تمثال الذهب والأتون المحمى

ثُمَّ صَنَعَ نَبُوخَذْنَصَّرُ تِمْثَالاً مِنْ ذَهَبٍ، ارْتِفَاعُهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً (نَحْوَ ثَلاثِينَ مِتْراً)، وَعَرْضُهُ سِتُّ أَذْرُعٍ (نَحْوَ ثَلاثَةِ أَمْتَارٍ)، وَنَصَبَهُ فِي سَهْلِ دُورَا فِي وِلايَةِ بَابِلَ. وَاسْتَدْعَى نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ جَمِيعَ أَقْطَابِ الدَّوْلَةِ وَوُلاتِهَا وَحُكَّامِهَا وَقُضَاتِهَا وَأُمَنَاءِ خَزَائِنِهَا وَمُسْتَشَارِيهَا، وَسَائِرَ كِبَارِ مُوَظَّفِي الأَقَالِيمِ، لِيَأْتُوا لِلاشْتِرَاكِ فِي تَدْشِينِ التِّمْثَالِ الَّذِي نَصَبَهُ. فَاجْتَمَعَ الأَقْطَابُ وَالْحُكَّامُ وَالْقُضَاةُ وَأُمَنَاءُ الْخَزَائِنِ وَالْمُسْتَشَارُونَ وَسَائِرُ عُظَمَاءِ الأَقَالِيمِ لِتَدْشِينِ التِّمْثَالِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ وَمَثَلُوا أَمَامَهُ. وَصَاحَ مُنَادٍ بِصَوْتٍ عَالٍ: «أَيُّهَا الشُّعُوبُ وَالأُمَمُ مِنْ كُلِّ لُغَةٍ وَلِسَانٍ، قَدْ صَدَرَ لَكُمْ أَمْرٌ أَنَّكُمْ حِينَ تَسْمَعُونَ أَصْوَاتَ بُوقِ الْقَرْنِ وَالنَّايِ وَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالْقِيثَارَةِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِزْمَارِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ الْمُوسِيقَى، تَنْحَنُونَ وَتَسْجُدُونَ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ. وَكُلُّ مَنْ لَا يَنْحَنِي وَيَسْجُدُ، يُلْقَى فَوْراً فِي وَسَطِ أَتُونِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ». لِهَذَا حَالَمَا سَمِعَتِ الشُّعُوبُ الْحَاضِرَةُ أَصْوَاتَ تِلْكَ الالاتِ الْمُوسِيقِيَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ، انْحَنَتْ وَسَجَدَتْ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الْمَنْصُوبِ.

غَيْرَ أَنَّ بَعْضاً مِنْ رِجَالِ الْكَلْدَانِيِّينَ تَقَدَّمُوا إِلَى الْمَلِكِ نَبُوخَذْنَصَّرَ وَاشْتَكَوْا عَلَى الْيَهُودِ قَائِلِينَ: «لِتَعِشْ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِلَى الأَبَدِ. 10 لَقَدْ أَصْدَرْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَمْراً أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْمَعُ أَصْوَاتَ بُوقِ الْقَرْنِ وَالنَّايِ وَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالْقِيثَارَةِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِزْمَارِ، وَكُلِّ أَنْوَاعِ الْمُوسِيقَى، يَنْحَنِي وَيَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ. 11 وَكُلُّ مَنْ يَأْبَى يُلْقَى فِي وَسَطِ أَتُونِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ. 12 وَهَا هُنَا رِجَالٌ يَهُودٌ مِمَّنْ وَلَّيْتَهُمْ عَلَى أَعْمَالِ إِقْلِيمِ بَابِلَ، هُمْ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو لَمْ يَأْبَهُوا لَكَ، وَلَمْ يَعْبُدُوا آلِهَتَكَ، وَلَمْ يَسْجُدُوا لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ».

13 حِينَئِذٍ أَمَرَ نَبُوخَذْنَصَّرُ بِاحْتِدَامِ غَضَبٍ وَغَيْظٍ أَنْ يُؤْتَى بِشَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو فَأَحْضَرُوهُمْ أَمَامَ الْمَلِكِ. 14 وَقَالَ لَهُمْ نَبُوخَذْنَصَّرُ: «أَحَقّاً يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو أَنَّكُمْ لَا تَعْبُدُونَ آلِهَتِي وَلا تَسْجُدُونَ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتُهُ؟ 15 وَالآنَ إِنْ كُنْتُمْ مُسْتَعِدِّينَ لَدَى سَمَاعِكُمْ صَوْتَ الالاتِ الْمُوسِيقِيَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ أَنْ تَنْحَنُوا وَتَسْجُدُوا لِلتِّمْثَالِ الَّذِي صَنَعْتُهُ، أَعْفُو عَنْكُمْ. وَلَكِنْ إِنْ أَبَيْتُمُ السُّجُودَ، تُطْرَحُونَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فِي وَسَطِ أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. وَأَيُّ إِلَهٍ يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ عِنْدَئِذٍ مِنْ يَدَيَّ؟»

16 فَأَجَابَهُ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو: «لا دَاعِيَ لأَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هَذَا الشَّأْنِ 17 لأَنَّ إِلَهَنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ قَادِرٌ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ، وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. 18 وَحَتَّى إِنْ لَمْ يُنْقِذْنَا، فَاعْلَمْ يَقِيناً أَيُّهَا الْمَلِكُ أَنَّنَا لَا نَعْبُدُ آلِهَتَكَ، وَلا نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ».

19 فَاسْتَشَاطَ نَبُوخَذْنَصَّرُ حَنَقاً وَاكْفَهَرَّ وَجْهُهُ غَضَباً عَلَى شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو، وَأَمَرَ أَنْ يُضْرِمُوا الأَتُونَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَادَةُ. 20 وَطَلَبَ مِنْ بَعْضِ رِجَالِ جَيْشِهِ الشُّجْعَانِ أَنْ يُوْثِقُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو وَيَطْرَحُوهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. 21 حِينَئِذٍ أُوْثِقَ الرِّجَالُ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ ثِيَابٍ وَسَرَاوِيلَ وَأَقْمِصَةٍ وَأَرْدِيَةٍ، وَطُرِحُوا فِي وَسَطِ أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. 22 وَإِذْ كَانَ أَمْرُ الْمَلِكِ صَارِماً وَالأَتُونُ قَدْ أُضْرِمَ أَشَدَّ إِضْرَامٍ، فَإِنَّ لَهِيبَ النَّارِ أَحْرَقَ الرِّجَالَ الَّذِينَ حَمَلُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو، وَطَرَحُوهُمْ فِي النَّارِ. 23 فَسَقَطَ هَؤُلاءِ الرِّجَالُ الثَّلاثَةُ مُوْثَقِينَ وَسَطَ أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ.

24 وَمَا لَبِثَتِ الْحَيْرَةُ أَنِ اعْتَرَتْ نَبُوخَذْنَصَّرَ، فَهَبَّ مُسْرِعاً وَقَالَ لِمُشِيرِيهِ: «أَلَمْ نَطْرَحْ ثَلاثَةَ رِجَالٍ مُوْثَقِينَ فِي وَسَطِ النَّارِ؟» فَأَجَابُوا: «صَحِيحٌ أَيُّهَا الْمَلِكُ». 25 فَقَالَ: «إِنِّي أَرَى أَرْبَعَةَ رِجَالٍ طَلِيقِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ النَّارِ، لَمْ يَنَلْهُمْ أَذىً، وَمَنْظَرُ الرَّابِعِ شَبِيهٌ بِابْنِ الآلِهَةِ».

26 ثُمَّ دَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ مِنْ بَابِ الأَتُونِ الْمُتَّقِدِ بِالنَّارِ وَهَتَفَ: «يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو يَا عَبِيدَ اللهِ الْعَلِيِّ، اخْرُجُوا وَتَعَالَوْا». فَخَرَجَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو مِنْ وَسَطِ النَّارِ. 27 فَأَحَاطَ الأَقْطَابُ وَالْوُلاةُ وَالْحُكَّامُ وَعُظَمَاءُ الدَّوْلَةِ بِهِمْ، فَوَجَدُوا أَنَّ النَّارَ لَمْ تُؤْذِ أَجْسَامَهُمْ، وَلَمْ تَحْتَرِقْ شَعْرَةٌ مِنْ رُؤُوسِهِمْ، وَلَمْ تَشِطْ ثِيَابُهُمْ، وَلَمْ تَعْلَقْ بِهِمْ رَائِحَةُ النَّارِ. 28 فَقَالَ نَبُوخَذْنَصَّرُ: «تَبَارَكَ إِلَهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو الَّذِي أَرْسَلَ مَلاكَهُ وَأَنْقَذَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَيْهِ وَخَالَفُوا أَمْرَ الْمَلِكِ وَبَذَلُوا أَجْسَادَهُمْ كَيْ لا يَعْبُدُوا أَوْ يَسْجُدُوا لإِلَهٍ غَيْرِ إِلَهِهِمْ. 29 لِهَذَا قَدْ صَدَرَ مِنِّي أَمْرٌ أَنَّ أَيَّ شَعْبٍ أَوْ أُمَّةٍ أَوْ قَوْمٍ مِنْ أَيِّ لِسَانٍ يَذُمُّونَ إِلَهَ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو، يُمَزَّقُونَ إِرْباً إِرْباً، وَتُصْبِحُ بُيُوتُهُمْ أَنْقَاضاً، إِذْ لَيْسَ هُنَاكَ إِلَهٌ آخَرُ يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّيَ مِثْلَهُ». 30 ثُمَّ رَفَعَ الْمَلِكُ مِنْ شَأْنِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو فِي وِلايَةِ بَابِلَ.

نبوخذنصر يحلم بشجرة

مِنْ نَبُوخَذْنَصَّرَ الْمَلِكِ إِلَى جَمِيعِ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَقْوَامِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ الْمُقِيمِينَ فِي كُلِّ الأَرْضِ: لِيَكْثُرْ سَلامُكُمْ. قَدْ طَابَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ بِالآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ الَّتِي صَنَعَهَا اللهُ الْعَلِيُّ، فَمَا أَعْظَمَ آيَاتِهِ وَمَا أَقْوَى عَجَائِبَهُ. إِنَّ مَلَكُوتَهُ أَبَدِيٌّ وَسُلْطَانَهُ يَدُومُ عَلَى مَدَى الأَجْيَالِ.

أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ كُنْتُ مُقِيماً مُطْمَئِنّاً فِي بَيْتِي، أَتَمَتَّعُ فِي الْبُحْبُوحَةِ فِي قَصْرِي، فَرَأَيْتُ حُلْماً أَثَارَ فَزَعِي، وَأَقْلَقَتْنِي عَلَى مَضْجَعِي أَفْكَارِي وَرُؤَى رَأْسِي، فَأَصْدَرْتُ أَمْراً بِاسْتِدْعَاءِ جَمِيعِ حُكَمَاءِ بَابِلَ أَمَامِي لِيُطْلِعُونِي عَلَى تَفْسِيرِ الْحُلْمِ. فَحَضَرَ الْمَجُوسُ وَالسَّحَرَةُ وَالْكَلْدَانِيُّونَ وَالْمُنَجِّمُونَ، فَسَرَدْتُ الْحُلْمَ عَلَيْهِمْ فَعَجَزُوا عَنْ تَفْسِيرِهِ. أَخِيراً مَثَلَ فِي حَضْرَتِي دَانِيَالُ الْمَدْعُو بَلْطَشَاصَّرَ، كَاسْمِ إِلَهِي، الَّذِي فِيهِ رُوحُ الآلِهَةِ الْقُدُّوسِينَ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْحُلْمَ.

قُلْتُ: «يَا بَلْطَشَاصَّرُ رَئِيسُ الْمَجُوسِ، إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ فِيكَ رُوحَ الآلهَةِ الْقُدُّوسِينَ وَلا يَتَعَذَّرُ عَلَيْكَ سِرٌّ، فَأَخْبِرْنِي بِرُؤَى حُلْمِي الَّذِي شَهِدْتُهُ وَبِتَفْسِيرِهِ. 10 وَهَذِهِ هِيَ الرُّؤْيَا الَّتِي شَهِدْتُهَا فِي مَنَامِي: رَأَيْتُ وَإذَا بِشَجَرَةٍ مُنْتَصِبَةٍ فِي وَسَطِ الأَرْضِ ذَاتِ ارْتِفَاعٍ عَظِيمٍ، 11 وَقَدْ نَمَتِ الشَّجَرَةُ وَقَوِيَتْ حَتَّى بَلَغَ ارْتِفَاعُهَا السَّمَاءَ، وَبَدَتْ لِلْعِيَانِ حَتَّى إِلَى أَطْرَافِ الأَرْضِ. 12 وَكَانَتْ أَوْرَاقُهَا جَمِيلَةً وَأَثْمَارُهَا كَثِيرَةً، تَوَافَرَ فِيهَا غِذَاءٌ لِلْجَمِيعِ، وَتَحْتَهَا تَسْتَظِلُّ وُحُوشُ الصَّحْرَاءِ وَتَأْوِي إِلَى أَغْصَانِهَا طُيُورُ السَّمَاءِ، وَمِنْهَا يَقْتَاتُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ. 13 ثُمَّ شَاهَدْتُ فِي الرُّؤَى وَأَنَا فِي مَنَامِي، وَإذَا بِرَقِيبٍ قُدُّوسٍ قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، 14 وَهَتَفَ بِصَوْتٍ مُدَوٍّ وَقَالَ: اقْطَعُوا الشَّجَرَةَ وَاقْضِبُوا أَغْصَانَهَا وَبَعْثِرُوا أَوْرَاقَهَا وَانْثُرُوا أَثْمَارَهَا، لِتَشْرُدَ الْوُحُوشُ مِنْ تَحْتِهَا، وَتَهْجُرَ الطُّيُورُ أَغْصَانَهَا. 15 وَلَكِنِ اتْرُكُوا سَاقَ أَصْلِهَا فِي الأَرْضِ، وَأَوْثِقُوهُ بَقَيْدٍ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ فِي وَسَطِ عُشْبِ الْحَقْلِ، لِيَبْتَلَّ بِنَدَى السَّمَاءِ، وَلْيَكُنْ طَعَامُهُ مِنْ عُشْبِ الْحَقْلِ مَعَ الْبَهَائِمِ. 16 وَلْيَتَحَوَّلْ عَقْلُهُ مِنْ عَقْلِ إِنْسَانٍ إِلَى عَقْلِ حَيَوَانٍ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَزْمِنَةٍ. 17 قَدْ صَدَرَ هَذَا الْقَضَاءُ عَنْ أَمْرِ الرُّقَبَاءِ السَّاهِرِينَ، وَقَرَارُ الْحُكْمِ بِكَلِمَةِ الْقُدُّوسِينَ، لِكَيْ يُدْرِكَ الأَحْيَاءُ أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ، يَهَبُهَا لِمَنْ يَشَاءُ، وَيُوَلِّي عَلَيْهَا أَحْقَرَهُمْ. 18 هَذَا هُوَ الْحُلْمُ الَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرَ الْمَلِكُ، وَعَلَيْكَ أَنْتَ يَا بَلْطَشَاصَّرُ أَنْ تُفَسِّرَهُ، لأَنَّ كُلَّ حُكَمَاءِ مَمْلَكَتِي قَدْ عَجَزُوا عَنْ إِطْلاعِي عَلَى تَفْسِيرِهِ. أَمَّا أَنْتَ فَتَسْتَطِيعُ ذَلِكَ لأَنَّ فِيكَ رُوحَ الآلِهَةِ الْقُدُّوسِينَ».

دانيال يفسر الحلم

19 حِينَئِذٍ انْتَابَتِ الْحَيْرَةُ دَانِيَالَ الْمَدْعُو بَلْطَشَاصَّرَ طَوَالَ سَاعَةٍ وَرَوَّعَتْهُ أَفْكَارُهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «لا يُفْزِعُكَ الْحُلْمُ وَلا تَفْسِيرُهُ يَا بَلْطَشَاصَّرُ». فَأَجَابَ: «لِيَرْتَدَّ الْحُلْمُ عَلَى مُبْغِضِيكَ وَتَفْسِيرُهُ عَلَى أَعَادِيكَ. 20 الشَّجَرَةُ الَّتِي شَاهَدْتَهَا وَالَّتِي نَمَتْ وَاشْتَدَّتْ وَبَلَغَ ارْتِفَاعُهَا السَّمَاءَ فَبَدَتْ لِلْعِيَانِ حَتَّى أَطْرَافِ الأَرْضِ، 21 وَكَانَتْ أَوْرَاقُهَا جَمِيلَةً وَأَثْمَارُهَا كَثِيرَةً، تَوَافَرَ فِيهَا غِذَاءٌ لِلْجَمِيعِ، وَتَحْتَهَا تَسْتَظِلُّ وُحُوشُ الصَّحْرَاءِ وَتَأْوِي إِلَى أَغْصَانِهَا طُيُورُ السَّمَاءِ، 22 هِيَ أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ الَّذِي نَمَوْتَ وَقَوِيَتْ شَوْكَتُكَ وَازْدَادَتْ عَظَمَتُكَ، حَتَّى بَلَغَتْ إِلَى السَّمَاءِ، وَسُلْطَانُكَ إِلَى أَطْرَافِ الأَرْضِ. 23 أَمَّا مَا شَاهَدْتَهُ مِنْ أَنَّ رَقِيباً قُدُّوساً قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: اقْطَعُوا الشَّجَرَةَ وَأَفْنُوهَا، وَلَكِنِ اتْرُكُوا سَاقَ أَصْلِهَا فِي الأَرْضِ، وَأَوْثِقُوهُ بِقَيْدٍ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ فِي وَسَطِ عُشْبِ الْحَقْلِ، لِيَبْتَلَّ بِنَدَى السَّمَاءِ، وَلْيَكُنْ طَعَامُهُ مِنْ عُشْبِ الْحَقْلِ مَعَ الْبَهَائِمِ، 24 فَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُهُ، وَهَذَا هُوَ قَضَاءُ الْعَلِيِّ الَّذِي يَحُلُّ بِسَيِّدِي الْمَلِكِ: 25 سَيَطْرُدُونَكَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ فَتَأْوِي مَعَ حَيَوَانِ الصَّحْرَاءِ، يُطْعِمُونَكَ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ، وَتَبْتَلُّ بِنَدَى السَّمَاءِ، إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عَلَيْكَ سَبْعَةُ أَزْمِنَةٍ، حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ يَهَبُهَا مَنْ يَشَاءُ. 26 أَمَّا الأَمْرُ الصَّادِرُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى سَاقِ الشَّجَرَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ مَمْلَكَتَكَ تَبْقَى لَكَ حَتَّى تُدْرِكَ أَنَّ السِّيَادَةَ هِيَ لِلسَّمَاءِ. 27 لِذَلِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، تَقَبَّلْ مَشُورَتِي وَتَخَلَّ عَنْ خَطَايَاكَ بِالْبِرِّ وَآثَامِكَ بِمُمَارَسَةِ الرَّحْمَةِ مَعَ الْبَائِسِينَ، عَسَى أَنْ يَطُولَ فَلاحُكَ».

الحلم يتحقق

28 وَقَدْ أَصَابَ نَبُوخَذْنَصَّرَ الْمَلِكَ كُلُّ مَا أَنْبَأَ بِهِ دَانِيَالُ. 29 فَبَعْدَ انْقِضَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً عَلَى هَذَا الْحُلْمِ، وَفِيمَا كَانَ نَبُوخَذْنَصَّرُ يَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ قَصْرِ بَابِلَ الْمَلَكِيِّ، 30 قَالَ: «أَلَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ بَابِلُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي بَنَيْتُهَا بِقُوَّةِ اقْتِدَارِي لِتَكُونَ عَاصِمَةً لِلْمَمْلَكَةِ، وَلِجَلالِ مَجْدِي؟» 31 وَفِيمَا كَانَتْ كَلِمَاتُهُ بَعْدُ تَتَرَدَّدُ عَلَى شَفَتَيْهِ تَجَاوَبَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ، لَكَ يَقُولُونَ الآنَ قَدْ زَالَ عَنْكَ الْمُلْكُ. 32 ثُمَّ يَطْرُدُونَكَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ فَتَأْوِي مَعَ حَيَوَانِ الصَّحْرَاءِ، وَيُطْعِمُونَكَ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عَلَيْكَ سَبْعَةُ أَزْمِنَةٍ، حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ يَهَبُهَا لِمَنْ يَشَاءُ».

33 فِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَمَّ حُكْمُ الْقَضَاءِ عَلَى نَبُوخَذْنَصَّرَ، فَطُرِدَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ وَأَكَلَ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ، وَابْتَلَّ جِسْمُهُ بِنَدَى السَّمَاءِ حَتَّى اسْتَرْخَى شَعْرُهُ مِثْلَ النُّسُورِ، وَطَالَتْ أَظْفَارُهُ مِثْلَ بَرَاثِنِ الطُّيُورِ.

34 وَفِي خِتَامِ السَّبْعَةِ الأَزْمِنَةِ، أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، الْتَفَتُّ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَرَجَعَ إِلَيَّ عَقْلِي، وَبَارَكْتُ الْعَلِيَّ وَسَبَّحْتُ وَحَمَدْتُ الْحَيَّ الأَبَدِيَّ ذَا السُّلْطَانِ السَّرْمَدِيِّ، الَّذِي مُلْكُهُ عَلَى مَدَى الأَجْيَالِ. 35 وَعَرَفْتُ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ الأَرْضِ لَا يُحْسَبُونَ شَيْئاً، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأَرْضِ، وَلَيْسَ مَنْ يَكُفُّ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟ 36 فِي ذَلِكَ الْحِينِ ثَابَ إِلَيَّ عَقْلِي، وعَادَ إِلَيَّ جَلالُ مَمْلَكَتِي وَمَجْدِي وَبَهَائِي، وَطَلَبَنِي مُشِيرِيَّ وَنُبَلاءُ دَوْلَتِي، وَتَثَبَّتُّ عَلَى عَرْشِ مَمْلَكَتِي وَازْدَادَتْ عَظَمَتِي جِدّاً. 37 فَالآنَ، أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، أُسَبِّحُ وَأُمَجِّدُ وَأَحْمَدُ مَلِكَ السَّمَاءِ الَّذِي جَمِيعُ أَعْمَالِهِ حَقٌّ، وَطُرُقُهُ عَادِلَةٌ وَقَادِرٌ عَلَى إذْلالِ كُلِّ مَنْ يَسْلُكُ بِالْكِبْرِيَاءِ.