مقدمة للموعظة على الجبل

وَإِذْ رَأَى جُمُوعَ النَّاسِ، صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ. وَمَا إِنْ جَلَسَ، حَتَّى اقْتَرَبَ إِلَيْهِ تَلامِيذُهُ. فَتَكَلَّمَ وَأَخَذَ يُعَلِّمُهُمْ.

التطويبات

فَقَالَ: «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، فَإِنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَى لِلْحَزَانَى، فَإِنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، فَإِنَّهُمْ سَيَرِثُونَ الأَرْضَ. طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، فَإِنَّهُمْ سَيُشْبَعُونَ. طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، فَإِنَّهُمْ سَيُرْحَمُونَ. طُوبَى للأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، فَإِنَّهُمْ سَيَرَوْنَ اللهَ. طُوبَى لِصَانِعِي السَّلامِ، فَإِنَّهُمْ سَيُدْعَوْنَ أَبْنَاءَ اللهِ. 10 طُوبَى لِلْمُضْطَهَدِينَ مِنْ أَجْلِ الْحَقِّ، فَإِنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 11 طُوبَى لَكُمْ مَتَى أَهَانَكُمُ النَّاسُ وَاضْطَهَدُوكُمْ، وَقَالُوا عَلَيْكُمْ مِنْ أَجْلِي كُلَّ سُوءٍ كَاذِبِينَ. 12 اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، فَإِنَّ مُكَافَأَتَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ عَظِيمَةٌ. فَإِنَّهُمْ هكَذَا اضْطَهَدُوا الأَنْبِيَاءَ مِنْ قَبْلِكُمْ!

ملح الأرض ونور العالم

13 أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ. فَإِذَا فَسَدَ الْمِلْحُ، فَمَاذَا يُعِيدُ إِلَيْهِ مُلُوحَتَهُ؟ إِنَّهُ لَا يَعُودُ يَصْلُحُ لِشَيْءٍ إِلّا لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجاً لِتَدُوسَهُ النَّاسُ!

14 أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لَا يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جَبَلٍ؛ 15 وَلا يُضِيءُ النَّاسُ مِصْبَاحاً ثُمَّ يَضَعُونَهُ تَحْتَ مِكْيَالٍ، بَلْ يَضَعُونَهُ فِي مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ لِيُضِيءَ لِجَمِيعِ مَنْ فِي الْبَيْتِ. 16 هكَذَا، فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ أَمَامَ النَّاسِ، لِيَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.

تحقيق وإكمال الشريعة

17 لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْغِيَ الشَّرِيعَةَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأُلْغِيَ، بَلْ لأُكَمِّلَ. 18 فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، لَنْ يَزُولَ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ، حَتَّى يَتِمَّ كُلُّ شَيْءٍ. 19 فَأَيُّ مَنْ خَالَفَ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى، وَعَلَّمَ النَّاسَ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلَهُ، يُدْعَى الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ بِها وَعَلَّمَهَا، فَيُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. 20 فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ يَزِدْ صَلاحُكُمْ عَلَى صَلاحِ الْكَتَبَةِ والْفَرِّيسِيِّينَ، فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ أَبَداً.

القتل

21 سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلأَقْدَمِينَ: لَا تَقْتُلْ! وَمَنْ قَتَلَ يَسْتَحِقُّ الْمُحَاكَمَةَ. 22 أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ، يَسْتَحِقُّ الْمُحَاكَمَةَ؛ وَمَنْ يَقُولُ لأَخِيهِ: يَا تَافِهُ! يَسْتَحِقُّ الْمُثُولَ أَمَامَ الْمَجْلِسِ الأَعْلَى؛ وَمَنْ يَقُولُ: يَا أَحْمَقُ! يَسْتَحِقُّ نَارَ جَهَنَّمَ! 23 فَإِذَا جِئْتَ بِتَقْدِمَتِكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئاً عَلَيْكَ، 24 فَاتْرُكْ تَقْدِمَتَكَ أَمَامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ أَوَّلاً وَصَالِحْ أَخَاكَ، ثُمَّ ارْجِعْ وَقَدِّمْ تَقْدِمَتَكَ. 25 سَارِعْ إِلَى اسْتِرْضَاءِ خَصْمِكَ وَأَنْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ إِلَى الْمَحْكَمَةِ، قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَكَ الْخَصْمُ إِلَى الْقَاضِي، فَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الشُّرَطِيِّ، فَيُلْقِيَكَ فِي السِّجْنِ. 26 وَالْحَقَّ أَقُولُ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَخْرُجَ مِنَ السِّجْنِ حَتَّى تُوْفِيَ الْفَلْسَ الأَخِيرَ!

الزنى

27 وَسَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: لَا تَزْنِ! 28 أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ بِقَصْدِ أَنْ يَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِها فِي قَلْبِهِ! 29 فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى فَخّاً لَكَ، فَاقْلَعْهَا وَارْمِهَا عَنْكَ، فَخَيْرٌ لَكَ أَنْ تَفْقِدَ عُضْواً مِنْ أَعْضَائِكَ وَلا يُطْرَحَ جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ! 30 وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى فَخّاً لَكَ، فَاقْطَعْهَا وَارْمِهَا عَنْكَ، فَخَيْرٌ لَكَ أَنْ تَفْقِدَ عُضْواً مِنْ أَعْضَائِكَ وَلا يُطْرَحَ جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ!

الطلاق

31 وَقِيلَ أَيْضاً: مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، فَلْيُعْطِهَا وَثِيقَةَ طَلاقٍ. 32 أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ لِغَيْرِ عِلَّةِ الزِّنَى، فَهُوَ يَجْعَلُهَا تَرْتَكِبُ الزِّنَى. وَمَنْ تَزَوَّجَ بِمُطَلَّقَةٍ، فَهُوَ يَرْتَكِبُ الزِّنَى.

الحلف

33 وَسَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلأَقْدَمِينَ: لَا تُخَالِفْ قَسَمَكَ، بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ مَا نَذَرْتَهُ لَهُ. 34 أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لَا تَحْلِفُوا أَبَداً، لَا بِالسَّمَاءِ لأَنَّهَا عَرْشُ اللهِ، 35 وَلا بِالأَرْضِ لأَنَّهَا مَوْطِئُ قَدَمَيْهِ، وَلا بِأُورُشَلِيمَ لأَنَّهَا مَدِينَةُ الْمَلِكِ الأَعْظَمِ. 36 وَلا تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ لأَنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ شَعْرَةً وَاحِدَةً فِيهَا بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ. 37 لِيَكُنْ كَلامُكُمْ: نَعَمْ، إِنْ كَانَ نَعَمْ؛ أَوْ: لا، إِنْ كَانَ لا. وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ.

عين بعين

38 وَسَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. 39 أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لَا تُقَاوِمُوا الشَّرَّ بِمِثْلِهِ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ، فَأَدِرْ لَهُ الْخَدَّ الآخَرَ؛ 40 وَمَنْ أَرَادَ مُحَاكَمَتَكَ لِيَأْخُذَ ثَوْبَكَ، فَاتْرُكْ لَهُ رِدَاءَكَ أَيْضاً؛ 41 وَمَنْ سَخَّرَكَ أَنْ تَسِيرَ مِيلاً، فَسِرْ مَعَهُ مِيلَيْنِ. 42 مَنْ طَلَبَ مِنْكَ شَيْئاً، فَأَعْطِهِ. وَمَنْ جَاءَ يَقْتَرِضُ مِنْكَ، فَلا تَرُدَّهُ خَائِباً!

محبة الأعداء

43 وَسَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44 أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَبَارِكُوا لاعِنِيكُمْ، وَأَحْسِنُوا مُعَامَلَةَ الَّذِينَ يُبْغِضُونَكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَضْطَهِدُونَكُمْ، 45 فَتَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ: فَإِنَّهُ يُشْرِقُ بِشَمْسِهِ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَغَيْرِ الأَبْرَارِ. 46 فَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيَّةُ مُكَافَأَةٍ لَكُمْ؟ أَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى جُبَاةُ الضَّرَائِبِ؟ 47 وَإِنْ رَحَّبْتُمْ بِإِخْوَانِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ شَيْءٍ فَائِقٍ لِلْعَادَةِ تَفْعَلُونَ؟ أَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى الْوَثَنِيُّونَ؟ 48 فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ، كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ هُوَ كَامِلٌ!

الصدقة

احْذَرُوا مِنْ أَنْ تَعْمَلُوا الْخَيْرَ أَمَامَ النَّاسِ بِقَصْدِ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكُمْ. وَإلَّا، فَلَيْسَ لَكُمْ مُكَافَأَةٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. فَإِذَا تَصَدَّقْتَ عَلَى أَحَدٍ، فَلا تَنْفُخْ أَمَامَكَ فِي الْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُنَافِقُونَ فِي الْمَجَامِعِ وَالشَّوَارِعِ، لِيَمْدَحَهُمُ النَّاسُ. الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدْ نَالُوا مُكَافَأَتَهُمْ. أَمَّا أَنْتَ، فَعِنْدَمَا تَتَصَدَّقُ عَلَى أَحَدٍ، فَلا تَدَعْ يَدَكَ الْيُسْرَى تَعْرِفُ مَا تَفْعَلُهُ الْيُمْنَى. لِتَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ، وَأَبُوكَ السَّمَاوِيُّ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ، هُوَ يُكَافِئُكَ.

الصلاة

وَعِنْدَمَا تُصَلُّونَ، لَا تَكُونُوا مِثْلَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا وَاقِفِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ لِيَرَاهُمُ النَّاسُ. الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدْ نَالُوا مُكَافَأَتَهُمْ. أَمَّا أَنْتَ، فَعِنْدَمَا تُصَلِّي، فَادْخُلْ غُرْفَتَكَ، وَأَغْلِقِ الْبَابَ عَلَيْكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. وَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ، هُوَ يُكَافِئُكَ. وَعِنْدَمَا تُصَلُّونَ، لَا تُكَرِّرُوا كَلاماً فَارِغاً كَمَا يَفْعَلُ الْوَثَنِيُّونَ، ظَنّاً مِنْهُمْ أَنَّهُ بِالإِكْثَارِ مِنَ الْكَلامِ، يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلا تَكُونُوا مِثْلَهُمْ، لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ.

فَصَلُّوا أَنْتُمْ مِثْلَ هَذِهِ الصَّلاةِ: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ! 10 لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ! لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ عَلَى الأَرْضِ كَمَا هِيَ فِي السَّمَاءِ! 11 خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ! 12 وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا! 13 وَلا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ، لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ. آمِين.

14 فَإِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلّاتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ زَلّاتِكُمْ. 15 وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ، لَا يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ زَلّاتِكُمْ.

الصوم

16 وَعِنْدَمَا تَصُومُونَ، لَا تَكُونُوا عَابِسِي الْوُجُوهِ، الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُمْ قَدْ نَالُوا مُكَافَأَتَهُمْ. 17 أَمَّا أَنْتَ، فَعِنْدَمَا تَصُمْ، فَاغْسِلْ وَجْهَكَ، وَعَطِّرْ رَأْسَكَ، 18 لِكَيْ لَا تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِماً، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. وَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ، هُوَ يُكَافِئُكَ.

الكنوز في السماء

19 لَا تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً عَلَى الأَرْضِ، حَيْثُ يُفْسِدُهَا السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَيَنْقُبُ عَنْهَا اللُّصُوصُ وَيَسْرِقُونَ. 20 بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لَا يُفْسِدُهَا سُوسٌ وَلا يَنْقُبُ عَنْهَا لُصُوصٌ وَلا يَسْرِقُونَ. 21 فَحَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ، هُنَاكَ أَيْضاً يَكُونُ قَلْبُكَ!

22 الْعَيْنُ مِصْبَاحُ الْجَسَدِ. فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ سَلِيمَةً، يَكُونُ جَسَدُكَ كُلُّهُ مُنَوَّراً. 23 وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ سَيِّئَةً، يَكُونُ جَسَدُكَ كُلُّهُ مُظْلِماً. فَإِذَا كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاماً، فَمَا أَشَدَّ الظَّلامَ!

24 لَا يُمْكِنُ لأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِسَيِّدَيْنِ: لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ أَحَدَهُمَا وَيُحِبَّ الآخَرَ، وَإِمَّا أَنْ يُلازِمَ أَحَدَهُمَا وَيَهْجُرَ الآخَرَ. لَا يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَكُونُوا عَبِيداً لِلهِ وَالْمَالِ مَعاً.

لا تهتموا

25 لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لَا تَهْتَمُّوا لِمَعِيشَتِكُمْ بِشَأْنِ مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَشْرَبُونَ، وَلا لأَجْسَادِكُمْ بِشَأْنِ مَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ طَعَامٍ، وَالْجَسَدُ أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ كِسَاءٍ؟ 26 تَأَمَّلُوا طُيُورَ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لَا تَزْرَعُ وَلا تَحْصُدُ وَلا تَجْمَعُ فِي مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَعُولُهَا. أَفَلَسْتُمْ أَنْتُمْ أَفْضَلَ مِنْهَا كَثِيراً؟ 27 فَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا حَمَلَ الْهُمُومَ يَقْدِرُ أَنْ يُطِيلَ عُمْرَهُ وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 28 وَلِمَاذَا تَحْمِلُونَ هَمَّ الْكِسَاءِ؟ تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو: إِنَّهَا لَا تَتْعَبُ وَلا تَغْزِلُ؛ 29 وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: حَتَّى سُلَيْمَانُ فِي قِمَّةِ مَجْدِهِ لَمْ يَلْبَسْ مَا يُعَادِلُ وَاحِدَةً مِنْهَا جَمَالاً! 30 فَإِنْ كَانَ اللهُ هَكَذَا يُلْبِسُ الأَعْشَابَ الْبَرِّيَّةَ، مَعَ أَنَّهَا تُوْجَدُ الْيَوْمَ وَتُطْرَحُ غَداً فِي النَّارِ، أَفَلَسْتُمْ أَنْتُمْ، يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ، أَوْلَى جِدّاً بِأَنْ يَكْسُوَكُمْ؟ 31 فَلا تَحْمِلُوا الْهَمَّ قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ: مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ: مَاذَا نَلْبَسُ؟ 32 فَهَذِهِ كُلُّهَا يَسْعَى إِلَيْهَا أَهْلُ الدُّنْيَا. فَإِنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ حَاجَتَكُمْ إِلَى هَذِهِ كُلِّهَا. 33 أَمَّا أَنْتُمْ، فَاطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. 34 لَا تَهْتَمُّوا بِأَمْرِ الْغَدِ، فَإِنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِأَمْرِ نَفْسِهِ. يَكْفِي كُلَّ يَوْمٍ مَا فِيهِ مِنْ سُوءٍ!

الحكم على الآخرين

لَا تَدِينُوا لِئَلّا تُدَانُوا. فَإِنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِها تَدِينُونَ تُدَانُونَ؛ وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. لِمَاذَا تُلاحِظُ الْقَشَّةَ فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَلكِنَّكَ لَا تَتَنَبَّهُ إِلَى الْخَشَبَةِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي فِي عَيْنِكَ؟ أَوْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْنِي أُخْرِجُ الْقَشَّةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا هِيَ الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ أَنْتَ! يَا مُنَافِقَ! أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَعِنْدَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّداً لِتُخْرِجَ الْقَشَّةَ مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ. لَا تُعْطُوا الْمُقَدَّسَاتِ لِلْكِلابِ، وَلا تَطْرَحُوا جَوَاهِرَكُمْ أَمَامَ الْخَنَازِيرِ، لِكَيْ لَا تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَنْقَلِبَ عَلَيْكُمْ فَتُمَزِّقَكُمْ.

اسألوا، اطلبوا، اقرعوا

اِسْأَلُوا، تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا، تَجِدُوا. اِقْرَعُوا، يُفْتَحْ لَكُمْ. فَكُلُّ مَنْ يَسْأَلْ، يَنَلْ؛ وَمَنْ يَطْلُبْ، يَجِدْ؛ وَمَنْ يَقْرَعْ، يُفْتَحْ لَهُ. وَإلَّا، فَأَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ يَطْلُبُ مِنْهُ ابْنُهُ خُبْزاً، فَيُعْطِيهِ حَجَراً، 10 أَوْ سَمَكَةً، فَيُعْطِيهِ حَيَّةً؟ 11 فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ، تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلادَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالأَوْلَى جِدّاً يُعْطِي أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ عَطَايَا جَيِّدَةً لِلَّذِينَ يَطْلُبُونَ مِنْهُ؟ 12 إِذَنْ، كُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يُعَامِلَكُمُ النَّاسُ بِهِ، فَعَامِلُوهُمْ أَنْتُمْ بِهِ أَيْضاً: هَذِهِ خُلاصَةُ تَعْلِيمِ الشَّرِيعَةِ وَالأَنْبِيَاءِ.

الباب الضيق والباب الواسع

13 اُدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ! فَإِنَّ الْبَابَ الْمُؤَدِّيَ إِلَى الْهَلاكِ وَاسِعٌ وَطَرِيقَهُ رَحْبٌ؛ وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ. 14 مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَصْعَبَ الطَّرِيقَ الْمُؤَدِّيَ إِلَى الْحَيَاةِ! وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ.

الشجرة وثمرها

15 اِحْذَرُوا الأَنْبِيَاءَ الدَّجَّالِينَ الَّذِينَ يَأْتُونَ إِلَيْكُمْ لابِسِينَ ثِيَابَ الْحُمْلانِ، وَلَكِنَّهُمْ مِنَ الدَّاخِلِ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! 16 مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يُجْنَى مِنَ الشَّوْكِ عِنَبٌ، أَوْ مِنَ الْعُلَّيْقِ تِينٌ؟ 17 هَكَذَا، كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَراً جَيِّداً. أَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيئَةُ، فَإِنَّهَا تُثْمِرُ ثَمَراً رَدِيئاً. 18 لَا يُمْكِنُ أَنْ تُثْمِرَ الشَّجَرَةُ الْجَيِّدَةُ ثَمَراً رَدِيئاً، وَلا الشَّجَرَةُ الرَّدِيئَةُ ثَمَراً جَيِّداً. 19 وَكُلُّ شَجَرَةٍ لَا تُثْمِرُ ثَمَراً جَيِّداً، تُقْطَعُ وَتُطْرَحُ فِي النَّارِ. 20 إِذَنْ مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ.

التلاميذ الحقيقيون والتلاميذ الزائفون

21 لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ، بَلْ مَنْ يَعْمَلُ بِإِرَادَةِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 22 فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَيَقُولُ لِي كَثِيرُونَ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ طَرَدْنَا الشَّيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ عَمِلْنَا مُعْجِزَاتٍ كَثِيرَةً؟ 23 وَلَكِنِّي عِنْدَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! ابْتَعِدُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!

البناء الحكيم والبناء الجاهل

24 فَأَيُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هَذِهِ وَيَعْمَلُ بِها، أُشَبِّهُهُ بِرَجُلٍ حَكِيمٍ بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ، 25 فَنَزَلَتِ الأَمْطَارُ، وَجَرَتِ السُّيُولُ، وَهَبَّتِ الْعَوَاصِفُ، فَضَرَبَتْ ذَلِكَ الْبَيْتَ، فَلَمْ يَسْقُطْ لأَنَّهُ مُؤَسَّسٌ عَلَى الصَّخْرِ. 26 وَأَيُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هَذِهِ وَلا يَعْمَلُ بِها، يُشَبَّهُ بِرَجُلٍ غَبِيٍّ بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ، 27 فَنَزَلَتْ الأَمْطَارُ، وَجَرَتْ السُّيُولُ، وَهَبَّتِ الْعَوَاصِفُ، فَضَرَبَتْ ذَلِكَ الْبَيْتَ، فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيماً».

28 وَلَمَّا أَنْهَى يَسُوعُ هَذَا الْكَلامَ، ذُهِلَتِ الْجُمُوعُ مِنْ تَعْلِيمِهِ، 29 لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَصَاحِبِ سُلْطَانٍ، وَلَيْسَ مِثْلَ كَتَبَتِهِمْ.