدُسِ فَنَطَقُوا بِكَلَامِ اللهِ.

مُعَلِّمُونَ كَاذِبُون

غَيْرَ أنَّهُ كَانَ هُنَاكَ أنْبِيَاءٌ كَذَبَةٌ بَيْنَ شَعْبِ اللهِ! وَسَيَكُونُ بَيْنَكُمْ أيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، يَدُسُّونَ بَيْنَكُمْ عَقَائِدَ هَدَّامَةً. سَيُنكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشتَرَاهُمْ، فَيَأتُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ بِدَمَارٍ سَريعٍ. سَيَتْبَعُهُمْ كَثِيرُونَ فِي طُرُقِهِمُ المُنحَلَّةِ. وَبِسَبَبِهِمْ سَيُسَاءُ إلَى طَرِيقِ الحَقِّ. فَهُمْ سَيَسْتَغِلُّونَكُمْ بِتَعَاليمِهِمُ الخَادِعَةِ، وَسَيُتَاجِرُونَ بِكُمْ فِي جَشَعِهِمْ. أمَّا دَينونَتُهُمْ فَمُعَدَّةٌ مُنْذُ القَدِيمِ، وَدَمَارُهُمْ فِي انتِظَارِهِمْ.

فَاللهُ لَمْ يَعْفُ عَنِ المَلَائِكَةِ الَّذِينَ أخطَأُوا، بَلْ أرسَلَهُمْ إلَى كُهُوفِ الظُّلْمَةِ فِي العَالَمِ السُّفلِيِّ لِيُحجَزُوا حَتَّى مَوْعِدِ الدَّينُونَةِ. لَمْ يَعْفُ اللهُ عَنِ العَالَمِ القَدِيمِ، لَكِنَّهُ أنقَذَ نُوحًا الَّذِي كَانَ يَعِظُ مَنَادِيًا بِحَيَاةِ البِرِّ، وَأنقَذَ سَبعَةً آخَرِينَ مَعَهُ، عِنْدَمَا أرْسَلَ الطُّوفَانَ عَلَى عَالَمِ الأشْرَارِ.

وَحَكَمَ عَلَى مَدِينَتَيْ سَدُّومَ وَعَمُّورَةَ بِالدَّمَارِ فَحَوَّلَهُمَا إلَى رَمَادٍ، وَجَعَلَ مِنْهُمَا عِبْرَةً لِلآثِمِينَ مُبَيِّنًا مَا سَيَحْدُثُ لَهُمْ. وَأنقَذَ لُوطًا الرَّجُلَ البَارَّ، الَّذِي كَانَ يَتَألَّمُ مِنْ سُلُوكِ الفَاجِرِينَ المُنحَلِّ. كَانَ ذَلِكَ البَارُّ يَتَعَذَّبُ فِي قَلْبِهِ البَارِّ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي يَرَاهَا وَيَسْمَعُهَا، وَهُوَ يَعِيشُ بَيْنَهُمْ يَومًا بَعْدَ الآخَرِ.

وَهَكَذَا يَعْرِفُ الرَّبُّ كَيْفَ يُنقِذُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَهُ مِنَ التَّجَارِبِ، وَكَيْفَ يُبقِي الأشرَارَ حَتَّى يَوْمِ الدَّينُونَةِ لِلعِقَابِ. 10 وَلَا سِيَّمَا الَّذِينَ يَتْبَعُونَ طَبيعَتَهُمُ الجَسَدِيَّةَ وَشَهَوَاتِهَا النَّجِسَةَ، وَيَحْتَقِرُونَ سُلطَانَ الرَّبِّ. وَهُمْ وَقِحُونَ، مَغْرُورُونَ، وَلَا يَتَهَيَّبُونَ مِنْ إهَانَةِ ذَوي الرُّتَبِ العَاليَةِ![b] 11 أمَّا المَلَائِكَةُ، فَهُمْ أكْثَرُ مِنْهُمْ قُوَّةً وَجَبَرُوتًا، إلَّا أنَّهُمْ لَا يَفْتَرُونَ عَلَيْهِمْ لَدَى الرَّبِّ!

12 لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الأشخَاصَ أشبَهُ بِحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ عَاقِلَةٍ، تَسُوقُهَا الغَرَائِزُ. وَهِيَ تُولَدُ لِلصَّيدِ وَالهَلَاكِ. إنَّهُمْ يَهْزَأُونَ بِأُمُورٍ يَجْهَلُونَهَا. وَكَمَا تَهْلِكُ الَحَيَوَانَاتُ، سَيَهْلِكُونَ أيْضًا. 13 وَسَيَنَالُونَ جَزَاءَ مَا ارتَكَبُوهُ مِنْ أذَىً. كَمَا أنَّهُمْ يَرَوْنَ مُتعَتَهُمْ فِي الانْغِمَاسِ فِي اللَّذَّاتِ حَتَّى فِي وَضَحِ النَّهَارِ. وَهُمْ عَارٌ وَخِزيٌ بَيْنَكُمْ. يَتَلَذَّذُونَ بِطُرُقِهِمُ المُخَادِعَةِ بَيْنَمَا يَشْتَرِكُونَ فِي وَلَائِمِكُمْ! 14 شَهوَةُ الزِّنَا فِي عُيُونِهِمُ الَّتِي لَا تَتَوَقَّفُ عَنِ الخَطِيَّةِ، وَيُغوُونَ الأشْخَاصَ غَيْرَ الثَّابِتِينَ. لَهُمْ قُلُوبٌ مُدَرَّبَةٌ عَلَى الفِسقِ، وَهُمْ أوْلَادُ اللعْنَةِ.

15 تَرَكُوا طَريقَ البِرِّ، فَتَاهُوا. تَبِعُوا طَرِيقَ بَلْعَامَ بْنِ بَصُورَ الَّذِي أحَبَّ الأُجرَةَ الَّتِي تَقَاضَاهَا مُقَابِلَ إثْمِهِ. 16 لَكِنَّهُ وُبِّخَ عَلَى إسَاءَتِهِ. فَقَدْ نَطَقَ حِمَارٌ أعجَمُ بِصَوْتٍ بَشَرِيٍّ، فَمَنَعَ النَّبِيَّ مِنِ ارتِكَابِ حَمَاقَتِهِ.

17 هَؤُلَاءِ المُعَلِّمُونَ الزَّائِفُونَ يَنَابِيعُ لَا مَاءَ فِيهَا، وَغُيُومٌ تَدْفَعُهَا العَاصِفَةُ. وَقَدْ حُفِظَ لَهُمْ مَكَانٌ فِي أعْمَاقِ الظُّلْمَةِ. 18 يَفْتَخِرُونَ افتِخَارًا أجوَفَ، وَيَجُرُّونَ الآخَرِينَ إلَىْ فَخِّ شَهَوَاتِ الطَّبيعَةِ الجَسَدِيَّةِ، لِيُغوُوا أُولَئِكَ الَّذِينَ بَدَأُوا لِلتَّوِّ بِالهَرَبِ مِنْ رِفَاقِ السُّوءِ. 19 يَعِدُونَهُمْ بِالحُرِّيَّةِ، بَيْنَمَا هُمْ بِكَامِلِهِمْ عَبِيدٌ لِلفَسَادِ. فَالإنْسَانُ مُسْتَعْبَدٌ لِمَا يَسُودُ عَلَيْهِ. 20 هَرَبَ هَؤُلَاءِ مِنْ أوسَاخِ العَالَمِ بِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. لَكِنَّهُمْ إذْ عَلِقُوا فِي شِرَاكِهَا مَرَّةً أُخْرَى وَانغَلَبُوا، صَارَتْ حَالَتُهُمُ الأخِيرَةُ أسوَأَ مِنَ الأُولَى. 21 فَكَانَ أفْضَلَ لَهُمْ لَوْ أنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا طَرِيقَ البِرِّ، مِنْ أنْ يَرْتَدُّوا عَنِ التَعليمِ المُقَدَّسِ بَعْدَ أنْ عَرَفُوهُ وَقَبِلُوهُ. 22 وَهَكَذَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمُ المَثَلُ القَائِلُ: «كَلْبٌ يَعُودُ إلَى قَيئِهِ.»[c] وَمَثَلٌ آخَرُ يَقُولُ: «خِنزِيرَةٌ مُغَسَّلَةٌ تَعُودُ إلَى التَّمَرُّغُ فِي الوَحلِ.»

يَسُوعُ آتٍ ثَانِيَةً

هَذِهِ هِيَ رِسَالَتِي الثَّانِيَةُ إلَيكُمْ أيُّهَا الأحِبَّاءُ. وَقَدْ حَاوَلْتُ فِيهَا أنْ أُنَبِّهَ عُقُولَكُمُ النَّقِيَّةَ بِتَذْكِيرِكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ. أُرِيدُكُمْ أنْ تَتَذَكَّرُوا كَلَامَ أنْبِيَاءِ اللهِ قَدِيمًا، وَوَصِيَّةَ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا الَّتِي وَصَلَتْكُمْ بِوَاسِطَةِ رُسُلِكُمْ.

أوَّلًا يَنْبَغِي أنْ تَفْهَمُوا أنَّهُ سَيَأْتِي فِي الأيَّامِ الأخِيرَةِ أُنَاسٌ مُسْتَهْزِئُونَ تَقُودُهُمْ شَهَوَاتُهُمْ، وَسَيَقُولُونَ: «مَا الَّذِي حَدَثَ لِوَعْدِ مَجِيءِ المَسِيحِ ثَانِيَةً؟ لِأنَّهُ مُنْذُ أنْ مَاتَ آبَاؤُنَا وَكُلُّ شَيءٍ مُسْتَمِرٌّ عَلَى حَالِهِ، كَمَا كَانَ مُنْذُ بَدْءِ الخَلِيقَةِ.»

وَهُمْ بِذَلِكَ يَتَنَاسُونَ أنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وُجِدَتْ مُنْذُ القَدِيمِ، وَأنَّ الأرْضَ تَشَكَّلَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ مِنَ المَاءِ وَبِالمَاءِ. ثُمَّ غُمِرَ العَالَمُ عِنْدَئِذٍ وَدُمِّرَ بِالمَاءِ. لَكِنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ مَحفُوظَةٌ الآنَ أيْضًا بِكَلِمَةِ اللهِ، إلَىْ أنْ يَحِينَ وَقْتُ تَدْمِيرِهَا بِالنَّارِ فِي يَوْمِ الدَّينُونَةِ، يَوْمِ هَلَاكِ الأشْرَارِ.

لَكِنْ لَا يَغِبْ عَنْ بَالِكُمْ هَذَا الأمْرُ أيُّهَا الأحِبَّاءُ: أنَّ يَومًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَألفِ سَنَةٍ، وَأنَّ ألْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ. فَالرَّبٌّ لَا يُؤَخِّرُ تَنْفِيذَ وَعْدِهِ، كَمَا يَظُنُّ بَعْضُهُمْ، لَكِنَّهُ يَتَأنَّى عَلَيْنَا وَلَا يُرِيدُ لِأحَدٍ أنْ يَهْلِكَ، بَلْ يُريدُ لِجَمِيعِ النَّاسِ أنْ يَتُوبُوا.

10 لَكِنَّ يَوْمَ الرَّبِّ سَيَأْتِي كَلِصٍّ. وَسَتَنْصَهِرُ الأجرَامُ السَّمَاوِيَّةُ بِالنَّارِ، ثُمَّ سَتَنْكَشِفُ الأرْضُ وَكُلُّ مَا عَلَيْهَا. 11 فَمَا دَامَتْ هَذِهِ الأشْيَاءُ سَتُدَمَّرُ هَكَذَا، أيُّ نَوْعٍ مِنَ النَّاسِ يَنْبَغِي أنْ تَكُونُوا. يَنْبَغِي أنْ تَعِيشُوا حَيَاةَ قَدَاسَةٍ وَخِدْمَةٍ للهِ، 12 بَيْنَمَا تَنْتَظِرُونَ وَتَطْلُبُونَ سُرعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ الَّذِي تَنْحَلُّ فِيهِ السَّمَاوَاتُ، وَتَنْصَهِرُ الأجرَامُ السَّمَاوِيَّةُ. 13 لَكِنَّنَا حَسَبَ وَعْدِ اللهِ نَنتَظِرُ بِلَهفَةٍ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأرْضًا جَدِيدَةً يَسْكُنُهَا البِرُّ.

14 فَبِمَا أنَّكُمْ تَتَلَهَّفُونَ عَلَى هَذِهِ الأُمُورِ، ابْذُلُوا كُلَّ جَهْدٍ لِكَي تَكُونُوا طَاهِرِينَ بِلَا عَيْبٍ، وَفِي سَلَامٍ أمَامَهُ، 15 مُتَذَّكِّرِينَ أنَّ تَمَهُلَّ اللهِ عَلَيْنَا، هُوَ الَّذِي قَادَ إلَىْ خَلَاصِنَا. تَمَامًا كَمَا كَتَبَ إلَيكُمْ أخُونَا الحَبِيبُ بُولُسُ حَسَبَ الحِكْمَةِ المُعطَاةِ لَهُ مِنَ اللهِ. 16 فَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ فِي كُلِّ رَسَائِلِهِ الَّتِي تَحْوِي بَعْضَ التَّعَاليمِ الَّتِي يَصْعُبُ فَهْمُهَا، وَيُشَوِّهُ غَيْرُ المُتَعَلِّمِينَ وَغَيرُ الثَّابِتِينَ مَعنَاهَا. وَهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مَعَ بَقيَّةِ الكُتُبِ أيْضًا جَالبِينَ الدَّمَارَ عَلَى أنْفُسِهِمْ.

17 فَبِمَا أنَّكُمْ تَعْرِفُونَ هَذِهِ الأُمُورَ أيُّهَا الأحِبَّاءُ، احْذَرُوا مِنْ أنْ تَنقَادُوا بِضَلَالَاتِ الفَاجِرِينَ. وَانتَبِهُوا لِئَلَّا تَتَزَحزَحُوا عَنْ مَوقِفِكُمُ الثَّابِتِ، 18 بَلِ انمُوا فِي نِعْمَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، وَفِي مَعْرِفَتِهِ. لَهُ المَجْدُ الآنَ وَإلَىْ الأبَدِ! آمِين.

Footnotes

  1. 1‏:18 عَلَى الجبل المقدّس يشير بطرس هُنَا إلَى حَادثة ظهور مجد المسيح عَلَى الجبل. انْظُرْ بشَارة متّى 17‏:1‏-8.
  2. 2‏:10 ذَوي الرّتب العَالية حرفيًا: «ذوي الأمْجَاد.» وتبدو هَذِهِ إشَارةً إلَى كَائنَات ملَائكية، ربمَا شريرة.
  3. 2‏:22 كلب … قيئة من كتَاب الأمثَال 26‏:11.

مِنْ يَهُوذَا، عَبْدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَشَقِيقِ يَعْقُوبَ، إِلَى الَّذِينَ دَعَاهُمُ اللهُ الآبُ إِلَيْهِ، الْمَحْبُوبِينَ مِنْهُ، وَالْمَحْفُوظِينَ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لِتَكُنْ لَكُمُ الرَّحْمَةُ وَالسَّلامُ وَالْمَحَبَّةُ فِي وَفْرَةٍ وَازْدِيَادٍ!

الخطيئة وموت الأشرار

أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، كُنْتُ قَدْ نَوَيْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ فِي مَوْضُوعِ الْخَلاصِ الَّذِي نَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعاً. وَلَكِنْ، أَرَانِي الآنَ مُضْطَرّاً لأَنْ أَكْتُبَ لأُشَجِّعَكُمْ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ الإِيمَانِ الَّذِي سُلِّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً لِلْقِدِّيسِينَ. لأَنَّهُ قَدْ تَسَلَّلَ إِلَى مَا بَيْنَكُمْ مُعَلِّمُونَ لابُدَّ أَنْ يُلاقُوا الْحُكْمَ بِالْعِقَابِ الأَبَدِيِّ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ لَهُمْ مُنْذُ الْقَدِيمِ. فَهُمْ أَشْرَارٌ لَا يَهَابُونَ اللهَ، يَتَّخِذُونَ مِنْ نِعْمَةِ إِلَهِنَا فُرْصَةً لإِبَاحَةِ الرَّذَائِلِ، وَيُنْكِرُونَ سَيِّدَنَا وَرَبَّنَا الْوَحِيدَ يَسُوعَ الْمَسِيحَ.

فَالآنَ، أُرِيدُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ بِأُمُورٍ تَعْرِفُونَهَا. فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّ الرَّبَّ، بَعْدَمَا أَنْقَذَ الشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ، عَادَ فَأَهْلَكَ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا مِنْ ذَلِكَ الشَّعْبِ. وَأَمَّا الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يُحَافِظُوا عَلَى مَقَامِهِمِ الرَّفِيعِ، بَلْ تَرَكُوا مَرْكَزَهُمْ، فَمَازَالَ الرَّبُّ يَحْفَظُهُمْ مُقَيَّدِينَ بِسَلاسِلَ أَبَدِيَّةٍ فِي أَعْمَاقِ الظَّلامِ، بِانْتِظَارِ دَيْنُونَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ. وَتَعْرِفُونَ كَذَلِكَ مَا فَعَلَهُ الرَّبُّ بِمَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَبِالْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَهُمَا. فَقَدْ كَانَ أَهْلُ هذِهِ الْمُدُنِ، مِثْلَ أُولئِكَ الْمُعَلِّمِينَ، مُنْدَفِعِينَ وَرَاءَ الزِّنَى، وَمُنْغَمِسِينَ فِي شَهْوَاتٍ مُخَالِفَةٍ لِلطَّبِيعَةِ. لِذَلِكَ عَاقَبَ الرَّبُّ هَذِهِ الْمُدُنَ بِالنَّارِ الأَبَدِيَّةِ، فَدَمَّرَهَا. فَكَانَتْ بِذَلِكَ عِبْرَةً لِلآخَرِينَ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ أُولئِكَ الْمُعَلِّمِينَ الْمُتَوَهِّمِينَ يَسِيرُونَ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي سَارَ فِيهَا أَهْلُ تِلْكَ الْمُدُنِ. إِذْ يُلَوِّثُونَ أَجْسَادَهُمْ بِالنَّجَاسَةِ، وَيَحْتَقِرُونَ السِّيَادَةَ الإِلَهِيَّةَ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِالإِهَانَةِ عَلَى الْكَائِنَاتِ الْمَجِيدَةِ! فَحَتَّى مِيخَائِيلُ، وَهُوَ رَئِيسُ مَلائِكَةٍ، لَمْ يَجْرُؤْ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى إِبْلِيسَ بِكَلامٍ مُهِينٍ عِنْدَمَا خَاصَمَهُ وَتَجَادَلَ مَعَهُ بِخُصُوصِ جُثْمَانِ مُوسَى، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِالْقَوْلِ لَهُ: «لِيَزْجُرْكَ الرَّبُّ!» 10 وَلَكِنَّ هَؤُلاءِ الْمُعَلِّمِينَ يَتَكَلَّمُونَ كَلاماً مُهِيناً عَلَى أُمُورٍ لَا يَعْرِفُونَهَا. وَأَمَّا مَا يَفْهَمُونَهُ بِالْغَرِيزَةِ، كَالْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْعَاقِلَةِ، فَإِنَّهُمْ بِهِ يُدَمِّرُونَ أَنْفُسَهُمْ. 11 الْوَيْلُ لَهُمْ! لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ، وَانْدَفَعُوا إِلَى ارْتِكَابِ خَطِيئَةِ بَلْعَامَ طَلَباً لِلْمَالِ، وَتَمَرَّدُوا كَمَا تَمَرَّدَ قُورَحُ، فَدَمَّرُوا أَنْفُسَهُمْ. 12 إِنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ مَعَكُمْ فِي وَلائِمِ الْمَحَبَّةِ دُونَ خَجَلٍ، وَلَكِنَّهُمْ كَصُخُورٍ تُعِيقُكُمْ. لَا هَمَّ لَهُمْ سِوَى إِشْبَاعِ أَنْفُسِهِمْ! إِنَّهُمْ يُشْبِهُونَ غُيُوماً بِلا مَطَرٍ تَسُوقُهَا الرِّيَاحُ، وَأَشْجَاراً خَرِيفِيَّةً بِلا ثَمَرٍ، يَقْتَلِعُهَا أَصْحَابُهَا، فَتَكُونُ قَدْ مَاتَتْ مَرَّتَيْنِ. 13 وَبِأَعْمَالِهِمِ الْمُخْجِلَةِ يَفْضَحُونَ أَنْفُسَهُمْ كَأَمْوَاجٍ فِي الْبَحْرِ هَائِجَةٍ تَقْذِفُ الأَوْسَاخَ. وَهُمْ أَشْبَهُ بِنُجُومٍ تَائِهَةٍ فِي الْفَضَاءِ، مَصِيرُهَا الظَّلامُ الشَّدِيدُ إِلَى الأَبَدِ! 14 عَنْ هؤُلاءِ وَأَمْثَالِهِمْ، تَنَبَّأَ أَخْنُوخُ السَّابِعُ بَعْدَ آدَمَ، فَقَالَ: «انْظُرُوا إِنَّ الرَّبَّ آتٍ بِصُحْبَةِ عَشَرَاتِ الأُلُوفِ مِنْ قِدِّيسِيهِ، 15 لِيَدِينَ جَمِيعَ النَّاسِ، وَيُوَبِّخَ جَمِيعَ الأَشْرَارِ الَّذِينَ لَا يَهَابُونَ اللهَ، بِسَبَبِ جَمِيعِ أَعْمَالِهِمِ الشِّرِّيرَةِ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا وَجَمِيعِ أَقْوَالِهِمِ الْقَاسِيَةِ الَّتِي أَهَانُوهُ بِها وَالَّتِي لَا تَصْدُرُ إِلّا عَنِ الْخَاطِئِينَ الأَشْرَارِ غَيْرِ الأَتْقِيَاءِ!»

16 وَهؤُلاءِ الْمُعَلِّمُونَ يَتَذَمَّرُونَ وَيَشْكُونَ دَائِماً وَفِيمَا هُمْ يَنْدَفِعُونَ وَرَاءَ شَهْوَاتِهِمْ، يُطْلِقُونَ أَلْسِنَتَهُمْ مُتَحَدِّثِينَ بِأُمُورٍ طَنَّانَةٍ، وَيَمْدَحُونَ مَنْ يُعْجِبُهُمْ طَلَباً لِلْمَنْفَعَةِ!

دعوة للثبات

17 أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، فَاذْكُرُوا دَائِماً مَا قَالَهُ رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 18 فَقَدْ سَبَقَ أَنْ نَبَّهُوكُمْ إِلَى أَنَّهُ، فِي نِهَايَةِ الزَّمَانِ، سَيَطْلُعُ مُسْتَهْزِئُونَ يَعِيشُونَ مُنْغَمِسِينَ فِي شَهْوَاتِهِمِ الْفَاسِقَةِ. 19 هؤُلاءِ هُمُ الَّذِينَ يُسَبِّبُونَ الانْشِقَاقَ، وَيَنْسَاقُونَ وَرَاءَ غَرَائِزِهِمِ الْحَيَوَانِيَّةِ، وَلَيْسَ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهِمْ!

20 وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، وَصَلُّوا دَائِماً فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ. 21 وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ إِذْ يَعُودُ وَيَأْخُذُكُمْ لِتَحْيَوْا مَعَهُ إِلَى الأَبَدِ. 22 بَعْضُ النَّاسِ يَجِبُ أَنْ تُعَامِلُوهُمْ بِشَفَقَةٍ بِسَبَبِ شُكُوكِهِمْ. 23 وَبَعْضُهُمْ يَجِبُ أَنْ تُنْقِذُوهُمْ مِنَ النَّارِ خَطْفاً. وَآخَرُونَ يَجِبُ أَنْ تُعَالِجُوهُمْ بِشَفَقَةٍ وَحَذَرٍ، مُبْغِضِينَ حَتَّى الثِّيَابَ الَّتِي يُلَوِّثُونَهَا بِأَجْسَادِهِمْ.

ختام

24 وَلِلْقَادِرِ أَنْ يَحْرُسَكُمْ مِنَ السُّقُوطِ حَتَّى يُوصِلَكُمْ إِلَى الْمُثُولِ أَمَامَهُ فِي الْمَجْدِ مُبْتَهِجِينَ وَلا عَيْبَ فِيكُمْ. 25 لِلهِ الْوَاحِدِ، مُخَلِّصِنَا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا الْمَجْدُ وَالْجَلالُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَةُ، مِنْ قَبْلِ أَنْ كَانَ الزَّمَانُ، وَالآنَ وَطَوَالَ الأَزْمَانِ. آمِين!

مِنْ يَهُوذَا، عَبْدِ يَسُوعَ المَسِيحِ، وَأخِي يَعْقُوبَ، إلَيكُمْ أنْتُمُ الَّذِينَ دَعَاكُمُ اللهُ الآبُ وَأحَبَّكَمْ وَحَفِظَكُمْ فِي يَسُوعَ المَسِيحِ. لَيتَكُمْ تَنْعَمُونَ بِرَحمَةِ اللهِ وَسَلَامِهِ وَمَحَبَّتِهِ أكْثَرَ فَأكثَرَ.

دَينُونةُ غَيرِ المُؤمِنِيِنَ

أيُّهَا الأحِبَّاءُ، كَمْ كُنْتُ مُشتَاقًا لِلكِتَابَةِ إلَيكُمْ عَنِ الخَلَاصِ الَّذِي نَشتَرِكُ فِيهِ جَمِيعًا. غَيْرَ أنِّي أشعُرُ بِالحَاجَةِ إلَى الكِتَابَةِ إلَيكُمْ لِتَشْجِيعِكُمْ عَلَى الكِفَاحِ مِنْ أجْلِ الإيمَانِ الَّذِي أعطَاهُ اللهُ لِشَعْبِهِ المُقَدَّسِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَأخِيرَةً. هَذَا لِأنَّهُ قَدِ اندَسَّ بَيْنَكُمْ أشخَاصٌ كَانَ الكِتَابُ قَدْ تَنَبَّأ عَنْ دَينُونَتِهِمْ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ. وَهُمْ أشخَاصٌ لَا يَتَّقُونَ اللهَ، وَيَتَّخِذُونَ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ مُبَرِّرًا لِلِانحِلَالِ الخُلُقِيِّ. وَهُمْ يُنكِرُونَ يَسُوعَ المَسِيحَ، رَبَّنَا وَسَيِّدَنَا الوَحِيدَ. لِذَلِكَ أوَدُّ أنْ أُذَكِّرَكُمْ بِبَعْضِ الأُمُورِ رُغْمَ أنَّكُمْ جَمِيعًا تَعْرِفُونَهَا: تَعْرِفُونَ أنَّ الرَّبَّ خَلَّصَ شَعْبَهُ أوَّلًا مِنْ أرْضِ مِصْرَ، لَكِنَّهُ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأهْلَكَ الَّذِينَ لَمْ يُؤمِنُوا.[a]

وَتَعْرِفُونَ أنَّ المَلَائِكَةَ الَّذِينَ لَمْ يُحَافِظُوا عَلَى مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ سُلطَانٍ، فَتَرَكُوا مَسكَنَهُمْ، قَدْ سَجَنَهُمُ اللهُ فِي الظُّلمَةِ، مُقَيَّدِينَ بِقُيُودٍ أبَدِيَّةٍ، فِي انتِظَارِ الدَّينُونَةِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ العَظِيمِ.

وَتَعْرِفُونَ مَا حَدَثَ لِسَدُومَ وَعَمُورَةَ[b] وَالقُرَى الَّتِي حَولَهُمَا. فَقَدْ كَانَ أهْلُ هَذِهِ المُدُنِ يَعِيشُونَ فِي الزِّنَى وَالانحِرَافِ. وَمَا عَانَتْهُ تِلْكَ المُدُنُ مِنْ نَارٍ أبَدِيَّةٍ، هُوَ تَحْذِيرٌ لَنَا نَحْنُ.

وَهَكَذَا الحَالُ مَعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ أحْلَامَهُمْ! فَهُمْ يُنَجِّسُونَ أجسَادَهُمْ وَيَرْفُضُونَ سُلطَانَ الرَّبِّ، وَيَشْتِمُونَ المَلَائِكَةَ المَجِيدِينَ. حَتَّى مِيخَائِيلُ نَفْسُهُ، وَهُوَ رَئِيسُ المَلَائِكَةِ، لَمْ يَجْرُؤْ عَلَى شَتمِ إبْلِيسَ عِنْدَمَا كَانَ يُجَادِلُهُ حَوْلَ جُثَّةِ مُوسَى، لَكِنَّهُ اكتَفَى بِأنْ يَقُولَ لَهُ: «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ.» 10 أمَّا هَؤُلَاءِ فَيَشْتِمُونَ مَا لَا يَفْهَمُونَ. أمَّا القَلِيلُ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ، فَإنَّهُمْ يَسْتَخْدِمُونَهُ لِهَلَاكِ أنْفُسِهِمْ، تَمَامًا كَالحَيَوَانَاتِ غيرِ العَاقِلَةِ الَّتِي تَتْبَعُ غَرَائِزَهَا. 11 فَيَا لَمَصِيرِهِمُ القَاسِي! لَقَدْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ.[c] وَمِنْ أجْلِ مَكَاسِبَ رَخِيصَةٍ، كَرَّسُوا أنْفُسَهُمْ لِخِدَاعِ شَعْبِ اللهِ تَابِعِينَ بِذَلِكَ ضَلَالَةَ بَلْعَامَ.[d] لِهَذَا سَيَهْلِكُونَ كَمَا هَلَكَ قُورَحُ،[e] لأنَّهُمْ عُصَاةٌ مِثْلَهُ.

12 إنَّهُمْ يُلَوِّثُونَ وَلَائِمَ المَحَبَّةِ الأخَوِيَّةِ الَّتِي تُقِيمُونَهَا. وَبِلَا خَوفٍ يَأْكُلُونَ مَعَكُمْ، وَهُمْ لَا يَهْتَمُّونَ إلَّا بِأنفُسِهِمْ! هُمْ غُيُومٌ بِلَا مَاءٍ، تَسُوقُهَا الرِّيَاحُ. هُمْ أشْجَارٌ يُفتَرَضُ أنْ تُثمِرَ فِي الخَرِيفِ، لَكِنَّهَا بِلَا ثَمَرٍ. فَهَا هِيَ قَدِ اقتُلِعَتْ، فَمَاتَتْ بِذَلِكَ مَوْتًا مُضَاعَفًا.[f] 13 هُمْ أموَاجُ بَحرٍ هَائِجَةٌ مُزبِدَةٌ. وَزَبَدُهَا هُوَ أعْمَالُهُمُ المُخجِلَةُ. هُمْ نُجُومٌ تَائِهَةٌ، مَصِيرُهَا الأبَدِيُّ المَحفُوظُ هُوَ أظلَمُ الظُّلُمَاتِ.

14 كَمَا تَنَبَّأ أيْضًا أخنُوخُ، وَهُوَ الرَّجُلُ السَّابِعُ مِنْ آدَمَ، عَنْ هَؤُلَاءِ فَقَالَ: «هَا هُوَ الرَّبُّ قَادِمٌ مَعَ عَشَرَاتِ الأُلوفِ مِنْ مَلَائِكَتِهِ المُقَدَّسِينَ، 15 لِيَدِينَ جَمِيعَ الأشْرَارِ، وَيَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ أعْمَالِ الفُجُورِ الَّتِي عَمِلُوهَا، وَالكَلَامِ القَاسِي الَّذِي وَصَفَهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الخُطَاةُ الفَاجِرُونَ.» 16 إنَّهُمْ يَتْبَعُونَ شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ. أمَّا شَكوَاهُمْ وَتَذَمُّرُهُمْ مِنْ أحوَالِهِمْ فَهُوَ كِبْرِيَاءٌ فِي حَقِيقَتِهِ. وَإنْ مَدَحُوا أحَدًا، فَلِمَنفَعَتِهِمُ الشَّخصيَّةِ.

تَحْذِيرَاتٌ وَتَوْجِيهَات

17 أمَّا أنْتُمْ أيُّهَا الأحِبَّاءُ، فَاذكُرُوا الكَلَامَ الَّذِي سَبَقَ أنْ قَالَهُ رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. 18 فَقَدْ قَالُوا: «سَيَظْهَرُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أشخَاصٌ مُسْتَهْزِئُونَ بِأمَورِ اللهِ، يَتْبَعُونَ شَهَوَاتِهِمُ الفَاجِرَةَ.» 19 فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يُسَبِّبُونَ الانْقِسَامَ. تَتَحَكَّمُ بِهِمْ غَرَائِزُهُمْ لأنَّهُمْ أرْضِيُّونَ لَا رُوحَ لَهُمْ. 20 أمَّا أنْتُمْ أيُّهَا الأحِبَّاءُ، فَيَنْبَغِي أنْ يَبْنِيَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَفْقًا لإيمَانِكُمُ الأقدَسِ. صَلُّوا فِي الرُّوحِ القُدُسِ، 21 وَاحفَظُوا أنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ الَّتِي تَقُودُ إلَى الحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ. 22 أظْهِرُوا رَحْمَةً لِلمُتَشَكِّكِينَ، 23 وَخَلِّصُوا آخَرِينَ مُختَطِفِينَ إيَّاهُمْ مِنَ النَّارِ، وَكَارِهِينَ حَتَّى ثِيَابَهُمُ الَّتِي تَلَوَّثَتْ بِسَبَبِ طَبِيعَتِهِمُ الجَسَدِيَّةِ.

تَسْبِيحُ الله

24 مُبَارَكٌ هُوَ اللهُ القَادِرُ أنْ يَحْفَظَكُمْ مِنَ الزَّلَلِ،
وَأنْ يُحضِرَكُمْ أمَامَ حُضُورِهِ المَجِيدِ دُونَ عَيْبٍ وَبِفَرَحٍ عَظِيمٍ.
25 إنَّهُ الإلَهُ الوَحِيدُ، وَمُخَلِّصُنَا.
يَظْهَرُ مَجْدُهُ وَجَلَالُهُ وَقُوَّتُهُ وَسُلطَانُهُ فِي رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ،
مِنَ الأزَلِ، وَالْآنَ، وَإلَى الأبَدِ. آمِين.

Footnotes

  1. 1‏:5 خلّص شعبه … لَمْ يؤمنوَا إشَارة إلَى خلَاص الشَّعْب القديم من مصر عَلَى يد موسى، ومَا وَاجهوه من غضب إلهي بسبب تمردهم بَعْدَ ذلك.
  2. 1‏:7 سدوم وعمورة مدينتَان دَمّرهمَا اللهُ قديمًا. انْظُرْ كتَاب التَّكْوِين 9.
  3. 1‏:11 قَايين ابْنُ آدم وحوَاء الَّذِي قتل أخَاه. انْظُرْ كتَاب التَّكْوِين 4‏:1‏-16.
  4. 1‏:11 بلعَام كَاهن وثني تآمر عَلَى شَعْب الله قديمًا. انْظُرْ كتَاب العَدَد 22‏-24، 2 بطرس 2‏:15، رؤيَا يُوحَنَّا 2‏:14.
  5. 1‏:11 قورح انْظُرْ كتَاب العَدَد 16‏:1‏-35.
  6. 1‏:12 موتَا مضَاعفَا مَرّة لأنّهَا لَمْ تثمر، ومرّة لأنّهَا اقتُلِعتْ.