المن والسلوى

16 ثُمَّ انْتَقَلَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ مِنْ إِيلِيمَ حَتَّى أَقْبَلُوا إِلَى صَحْرَاءِ سِينَ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ إِيلِيمَ وَسِينَاءَ، وَذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. وَهُنَاكَ فِي الصَّحْرَاءِ تَذَمَّرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَرُونَ، وَقَالُوا لَهُمَا: «لَيْتَ الرَّبَّ أَمَاتَنَا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فَهُنَاكَ كُنَّا نَجْلِسُ حَوْلَ قُدُورِ اللَّحْمِ نَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى الشَّبْعِ. وَهَا أَنْتُمَا قَدْ أَخْرَجْتُمَانَا إِلَى هَذِهِ الصَّحْرَاءِ لِتُمِيتَا كُلَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ جُوعاً».

فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هَا أَنَا أُمْطِرُ عَلَيْكُمْ خُبْزاً مِنَ السَّمَاءِ، فَيَخْرُجُ الشَّعْبُ وَيَلْتَقِطُ حَاجَةَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، لِكَيْ أَمْتَحِنَهُمْ، فَأَرَى إنْ كَانُوا يَسْلُكُونَ فِي شَرِيعَتِي أَمْ لا. وَلَكِنْ لِيَكُنْ مَا يَلْتَقِطُونَهُ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ ضِعْفَ مَا يَجْمَعُونَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ». فَقَالَ مُوسَى وَهَرُونُ لِجَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: «فِي الْمَسَاءِ تَعْلَمُونَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. وَفِي الصَّبَاحِ تُعَايِنُونَ مَجْدَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ تَذَمُّرَكُمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ مَنْ نَحْنُ حَتَّى تَتَذَمَّرُوا عَلَيْنَا؟» وَقَالَ مُوسَى أَيْضاً: «إِنَّكُمْ سَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ هُوَ الرَّبُّ، عِنْدَمَا يُعْطِيكُمْ لَحْماً فِي الْمَسَاءِ لِتَأْكُلُوا، وَخُبْزاً فِي الصَّبَاحِ لِتَشْبَعُوا، لأَنَّهُ سَمِعَ تَذَمُّرَكُمْ عَلَيْهِ. فَمَاذَا نَحْنُ؟ إِنَّكُمْ تَتَذَمَّرُونَ عَلَى اللهِ». وَقَالَ مُوسَى لِهَرُونَ: «قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ لأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ تَذَمُّرَهُمْ». 10 وَفِيمَا كَانَ هَرُونُ يُخَاطِبُ كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، الْتَفَتُوا نَحْوَ الصَّحْرَاءِ وَإذَا بِمَجْدِ الرَّبِّ قَدْ تَجَلَّى فِي السَّحَابِ. 11 فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: 12 «سَمِعْتُ تَذَمُّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقُلْ لَهُمْ: فِي الْمَسَاءِ تَأْكُلُونَ لَحْماً، وَفِي الصَّبَاحِ تَشْبَعُونَ خُبْزاً، فَتَعْلَمُونَ أَنَّنِي أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ».

13 فِي ذَلِكَ الْمَسَاءِ أَقْبَلَتْ طُيُورُ السَّلْوَى (السُّمَانَي) وَغَطَّتِ الْمُخَيَّمَ. وَفِي الصَّبَاحِ كَسَتْ طَبَقَةُ النَّدَى الأَرْضَ الْمُحِيطَةَ بِالْمُخَيَّمِ. 14 وَعِنْدَمَا زَالَتْ طَبَقَةُ النَّدَى إِذَا وَجْهُ الصَّحْرَاءِ مُغَطَّى بِشَيْءٍ رَقِيقٍ كالْقُشُورِ، مُكَتَّلٍ كَالْجَلِيدِ. 15 وَعِنْدَمَا رَآهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ «مَنْهُو» أَيْ مَا هَذَا؟ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مَا هُوَ. فَقَالَ لَهُمْ موُسَى: «هُوَ خُبْزُ الرَّبِّ الَّذِي أَعْطَاكُمْ لِتَأْكُلُوهُ. 16 وَهَذَا مَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ الرَّبُّ: الْتَقِطُوا مِنْهُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ مَأْكَلِهِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ عُمِراً (نَحْوَ لِتْرَيْنِ وَنِصْفِ اللِّتْرِ) وَفْقاً لِعَدَدِ أَهْلِ بَيْتِهِ الْمُقِيمِينَ مَعَهُ فِي خَيْمَتِهِ».

17 فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ هَكَذَا فَمِنْهُمْ مَنِ الْتَقَطَ مُكَثِّراً، وَمِنْهُمْ مَنِ الْتَقَطَ مُقِلًّا. 18 وَلَكِنْ عِنْدَمَا كَالُوا بِالعُمِرِ مَا الْتَقَطُوهُ، فَإِنَّ الْمُكَثِّرَ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ، وَالمُقِلَّ لَمْ يَنْقُصْهُ شَيْءٌ، فَجَمَعَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ مَأْكَلِهِ. 19 وَقَالَ مُوسَى لَهُمْ: «لا يُبْقِ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئاً إِلَى الصَّبَاحِ».

20 وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَسْمَعْ لِمُوسَى، بَلْ أَبْقَوْا مِنْهُ لِلصَّبَاحِ، فَتَوَلَّدَ فِيهِ دُودٌ وَأَنْتَنَ. فَسَخَطَ عَلَيْهِمْ مُوسَى. 21 فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَلْتَقِطُ كُلَّ صَبَاحٍ عَلَى قَدْرِ مَأْكَلِهِ. وَمَا إِنْ تَشْتَدُّ حَرَارَةُ الشَّمْسِ حَتَّى يَذُوبَ مَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَى الأَرْضِ.

22 أَمَّا فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ فَكَانُوا يَلْتَقِطُونَ مِنَ الْخُبْزِ الضِّعْفَ، أَيْ عُمِرَيْنِ (نَحْوَ خَمْسَةِ لِتْرَاتٍ) لِكُلِّ وَاحِدٍ فَجَاءَ رُؤَسَاءُ الْجَمَاعَةِ وَأَبْلَغُوا الأَمْرَ لِمُوسَى. 23 فَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ الرَّبُّ. غَداً يَكُونُ يَوْمَ رَاحَةٍ، سَبْتاً مُقَدَّساً لِلرَّبِّ. اخْبِزُوا مَا تُرِيدُونَ خَبْزَهُ وَاطْبُخُوا مَا تَشَاؤُونَ، وَاحْتَفِظُوا بِمَا يَفْضُلُ إِلَى الصَّبَاحِ». 24 فَأَبْقُوهُ إِلَى الصَّبَاحِ كَمَا أَمَرَ مُوسَى، فَلَمْ يُنْتِنْ وَلا صَارَ فِيهِ دُودٌ. 25 وَقَالَ مُوسَى: «كُلُوا الْيَوْمَ لأَنَّ الْيَوْمَ هُوَ سَبْتٌ لِلرَّبِّ، إذْ لَنْ تَجِدُوا الْيَوْمَ طَعَاماً فِي الْحَقْلِ. 26 سِتَّةَ أَيَّامٍ تَلْتَقِطُونَهُ وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَهُوَ سَبْتٌ وَلَنْ تَجِدُوا فِيهِ طَعَاماً».

27 غَيْرَ أَنَّ أُنَاساً مِنْهُمْ خَرَجُوا فِي السَّبْتِ لِيَلْتَقِطُوا مِنْهُ، فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئاً. 28 ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «إِلَى مَتَى تَأْبُونَ حِفْظَ وَصَايَايَ وَشَرِيعَتِي؟ 29 انْظُرُوا. فَهَا الرَّبُّ قَدْ أَعْطَاكُمُ السَّبْتَ لِذَلِكَ هُوَ يُقَدِّمُ لَكُمْ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ خُبْزَ يَوْمَيْنِ، فَلْيَلْبَثْ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ وَلا يُغَادِرْهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ». 30 فَاسْتَرَاحَ الشَّعْبُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. 31 وَدَعَا شَعْبُ إِسْرَائِيلَ الْخُبْزَ «مَنّاً». وَكَانَ أَبْيَضَ كَبِزْرِ الْكُزْبَرَةِ، وَمَذَاقُهُ كَرِقَاقٍ مَصْنُوعَةٍ بِعَسَلٍ.

32 وَقَالَ مُوسَى: «إِلَيْكُمْ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّبُّ: احْفَظُوا مِلْءَ الْعُمِرِ مِنْهُ ذِكْرَى لأَجْيَالِكُمُ الْمُقْبِلَةِ، لِكَيْ يَرَوْا الْخُبْزَ الَّذِي أَطْعَمْتُكُمْ بِهِ فِي الصَّحْرَاءِ عِنْدَمَا أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ». 33 وَقَالَ مُوسَى لِهَرُونَ: «خُذْ إِنَاءً وَاجْعَلْ فِيهِ مِقْدَارَ عُمِرٍ مِنَ الْمَنِّ وَضَعْهُ أَمَامَ الرَّبِّ لِيَظَلَّ مَحْفُوظاً فِي أَجْيَالِكُمْ». 34 وَكَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى وَضَعَهُ هَرُونُ أَمَامَ الشَّهَادَةِ حِفَاظاً عَلَيْهِ. 35 وَاقْتَاتَ الإِسْرَائِيلِيُّونَ بِالمَنِّ طَوَالَ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى جَاءُوا إِلَى تُخُومِ أَرْضِ كَنْعَانَ الْعَامِرَةِ بِالسُّكَّانِ. 36 وَأَمَّا الْعُمِرُ فَهُوَ عُشْرُ الإِيفَةِ.

ماء من الصخرة

17 وَتَنَقَّلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى مَرَاحِلَ، مِنْ صَحْرَاءِ سِينَ بِمُقْتَضَى أَمْرِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ خَيَّمُوا فِي رَفِيدِيمَ حَيْثُ لَمْ يَجِدُوا مَاءً لِلشُّرْبِ. فَتَخَاصَمَ الشَّعْبُ مَعَ مُوسَى قَائِلِينَ: «أَعْطُونَا مَاءً لِنَشْرَبَ». فَأَجَابَ مُوسَى: «لِمَاذَا تُخَاصِمُونَنِي؟ وَلِمَاذَا تَجَرِّبُونَ الرَّبَّ؟» وَلَكِنَّ الشَّعْبَ كَانَ مُتَعَطِّشاً إِلَى الْمَاءِ، فَتَذَمَّرُوا عَلَى مُوسَى وَقَالُوا: «لِمَاذَا أَخْرَجْتَنَا مِنْ مِصْرَ لِتُمِيتَنَا وَأَوْلادَنَا وَمَوَاشِينَا عَطَشاً؟» فَصَرَخَ مُوسَى إِلَى الرَّبِّ: «مَاذَا أَصْنَعُ بِهَذَا الشَّعْبِ؟ إِنَّهُمْ يَكَادُونَ يَرْجُمُونَنِي» فَأَجَابَهُ الرَّبُّ: «تَقَدَّمِ الشَّعْبَ وَخُذْ مَعَكَ بَعْضَ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَخُذْ بِيَدِكَ عَصَاكَ أَيْضاً الَّتِي ضَرَبْتَ بِها النَّهْرَ، فَهَا أَنَا أَقِفُ هُنَاكَ أَمَامَكَ عَلَى الصَّخْرَةِ فِي حُورِيبَ. اضْرِبِ الصَّخْرَةَ فَيَنْفَجِرَ مِنْهَا الْمَاءُ لِيَشْرَبَ الشَّعْبُ». وَهَكَذَا فَعَلَ مُوسَى أَمَامَ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ. وَدَعَا اسْمَ الْمَوْضِعِ مَسَّةَ وَمَرِيبَةَ (وَمَعْنَاهُ الامْتِحَانُ وَالمُخَاصَمَةُ) نَتِيجَةً لِتَخَاصُمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَامْتِحَانِهِمْ لِلرَّبِّ قَائِلِينَ: «هَلِ الرَّبُّ فِي وَسْطِنَا أَمْ لا؟»

هزيمة العمالقة

وَخَرَجَ الْعَمَالِقَةُ وَحَارَبُوا إِسْرَائِيلَ فِي رَفِيدِيمَ. فَقَالَ مُوسَى لِيَشُوعَ: «انْتَخِبْ بَعْضَ رِجَالِنَا وَامْضِ لِمُحَارَبَةِ عَمَالِيقَ. وَهَا أَنَا أَقِفُ غَداً عَلَى قِمَّةِ التَّلِّ وَعَصَا اللهِ فِي يَدِي». 10 فَحَارَبَ يَشُوعُ الْعَمَالِقَةَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى. وَصَعِدَ مُوسَى وَهَرُونُ وَحُورُ عَلَى قِمَّةِ التَّلَّةِ. 11 فَطَالَمَا كَانَ مُوسَى رَافِعاً يَدَهُ، يَغْلِبُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَإذَا خَفَضَهَا يَفُوزُ الْعَمَالِقَةُ. 12 وَعِنْدَمَا دَبَّ التَّعَبُ فِي يَدَيْ مُوسَى أَخَذَ هَرُونُ وَحُورُ حَجَراً وَوَضَعَاهُ تَحْتَهُ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَأَسْنَدَ هَرُونُ وَحُورُ يَدَيْهِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ جَانِبٍ. وَهَكَذَا بَقِيَتْ يَدَاهُ مَرْفُوعَتَيْنِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ. 13 فَهَزَمَ يَشُوعُ الْعَمَالِقَةَ وَجَيْشَهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ.

14 فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «دَوِّنْ هَذَا فِي الْكِتَابِ لِلتَّذْكَارِ، وَاتْلُهُ عَلَى يَشُوعَ، لأَنَّنِي سَأَمْحُو ذِكْرَ الْعَمَالِقَةِ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ». 15 وَشَيَّدَ مُوسَى مَذْبَحاً لِلرَّبِّ دَعَاهُ «يَهْوَهْ نِسِّي» (وَمَعْنَاهُ: الرَّبُّ رَايَتِي أَوْ عَلَمِي)، 16 قَائِلاً: «لأَنَّ يَداً ارْتَفَعَتْ ضِدَّ عَرْشِ الرَّبِّ، فَإِنَّ الرَّبَّ سَيُحَارِبُ الْعَمَالِقَةَ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ».

يثرون يزور موسى

18 وَسَمِعَ يَثْرُونُ كَاهِنُ مِدْيَانَ وَحَمُو مُوسَى بِجَمِيعِ مَا أَجْرَاهُ اللهُ لِمُوسَى وَلإِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ، وَكَيْفَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ، فَأَخَذَ يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى صَفُّورَةَ زَوْجَةَ مُوسَى الَّتِي كَانَ قَدْ أَرْجَعَهَا إِلَى أَبِيهَا وَابْنَيْهَا اللَّذَيْنِ يُدْعَى أَحَدُهُمَا جِرْشُومَ (وَمَعْنَاهُ: غَرِيبٌ) لأَنَّ (مُوسَى) قَالَ: «كُنْتُ نَزِيلاً فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ». وَاسْمُ الثَّانِي أَلِيعَازَرُ (وَمَعْنَاهُ: إِلَهِي عَوْنٌ لِي) لأَنَّهُ قَالَ: «إِلَهُ أَبِي كَانَ عَوْنِي، فَأَنْقَذَنِي مِنْ سَيْفِ فِرْعَوْنَ». وَقَدِمَ يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى وَمَعَهُ ابْنَا مُوسَى وَزَوْجَتُهُ إِلَى مُوسَى فِي الصَّحْرَاءِ حَيْثُ كَانَ مُجْتَمِعاً عِنْدَ جَبَلِ اللهِ. فَأَرْسَلَ إِلَى مُوسَى قَائِلاً: «أَنَا حَمُوكَ يَثْرُونُ قَادِمٌ إِلَيْكَ وَمَعِي زَوْجَتُكَ وَابْنَاهَا». فَخَفَّ مُوسَى لاِسْتِقْبَالِ حَمِيهِ، وَانْحَنَى لَهُ احْتِرَاماً وَقَبَّلَهُ. وَسَأَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرَ عَنْ أَحْوَالِهِ، ثُمَّ دَخَلا إِلَى الْخَيْمَةِ.

وَسَرَدَ مُوسَى عَلَى حَمِيهِ كُلَّ مَا أَجْرَاهُ الرَّبُّ عَلَى فِرْعَوْنَ وَالْمِصْرِيِّينَ لإِنْقَاذِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَا تَعَرَّضُوا لَهُ مِنْ مَشَقَّةٍ فِي الطَّرِيقِ، وَكَيْفَ أَنْقَذَهُمُ الرَّبُّ مِنْهَا. فَاغْتَبَطَ يَثْرُونُ بِجَمِيعِ مَا صَنَعَهُ الرَّبُّ مِنْ إِحْسَانٍ إِلَى إِسْرَائِيلَ، إذْ أَنْقَذَهُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ. 10 وَقَالَ يَثْرُونُ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ الَّذِي أَنْقَذَكُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ، وَحَرَّرَ الشَّعْبَ مِنْ نِيرِ الْمِصْرِيِّينَ. 11 الآنَ أَعْلَمُ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ الآلِهَةِ، لأَنَّهُ عَامَلَهُمْ بِمِثْلِ مَا بَغَوْا بِهِ». 12 وَقَدَّمَ يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى مُحْرَقَةً وَذَبَائِحَ لِلهِ. وَجَاءَ هَرُونُ وَجَمِيعُ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ لِيَأْكُلُوا طَعَاماً مَعَ حَمِي مُوسَى فِي حَضْرَةِ اللهِ.

13 وَفِي الصَّبَاحِ جَلَسَ مُوسَى لِيَقْضِيَ لِلشَّعْبِ، وَظَلَّ الشَّعْبُ وَاقِفاً لَدَى مُوسَى مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى المَسَاءِ. 14 فَلَمَّا رَأَى حَمُو مُوسَى جَمِيعَ مَا يَقُومُ بِهِ لِلشَّعْبِ قَالَ لَهُ: «مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعُهُ لِلشَّعْبِ؟ وَلِمَاذَا تَجْلِسُ وَحْدَك لِلْقَضَاءِ، بِيْنَمَا يَظَلُّ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَاقِفاً لَدَيْكَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ؟» 15 فَأَجَابَ مُوسَى: «لأَنَّ الشَّعْبَ يُقْبِلُ إِلَيَّ لِيَسْتَطْلِعَ إرَادَةَ اللهِ. 16 فَإِنْ كَانَ لَهُمْ دَعْوَى يَلْجَأُونَ إِلَيَّ فَأَقْضِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالآخَرِ، وَأُطْلِعُهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللهِ وَشَرَائِعِهِ».

17 فَقَالَ حَمُو مُوسَى: «إِنَّ مَا تَفْعَلُهُ لَيْسَ بِالأَمْرِ الصَّائِبِ، 18 إذْ لابُدَّ لِلْكَلَلِ أَنْ يَعْتَرِيَكَ أَنْتَ وَكُلَّ هَذَا الشَّعْبِ الَّذِي مَعَكَ، لأَنَّ الأَمْرَ فَوْقَ طَاقَتِكَ، وَلا يُمْكِنُكَ أَنْ تَتَوَلاهُ وَحْدَكَ. 19 فَأَصْغِ إِلَى صَوْتِي لأُسْدِيَ لَكَ نَصِيحَةً، وَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ. فَلْتَكُنْ أَنْتَ مُمَثِّلَ الشَّعْبِ أَمَامَ اللهِ، فَتَرْفَعَ إِلَيْهِ دَعَاوَاهُمْ. 20 وَعَلِّمْهُمُ الْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ، وَأَعْلِنْ لَهُمُ الطَّرِيقَ الَّذِي يَسْلُكُونَهُ، وَمَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِمِ الْقِيَامُ بِهِ مِنْ أَعْمَالٍ. 21 وَلَكِنِ اخْتَرْ مِنْ بَيْنِ الشَّعْبِ رِجَالاً مُقْتَدِرِينَ خَائِفِينَ اللهَ أُمَنَاءَ يُبْغِضُونَ الرِّشْوَةَ، تُقِيمُهُمْ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ لِفِئَاتِ الأُلُوفِ وَالْمِئَاتِ وَالْخَمَاسِينَ وَالْعَشَرَاتِ. 22 فَيَقْضُونَ لِلشَّعْبِ فِي الدَعَاوَى الصَّغِيرَةِ فِي كُلِّ حِينٍ. أَمَّا الْقَضَايَا الْمُسْتَعْصِيَةُ فَيَرْفَعُونَهَا إِلَيْكَ، فَيُخَفِّفُ ذَلِكَ عَنْكَ، إذْ يُشَارِكُونَكَ فِي حَمْلِ الْعِبْءِ. 23 فَإِنْ فَعَلْتَ هَذَا وَأَوْصَاكَ اللهُ بِهِ، أَمْكَنَكَ الْقِيَامُ بِمَسْؤولِيَّاتِكَ، وَيَمْضِي جَمِيعُ هَذَا الشَّعْبِ إِلَى مَكَانِهِ بِسَلامٍ».

24 فَاسْتَمَعَ مُوسَى إِلَى نِصيحَةِ حَمِيهِ، وَنَفَّذَ كُلَّ مَا قَالَهُ لَهُ، 25 وَاخْتَارَ مُوسَى مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الإِسْرَائِيلِيِّينَ رِجَالاً مُقْتَدِرِينَ، وَأَقَامَهُمْ عَلَى الشَّعْبِ، رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ وَمِئَاتٍ وَخَمَاسِينَ وَعَشَرَاتٍ. 26 فَكَانُوا يَقْضُونَ لِلشَّعْبِ فِي كُلِّ الدَعَاوَى الصَّغِيرَةِ. أَمَّا الْقَضَايَا الُمُسْتَعْصِيَةُ فَكَانُوا يَرْفَعُونَهَا إِلَى مُوسَى. 27 ثُمَّ شَيَّعَ مُوسَى حَمَاهُ، فَرَجَعَ هَذَا إِلَى أَرْضِهِ.

الأعظم في ملكوت السماوات

18 فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، تَقَدَّمَ التَّلامِيذُ إِلَى يَسُوعَ يَسْأَلُونَهُ: «مَنْ هُوَ الأَعْظَمُ، إِذَنْ، فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ؟» فَدَعَا إِلَيْهِ وَلَداً صَغِيراً وَأَوْقَفَهُ وَسْطَهُمْ، وَقَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَتَحَوَّلُونَ وَتَصِيرُونَ مِثْلَ الأَوْلادِ الصِّغَارِ، فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ أَبَداً. فَمَنِ اتَّضَعَ فَصَارَ مِثْلَ هَذَا الْوَلَدِ الصَّغِيرِ، فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَمَنْ قَبِلَ بِاسْمِي وَلَداً صَغِيراً مِثْلَ هَذَا، فَقَدْ قَبِلَنِي.

مسببو العثرات

وَمَنْ كَانَ عَثْرَةً لأَحَدِ هَؤُلاءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي، فَأَفْضَلُ لَهُ لَوْ عُلِّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَأُغْرِقَ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ. الْوَيْلُ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ! فَلابُدَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ؛ وَلكِنِ الْوَيْلُ لِمَنْ تَأْتِي الْعَثَرَاتُ عَلَى يَدِهِ! فَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَخّاً لَكَ، فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ: أَفْضَلُ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ وَيَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ مَقْطُوعَةٌ، مِنْ أَنْ تُطْرَحَ فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ. وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ فَخّاً لَكَ، فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ: أَفْضَلُ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ وَعَيْنُكَ مَقْلُوعَةٌ، مِنْ أَنْ تُطْرَحَ فِي جَهَنَّمِ النَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ. 10 إِيَّاكُمْ أَنْ تَحْتَقِرُوا أَحَداً مِنْ هَؤُلاءِ الصِّغَارِ! فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلائِكَتَهُمْ فِي السَّمَاءِ يُشَاهِدُونَ كُلَّ حِينٍ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.

مَثل الخروف الضائع

11 فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ الْهَالِكِينَ. 12 مَا رَأْيُكُمْ فِي إِنْسَانٍ كَانَ عِنْدَهُ مِئَةُ خَرُوفٍ، فَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا: أَفَلا يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ فِي الْجِبَالِ، وَيَذْهَبُ يَبْحَثُ عَنِ الضَّالِّ؟ 13 الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ إِذَا وَجَدَهُ، فَإِنَّهُ يَفْرَحُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ فَرَحِهِ بِالتِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الَّتِي لَمْ تَضِلّ! 14 وَهكَذَا، لَا يَشَاءُ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاءِ الصِّغَارِ.

إن أخطأ إليك أخوك

15 إِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ، فَاذْهَبْ إِلَيْهِ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَلَى انْفِرَادٍ. فَإِذَا سَمِعَ لَكَ، تَكُونُ قَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. 16 وَإذَا لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَخاً آخَرَ أَوِ اثْنَيْنِ، حَتَّى يَثْبُتَ كُلُّ أَمْرٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ. 17 فَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، فَاعْرِضِ الأَمْرَ عَلَى الْكَنِيسَةِ. فَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ لِلْكَنِيسَةِ أَيْضاً، فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَجَابِي الضَّرَائِبِ. 18 فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ قَدْ رُبِطَ فِي السَّمَاءِ، وَمَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ قَدْ حُلَّ فِي السَّمَاءِ. 19 وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: إِذَا اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ في أَيِّ أَمْرٍ، مَهْمَا كَانَ مَا يَطْلُبَانِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 20 فَإِنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ بِاسْمِي، فَأَنَا أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ».

Read full chapter