المحاكمة أمام فيلكس

24 وَبَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ حَضَرَ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ وَفْدٌ يَضُمُّ حَنَانِيَّا، رَئِيسَ الْكَهَنَةِ، وَبَعْضَ الشُّيُوخِ، وَمُحَامِياً اسْمُهُ تَرْتُلُّسُ، لِيُقَدِّمُوا الدَّعْوَى لِلْحَاكِمِ ضِدَّ بُولُسَ. فَاسْتَدْعَى الْحَاكِمُ بُولُسَ، وَبَدَأَ تَرْتُلُّسُ يُوَجِّهُ إِلَيْهِ الاتِّهَامَ، فَقَالَ:

«إِنَّ مَا تَمَّ لَنَا بِفَضْلِكَ مِنْ سَلامٍ وَافِرٍ وَإِصْلاحَاتٍ انْتَفَعَ بِها شَعْبُنَا بِعِنَايَتِكَ يَا سُمُوَّ الْحَاكِمِ فِيلِكْسَ نُرَحِّبُ بِهِ، بِجُمْلَتِهِ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ، بِالشُّكْرِ الْجَزِيلِ. وَلأَنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أُطِيلَ الْكَلامَ عَلَيْكَ، أَرْجُو أَنْ تَتَلَطَّفَ فَتَسْمَعَ عَرْضاً مُوجَزاً لِدَعْوَانَا: وَجَدْنَا هَذَا الْمُتَّهَمَ مُخَرِّباً، يُثِيرُ الْفِتْنَةَ بَيْنَ جَمِيعِ الْيَهُودِ فِي الْبِلادِ كُلِّهَا، وَهُوَ يَتَزَعَّمُ مَذْهَبَ النَّصَارَى. فَلَمَّا حَاوَلَ تَدْنِيسَ هَيْكَلِنَا أَيْضاً، قَبَضْنَا عَلَيْهِ وَأَرَدْنَا أَنْ نُحَاكِمَهُ بِحَسَبِ شَرِيعَتِنَا. وَلَكِنَّ الْقَائِدَ لِيسِياسَ جَاءَ وَأَخَذَهُ بِالْقُوَّةِ مِنْ أَيْدِينَا، ثُمَّ أَمَرَ الْمُدَّعِينَ عَلَيْهِ بِالتَّرَافُعِ أَمَامَكَ. وَتَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ تَتَيَقَّنَ مِنْ صِحَّةِ دَعْوَانَا إِذَا قُمْتَ بِاسْتِجْوَابِهِ فِي هَذَا الأَمْرِ!» وَأَيَّدَ الْيَهُودُ أَعْضَاءُ الْوَفْدِ ادِّعَاءَ الْمُحَامِي زَاعِمِينَ أَنَّهُ صَحِيحٌ.

10 وَأَشَارَ الْحَاكِمُ إِلَى بُولُسَ أَنْ يُقَدِّمَ دِفَاعَهُ، فَقَالَ: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ تَحْكُمُ فِي قَضَايَا أُمَّتِنَا مُنْذُ سَنَوَاتٍ عَدِيدَةٍ، وَلِذَلِكَ يَسُرُّنِي تَقْدِيمُ دِفَاعِي عَنْ نَفْسِي بِكُلِّ ارْتِيَاحٍ. 11 وَيُمْكِنُكَ أَنْ تَتَأَكَّدَ أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ عَلَى وُصُولِي إِلَى أُورُشَلِيمَ، لِلْعِبَادَةِ، أَكْثَرُ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْماً. 12 وَلَمْ يَرَنِي أَحَدٌ مِنَ الْيَهُودِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْهَيْكَلِ أَوِ الْمَجَامِعِ أُجَادِلُ أَحَداً أَوْ أُحَرِّضُ الشَّعْبَ عَلَى الْفَوْضَى. 13 وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُثْبِتُوا اتِّهَامَهُمْ لِي أَمَامَكَ الآنَ. 14 وَلَكِنِّي أَعْتَرِفُ أَمَامَكَ بِأَنِّي أَعْبُدُ إِلهَ آبَائِي بِحَسَبِ الْمَذْهَبِ الَّذِي يَصِفُونَهُ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَأُومِنُ بِكُلِّ مَا كُتِبَ فِي الشَّرِيعَةِ وَكُتُبِ الأَنْبِيَاءِ، 15 وَلِي بِاللهِ مَالَهُمْ مِنْ رَجَاءٍ يَنْتَظِرُونَ تَحْقِيقَهُ: وَهُوَ أَنَّ الْقِيَامَةَ سَتَحْدُثُ لِلأَمْوَاتِ، الأَبْرَارِ مِنْهُمْ وَالأَشْرَارِ. 16 لِذَلِكَ أَنَا أَيْضاً أُدَرِّبُ نَفْسِي لِكَيْ أَحْيَا دَائِماً بِضَمِيرٍ نَقِيٍّ أَمَامَ اللهِ وَالنَّاسِ. 17 وَبَعْدَ غِيَابِ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ، رَجَعْتُ إِلَيْهَا أَحْمِلُ بَعْضَ التَّبَرُّعَاتِ إِلَى شَعْبِي، وَأُقَرِّبُ تَقْدِمَاتٍ. 18 وَبَيْنَمَا كُنْتُ أَقُومُ بِذَلِكَ، رَآنِي فِي الْهَيْكَلِ بَعْضُ يَهُودِ مُقَاطَعَةِ آسِيَّا، وَكُنْتُ قَدْ تَطَهَّرْتُ. لَمْ أَكُنْ وَقْتَئِذٍ وَسْطَ أَيِّ تَجَمُّعٍ، وَلا كُنْتُ أُثِيرُ الْفَوْضَى. 19 وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ دَلِيلٌ ضِدِّي، لَكَانُوا حَضَرُوا أَمَامَكَ وَشَكَوْنِي حَسَبَ الأُصُولِ. 20 وَالآنَ، لِيَذْكُرِ الْحَاضِرُونَ هُنَا الذَّنْبَ الَّذِي وَجَدُوهُ عَلَيَّ عِنْدَمَا حَاكَمُونِي أَمَامَ مَجْلِسِهِمْ، 21 غَيْرَ مَا أَعْلَنْتُهُ أَمَامَهُمْ حِينَ قُلْتُ: أَنْتُمْ تُحَاكِمُونَنِي الْيَوْمَ بِسَبَبِ إِيمَانِي بِقِيَامَةِ الأَمْوَاتِ».

22 وَكَانَ فِيلِكْسُ يَعْرِفُ عَنْ كَثَبٍ أُمُورَ الطَّرِيقِ، فَلَمَّا سَمِعَ دِفَاعَ بُولُسَ أَرْجَأَ إِصْدَارَ الْحُكْمِ، وَقَالَ لِلْوَفْدِ الْمُدَّعِي: «سَأَحْكُمُ فِي دَعْوَاكُمْ عِنْدَمَا يَحْضُرُ الْقَائِدُ لِيسِيَاسُ». 23 ثُمَّ أَمَرَ قَائِدَ الْمِئَةِ بِوَضْعِ بُولُسَ تَحْتَ الْحِرَاسَةِ، عَلَى أَنْ تَكُونَ لَهُ بَعْضُ الْحُرِّيَّةِ، وَأَنْ يُسْمَحَ لأَصْدِقَائِهِ بِزِيَارَتِهِ وَالْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ.

24 وَبَعْدَ بِضْعَةِ أَيَّامٍ جَاءَ فِيلِكْسُ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ دُرُوسِلا، وَكَانَتْ يَهُودِيَّةً، فَاسْتَدْعَى بُولُسَ وَاسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِهِ عَنِ الإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ. 25 وَلَمَّا تَحَدَّثَ بُولُسُ عَنِ الْبِرِّ وَضَبْطِ النَّفْسِ وَالدَّيْنُونَةِ الآتِيَةِ ارْتَعَبَ فِيلِكْسُ، وَقَالَ لِبُولُسَ: «اذْهَبِ الآنَ، وَمَتَى تَوَفَّرَ لِيَ الْوَقْتُ أَسْتَدْعِيكَ ثَانِيَةً». 26 وَكَانَ فِيلِكْسُ يَأْمُلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ بُولُسُ بَعْضَ الْمَالِ لِيُطْلِقَهُ، فَأَخَذَ يُكْثِرُ مِنِ اسْتِدْعَائِهِ وَالْحَدِيثِ مَعَهُ. 27 وَمَرَّتْ سَنَتَانِ وَبُولُسُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ. وَأَخِيراً تَعَيَّنَ بُورْكِيُوسُ فَسْتُوسُ حَاكِماً خَلَفاً لِفِيلِكْسَ. وَإِذْ أَرَادَ فِيلِكْسُ أَنْ يَكْسِبَ رِضَى الْيَهُودِ تَرَكَ بُولُسَ فِي السِّجْنِ.

المحاكمة أمام فستوس

25 بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ لِتَوَلِّي فَسْتُوسَ مَنْصِبَهُ، ذَهَبَ مِنْ قَيْصَرِيَّةَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. فَجَاءَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَوُجَهَاءُ الْيَهُودِ وَعَرَضُوا لَهُ دَعْوَاهُمْ ضِدَّ بُولُسَ، وَطَلَبُوا مِنْهُ بِإِلْحَاحٍ أَنْ يُكْرِمَهُمْ بِإِحْضَارِ بُولُسَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَكَانُوا قَدْ نَصَبُوا لَهُ كَمِيناً عَلَى الطَّرِيقِ لِيَغْتَالُوهُ. فَأَجَابَهُمْ فَسْتُوسُ بِأَنَّ بُولُسَ سَيَبْقَى مُحْتَجَزاً فِي قَيْصَرِيَّةَ وَأَنَّهُ هُوَ سَيَعُودُ إِلَيْهَا بَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ. وَقَالَ: «لِيَذْهَبْ مَعِي أَصْحَابُ النُّفُوذِ مِنْكُمْ؛ فَإِنْ كَانَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ ذَنْبٌ مَا، فَلْيَتَّهِمُوهُ بِهِ أَمَامِي!»

وَقَضَى فَسْتُوسُ فِي أُورُشَلِيمَ أَيَّاماً لَا تَزِيدُ عَلَى الثَّمَانِيَةِ أَوِ الْعَشَرَةِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي لِوُصُولِهِ جَلَسَ عَلَى مَنَصَّةِ الْقَضَاءِ، وَأَمَرَ بِإِحْضَارِ بُولُسَ. فَلَمَّا حَضَرَ اجْتَمَعَ حَوْلَهُ الْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، وَوَجَّهُوا إِلَيْهِ تُهَماً كَثِيرَةً وَخَطِيرَةً عَجَزُوا عَنْ إِثْبَاتِ صِحَّتِهَا. فَدَافَعَ بُولُسُ عَنْ نَفْسِهِ قَائِلاً: «لَمْ أَرْتَكِبْ ذَنْباً فِي حَقِّ شَرِيعَةِ الْيَهُودِ، أَوِ الْهَيْكَلِ، أَوِ الْقَيْصَرِ». وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَادَ فَسْتُوسُ أَنْ يَكْسِبَ رِضَى الْيَهُودِ، فَسَأَلَ بُولُسَ: «هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَيْثُ تَجْرِي مُحَاكَمَتُكَ بِحُضُورِي عَلَى هَذِهِ التُّهَمِ؟» 10 فَأَجَابَ بُولُسُ: «أَنَا مَاثِلٌ الآنَ فِي مَحْكَمَةِ الْقَيْصَرِ، وَأَمَامَهَا يَجِبُ أَنْ تَجْرِيَ مُحَاكَمَتِي. لَمْ أَرْتَكِبْ ذَنْباً فِي حَقِّ الْيَهُودِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا جَيِّداً. 11 وَلَوْ كُنْتُ ارْتَكَبْتُ جَرِيمَةً أَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا عُقُوبَةَ الإِعْدَامِ، لَمَا كُنْتُ أَهْرُبُ مِنَ الْمَوْتِ. وَلكِنْ مَادَامَتْ تُهَمُ هَؤُلاءِ لِي بِلا أَسَاسٍ، فَلا يَحِقُّ لأَحَدٍ أَنْ يُسَلِّمَنِي إِلَيْهِمْ لِيُحَاكِمُونِي. إِنِّي أَسْتَأْنِفُ دَعْوَايَ إِلَى الْقَيْصَرِ!» 12 وَتَدَاوَلَ فَسْتُوسُ الأَمْرَ مَعَ مُسْتَشَارِيهِ، ثُمَّ قَالَ لِبُولُسَ: «مَادُمْتَ قَدِ اسْتَأْنَفْتَ دَعْوَاكَ إِلَى الْقَيْصَرِ، فَإِلَى الْقَيْصَرِ تَذْهَبُ!»

فستوس يستشير الملك أغريباس

13 وَبَعْدَ بِضْعَةِ أَيَّامٍ جَاءَ الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ وَبَرْنِيكِي إِلَى قَيْصَرِيَّةَ لِيُسَلِّمَا عَلَى فَسْتُوسَ. 14 وَمَكَثَا هُنَاكَ أَيَّاماً عَدِيدَةً. فَعَرَضَ فَسْتُوسُ عَلَى الْمَلِكِ قَضِيَّةَ بُولُسَ قَائِلاً: «هُنَا رَجُلٌ تَرَكَهُ فِيلِكْسُ سَجِيناً. 15 وَلَمَّا ذَهَبْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ شَكَاهُ إِلَيَّ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ، وَطَالَبُوا بِإِصْدَارِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ. 16 فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الرُّومَانِ أَنْ يُصْدِرُوا حُكْماً عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ أَن يُوَاجِهَ الَّذِينَ يَتَّهِمُونَهُ، لِتُتَاحَ لَهُ فُرْصَةُ الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهِ. 17 فَلَمَّا جَاءُوا إِلَى هُنَا أَسْرَعْتُ فِي الْيَوْمِ التَّالِي وعَقَدْتُ جَلْسَةً لِلنَّظَرِ فِي الْقَضِيَّةِ، وَأَمَرْتُ بِإِحْضَارِ الْمُتَّهَمِ. 18 فَلَمَّا قَابَلَهُ مُتَّهِمُوهُ لَمْ يَذْكُرُوا ذَنْباً وَاحِداً مِمَّا كُنْتُ أَتَوَقَّعُ أَنْ يَتَّهِمُوهُ بِهِ، 19 بَلْ جَادَلُوهُ فِي مَسَائِلَ تَخْتَصُّ بِدِيَانَتِهِمْ وَبِرَجُلٍ اسْمُهُ يَسُوعُ، مَاتَ وبُولُسُ يَقُولُ إِنَّهُ حَيٌّ! 20 فَحِرْتُ فِي الأَمْرِ، وَعَرَضْتُ عَلَى الْمُتَّهَمِ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيُحَاكَمَ هُنَاكَ، 21 إِلّا أَنَّهُ اسْتَأْنَفَ دَعْوَاهُ إِلَى جَلالَةِ الْقَيْصَرِ لِيُحَاكَمَ فِي حَضْرَتِهِ، فَأَمَرْتُ بِحِرَاسَتِهِ حَتَّى أُرْسِلَهُ إِلَى الْقَيْصَرِ». 22 فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِفَسْتُوسَ: «أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ مَا يَقُولُهُ هَذَا الرَّجُلُ». فَأَجَابَ: «غَداً تَسْمَعُهُ».

بولس أمام أغريباس

23 وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي جَاءَ أَغْرِيبَاسُ وَبَرْنِيكِي، وَاسْتُقْبِلا بِاحْتِفَالٍ بَاذِخٍ، إِذْ دَخَلا قَاعَةَ الاسْتِمَاعِ يُحِيطُ بِهِمَا الْقَادَةُ الْعَسْكَرِيُّونَ وَوُجَهَاءُ الْمَدِينَةِ. وَأَمَرَ فَسْتُوسُ بِإِحْضَارِ بُولُسَ. 24 فَلَمَّا أُحْضِرَ قَالَ فَسْتُوسُ: «أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، وَالسَّادَةُ الْحَاضِرُونَ هُنَا جَمِيعاً: أَمَامَكُمْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي شَكَاهُ إِلَيَّ الشَّعْبُ الْيَهُودِيُّ كُلُّهُ فِي أُورُشَلِيمَ وَهُمْ يَصْرُخُونَ أَنَّهُ يَجِبُ أَلّا يَبْقَى حَيًّا 25 وَتَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَسْتَحِقُّ الإِعْدَامَ. وَلَكِنَّهُ اسْتَأْنَفَ دَعْوَاهُ إِلَى جَلالَةِ الْقَيْصَرِ، فَقَرَّرْتُ أَنْ أُرْسِلَهُ إِلَيْهِ. 26 وَلَكِنْ لَيْسَ لِي شَيْءٌ أَكِيدٌ أَكْتُبُهُ إِلَى جَلالَةِ الْقَيْصَرِ بِشَأْنِهِ. لِذَلِكَ أَحْضَرْتُهُ أَمَامَكُمْ جَمِيعاً، وَخَاصَّةً أَمَامَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، حَتَّى إِذَا تَمَّ النَّظَرُ فِي قَضِيَّتِهِ أَجِدُ مَا أَكْتُبُهُ. 27 فَمِنْ غَيْرِ الْمَعْقُولِ، كَمَا أَرَى، أَنْ أُرْسِلَ إِلَى الْقَيْصَرِ سَجِيناً دُونَ تَحْدِيدِ التُّهَمِ الْمُوَجَّهَةِ إِلَيْهِ!»

26 فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِبُولُسَ: «إِنَّنَا نَسْمَحُ لَكَ بِالدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِكَ». فَأَشَارَ بُولُسُ بِيَدِهِ، وَابْتَدَأَ دِفَاعَهُ قَائِلاً: «أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، يُسْعِدُنِي أَنْ أُدَافِعَ عَنْ نَفْسِي فِي حَضْرَتِكَ، وَأَرُدَّ كُلَّ مَا يَتَّهِمُنِي بِهِ الْيَهُودُ، وَبِخَاصَّةٍ لأَنَّكَ تَعْرِفُ تَمَاماً طُقُوسَهُمْ وَمُجَادَلاتِهِمْ. فَأَلْتَمِسُ أَنْ تَسْمَعَنِي بِرَحَابَةِ صَدْرٍ. إِنَّ الْيَهُودَ جَمِيعاً يَعْرِفُونَ نَشْأَتِي مِنَ الْبَدَايَةِ. فَقَدْ عِشْتُ بَيْنَ شَعْبِي فِي أُورُشَلِيمَ مُنْذُ صِغَرِي. وَمَادَامُوا يَعْرِفُونَنِي مِنَ الْبَدَايَةِ، فَلَوْ أَرَادُوا لَشَهِدُوا أَنَّنِي كُنْتُ فَرِّيسِيًّا، أَيْ تَابِعاً لِلْمَذْهَبِ الأَكْثَرِ تَشَدُّداً فِي دِيَانَتِنَا. وَأَنَا الْيَوْمَ أُحَاكَمُ لأَنَّ لِي رَجَاءً بِأَنْ يُحَقِّقَ اللهُ مَا وَعَدَ بِهِ آبَاءَنَا، وَمَازَالَتْ أَسْبَاطُ شَعْبِنَا الاثْنَا عَشَرَ تُوَاظِبُ عَلَى الْعِبَادَةِ لَيْلَ نَهَارَ رَاجِيَةً تَحْقِيقَهُ. مِنْ أَجْلِ هَذَا الرَّجَاءِ، أَيُّهَا الْمَلِكُ، يَتَّهِمُنِي الْيَهُودُ. لِمَاذَا لَا تُصَدِّقُونَ أَنَّ اللهَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ؟ وَكُنْتُ أَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ أَبْذُلَ غَايَةَ جَهْدِي لأُقَاوِمَ اسْمَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ. 10 وَقَدْ عَمِلْتُ عَلَى تَنْفِيذِ خُطَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ بِتَفْوِيضٍ خَاصٍّ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ، فَأَلْقَيْتُ فِي السِّجْنِ عَدَداً كَبِيراً مِنَ الْقِدِّيسِينَ. وَكُنْتُ أُعْطِي صَوْتِي بِالْمُوَافَقَةِ عِنْدَمَا كَانَ الْمَجْلِسُ يَحْكُمُ بِإِعْدَامِهِمْ. 11 وَكَمْ عَذَّبْتُهُمْ فِي الْمَجَامِعِ كُلِّهَا لأُجْبِرَهُمْ عَلَى التَّجْدِيفِ. وَقَدْ بَلَغَ حِقْدِي عَلَيْهِمْ دَرَجَةً جَعَلَتْنِي أُطَارِدُهُمْ فِي الْمُدُنِ الَّتِي فِي خَارِجِ الْبِلادِ.

12 وَتَوَجَّهْتُ إِلَى مَدِينَةِ دِمَشْقَ بِتَفْوِيضٍ وَتَرْخِيصٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ، 13 فَرَأَيْتُ، أَيُّهَا الْمَلِكُ، عَلَى الطَّرِيقِ عِنْدَ الظُّهْرِ نُوراً يَفُوقُ نُورَ الشَّمْسِ يَسْطَعُ حَوْلِي وَحَوْلَ مُرَافِقِيَّ، 14 فَسَقَطْنَا كُلُّنَا عَلَى الأَرْضِ. وَسَمِعْتُ صَوْتاً يُنَادِينِي بِاللُّغَةِ الْعِبْرِيَّةِ قَائِلاً: شَاوُلُ، شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ يَصْعُبُ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ الْمَنَاخِسَ. 15 فَسَأَلْتُ: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَأَجَابَ: أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. 16 انْهَضْ وَقِفْ عَلَى قَدَمَيْكَ، فَقَدْ ظَهَرْتُ لَكَ لأُعَيِّنَكَ خَادِماً لِي وَشَاهِداً بِهَذِهِ الرُّؤْيَا الَّتِي تَرَانِي فِيهَا الآنَ، وَبِالرُّؤَى الَّتِي سَتَرَانِي فِيهَا بَعْدَ الْيَوْمِ. 17 وَسَأُنْقِذُكَ مِنْ شَعْبِكَ وَمِنَ الأُمَمِ الَّتِي أُرْسِلُكَ إِلَيْهَا الآنَ، 18 لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنَ الظَّلامِ إِلَى النُّورِ، وَمِنْ سَيْطَرَةِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ، فَيَنَالُوا غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيباً بَيْنَ الَّذِينَ تَقَدَّسُوا بِالإِيمَانِ بِي.

19 وَمِنْ ذَلِكَ الْحِينِ لَمْ أُعَانِدِ الرُّؤْيَا السَّمَاوِيَّةَ، أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ. 20 فَبَشَّرْتُ أَهْلَ دِمَشْقَ أَوَّلاً، ثُمَّ أَهْلَ أُورُشَلِيمَ وَمِنْطَقَةِ الْيَهُودِيَّةِ كُلِّهَا، ثُمَّ الأَجَانِبَ. فَدَعَوْتُ الْجَمِيعَ إِلَى التَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إِلَى اللهِ، وَالْقِيَامِ بِأَعْمَالٍ تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. 21 وَبِسَبَبِ تَبْشِيرِي قَبَضَ الْيَهُودُ عَلَيَّ فِي الْهَيْكَلِ وَحَاوَلُوا أَنْ يَقْتُلُونِي، 22 وَلَكِنَّ اللهَ حَفِظَنِي حَتَّى هَذَا الْيَوْمِ، وَبِمَعُونَتِهِ أَقِفُ أَمَامَ الْبُسَطَاءِ وَالْعُظَمَاءِ شَاهِداً لَهُ وَلَسْتُ أَحِيدُ عَمَّا تَنَبَّأَ بِهِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءُ، 23 مِنْ أَنَّ الْمَسِيحَ سَيَتَأَلَّمُ فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَقُومُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، وَيُبَشِّرُ بِالنُّورِ شَعْبَنَا وَالشُّعُوبَ الأُخْرَى».

24 وَمَا إِنْ وَصَلَ بُولُسُ فِي دِفَاعِهِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ، حَتَّى قَاطَعَهُ فَسْتُوسُ قَائِلاً بِصَوْتٍ عَالٍ: «جُنِنْتَ يَا بُولُسُ! إِنَّ تَبَحُّرَكَ فِي الْعِلْمِ أَصَابَكَ بِالْجُنُونِ!» 25 فَقَالَ بُولُسُ: «لَسْتُ مَجْنُوناً يَا سُمُوَّ الْحَاكِمِ فَسْتُوسَ، فَأَنَا أَنْطِقُ بِكَلامِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ. 26 وَالْمَلِكُ الَّذِي أُخَاطِبُهُ الآنَ صَرَاحَةً يَعْرِفُ هَذِهِ الأُمُورَ الَّتِي أَتَحَدَّثُ عَنْهَا، وَأَنَا مُتَأَكِّدٌ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا، لأَنَّهَا لَمْ تَحْدُثْ فِي زَاوِيَةٍ مُظْلِمَةٍ! 27 أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، أَتُصَدِّقُ أَقْوَالَ الأَنْبِيَاءِ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ تُصَدِّقُهَا!» 28 فَأَجَابَ أَغْرِيبَاسُ: «قَلِيلاً بَعْدُ، وَتُقْنِعُنِي بِأَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا!» 29 فَقَالَ بُولُسُ: «سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلاً أَمْ كَثِيراً، فَإِنَّ صَلاتِي إِلَى اللهِ لأَجْلِكَ وَلأَجْلِ الْحَاضِرِينَ هُنَا جَمِيعاً أَنْ تَصِيرُوا مِثْلِي، ولكِنْ دُونَ هَذِهِ السَّلاسِلِ!»

30 بَعْدَ ذَلِكَ قَامَ الْمَلِكُ وَالْحَاكِمُ وَبَرْنِيكِي وَالْحَاضِرُونَ 31 وَتَرَكُوا الْقَاعَةَ، وَهُمْ يَقُولُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لَمْ يَرْتَكِبْ هَذَا الرَّجُلُ مَا يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ أَوِ السَّجْنَ». 32 وَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِفَسْتُوسَ: «لَوْ لَمْ يَسْتَأْنِفْ هَذَا الرَّجُلُ دَعْوَاهُ إِلَى الْقَيْصَرِ لَكَانَ يُمْكِنُ إِطْلاقُهُ!»